تجاهَل المبالغات التي تراها في وسائل الإعلام حول ريادة الأعمال؛
فأغلبها مجرد أكاذيب. نصف هذه الشركات الناشئة
لن يكون لها وجود بعد عام واحد. ركز على بناء شركتك لتظل صامدة.
جولز بيري – مؤسس مشارك ورئيس تنفيذي في The Grommet (منصة لبيع الهدايا والمنتجات المبتكرة التي ينتجها الأفراد والشركات الصغيرة).

ريادة الأعمال ليست رحلة سهلة مليئة بالنجاح والأضواء والشهرة، فالطريق طويل ومحفوف بالتحديات والصعوبات ويحتاج رائد الأعمال إلى الكثير من الصبر والمثابرة ليصل إلى أهدافه. وبعيدًا عن الهالة التي نراها حول رواد الأعمال، فإن ارتكاب الأخطاء والتعلم منها وتذوق مرارة الإخفاق من وقت لآخر أمور لا بد منها في هذه الرحلة. إذا ما تابعنا القصص وراء فشل بعض الشركات الناشئة، نلاحظ وجود بعض الأخطاء الشائعة التي يقع فيها رواد الأعمال.

1. بيت بلا أعمدة: تأسيس شركة تهدف إلى حل مشكلة لا تهم المؤسس

يرى مايكل سيبل – أحد الشركاء في Y Combinator وشريك مؤسس في شركتين ناشئتين هما Twitch وJustin TV –إنه لا يمكن إغفال أهمية شغف المؤسس بالمشكلة التي يسعى إلى حلها بواسطة المنتج أو الخدمة التي يقدمها. فبحكم خبرته التي اكتسبها من خلال عمله في Y Combinator لاحظ أن السبب وراء عدم نجاح العديد من الشركات يكمن في افتقار المؤسسين إلى الحماس والشغف ناحية المشكلات التي يحاولون حلها في شركاتهم الناشئة. فكلما كانت المشكلة التي بُنيت عليها الشركة أو المنتج تهم المؤسس، زاد الدافع لحلها وقدرته على الاستمرار في مواجهة التحديات التي تواجهه في سبيل الوصول إلى هدفه.

هل وجود الشغف شرط أساسي لنجاح الشركة ودونه لن يتحقق النجاح؟

لا، نحن هنا نتحدث عن القاعدة العامة والتي لا بد من وجود استثناءات لها؛ فقد استطاع مؤسسون آخرون تحقيق النجاح دون وجود شغف ناحية المشكلات التي قامت من أجلها شركاتهم وتمكنوا فيما بعد من الانخراط في هذه المشكلات وبدأ شغفهم ينمو ناحيتها.

يقولون «خير الأمور أوسطها»؛ فالشغف مهم، لكن الأهم ألا يبالغ رائد الأعمال في حب فكرته أو رؤيته لكيفية حل المشكلة، لماذا؟

إن المبالغة في حب فكرتك أو رؤيتك قد تجعلك تتجاهل الإشارات التحذيرية التي تشير إلى أن فكرتك أو الخدمة التي تقدمها لا تلاقي القبول المتوقع بين المستخدمين أو أنها لم تنجح في حل مشكلاتهم. فإذا تبين لك أن الفكرة لا تجذب المستخدم فهذا ليس خطؤه، بل خطأك أنت؛ فالمستخدم أو المستهلك يأتي قبل المنتج أو الفكرة، وليس العكس.

2. الرفيق قبل الطريق: إساءة اختيار الشركاء

وفقًا للدراسة التي أجراها ناعوم وزرمان – الأستاذ في جامعة هارفارد – والتي شملت 10 آلاف مؤسس، فإن 65% من الشركات الناشئة ذات الإمكانات العالية تفشل بسبب الخلافات بين الشركاء. هذه النسبة المرتفعة تبرز أهمية التأني في اختيار الشركاء لما له من أثر على نجاح أو فشل الشركة.

هل يمكن بناء شراكة مع شخص لا تعرفه جيدًا؟ 

يُفضل وجود معرفة سابقة مع الشخص الذي تود مشاركته حتى يكون لديك تصور عما إذا كنت ستستطيع العمل معه واجتياز الأوقات الصعبة برفقته، لكن هذا لا ينفي إمكانية تحقيق النجاح مع أشخاص لا تجمعك بهم معرفة سابقة.

