الدماغ البشري من بين أكثر الأشياء المادية تعقيدًا في الكون المرئي.
جيرالد إيدلمان، عالم الأحياء الحاصل على جائزة نوبل في الطب عام 1972

يحتوي الدماغ البشري في المتوسط على نحو 86 مليار خلية عصبية. يمكن لكل خلية عصبية تشكيل الآلاف من الروابط مع الخلايا العصبية الأخرى، لتصل إلى أكثر من 100 تريليون (ألف مليار) من نقاط التشابك العصبي «synapses». أرقام كثيرة مذهلة بداخل دماغك، قد لا يستوعبها دماغك ذاته.

من الغريب أن تفكر في الأمر، لكن أكثر جزء مهم من هويتك هي تلك الكرة المغطاة بالمادة الرمادية التي تنضغط داخل جمجمتك. كل شيء تفهمه عن الكون من حولك، لون السماء، رائحة الزهور، ذلك التقرير الذي لم تكن تفهمه، ولكنك كتبته على أي حال أيام الدراسة في الجامعة، كل هذا يرجع إلى ذلك العضو المعرفي الصغير المفضل لديك. يمكن القول ببساطة إن الإنسان هو دماغ يمشي على قدمين.

لكن لمجرد أنك تفهم كل شيء باستخدام دماغك، لا يعني أنك تفهم كل شيء حول ذلك الدماغ. على الرغم من أن البشر لا يتوقفون لحظة عن استخدامه طوال اليوم، إلا أن هناك الكثير من المفاهيم الخاطئة حول كيفية عمل الدماغ، إلى الحد الذي تنتشر فيه الأساطير، ويتم اعتبارها كحقائق كل يوم تقريبًا. لذا جمعنا لك هنا 5 من أكثر المفاهيم الشائعة الخاطئة حول الدماغ البشري.

1. هل تستخدم نصف الدماغ الأيسر أم الأيمن؟

مفاهيم خاطئة الدماغ البشري
نصف الدماغ الأيسر في مقابل النصف الأيمن

إليك تجربة بسيطة لمعرفة إجابة السؤال: أمسك قلمًا وورقةً، وابدأ بالكتابة، هل تستخدم يدك اليُسرى أم اليُمنى، أيهم اليد الأقوى؟ حسنًا، ابدأ بتدوين الصفات المميزة لديك، هل أنت مبدع وتحب الفن والموسيقى والخيال، أم أنك متفوق في استخدام اللغة والمنطق والعمليات الحسابية؟ تجربة ظريفة بالتأكيد، لكنها لا تعني أي شيء على الإطلاق، ولن تحدد أي نصف من دماغك هو المسيطر، لأنك في الواقع تستخدم كلا النصفين بنفس المقدار.

قد تكون لهذه الأسطورة بعض الجذور التاريخية التي تعود إلى القرن التاسع عشر، عندما اكتشف العلماء أن إصابة أحد جانبي الدماغ تسببت في فقدان قدرات معينة، واكتسب هذا المفهوم شهرةً واسعة في الستينيات من القرن الماضي بناءً على أبحاث العالمين روبرت سبري ومايكل جازانيجا، الحائزين على جائزة نوبل، والتي أظهرت أن نصفي الدماغ الأيمن والأيسر يختصان بأداء مهامٍ مختلفة.

في دراسة أجراها علماء الأعصاب، من جامعة يوتا في الولايات المتحدة عام 2013، حيث قاموا بفحص أدمغة أكثر من 1000 شخص، تتراوح أعمارهم بين 7 و29 عامًا، بينما كانوا يستلقون بهدوء أو يقرؤون، ثم قاسوا العمليات العقلية المحددة التي تحدث على كل جانب من جانبي الدماغ باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي. لتؤكد النتائج التي توصلوا إليها أن الشخص السليم يستخدم نصفي الدماغ بنفس المقدار، ولم يظهر أن هناك نصفًا مهيمنًا.

