أمضت الكيمياء عامًا زاخرًا بالاكتشافات المثيرة، ما بين اكتمال الصف السابع للجدول الدوري، ومنح جائزة نوبل لأبحاث الماكينات الجزيئية متناهية الصغر. لم يقتصر الأمر على الأحداث الكبيرة فحسب، فقد تم اكتشاف حالة كمومية جديدة لجزيء الماء يتخذ فيه الهيدروجين شكلاً يبدو حلقيًا، ثم تلا ذلك الإعلان الرسمي عن تماثل طبقة الأوزون للشفاء وانحسار الانخفاض في سمك الطبقة المعروف باسم ثقب الأوزون، ثم العثور على الأكسجين في جو كوكب المريخ للمرة الأولى منذ السبعينيات، كما تمكن علم العوامل الحفازة من إرشادنا لطريقة تمكننا من تخفيف أثر ثاني أكسيد الكربون السلبي على الجو.

وفيما تمكنت أبحاث النانو من الإشارة إلى ميكانيكية جديدة محتملة يمكن بها مقاومة البكتيريا المضادة للمضادات الحيوية، كانت المفاجأة الرائعة -بعد مطاردة استمرت لثلاثة عشر عامًا- حين ظهرت أول صور ملونة يتم التقاطها بميكروسكوب إلكتروني منذ اختراع التقنية في عشرينيات القرن الماضي.


الصف السابع يكتمل أخيرًا

http://gty.im/90766481

أعلن اتحاد الكيمياء البحتة والتطبيقية (أيوباك) في مطلع هذا العام عن اكتشاف العناصر الأربعة المتبقية في الصف السابع من الجدول الدوري. رغم كون اكتشاف العناصر الأربعة قد تم في الفترة ما بين عام 2004 و2010، إلا أن الأدلة التي كان يجب توافرها ليتم الإعلان رسميًا عن وجود مثل هذه العناصر شديدة الثقل والتي لا يسمح لها ثباتها إلا بالوجود لجزء من الثانية. لا يتم الاستدلال على مثل هذه العناصر إلا بتحليل نواتج انحلالها «decay»؛ مما جعل الأمر يستغرق وقتًا في مراكمة الأدلة والمشاهدات. في نوفمبر/تشرين الثاني، أعلنت الأيوباك عن الأسماء الرسمية للعناصر، ليحمل العنصر ذو العدد الذري 113 اسم نيهونيوم، ثم يطلق على العنصر 115 اسم موسكوفيوم بينما يسمى العنصر 117 باسم تينيسين، وأخيرًا يطلق على العنصر 118 اسم أوجانيسون.

حملت الأسماء الأربعة إشارة للأماكن التي جرت فيها الأبحاث المؤدية لاكتشاف العناصر. فكان النيهونيوم مشتقًا من اسم اليابان باللغة اليابانية «نيهون»، حيث تم اكتشاف العنصر في مركز ريكين نيشينا لعلوم الجسيمات المسرعة Riken Nishina for accelerator-based science. حمل الموسكوفيوم والتينيسين إشارة لموسكو عاصمة روسيا وتينيسي في الولاية الأمريكية، إذ تضافرت جهود المعهد المشترك للأبحاث النووية بروسيا مع مختبر لورنس ليفرمور القومي بالولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة لمختبرك أوك ريدج الوطني.

أخيرًا، ينضم يوري أوجانيسيان إلى جلين سيبورج ليصبحا الوحيدين اللذين تمت تسمية عناصر باسمهما وهما على قيد الحياة، ليتم تأكيد إطلاق اسم أوجانيسون على العنصر رقم 118 نسبة للعالم الروسي ذي الأصل الأرمني.


جزيء الماء السداسي

كيمياء جزيء ماء
جزيء الماء السداسي

للمادة حالات عديدة يمكن أن تتواجد فيها حسب ما تمليه عليها الظروف من كثافة، طريقة ترتيب جزيئات وبالطبع طاقة. من بين هذه الحالات توجد أربع أساسية يمكن رؤيتها بالعين المجردة في الحياة اليومية؛ وهي الصلب والسائل والغازي والبلازما. بينما توجد عشرات الحالات الأخرى التي تتطلب ظروفًا خاصة وطرق رصد معقدة. من هذه الحالات، توجد حالات كمومية تتعلق بالمادة على المستوى الجزيئي، و يعود السبب في تكوينها لظواهر كمومية أهمها خاصية النفق tunneling.

