نردد كثيرًا أو نسمع في نشرات الأخبار تعبير «الأسلحة الكيماوية»، حتى أن سياسيًا عربيًا سابقًا قد أطلق عليه إعلاميًا لقب «علي الكيماوي». مع ذلك، لا يعرف كثير منا، وربما أكثرنا، ماذا نعني بالضبط عندما نقول «سلاح كيماوي»؟ وما الذي يميزه عن «السلاح النووي»؟ ولماذا هو فتّاك إلى حد أن يثير مجرد ذكره الفزع حول العالم؟ وما هي أنواعه وأشكاله؟ وما هو تاريخ استخدامه؟

هذا التقرير هو محاولة للإجابة عن تلك الأسئلة.


1. ماهو السلاح الكيماوي؟

يمكن اعتبار معظم الأسلحة المستخدمة الآن أسلحة تقوم على النشاط والتفاعل الكيميائي، فالمتفجرات من نوعية TNT والبارود وغيرها تعتمد في إطلاقها على تفاعل كيميائي. مع هذا فإن مصطلح «السلاح الكيماوي» يحمل معنى مختلفًا جذريًا.

يطلق مصطلح سلاح كيماوي تحديدًا على الأسلحة التي تستخدم السموم والآثار السمية للمواد الكيميائية مباشرة لإحداث الضرر على نطاق واسع. نقول واسعًا لأن هذه الخاصية هي التي صنعت الفارق الحقيقي بين استخدام الحضارات القديمة لرؤوس الحربة والسهام المسمومة وبين تسميم جبهات كاملة. ومع سهولة إنتاج السلاح الكيماوي وقابليته الشديدة للانتشار بحيث يستطيع 15 طنًا منه فقط قتل 50% من البشر في مساحة 60 كيلومتر مربع، تجد أنه من أعلى الأسلحة كفاءة في تاريخ البشرية.

تسمى هذه النوعية من الأسلحة «الأسلحة الغازية» رغم أنها قد تكون سائلة أو حتى صلبة أحيانًا، وجميعها تستخدم البيئة لإيصال السم لأكبر عدد من الضحايا.


2. ما هي خطورة السلاح الكيماوي على البشر؟

تختلف ميكانيكية الأسلحة الكيماوية المتعددة في إحداث الضرر وفي حدة هذا الضرر. ولذا، جرى تقسيمها إلى أربعة أنواع أساسية حسب نوعية الضرر المستهدف على حياة البشر: غازات الاختناق Choking agents التي تستهدف إعاقة عملية التنفس من خلال التسبب في تورم أغشية الجهاز التنفسي لدرجة اختناق الرئة بسوائلها تمامًا لتشبه حالات الغرق، غازات الدم Blood agents التي تستخدم الدورة الدموية في تعطيل أجهزة الجسم، غازات التقرح Blister agents ذات الفعالية طويلة الأمد التي تسبب اهتياج الجلد والأغشية المخاطية في الجسم مع آلام شديدة وقروح وبثرات في مختلف أجزاء الجسم التي قد تتعرض لها[1]، وأخيرًا، بالطبع، غازات الأعصاب Nerve agents التي تؤثر على الجهاز العصبي مباشرة مسببة الوفاة خلال دقائق إلى ساعات من التعرض لها إما كسوائل متطايرة تقتل بالاستنشاق وتسمى G Agents وأخطرها السارين Sarin والسومان Soman والتابون Tabun، أو كمواد أكثر ثباتًا وتقتل بامتصاص الجلد لها وتسمى V Agents ويعد سلاح VX أخطرها.

بعض الغازات تستعمل كأسلحة لكنها لا تسبب الدمار الشامل بالمعنى العام رغم قدرتها على إرداء ضحايا. تعد الغازات المسيلة للدموع من هذه النوعية وتصاحبها الغازات المسببة للهلاوس والذهان Psychomemitic agent.


3. هل للسلاح الكيماوي أثر مستمر على البيئة؟

من المؤكد، وبنطاق واسع. لا تميل الغازات الأكثر تطايرًا للبقاء Persistence لفترات طويلة، وبالتالي فإنها تصبح في الجو في زمن قصير مثل الكلور والفوسجين. من الناحية الأخرى نجد الأسلحة الكيماوية الأكثر ثباتًا والأكثر قسوة في نشاطها تميل للبقاء في البيئة لفترات تصل إلى أسابيع، تتسرب فيها إلى الجلد مثل الخردل و VX.

لا ينحصر أثر السلاح الكيماوي على البشر فقط. للأسف تقضي الأسلحة الكيماوية على الأخضر واليابس حرفيًا. كمثال واضح، أتى الغاز البرتقالي Agent Orange على 15% من الحياة الخضراء في جنوب فيتنام إبان استخدامه على أراضيها في الحرب التي شنتها الولايات المتحدة عليها.


