محتوى مترجم
المصدر
openDemocracy
التاريخ
2017/10/30
الكاتب
إليزابيث فولكتر
تُخفي التقديرات الحديثة فيما يخص العبودية تحيزاتٍ قاطعة، إلا أنها سوف تُتسخدم لتبرير أفعال «المُنقِذين البيض» لسنوات عدةٍ قادمة.

تنعكس القوة الانفعالية لـ «إحصائيات العبودية» في تقبلها المباشر دون تشكيك في وسائل الإعلام الرئيسية. حيث أصدرت منظمة العمل الدولية ومنظمة Walk Free في سبتمبر/أيلول تقريرًا جديدًا يعلن أن هناك 40 مليون عبد في العالم اليوم. وتناقل العالم الخبر كالتالي: هناك 40 مليون عبد على فيسبوك؛ 40 مليون عبد على تويتر؛ 40 مليون عبد في الواشنطن بوستوالجارديانوالإندبندنتوشبيجلوالجزيرةوهيندو.

وبعيدًا عن تحليل دانيال موجي الذي قدّمه على هذا الموقع، هل قام أحدٌ بتقديم رؤية نقدية لما صدر حول التقديرات العالمية للعبودية الحديثة؟ أو صرّح خلال نقله للمعلومات بالنقد القوي الذي تم توجيهه إلى منهاجية منظمة Walk Free في الماضي؟

لقد كرّست الأمم المتحدة الهدف السابع والثامن من أهداف التنمية المستدامة للقضاء على العبودية الحديثة بحلول عام 2030.وحذّر جاي رايدر (المدير العام لمنظمة العمل الدولية) من أن العالم «لن يكون قادرًا على تحقيق أهداف التنمية المستدامة إن لم يقم بجهود ضخمة من أجل القضاء على هذه المآسي». وأن «هذه التقديرات العالمية الجديدة يمكنها المساعدة في تشكيل وتطوير أشكال من التدخل تمنع السخرة وعمالة الأطفال».

لكن هناك بعض المشكلات في كل هذا. فلا منتجو التقديرات الجديدة ولا من ينقل عنهم يعترفون بالطبيعة الإمبريالية للإحصائيات نفسها، ولا بمدى تأثير التفكير الغربي حصرًا عليها. فالأفراد والمؤسسات المنخرطون فيها يحاولون أن يغضوا الطرف عن صدى أفكار الشاعر البريطاني «روديارد كيبلينج» العنصرية عن «عبء الرجل الأبيض» الكامنة تحت ما قدّموه في عمليات صنع السياسات حولهم. ويكمن التحدي هنا في هدم سردية حركة تحرير العبيد المعاصرة، وإبراز المسحات العنصرية في خطابها؛ أي الإمبريالية الثقافية عبر إلغاء العبودية.


الإمبريالية الثقافية عبر إلغاء العبودية

من السهل التعرف على اللاعبين الرئيسيين في «حركة تحرير العبيد المعاصرة». فمنظمة Walk Free تقدّم نفسها باعتبارها بطل هذه الحركة. تأسست المنظمة عام 2013 على يد عائلة قطب صناعات التعدين «آندرو فورست»، وقامت بتنظيم أول مؤشر عالمي للعبودية (GSI)، ودعمت إصدار الأمم المتحدة الأخير . ويوظف كلا الإصدارين القوة الأخلاقية للفظ «عبودية» لتوليد حالة من الاستياء ضد ما يسميه كُتّابهم «العبودية الحديثة»، ويستخدمون الإحصائيات لتقوية شرعية ادعاءاتهم.

ومع ذلك، تُخفي الأرقام تحيزًا عنصريًا خفيًا. فعلى سبيل المثال، قام مؤشر العبودية العالمي – الذي تصدره منظمة Walk Free بشكل رئيسي – بتصنيف الدول إلى «أفضل» و«أسوأ» في مناهضة العبودية المعاصرة، مع الإشادة بالأولى وإدانة الثانية. ولا غرابة في أن تكون الأفضل هي كل الدول الأوروأمريكية، والأسوأ هي الدول الأفريقية والآسيوية؛ أي في تصنيف يضع الغرب الأبيض باعتباره متفوقًا على غير الغرب من الناحية الأخلاقية.

