كانت وما زالت الرؤى والأحلام لها سطوتها على العقل الجمعي للمسلمين، حيث دائماً ما نجد في التراث الإسلامي ما يشير إلى أهميتها لدى المسلم في حياته اليومية، إما أن تكون مبشرة عن الحياة المستقبلية أو محذرة لما هو قادم.

ينسحب هذا أيضاً على مسار التاريخ الإسلامي وأحداثه، فإذا كنا سمعنا من قبل أن دور الصدفة والغباء كان كبيراً في مسار المعارك والأحداث المصيرية على مدار التاريخ  بحسب إريك دورتشميد في كتابه المهم «دور الصدفة والغباء في تغيير مجرى التاريخ»، فإن دور الأحلام والرؤى لا يقل أهمية في تاريخنا الإسلامي.

1. رؤيا الرسول قبل معركة بدر

كانت معركة بدر أولى المعارك الكبرى في تاريخ المسلمين، فهي المعركة التي ثبتت أقدام المسلمين في المدينة المنورة، وجعلت لهم منعة وشوكة كبيرة في الجزيرة العربية، وباتت قبائل العرب تحسب لهم ألف حساب على الساحة السياسية في الجزيرة.

هذا إضافة إلى أنها المعركة التي قُتل فيها صناديد قريش الذين كانوا دائماً ما يتوعدون المسلمين، والقضاء على الإسلام كلما حانت الفرصة، وهنا باتت المعركة الأهم في تاريخ المسلمين بحق، ولا يوجد دليل أوضح من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام قبيل المعركة

اللَّهمَّ أَنْجِزْ لي ما وَعَدْتَني، اللَّهمَّ إنَّكَ إنْ تُهلِكْ هذهِ العِصابةَ مِن أهلِ الإسلامِ، فلا تُعْبَدُ في الأرضِ أبدًا.

في أحداث المعركة عديد من التفاصيل، لكن ما يهمنا هي رؤيا النبي، عليه الصلاة والسلام، قبيل المعركة، إذ رأى النبي في منامه المشركين في حالة قلة وهو على خلاف الحقيقة، حيث كان عددهم يزيد على الألف بينما كان المسلمون في حالة قلة وعدم استعداد للمعركة لأنهم كانوا لا ينوون الدخول في قتال.

لعل هذه الرؤيا من الله تعالى طمأنة لرسول الله، وهو ما وضح بعد ذلك أن الله أوحى لنبيه في منامه بقلة عدد المشركين حتى لا تهتز صفوف المسلمين في المعركة إذا علموا بكثرة عدد المشركين.

حيث قال الله تعالى:

إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِى مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِى الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ.

وهنا يتضح لنا أن هذه الرؤيا بالفعل كانت سبباً في طمأنة المسلمين ودخولهم المعركة دون خوف ورهبة من العدو الذي كان يفوقهم عدداً وعدة، فغيرت تلك الرؤيا مسار أهم معركة مصيرية في تاريخ الإسلام.

في المقابل؛ وفي نفس السياق التاريخي، نجد أن رؤيا أخرى ترتبط مباشرةً بغزوة بدر، كانت تحذيرية للمشركين بعدم دخولهم المعركة من الأساس، والرجوع إلى مكة من دون الذهاب إلى طريق المدينة المنورة وتحديداً عند بدر خاصة عندما أدرك المشركون أن قافلة أبي سفيان مرتب بسلام.

كانت تلك الرؤيا، التي رواها ابن هشام في السيرة النبوية لجهيم ابن الصلت بن مخرمة بن عبد المطلب بن عبد مناف الذي رأى رؤية عن مصارع كبراء قريش قبيل المعركة، مثل أبو الحكم بن هشام (أبو جهل) وشيبة بن ربيعة وأخوه عتبة وأمية بن خلف.

انتشرت هذه الرؤيا في معسكر المشركين، حتى وصلت إلى مسامع أبو جهل الذي سخر بقوله: «وهذا نبي آخر من بني عبد المطلب» يقصد السخرية من رؤيا جهيم، وربما لو كان أخذها على محمل الجد، لكانت تأجلت المواجهة على الأقل.