في العديد من الخامات والصخور، نجد أن الصيغة الكيميائية للخام تحتوي على جزيئات ماء تتواجد داخل البلورة المكونة له. عند النظر في الفراغات نانوية الحجم الموجودة في بلورة خام البيريل Beryl الأخضر الشائع استخدامه حجر كريم، نجد أن كلاً من هذه الفراغات أو القنوات تتسع لجزيء ماء واحد. لكن كيف يدخل جزيء الماء إلى هذه القنوات؟.

ذكرنا خاصية النفق، وهي خاصية تجعل بإمكان الجسيم اختراق حاجز عالٍ دون أن تتوافر لها الطاقة اللازمة لعبوره. تتيح هذه الخاصية لجزيء الماء القفز إلى داخل القنوات النانوية الصغيرة في بلورة البيريل التي تصبح كما لو كانت أقفاصًا سداسية الشكل يدور فيها الجزيء لتصبح كل ذرة من ذراته في ستة أماكن أو مواضع في نفس الوقت. يتحول جزيء الماء القطبي المنحني بهذا السلوك إلى جزيء حلقي غير قطبي تم توزيع شحنته بالتساوي على الهيكل السداسي.تم تأكيد هذه المشاهدات بواسطة تقنية مقياس الأطياف الذي يستخدم مجالات مغناطيسية يصل ترددها إلى تيرا (1012 ) هيرتز.


الأكسجين يعود للظهور

صوفيا
صوفيا – المرصد الطائر

اكتسبت الأبحاث فيما يخص الكوكب الأحمر أهمية قصوى مؤخرًا لتصاعد وتيرة التنقيب في إمكانية استعماره من قبل البشر، بل و الاستعداد الفعلي للرحلة الأولى إلى سطحه. لهذا السبب أصبحت أي معلومة يمكن الحصول عليها عن جو المريخ وتكوينه هي معلومة شديدة الأهمية والحساسية. ولكن لسوء الحظ، وقف الغلاف الجوي للأرض حائلاً بيننا وبين القياسات الدقيقة لمعدلات وجود الأكسجين الذري في غلاف المريخ.

يعوق الغلاف الجوي للأرض القياسات الدقيقة للأطوال الموجية تحت الحمراء المستخدمة في قياس تركيز الأكسجين في طبقة الميزوسفير من غلاف المريخ. تسبب ذلك في جعل المهمتين الأمريكيتين المبعوثتين إلى الكوكب الأحمر فايكنج ومارينر آخر مَن تمكن مِن إجراء هذه القياسات. كان ذلك حتى مايو/أيار من العام الجاري.

يكمن الإنجاز الجديد في كون هذا القياس الجديد هو أول قياس لتركيز الأكسجين يتم إجراؤه من داخل كوكب الأرض. يعود الفضل في ذلك إلى مرصد الستراتوسفير للفلك SOFIA المحمول على طائرة بوينج قادرة على الطيران حتى طبقة الستراتوسفير. هذه الميزة الأخيرة هي ما مكن العلماء من التخلص من التشويش الذي يتسبب فيه بخار الماء الجوي وغيره من الغازات الكثيفة؛ ليصبح رصد الأشعة تحت الحمراء القادمة من غلاف المريخ أكثر وضوحًا وسهولة.

تعطي هذه الأبحاث فكرة عميقة ليس فقط عن بيئة المريخ بل عن تاريخه أيضا. يضمن ذلك للبشرية أن تكون مدركة تمامًا لما يمكن أن تواجه في حال اختارت أن تطأ الكوكب الصخري مستقبليًا أملاً في إيجاد وطن ثانٍ غير الأرض.


سلاح جديد في معترك البشر ضد البكتيريا

السالمونيلا تحت الميكروسكوب الإلكتروني

استطاع باحثو الهندسة الكيميائية والحيوية في جامعة كولورادو بولدر إيجاد طريقة مبتكرة لمقاومة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية كالسلامونيلا و E-Coli والمكورات العنقودية التي تتسبب في موت آلاف المرضى كل عام.