لكن هذه الرؤية هي – على أقل تقدير – رؤية قاصرة، ولا يمكن تبريرها إلا من خلال انتقاء فقط التطورات التي تؤكدها. فمثلًا، يشيد مؤشر العبودية بتشريعات كتشريع المملكة المتحدة عن العبودية الحديثة، في الوقت الذي يغض فيه الطرف عن الآثار المدمرة لسياسات الهجرة فيها، أو عن آثار النيوليبرالية الغربية على البلدان غير الغربية. ألا يعدُ ذلك صورة كلاسيكية لتبييض الوجوه والإمبريالية الثقافية؟

ويمكننا قول الأمور نفسها عن إلحاق «الزواج القسري وزواج الأطفال» في هذه الدورة الجديدة من التقديرات. فعلى سبيل المثال، إن كان الزواج القسري نوعًا من أنواع العبودية، ماذا عن الأمومة القسرية؟ تُبرز رئيسة الوزراء البريطانية «تيريزا ماي» نفسها باعتبارها تقود الحرب على «العبودية الحديثة»، وأعلنت مرارًا دعمها لهذه التقديرات – وبالتبعية موافقتها على اعتبار الزواج القسري نوعًا من أنواع العبودية المعاصرة – ومع ذلك لا تحرّك ساكنًا تقريبًا في قضية الإجهاض في إيرلندا الشمالية. فما الفارق؟

والأمر نفسه في زواج الأطفال؛ فيُقال بأن العديد من الأطفال – من غير البيض غالبًا – يتم إجبارهم على الزواج، بما يتضمن ذلك من إشارة إلى أن التخلف الثقافي لهذه المجتمعات، والعالم الغربي فقط هو من يقوم بالتدخل ورفع مستواهم وإنقاذهم. فمن سيتدخل إن لم يفعل الغرب؟

لكن في المملكة المتحدة، «الأطفال» فوق سن الـ 16 يمكنهم الزواج طالما وافق آباؤهم، فلماذا لا يتم اعتبارهم ضحايا للعبودية الحديثة و«التخلف الثقافي»!

يتمثل الأمر هنا في أن مرونة لفظ «العبودية» وتطبيقه الانتقائي يؤديان إلى إخفاء علاقات السلطة الكامنة وراء تحديد ماهية المشكلة. ففي هذه الحالة من السهل اكتشاف التحيزات العنصرية والثقافية لدى من يقومون بهذا التصنيف. فالحكومة البريطانية توضّح مواقفها عبر سياساتها في الإجهاض والزواج والهجرة وحق العمل. وتختار منظمة Walk Free ما تجمعه وتقارنه وتعرضه. وتصبح الرسالة التي تقدّمها هذه المواقف هي أن المنقذين البيض لا يُخطئون أبدًا، وخاصةً فيما يخص التعامل مع «الآخرين» الفاسدين والأحط من الناحية الثقافية.


مهمةٌ حضارية جديدة؟

يشيد مؤشر العبودية بتشريعات المملكة المتحدة عن العبودية الحديثة، في الوقت الذي يغض فيه الطرف عن الآثار المدمرة لسياسات الهجرة فيها، أو عن آثار سياسات النيوليبرالية على البلدان غير الغربية.

يبدو إذن أن إحصائيات العبودية الحديثة الأخيرة هذه – في جوهرها – تُمثل ضمنيًا تكليف هذه الثقافات «المتفوقة» بنفس «المهمة الحضارية» التي كلّف بها كيبلنج زملاءه المستعمرين في بدايات القرن العشرين. فلفظ «العبودية» تم تصميمه ليقوم بصدمة ويُسبب حالة من التوتر الأخلاقي في مواجهة حالات الظلم البارزة. لكن أوجه الظلم هذه والاستجابة المناهضة للعبودية تم تصنيفها عرقيًا، مع كون تفوق البيض وانحطاط غيرهم أمرٌ وراثي لا يتغير.

تُبرز رئيسة الوزراء البريطانية «تيريزا ماي» نفسها باعتبارها تقود الحرب على «العبودية الحديثة»، ومع ذلك لا تحرّك ساكنًا تقريبًا في قضية الإجهاض في إيرلندا الشمالية. فما الفارق؟

لذلك، ليس من قبيل المصادفة أن يُنظر إلى الصورة التي تقدّمها حركة تحرير العبيد المعاصرة باعتبارها انعكاسا للصورة الاستعمارية؛ وانعكاسا لصورة أفراد هم ضحايا لمجتمعاتهم، ويجب أن يحررهم المنقذ الأبيض الذي تحرّكه الأخلاق والقيم.

وبالتالي، تكون الدعوات الاختزالية لـ «تحرير العبيد» – استجابةً للإحصائيات الأخيرة – غير قادرةٍ على فهم الكيفية التي تقوم فيها حركة تحرير العبيد المعاصرة باستغلال الأخلاقية الزائفة كسلاح. فهي تسعى لـ «تحضير» الثقافات التي لم تلتزم بالمعايير والتوقعات الأخلاقية الخاصة بأجزاء معينة من الغرب، دون النظر إلى دور الغرب نفسه في خلق اللامساواة والظلم والاستغلال العالمي، أو إلى الفشل المتكرر للغرب نفسه في العيش وفقًا لمُثله التي يدعيها.

وحتى يتم الاعتراف بهذه العوامل والعلاقات الأساسية وبناء خريطة جديدة عن الأماكن التي يحدث فيها الاستغلال بالفعل (وبأمر من يحدث)، ستبقى الحرب ضد «العبودية الحديثة»دعوةً فارغةً من المعنى.