2. رؤيا تنقذ قبر النبي

إذا كنا نتحدث عن زمن النبوة، التي تشكل الرؤى جزءًا من فلسفتها لأن الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة كما قال النبي وبشر أصحابه أنها هي الباقية حتى بعد زمنه، فإن الرؤى شكلت أهمية كبيرة في تاريخ المسلمين.

فقد رأى مثلاً الملك العادل نور الدين محمد بن زنكي بن اقسنقر، ملك دمشق وحلب في خضم حربه المتواصلة مع الصليبيين رؤيا فزع منها.

حيث ذكر علي بن أحمد السمهودي في كتابه الشهير «الوفا بأخبار دار المصطفى»، أن الملك العادل نور الدين رأى في سنة 557 هـ / 1162 م، الرسول عليه الصلاة والسلام وكأنه خارج من قبره يستنجد بالأمير ابن زنكي من رجلين، فيفزع الملك العادل من هذه الرؤيا ويرسل من لدنه رسول إلى المدينة المنورة ويحاول البحث عن الغرباء من غير أهل المدينة ويلقي القبض على رجلين كانا يقومان بالتخطيط لسرقة جسد النبي الشريف من قبره.

وقد تبين بعد ذلك من خلال اعتراف الرجلين أنهما من نصارى الفرنج تخفيا في حجاج المغرب وكانت مهمتهما نبش قبر الرسول والسطو على القبر الشريف.

وكانت تلك الرؤيا كما يحكي السمهودي، سبباً في تحصين القبر الشريف بسور من الرصاص وحمايته من أي محاولة مستقبلية من أفعال النصارى الإفرنج للسطو على القبر.

3. الشاذلي ومعركة المنصورة

تعتبر معركة المنصورة 647هــ / 1250م من أهم المعارك في فصول الصراع بين المسلمين والصليبيين، وكانت هذه المرة على أرض المنصورة، وذلك بعد سلسلة من المعارك والهزائم التي مُني بها المسلمون في دمياط، وتوغل القوات الصليبية جنوباً نحو المنصورة في محاولة للوصول إلى القاهرة.

كان الأمر صعبًا، بخاصة وأن الملك الصالح أيوب في مرضه الأخير، ويدير معركة بهذه الأهمية، لا يدري ما ستؤول إليه المعركة المصيرية، وهل مماليكه قادرون فعلاً على التصدي في مثل هذه الظروف.

يموت الملك الصالح، وتدير المعركة جاريته شجر الدر مع قادة المماليك ويصدون غارة صليبية على مدينة المنصورة، في انتظار معركة تالية حاسمة بالقرب من المدينة المحاصرة تقريباً من القوات الصليبية.

في هذه الأثناء اشترك العلماء والمجاهدون المتطوعون في هذه المعركة، ليس فقط في الابتهال لله أو بث الحماسة في قلوب الجند، ولكن بجهادهم الفعلي وكان من هؤلاء أبو الحسن الشاذلي الشيخ المتصوف الكبير.

هنا نبقى مع الشاذلي، الذي رأى رؤيا تبشر الجميع بالنصر على الصليبيين، وقد ذكر هذه الحكاية صاحب كتاب درة الأسرار وتحفة الأبرار لابن الصباغ، الذي حكى أن الشاذلي بات مهموماً في خيمته، فرأى الرسول عليه الصلاة والسلام يقول له لا تهتم كل هذا الهم من أجل الثغر، وعليك بالنصيحة لرأس الأمر.

ليحكي بعدها الشاذلي هذه الرؤيا لقادة الجند، ناصحاً إياهم بالتخطيط الجيد وتعيين من هم أكفاء للقتال، ويبدو أن هذا كان في خضم التخطيط بالفعل للمعركة الحاسمة التي حدثت بعد الغارة الأولى بأيام وكان نتيجتها هزيمة الصليبيين وأسر قائدهم لويس التاسع.

