بعد عقود طويلة من حكم الفرد الواحد لليبيا، تحولت الدولة إلى ساحة صراع لعدد من الأجنحة والأطراف المسلحة، يحاول كل منها فرض سيطرته، لكن المساحة المترامية الأطراف جعلت من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن يسيطر أحد تلك الأطراف منفردا على الوضع الليبي.


1. ماذا يحدث في ليبيا الآن؟

في ـ17 من فبراير/ شباط من العام 2011، وبعد أيام قليلة من نجاح ثورة 25 يناير في مصر وسقوط نظام الرئيس المصري حسني مبارك،اندلعت الثورة الليبية. وبعد ما يزيد عن شهر من اندلاع الثورة بدأ المشهد يتحول لصراع مسلح بين قوات الجيش والشرطة بأوامر القذافي والثوار، لينفصل على أثر ذلك عدد من قوات الجيش والشرطة وتنضم للمتظاهرين، تبع ذلك تدخل أجنبي بقرارات من مجلس الأمن.

ففي 19 مارس/ أذار من العام 2011، أ علن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في مؤتمر حول الأوضاع بليبيا إقرار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 وبدء الحظر الجوي على ليبيا، بعدة ضربات استهدفت الكتائب المُتمركزة حول مدينة بنغازي.

وسقط حكم القذافي بعد 42 عاماً في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2011، لتبدأ مع ليبيا مرحلة جديدة، ظن البعض أنها ستكون مرحلة إعادة البناء والنهوض، لكن الأوضاع على الأرض كان لها رأي آخر.

بعد ذلك ظهرت الأزمة السياسية في ليبيا بعد انتخاب أعضاء المؤتمر الوطني العام والصراع الذي حدث منذ الأيام الأولى له بين أقوى كتلتين سياسيتين في البلاد؛ وهما جماعة الإخوان المسلمين وتحالف القوى الوطنية بقيادة محمود جبريل، الذي واجه العديد من الأزمات تسببت بعد ذلك في انقسامات أكبر.

وتشهد ليبيا وجود العديد من التنظيمات المسلحة، بعضها قوات نظامية سابقة، مثل «الصواعق» و«القعقاع» التي أسسها وزير الدفاع السابق أسامة جويلي في يناير/ كانون الثاني من عام 2012

في ذات التوقيت أسس رئيس أركان الجيش الوطني يوسف المنقوش «لواء الوسطى» التابع لمدينة مصراتة شرق طرابلس، وكان يضم 14 ألف مسلح أغلبهم من الثوار المحسوبين على التيار الإسلامي، وقد كان تشكيل اللواء ردة فعل لإحداث توازن مع مدينة مصراتة.

هذا بالإضافة إلى جماعة فجر ليبيا وما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، وقبائل الجنوب الليبي، لتكون ليبيا الآن خريطة كبيرة من التنظيمات المسلحة التي تحاول السيطرة على الحكم، ولكل طرف من أطراف النزاع على الحكم في ليبيا اتفقات وتكتلات تضم بعض الأطراف الأخرى تتغير بتغير المصالح.


2. 3 حكومات: فمن يحكم البلاد؟

شهدت الفترة ما بعد حكم القذافي، عدم استقرار نتيجة لانتشار الأسلحة وكثرة الجماعات المسلحة، وهو ما ساهم أيضاً في وجود قوي لتنظيم الدولة الإسلامية« داعش»، كما أن ليبيا الآن أصبحت منقسة لثلاث حكومات، حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج التي تدعمها الأمم المتحدة وكذلك الأنظمة العربية في مقدمتها مصر.

وهي التي تحكم من طرابلس وقد شكلت في فبراير / شباط من عام 2016،واختار تشكيلتها المجلس الرئاسي الليبي، وهو مجلس يضم تسعة أعضاء يمثلون مناطق ليبية مختلفة.

وحكومة الإنقاذ الوطني التي خرجت من رحم المؤتمر الوطني العام، الذي يتكون من مائتي عضو يمثلون مختلف أنحاء ليبيا، وهو نظام قائم على المحاصصة، ويترأسها خليفة الغويل.

وتشكلت تلك الحكومة في أغسطس/أب من العام 2014، وقد سيطرت على غرب وجنوب ليبيا حتي قررت في أبريل/نيسان 2016 مغادرة السلطة وإتاحة المجال لحكومة الوفاق الوطني،لكنها قررت العودة بشكل مفاجئ للمشهد في أكتوبر/ تشرين الأول من نفس العام، ووجه خليفة الغويل من مجمع القصور الرئاسية دعوة لوزراء حكومته وموظفيها بالعودة لمزاولة أعمالهم.

وتبع البيان سيطرة من أنصار حكومة الإنقاذ على مقرات الحكومة في طرابلس، وانشقت قوات الحرس الرئاسي عن حكومة الوفاق الوطني منضمة لحكومة الإنقاذ.

والحكومة الثالثة في ليبيا هي حكومة طبرق التي خرجت من رحم برلمان طبرق، وتوجد بمدينة البيضاء شرقي ليبيا ويترأسها عبدالله الثني، وهي الحكومة التي اختارت دعم اللواء خليفة حفتر، وهو الاسم الذي أصبح له تأثير على الأوضاع في ليبيا بشكل كبير، فقد أعلن سيطرة قواته في فبراير /شباط من العام 2014 على مواقع عسكرية حيوية معلناً تجميد عمل المؤتمر الوطني «البرلمان».

وعلى غرار المشهد المصري أطلق حفتر ما أسماه خريطة الطريق لمستقبل ليبيا،ليتفق كل من خليفة حفتر وفايز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية على حل الأزمة في البلاد برعاية مصرية.