ومع ذلك، يختلف نشاط الدماغ حسب المهمة التي يقوم بها الشخص؛ على سبيل المثال، تشير دراسة أخرى أجراها الباحثون، من جامعة أوكلاند في نيوزيلندا، إلى أن مراكز اللغة في الدماغ تقع في النصف الأيسر، في حين يختص النصف الأيمن بالتواصل العاطفي واللفظي.

قد لا تمثل هذه الأسطورة أي ضرر يذكر، إلا أن المشاكل تبدأ عندما تتحول إلى نبوءة تحقق ذاتها «self-fulfilling prophecy»؛ على سبيل المثال، عندما يشترك ابنك، البالغ من العمر 12 عامًا، في اختبارات الشخصية على «فيسبوك»، ويخبره أن شخصيته تعتمد على نصف الدماغ الأيمن، لذا فإنه يمتلك موهبة الخيال والفن والإبداع، ويقرر ترك واجباته المدرسية في الرياضيات، لأن الاختبار أظهر أنه ليس جيدًا في الأرقام والمنطق.

أن نحدد شخصياتنا بناءً على الأساطير، ونتصرف على هذا الأساس، وإذا استمر هذا الاعتقاد الخاطئ فسيصبح مدمرًا للشخصية فيما بعد.

2. هل تستخدم 10% فقط من قدرة الدماغ؟

بالتأكيد قد صادفتك تلك المعلومة التي تزعم أن البشر يستخدمون 10% فقط من قدرة الدماغ، أليس كذلك؟ ربما قد تكون أنت ذكرت هذه المعلومة لأحد أصدقائك بعد مشاهدة فيلم «Lucy». من الرائع دائمًا تخيل أن هناك قدرة غامضة بنسبة 90% من القدرة المعرفية والإدراكية لكننا لا نستعملها، وإذا وصلنا إليها، يمكننا أن نفكر بسرعة البرق، ونتعلم 600 لغة جديدة، ونكتسب قوى تحكم مذهلة بعقول الآخرين على غرار البروفيسور تشارلز اكزافير، وربما نأمل فقط في الحصول على الدرجة النهائية في اختبار الرياضيات أو الفيزياء الذي نخشاه.

للأسف، يمكنك التوقف عن ترديد هذه المعلومة الخاطئة تمامًا، فنحن نستخدم بالفعل كل قدراتنا الدماغية في كل يوم. هناك طريقة واضحة نعرف من خلالها أننا نستخدم أكثر بكثير من 10% من قدرة الدماغ في وقت واحد، وهي من خلال التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي «fMRI» وبعض تقنيات تصوير الدماغ الأخرى، حيث تكشف لنا عن مناطق يرتفع فيها نشاط الدماغ نسبيًا في الوقت الحقيقي، كما لا تشير هذه الدراسات إلى أن العديد من مناطق الدماغ تعمل عند أداء حتى أبسط المهام فحسب، مثل مشاهدة فيلم «Lucy»، ولكن يكون النشاط بين هذه المناطق حيوي للغاية كذلك.

3. هل تتدهور حالة دماغك مع التقدم في العمر؟

لا يحتاج الأمر إلى أن تكون عالمًا حتى تدرك أن كبار السن يتعرضون لنسيان بعض الأشياء أحيانًا، سواءً كانوا مصابين بأحد أمراض الشيخوخة العقلية أم لا. ومع ذلك، فإن هذه اللحظات من الارتباك بالتأكيد لا تزيد مع التقدم في العمر، ولا ينبغي أن تؤخذ على كونها دليل أن حالة الدماغ تتدهور كلما تقدم بك العمر.

تنخفض بالفعل بعض القدرات المعرفية تدريجيًا مع الشيخوخة الطبيعية، مثل نسيان بعض مفردات اللغة، وإضافة معلومات جديدة إلى الذاكرة، وسرعة معالجة المعلومات. ولكن غيرها من المهارات تصبح أكثر تطورًا من فترة الشباب؛ يمكن القول إن أدمغة كبار السن تفكر بمعدل أبطأ، ولكن أكثر عمقًا.