إن الطريق إلى بناء شركة ناجحة طويل ومليء بالتحديات، والوقت الذي تقضيه مع شريكك قد يكون أطول من الوقت الذي تمضيه بصحبة أفراد أسرتك. قبل أن تتخذ قرارًا بخصوص مشاركة أحد، قد يكون من المفيد أن تنتبه إلى بعض النقاط:

  • ليس المهم أن يكون شريكك هو الأفضل أو الألمع في مجاله لأن ذلك لا يضمن نجاحكما في العمل ضمن فريق، والأهم أن تكون الشراكة مبنية على رؤية وأهداف مشتركة.
  • كيف تقيم تعامل شريكك المحتمل مع الأخطاء والنزاعات؟
  • هل ينصب اهتمام شريكك في الحصول على راتب مرتفع ومميزات مالية أم بناء منتج أو خدمة جيدة؟ الجانب المادي لا يمكن إغفاله، فالهدف من بناء الشركات هو تحقيق الربح، لكن إن كانت الشركة في مراحلها الأولى فمن الطبيعي أن يوجه التمويل إلى الاستثمار في الشركة.
  • هل تعتقد أن شريكك سوف يكون موجودًا بجانبك في الأوقات الصعبة ويساعدك على النهوض بعد تعثرك، أم أنه سيكون أول من يفكر في الانسحاب عندما تأتي رياح التحديات بما لا تشتهيه سفينتكم؟

3. خطوات غير مدروسة: عدم الاهتمام بدراسة المنافسين

يحتاج رائد الأعمال إلى وجود منافسين. لا أقصد الكثير من المنافسين بحيث يكون السوق مشبعًا، بل وجود قدر كاف من المنافسة بحيث لا يكون أول احتكاك لك مع عملائك هو توعيتهم بمدى احتياجهم للمنتج أو الخدمة التي تقدمها.
هيذر هوهمان – رائدة أعمال تقدم خدمات التوجيه الحياتي للنساء اللاتي يواجهن صعوبات إنجابية، وتقدم بودكاست Beat Infertility تستضيف فيه خبراء في مجال الخصوبة لمساعدة النساء على الإنجاب.

إن الإعجاب المبالغ فيه بفكرة أو منتج قد تجعل رائد الأعمال يرى عدم وجود منافسين له في السوق أو أن منتجه أو خدمته أفضل وأعلى بكثير من المنتجات والخدمات التي يقدمها المنافسون. توجد حالات نادرة قد يخلو فيها السوق من أي منافس؛ وهذا يحدث في حالة ابتكار منتج جديد تمامًا، إلا أن عدم وجود منافسين لا يعني انعدام البدائل لأن المستهلك دائمًا ما يبحث عن بدائل لحل مشكلته. أما الحالة السائدة، فهي وجود منافسين في السوق ينبغي الاهتمام بدراستهم.

تعرف على منافسيك وادرسهم جيدًا

  • ابدأ بإعداد قائمة بالمنافسين وحدد نقاط القوة والضعف في خدماتهم ومنتجاتهم وتعرف على أماكن وجودهم وأسعارهم وآراء عملائهم وسمعتهم في السوق.
  • إذا تفوق عليك أحد المنافسين فهذه ليست نهاية العالم، بل قد تكون فرصة لبداية جديدة؛ حاول معرفة سبب تميز الشركة المنافسة وحدد ما عليك تغييره لتصبح الخيار الأكثر جاذبية للعملاء. استلهم الأفكار من المنافسين وضف إليها بصمتك الخاصة لتتميز عنهم.
  • حضور اللقاءات والفعاليات التي تجمع بين الشركات العاملة في نفس المجال فرصة جيدة لبناء علاقات مع المنافسين.
  • لا تستبعد التعاون مع المنافسين وقت الحاجة. فإذا حصلت على صفقة يصعب عليك تنفيذها وإتمامها وحدك، فلا مانع من تكليف أحد المنافسين ببعض المهام لتتمكن من إتمامها بنجاح.

4. لا تؤجل إطلاق اليوم إلى الغد

مصطلح «الإطلاق» أو Launching له أهمية ورهبة بين رواد الأعمال وقد يثير الخوف في نفوسهم بسبب التوقعات المرتبطة به. عادة ما يكون الإطلاق مرتبطًا في أذهانهم بكتابة المقالات والظهور في بعض وسائل الإعلام، مما يجعلهم يهابون الخطوة ويحاولون تأجيلها لحين تطوير المنتج وظهوره في أفضل صورة. هل تتذكر اليوم الذي أُطلق فيه إنستجرام أو واتس آب أو فيس بوك؟ لا أظن. هذا لأن حدث الإطلاق لا يحظى بأهمية كبيرة بين المستخدمين كما يظن رواد الأعمال.