3. كيف أثر التدخل الدولي على المشهد السياسي؟

بالطبع لم يغب التدخل الدولي عن المشهد الليبي، فمنذ اندلاع الثورة الليبية وتدخل قوات التحالف الدولي لحسم الصراع وحتي الآن تظل ليبيا إحدى ساحات الحرب بالوكالة والتدخل المباشر أحيانا بين بعض الدول الكبرى والدول العربية أيضًا.

فقد وجه الطيران المصري في فبراير/شباط من العام 2015 ضربات لمواقع تابعة لـتنظيم الدولة الإسلامية بمدينة درنة، بعد مقتل 21 مصريا على يد عناصر تابعة للتنظيم، وهو ما كررته القوات الأمريكية بضربات لأهداف ليبية في أغسطس/ أب من العام 2016، بمدينة سرت، وهي الأهداف التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية «داعش».

ولم يتوقف الأمر عند التدخل العسكري فقط، ولكن كان لمصر على سبيل المثال دور في المصالحة بين خليفة حفتر قائد الجيش الليبي وفايز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، خلال اللقاء الذي استضافته القاهرة في فبراير/ شباط من العام الجاري.

والذي اعتبرته مصراتة في إطار الجهود التي تقوم بها مصر للمساعدة على تحقيق التوافق بين الليبيين وتسوية الأزمة الليبية بناء على الاتفاق السياسي الليبي الذي تم التوصل إليه برعاية الأمم المتحدة في ديسمبر 2015. ولم تغب المملكة العربية السعودية عن المشهد الليبي، فالسعودية ترى أن ما يجري في ليبيا خطر، ولذلك قررت إلى جانب مصر والإمارات دعم اللواء حفتر.

وفي دراسة لمركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية أوضحت أن دول الجوار كان لها مواقف متفاوتة حول ما يحدث في ليبيا، لكن مصر تبقى الدولة الأكثر تدخلا، بالانحياز بشكل مطلق لطرف بعينه، وهو مشروع عملية الكرامة الذي يقوده الجنرال حفتر.

وهي تسعى جاهدة رفقة الإمارات العربية المتحدة لفرضه وزيرا للدفاع، أو بالحد الأدنى قائدا عاما للجيش الليبي في حكومة الوفاق الوطني أو الاستقلال بإقليم برقة بما يحوي من ثروات نفطية تسعى مصر للسيطرة عليها.

واعتبرت الدراسة الصادرة في يناير/ كانون الثاني، من العام الجاري أن التدخل المصري تحول لمبرر لتدخل الجار الغربي وهو الجزائر، الذي قرر التدخل عبر توغل أمني في الجنوب والغرب الليبيين، ويفرض نفسه كطرف قوي معني بشكل مباشر بالصراع في ليبيا.


4. هل ينتهي الانقسام الليبي قريبا؟

يراهن البعض على أن إعلان القاهرة للمصالحة الصادر في فبراير/ شباط من العام الجاري، قد يكون بداية لإنهاء الصراع في ليبيا، خاصة أنه جاء بعد لقاء مصري جزائري تونسي، جرى في تونس، يؤكد ضرورة الحل السياسي والمصالحة الشاملة في ليبيا، معلنا رفض أي تدخل عسكري خارجي، وهو ما تم برعاية الرئيس التونسي قائد السبسي.

وفي دراسة لمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية يرى الدكتور زياد عقل أن محاولات إنهاء الصراع الدائر في ليبيا منذ عام 2014، قد شهد نشاطا ملحوظا خلال الأشهر القليلة الماضية، وأن مصر لجأت لعدد من التحركات المهمة، شملت الحوار مع ممثلي الكيانات الشرعية في ليبيا، سواء في الشرق أو في الغرب، والحوار مع شيوخ القبائل الليبية، والعمل على تطوير توافق إقليمي مع دول الجوار الليبي (تونس والجزائر بالأساس).

ورغم بريق الأمل لدى البعض، فإن تطورات المشهد تظل قابلة للتغير بين عشية وضحاها، فبرغم وجود دعم من الدب الروسي لخليفة حفتر، وهو استكمال للدعم المصري، فإن أطرافا أخرى في المشهد الليبي قد يكون لها رأي آخر، خاصة أن التعويل على الجانب العسكري، مدعوما من قوى إقليمية وخارجية، دون وضع التيار الإسلامي والقوى الأخرى في المعادلة لن يستطيع الصمود طويلا، وهو ما حذرت منه دراسات أوروبية.

ويظل المشهد الليبي بتعقيداته مفتوحا لجميع الاحتمالات، فالشرق الأوسط، وفي القلب منه ليبيا، تحول لساحة للحرب بالوكالة بين الدول الكبرى، وبين الدول ذات التأثير في المنطقة العربية، ويظل مصير ليبيا مرهونا بتوازنات تلك الدول ومصالحها المتغيرة.

المراجع
  1. 5 نقاط تشرح لك ماذا يحدث فى ليبيا
  2. تسلسل زمني لإحداث الثورة الليبية
  3. ثلاث حكومات تتصارع على الشرعية
  4. إلى أين يتجه الوضع في ليبيا؟
  5. خليفة حفتر
  6. ليبيا التوازنات الداخلية والاجندة الدولية
  7. الدور المصري وفرص التسوية السياسية في ليبيا
  8. كيف نفهم ما يحدث في ليبيا ؟ (1)
  9. قصة التنظيمات المسلحة في ليبيا
  10. كيف ظهرت داعش في ليبيا