على الرغم من أن الخلايا العصبية لا تتواصل بشكل أسرع، إلا أن التغصّنات، التي تستقبل المدخلات، تزداد مع مرور الزمن لتعزز من الاتصالات بين مناطق الدماغ البعيدة، تسمح هذه التغييرات للدماغ أن يصبح أفضل في اكتشاف العلاقات بين المصادر المتنوعة للمعلومات، وينظر إلى الصورة الكبيرة، ويفهم الآثار العالمية لقضايا محددة. ولعل هذا هو أساس مفهوم الحكمة، وكأن مع التقدم في السن يصبح عقلك أفضل في رؤية الغابة بأكملها، بدلًا من رؤية أوراق الأشجار فحسب.

4. هل يختلف دماغ الرجل عن المرأة؟

ربما تكون قرأت أن امتلاكك لدماغ رجل سوف يكسبك المزيد من المال، أو ربما أن دماغ المرأة أفضل في إنجاز عدّة مهام في نفس الوقت. ولكن لا يوجد ما يُسمى بدماغ خاصة بالرجل أو بالمرأة من الأساس. حيث تملك نحو 97% من أدمغة البشر مكونات ذكورية وأنثوية على حد سواء.

في حين أن هناك بعض الاختلافات بين أدمغة الذكور والإناث وقد تستجيب بشكل مختلف لاضطرابات معينة، إلا أن معظم الصور النمطية التي يتكرر ذكرها دائمًا، حول أن «دماغ المرأة من هذا القبيل» أو أن «دماغ الرجال يعمل بهذا الشكل»، ما هي إلا محض افتراضات، وليس لها أساس بيولوجي. هذا لا يغير من حقيقة وجود الاختلافات الأخرى بين الرجل والمرأة، لكنه يوضح أن هذه الاختلافات، مثل الاهتمامات والمسارات الوظيفية وأساليب التواصل وغيرها، ترجع في معظمها إلى العوامل الثقافية، وليس البيولوجية.

5. هل الصداع هو ألم الدماغ؟

مفاهيم خاطئة الدماغ البشري
 

الشعور بالصداع أمر مزعج للغاية، والصداع النصفي أكثر إزعاجًا، لكن وبقدر الألم الذي يسببه هذا الإحساس، إلا أنه في الواقع ليس ألمًا في الدماغ ذاته. لأن هذا العضو الجميل غير قادر على الشعور بالألم، أو أي إحساس آخر؛ حيث لا توجد الألياف التي تنقل الألم «nociceptors» في أنسجة الدماغ. بعبارة أخرى، إذا كنت واعيًا تمامًا أثناء إجراء جراحة على دماغك، فإنك لن تشعر بأي شيء أثناء العملية.

ولكن يختلف الأمر مع الصداع، على الرغم من أن الدماغ لا يملك الألياف التي تنقل الألم، إلا أن هناك أليافًا منها في طبقات الأنسجة المعروفة باسم السحايا، وهي الأم الجافية والأم الحنون «dura and pia»، والتي تشكل درعًا واقية بين الدماغ والجمجمة. في بعض الحالات، يمكن للمواد الكيميائية التي تطلقها الأوعية الدموية بالقرب من هذه الطبقات تنشيط الألياف الناقلة للألم، مما يؤدي إلى الإصابة بالصداع، مثل الصداع النصفي.

في المرة القادمة التي تشاهد فيها فيلم «Lucy»، تأكد من أنك تستخدم أكثر من 10% من قدرة دماغك لمشاهدة الفيلم الذي يخبرك أنك لا تستخدم سوى 10% من قدرة دماغك. أو إذا أخبرك أحد أصدقائك أنه لا يحب العلوم والدراسة لأنه يستخدم نصف دماغه الأيمن، تأكد من أنه يحاول التهرب من المذاكرة والدراسة فحسب.