تمتلك جسيمات المعادن النانوية القدرة على قتل الخلايا ولكن دون تمييز؛ أي أنها تقوم بقتل الخلايا غير المرغوب فيها -كالبكتيريا- جمبًا إلى جمب مع خلايا النسيج السليم، مؤدية إلى عواقب وخيمة وآثار جانبية صادمة. كانت مقاربة علماء جامعة كولورادو تتمثل في استخدام النقاط الكمومية Quantum dots التي يمكن التحكم في خواصها عن طريق الطاقة أو الضوء، فيما يعد تطورًا مثيرًا للعلاج الضوئي phototherapy.

يتم التحكم في هذه النقاط الكمومية بواسطة ضوء أو إشعاع يجعلها تنتج جسيمات مشحونة. هذه الجسيمات المشحونة تتحرك طبقًا لجهد الأكسدة والاختزال، لتقوم بمهاجمة الخلايا المراد قتلها دون غيرها موفرة على المريض عناء فقدان خلاياه السليمة أثناء العلاج.


وأخيرًا، ألوان تحت الميكروسكوب الإلكتروني

السلامونيلا تحت الميكروسكوب الالكتروني
السلامونيلا تحت الميكروسكوب الالكتروني

كان الميكروسكوب الإلكتروني مثار رهبة شديدة عند ظهوره لأول مرة، تلك الأداة الضخمة والمعقدة مكنت البشرية من التلصص على مجريات الأمور داخل الخلايا وعلى الذرات، بواسطته تمكن العلماء من رؤية مواد شديدة الصغر بعد تكبيرها لملايين المرات. لكن الصور الملتقطة ظلت تفتقر لعامل هام جدًا؛ الألوان.

لا تعتبر الألوان عاملاً جماليًا فقط، فباستخدامها يمكن تمييز تكوينات مختلفة متلاصقة داخل الخلية أو البلورة المراد استخدامها. فالنظر الدقيق لاختلاف الألوان، بل اختلاف درجة اللون الواحد، قد تكون عاملاً حاسمًا لاكتشاف مكون خفي من مكونات المادة الجاري البحث فيها.

فيما يمكن اعتبار أن نسخًا ملونة من صور الميكروسكوب الإلكتروني قد تم إنتاجها قبل ذلك، إلا أنها جميعًا يعوزها الوضوح resolution المرتفع. أما الآن فتعتمد الطريقة الجديدة في تلوين صور الميكروسكوب الإلكتروني على وحدات صغيرة من مركب DAB أو Diaminobenzidine الحامل لذرات من معدن من عائلة اللانثانيدات (الصف العلوي من المجموعة المستقلة أسفل الجدول الدوري)، ترتبط ببعضها ثم بوحدات DAB أخرى حاملة لذرات معدن لانثانيدي آخر. عند تفاعل شعاع الإلكترونات الآتي من الإلكترون مع العينة، تمتص ذرات المعدنين جزءًا منه، يتم تسجيل قيمته وتحويلها إلى لون بطريقة مشابهة للفلتر المستخدم للتصوير العادي. بهذه الطريقة أمكن تحويل الأبيض والأسود إلى لونين هما الأحمر والأخضر بحيث تتم ترجمة كل عنصر لانثانيدي إلى لون محدد.

قاد البحث المنشور في مجلة Cell Chemical Biology والذي تم إجراؤه في معامل جامعة كاليفورنيا سان دييجو مارك إليسمان وروجر تسيين الحائز على جائزة نوبل لعام 2008 لاكتشاف البروتين الفلورسنتي الأخضر

كانت هذه جولة سريعة فيما أضافه عام 2016 لعلم الكيمياء بفروعه، فيما يواصل الباحثون في مختلف بقاع العالم استنطاق الطبيعة ومحاكاتها لخدمة البشرية. وكما تنمو المعرفة عامًا بعد عام، فإننا ننتظر من العام القادم مزيدًا من نفاذ البصيرة إلى أعمق حقائق الطبيعة ومسالكها.