محتوى مترجم
المصدر
Open Democracy
التاريخ
2020/4/5
الكاتب
دونا طومسون

يقول تشارلز ديكنز في قصة «مدينتين»:

كانت أفضل الأوقات أسوأها، وكان عصر الحكمة هو نفسه عصر الحماقة، وعصر الإيمان تمام الشك، والنور هو الظلام. كان ربيع الأمل شتاء اليأس. كان لدينا كل شيء ولم يكن لدينا أي شيء.

عطَّل فيروس كورونا حياتنا إلى أقصى درجة، وأعاد ترتيب حياتنا العائلية اليومية فجأة. فقدنا حريتنا في الحركة، لكن ما اكتسبناه كان أكثر أهمية؛ ففجأة، أصبح الاهتمام ببعضنا البعض هو المحور الأساسي للحياة البشرية في جميع أنحاء العالم.

واليوم، لدى مقدمي الرعاية الأسرية دروس مهمة ذات صلة بنا جميعًا، لأن لديهم خبرة في الرعاية المنزلية أثناء العزل الوقائي. ندرج هنا أربعة دروس نعتقد أنها مهمة للغاية.

1. أفراد الأسرة شركاء أساسيون في الرعاية

سيدفع هذا الفيروس معظم الأنظمة الطبية والناس إلى حافة الهاوية وما بعدها، وفي ذلك العاملون في المجال الطبي الشجعان والدؤوبين. ندين بامتناننا العميق واحترامنا للأطباء والممرضات والأخصائيين الطبيين وموظفي خدمات الطوارئ الذين يبذلون بلا كلل من خبراتهم ورعايتهم في الصفوف الأولى لهذه التجربة.

في الوقت نفسه، يجب علينا إعادة النظر في استخدامنا لمصطلح «الصف الأول» لأنه مُتغير. مع تصاعد حالات الإصابة بفيروس كورونا في مرافق الرعاية طويلة الأجل، تتخذ العديد من العائلات -إن أمكن- قرارًا بإبقاء الأقارب أو إخراجهم من تلك المرافق إلى الأمان النسبي في المنزل.

إذن هذه ليست مجرد أزمة طبية، بل حالة طوارئ عامة اجتماعية واقتصادية شاملة للأسرة وتؤثر أيضًا على 40 مليون من مقدمي الرعاية الأسرية، الذين صارت رعايتهم التي تُقدر بمليارات الساعات بدون أجر وغالبًا لا تتم ملاحظتها. كانت القيمة المادية لهذه الرعاية تعادل ما يقدر بـ 470 مليار دولار للاقتصاد الأمريكي لعام 2013.

نعلم من تجارب الصين وإيطاليا أن فيروس كورونا سيسحق أنظمة الرعاية الصحية في أمريكا الشمالية والمملكة المتحدة، خاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية. لذا، يُعتبر مقدمو الرعاية الأسرية شركاء مهمين في تلبية أزمات الرعاية المنزلية وتوظيف المستشفيات.

كما تؤكد الدكتورة «دانييلا لاماس»، طبيبة العناية المركزة، في مقال رأي صدر مؤخرًا في صحيفة نيويورك تايمز:

أثناء الحديث مع إحدى ممرضات العناية المركزة المخصصة لمرضى فيروس كورونا في مستشفانا، في إحدى الليالي الأخيرة، سألتها عن أكثر ما يقلقها، أجابت سريعًا: أن المرضى يموتون وهم وحيدون.

في كندا، ظهر وسم #NotJustaVisitor على تويتر كدعوة واضحة للمستشفيات لإضفاء الطابع الرسمي على دور أفراد الأسرة. يمكن فحص مقدمي الخدمات الأسرية المعينين للعائلة ودعمهم بنفس الطريقة التي يتم بها فحص الأخصائيين الطبيين. بالطبع، يُوفِّر الدعم من أفراد الأسرة لأحبائهم في المستشفى في أفضل الأوقات. هذه هي أسوأ الأوقات، ويمثل مقدمو الرعاية ذوي الخبرة موردًا بشريًّا جاهزًا وقادرًا على الخدمة.

لكن مثل العاملين في المجال الصحي والرعاية، يحتاج هذا الجيش إلى أشكال غير مسبوقة من التدريب والانضباط والحماية في ساحة المعركة ضد فيروس كورونا. أدركت شركة NextStep -مُطلقة تطبيق التدريب على الهاتف المحمول- هذا الاحتياج وأطلقت شهادة تدريب مجانية حول فيروس كورونا لممرضات الصحة المجتمعية وعمال الرعاية المنزلية ومقدمي الرعاية الأسرية. هذا هو الصف الأول الجديد.

الرعاية الأسرية ليست مجرد مجموعة من الإجراءات، بل هي مجموعة من الخطوط المتقاطعة من الاستماع الجيد والبديهة والمواساة التي تتخلل جميع جوانب حياتنا، ما يجعل الفروق السابقة لمقدمي ومتلقي الرعاية صلبة وغير دقيقة. الحاجة إلى الرعاية الأسرية منتشرة وكانت موجودة طوال الوقت. هذه حقيقة ننساها عند تعرضنا للخطر.

2. يتطلب التباعد الجسدي والترابط الاجتماعي خيالًا وهدفًا متجددًا

يجب عدم اعتبار التباعد والتواصل نقيضين، لكنهما مُكملين لاحتياجاتنا الصحية والبدنية والاجتماعية. أصبح «الرسم البياني لنقطة التحول» المعروف الآن والذي يوضح سبب أهمية التباعد الاجتماعي في إبطاء انتشار الفيروس، أصبح، جزءًا من قاموسنا العالمي. الحقيقة التي لا مفر منها هي أن التجارب الاجتماعية مهمة. تعتمد ضرورة «تسوية المنحنى» على العمل الاجتماعي الجماعي والمنسق.