النسخة الأولى من فيسبوك
النسخة الأولى من فيسبوك
النسخة الأولى من إنستجرام (أندرويد)
النسخة الأولى من إنستجرام (أندرويد)

تغلب على خوفك وأطلق منتجك في أسرع وقت ممكن

يستطيع رائد الأعمال في أغلب الأحيان بناء منتج الحد الأدنى القابل للتطبيق MVP وإطلاقه في أقل من شهر. لا يمكننا بالطبع إغفال بعض الحالات الاستثنائية في القطاعات التي تخضع فيها المنتجات والخدمات لقوانين ولوائح تمنع ظهور الخدمات قبل استيفائها لمتطلبات محددة، مثال: القطاع البنكي، وأيضًا المنتجات الصناعية التي يحتاج تطويرها إلى وقت طويل. أنت تحتاج أن يكون منتجك بين أيدي المستخدمين لتعرف ما إذا كان قادرًا على حل مشكلتهم، فلا تنتظر حتى يصبح منتجك مثاليًا. 

لا ينبغي أن تسير كل الأمور بشكل مثالي لتتمكن من إطلاق منتجك.
ستيفاني كابلان لويس – شريك مؤسس في Her Campus (مجلة نسائية تناقش الموضوعات التي تهم الفتيات في المرحلة الجامعية).

فالمبالغة في العمل على تنفيذ الفكرة قد يعني أنك تضيع وقتك في بناء منتج لا يناسب عملاءك. أنت في أشد الحاجة إلى تقديم منتجك لتتمكن من معرفة آراء العملاء وإجراء التعديلات اللازمة ليصبح المنتج متوافقًا مع احتياجاتهم. الخوف من الفشل أو الرفض شيء طبيعي لكن الاستسلام لهما قد يكون له أثر كبير على تأخر تقدمك.

5. الأرخص ليس الأفضل: تعيين فريق عمل بأقل التكاليف

تعاني أغلب الشركات الناشئة من نقص التمويل مما يدفع أصحابها إلى تعيين أشخاص لا يمتلكون خبرة كافية في مقابل رواتب ضعيفة. قبل أن تقدم على فعل نفس الشيء اسأل نفسك: هل لدى المتقدم خبرة كافية للقيام بالمهام المطلوبة؟ هل لديه الحد الأدنى من المهارات اللازمة؟ هل يمكن الاعتماد عليه؟ إن هذه التكاليف التي تحاول توفيرها على المدى القصير لها تبعات أخرى بعيدة المدى مثل التضحية بجودة المنتج أو الخدمة.

ما تكاليف تعيين موظف بمهارات ضعيفة؟

  • التكلفة المادية: تمثل الرواتب نحو 70% من تكاليف الشركة وتعيين شخص غير مناسب هو إهدار للمال الذي تحاول توفيره في المقام الأول.
  • عبء إداري: وجود موظف غير كفء يضع عبئاً إضافياً على عاتق المديرين، وعندما يحين وقت رحيله واستبداله بآخر، فهذا يعني تكرار مهام التعيين والتدريب مع الموظف الجديد. إن ارتفاع معدل دوران العمالة والأعباء الإدارية الناتجة عنها تؤدي إلى استنزاف طاقة الإدارة وتعطيلها عن مهامها الأساسية.
  • الأثر السلبي على ثقافة الشركة: هل فكرت في التأثير الذي يتركه الموظف ضعيف الأداء على الموظفين المتميزين؟ إن الأداء المنخفض لهذا الموظف يؤثر سلبًا على قدرة الموظفين الآخرين في أداء مهامهم بكفاءة بسبب ضعف أدائه ومع الوقت قد يبدؤون في البحث عن فرص أخرى خارج الشركة.

لا شك أن هناك أخطاء وعثرات أخرى قد يقع فيها رواد الأعمال وأصحاب الشركات، كلٌ بحسب خبرته ومجال عمله. بناء شركة والعمل على شيء أنت شغوف بتحقيقه له متعته الخاصة ويكمن جمال الرحلة الريادية في الوقوف بعد التعثر وتحقيق النجاح بعد مواجهة التحديات والتعلم المستمر من الأخطاء.