4. شهيد الزلاقة يبشر بالنصر على جند قشتالة

كانت معركة الزلاقة 479هـ / 1086م من المعارك المهمة على أرض الأندلس، وجاءت كرد فعل على دخول قوى جديدة للمسرح الأندلسي وهي قوة المرابطين المغاربة الذين هبوا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أراضي الأندلس.

حيث كان ألفونسو السادس القشتالي يعيث فساداً وطغياناً في الأندلس ويسلط قواته على رقاب ملوك الطوائف ويفرض عليهم جزية مهينة وبات بذلك سيداً على شبه الجزيرة الأيبيرية، حتى استنجد المعتمد بن عباد ملك إشبيلية أكبر ممالك الطوائف بالمرابطين.

هنا قامت القوات المرابطية بنجدة الأندلسيين واتحدوا بالتخطيط لمعركة فاصلة وهي الزلاقة التي باتت بمثابة المنقذ لما تبقى من القوى الإسلامية في الأندلس.

كانت أجواء المعركة حماسية، ويأتي دور الفقهاء والوعاظ في بث الحماسة في الجند عامة والأندلسيين خصوصاً، لأن فئة الجند الأخيرة كانت قد استمرت زمناً من دون قتال أو تدريب حتى صارت خائرة القوى.

هنا يأتي دور الفقيه العابد أبي العباس بن رميلة القرطبي الذي انضم لصفوف العلماء في المعركة، وقد رأى الفقيه رؤيا وبشرى من رسول الله بالنصر في معركة الزلاقة وسقوطه شهيداً.

يخبرنا الدكتور مختار العبادي نقلاً عن مصادر عديدة، منها ابن بشكوال في الصلة، أن أبا العباس رأى رؤيا حق في عشية المعركة، ثم ذهب من فوره لمحلة ابن عباد وخيمته وحكى الرؤيا ثم انتشرت كالنار في الهشيم في معسكر الأندلسيين خائري القوى، فاستبشروا بالنصر وكان ذلك سبباً في حماستهم إلى جانب إخوانهم المرابطين.

انتصر المسلمون في الزلاقة التي كانت قبلة الحياة للأندلس لمدة لا تقل عن 4 قرون، واستشهد أبو العباس بن رميلة بالفعل في هذه المعركة فرحاً محتسباً.

5. ملائكة السماء وعدت يعقوب بالفوز

رؤيا أخرى قبيل معركة حاسمة من أهم معارك الأندلس، وهي معركة الأرك بين قوات الموحدين المسيطرين على الأندلس آنذاك وقوات البرتغال، وذلك في 591 هــ / 1195 م.

كانت هذه المعركة لا تقل أهمية عن الزلاقة، وكانت نتائجها كسر قوات البرتغاليين لحين من الدهر وإنقاذ القواعد الأندلسية سالمة من الغزو والاحتلال، وقاد الخليفة أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي جيوشه من أجل هذا الهدف.

الرؤيا قبيل المعركة هذه المرة من السلطان نفسه وحكاها للشيوخ والفقهاء والوعاظ الذين بثوها في الجند وأيقنوا حينها بالنصر، وكانت دافعاً وحاسماً للانتصار في هذه المعركة المصيرية.

يرى الخليفة ملائكة من السماء السابعة يعطونه رايات خضراء ويبشرونه بالنصر المبين، فأخبر السلطان بهذه الرؤية وأمر الفقهاء ببثها وإخبار الجنود بها للاستبشار والاستعداد النهائي للمعركة، وذلك في ما رواه المؤرخ ابن أبي زرع صاحب روض القرطاس.

ونضيف هنا أن الخليفة الموحدي كان له مكانة روحية كبيرة لدى المغاربة، وقامت الدولة الموحدية بالأساس بهذه المكانة، لذلك فإن هذه البشارة والرؤيا الحق عندما يراها الخليفة لا بد من تحقيقها، وهو ما انتقل معنوياً لجميع الجند الذين اشتركوا في هذه المعركة.