لكن العمل الاجتماعي الجماعي ليس ضروريًّا فقط في خضم الأزمة. تستحق رعاية المرضى المزمنين وكبار السن وذوي الإعاقة نفس شدة الوعي والعمل الجماعي قبل وأثناء وبعد ذلك، رغم أن هذه التجارب غالبًا ما يتم تجاهلها لأنها مهمشة.

الخبر السار هو أن تقديرنا للرعاية والترابط الاجتماعي بدأ ينمو، إذ يكاد يواكب انتشار الفيروس نفسه، بعد أن أصبحت التكنولوجيا هي «صالة مدينتنا» الجديدة. أصبحت حفلات العشاء الافتراضية مع الأصدقاء ودروس اللياقة البدنية واجتماعات العمل وجميع أنواع الترفيه على الإنترنت، أصبحت، شريان حياتنا الفردية والجماعية.

في كندا على سبيل المثال، ظهرت حركة تدعى «Caremongering» ردًّا على التخويف على الإنترنت من فيروس كورونا. تربط مجموعات الفيسبوك المجتمعية الجيران الذين لديهم احتياجات متعلقة بالحجر الصحي مع أولئك الذين يمكنهم تقديم المساعدة.

لكن هناك شيئًا أكثر أهمية في حياتنا اليومية المعزولة جسديًّا؛ ازداد اهتمامنا ببعضنا البعض. بين عشية وضحاها تقريبًا، تحول نظام التشغيل الافتراضي لدينا من «بعيدًا/معًا» إلى «معًا/بعيدًا».

في حياتنا الاستهلاكية المستمرة، يُطلب منا -أو حتى يُتطلب- تكوين صداقات مع العزلة والتخلي عن تعطشنا لخدمة الاختيار الذاتي. ببعدنا عن الأماكن العامة للعمل والترفيه، نحن بصدد إعادة اكتشاف مساحات الحياة الحميمية بطرق لم نتخيلها أبدًا.

3. المجتمع مهم لأن رفاهيتنا الفردية مرهونة برفاهية الآخرين

هذه الأزمة تذكرة بأن فهمنا لقابلية الإصابة يحتاج إلى الديمقراطية. في خضم أي أزمة صحية، نسعى عادة إلى تقييم المخاطر الفردية والعائلية عبر البحث عن أدلة حول كثرة (أو قلة) الذين يجب أن نهتم بهم، بناءً على من هم أكثر عرضة للخطر من الآخرين، كما هو موضح في النسب المئوية والاحتمالات.

بالبحث عن الأشخاص الأكثر عرضة للخطر، لا يسعنا إلا أن نتذكر أن بعض أفراد عائلتنا وأصدقائنا وزملائنا يعانون من أمراض صحية مزمنة. ربما لم يلاحَظ أو يُقدَّر المرض المزمن والعجز وأجهزة المناعة المعرضة للخطر، من قبل، لكن الآن لا يمكن إنكارها أو تجاهلها. في المملكة المتحدة، يعاني 15 مليون شخص من أمراض طويلة الأجل أو مزمنة. في كندا والولايات المتحدة الأمريكية، يتأثر 4.8 مليون و133 مليون شخص -على التوالي- بأمراض مزمنة.

في بعض النواحي، تبدو أزمة فيروس كورونا وخيمة بشكل خاص، لأنها لا تسمح لنا برؤية أنفسنا بعيدين عن المخاطر، حتى لو لم يكن لدينا أي مشاكل صحية. لكن في الحقيقة لم يعد هناك «هُم». ولا يوجد «آخرون». تتضمن «هم» أنت وأنا وعائلاتنا ومجتمعاتنا. ربما يكون «الآخرون» هم «نحن»، لأننا لم يعد بإمكاننا تجاهل نقاط ضعفنا المشتركة. الأزمة هي دعوة للاعتراف بأن جميعنا ضعفاء.

4. رعاية الآخرين أمر جوهري

مع مرور الوقت، تتطلب الرعاية قدرًا أكبر من التسامح للتعايش جنبًا إلى جنب مع الأشخاص والظروف والأمراض، التي لا تخضع لإرادتنا ولا رغبتنا. لذا يجب أن نحذر من أولئك الذين يزعمون أن هذه الأزمة ببساطة هي تحول مؤقت في الطريقة التي نعيش بها حياتنا «الطبيعية».

الرعاية ليست مجرد سلسلة من الأفعال التي سيتم تنظيمها في حالات الطوارئ الصحية العامة، بل طريقة للتواجد مع الآخرين والتفكير حول ترابطنا. لذا، يجب الترحيب بحذر وشك بعبارات مثل «عندما ينتهي هذا» و«عندما يتم ذلك».

الظاهر أن طبيعة الأزمة هي طبية، لكن هناك شيئًا آخر يحدث؛ ظهرت رعاية بعضنا البعض فجأة على أنها قمة النظام القيمي لدينا. في بعض المناطق، لم تكن الأحياء أقوى في أي وقت مضى. ظهرت محاولة النجاة الجماعية من هذا الوباء كما لو كانت الصيغة المعاصرة لتربية الحظائر.

الكثير مما كان مهمًّا قبل فيروس كورونا أصبح أقل أهمية فجأة. لن يكون أي منا كما كان مرة أخرى، ويجب ألا نتوقع ذلك. لكن من الواضح أنه يمكننا إيجاد المغزى في أسوأ الأوقات وكذلك أفضلها، خاصة عندما تكون المعاني التي نعيد اكتشافها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالرعاية. وهذا شيء يجب أن يُلهمنا جميعًا.