4. ما هي أبرز استخداماته التاريخية؟ وما هو توزيعه الجغرافي التاريخي والحديث؟

لاستخدام السلاح الكيماوي تاريخ طويل يمتد تقريبًا إلى كل حضارة قديمة ممكنة، من حرب البيلوبونيز إلى حروب الهند وحروب الرومان في أسبانيا. مع ذلك، فإن السلاح الكيماوي بتعريفه الحديث بدأ مع ازدهار الصناعات الكيماوية في القرن التاسع عشر خاصة في ألمانيا ومعاهد البوليتيكنيك خاصتها.

في إبريس Ypres البلجيكية، بدأ الألمان حقبة السلاح الكيماوي الذي نعرفه الآن بتفجير حاويات غاز الكلور والاعتماد على الرياح لنقل الغاز السام إلى العدو. تلا هذا الهجوم ضربات أخرى باستخدام الفوسجين والليفيزيت Lewesite حيث تسببت جميعها 1.2 مليون إصابة و100 ألف وفاة.

في الحرب العالمية الثانية، قتل الملايين من المدنيين غير المرغوب فيهم من النازية بواسطة زيكلون بي أو سيانيد الهيدروجين[1].

على الناحية الأخرى من العالم، قتل النظام العراقي 5 آلاف كردي بواسطة غاز الأعصاب. بينما كانت مصر الدولة العربية الأولى التي تحوز كميات من الأسلحة الكيماوية وتقرر استخدامها في اليمن، لم تلبث بقية دول الشرق الأوسط -إيران وإسرائيل وسوريا على وجه الخصوص- في تأمين ترسانتها الخاصة منه. وفي آسيا، تمتلك الكوريتان برامج أسلحة كيماوية بالإضافة للهند وتايوان وباكستان والصين وبالطبع فيتنام، إلا أن كوريا الشمالية تمتلك أكبر مخزون منها في المنطقة إلى الآن.

بالطبع، تمتلك روسيا والولايات المتحدة حصة الأسد رغم المحاولات اليائسة -أو الصورية- لتقييد ما تمتلكانه من سلاح كيماوي بواسطة المعاهدات.


5. ما هي أهم الأسلحة الكيماوية المستخدمة؟

يمكن تقسيم تركيب السلاح الكيماوي إلى عائلات. ففي غازات التقرح تجد عائلة الخردل الشهيرة بمشتقاتها المختلفة المحتوية على الكبريت والنيتروجين بشكل أساسي، والتي تمتلك قدرة عالية على التغلغل في الأغشية والذوبان في مكوناتها بالإضافة لثباتها الكيميائي المرتفع.

أما السيانيد ومركباته من سيانيد الهيدروجين والسيانوجينات، فإنهم يمثلون العائلة الكيميائية الأساسية في الأسلحة التي تستهدف الدم. تتفاعل هذه العائلة مع الهيموجلوبين في الدم ومع إنزيم يدعى Cytochrome Oxidase لتصبح النتيجة النهائية تفريغ الجهاز التنفسي من الأكسجين ومنعه من الوصول للخلايا بشكل عام.

في عائلة الغازات المسببة للاختناق يظل الكلور ومركباته -وأهمها النيترو كلوروفورم- في مقدمة الأسلحة المستخدمة لسهولة تحضيره وانتشاره رغم تراجعه من جبهات الحروب الأكبر لسهولة اكتشافه وإمكان الهروب تبعًا لذلك. يأتي الفوسجين وثنائي الفوسجين في المرتبة التالية. تباشر هذه النوعية من الغازات عملها كما أسلفنا بواسطة تورم الأغشية وتراكم السوائل فيها مسببة الاختناق.

تأتي الأسلحة الكيماوية الأشهر على الإطلاق من قسم غازات الأعصاب. تتربع أسلحة السومان والتابون والسارين على عرش أخطر الأسلحة الكيماوية منذ اكتشاف كل منها في ألمانيا. تبلغ سمية السارين ضعف سمية التابون بينما تقدر سمية السومان بضعف سمية السارين، وكلها غازات تتدخل بشكل مباشر مع نشاط الجهاز العصبي البشري[2].

كانت تلك ببساطة نظرة سريعة على العلامات الهامة في تجربة البشرية مع السلاح الكيماوي. رغم التزام العالم بعدم استخدام هذه الأسلحة وتدمير الترسانات الموجودة منها بالفعل، يظل هذا الأمل المثقل بالاعتبارات السياسية بعيد المنال، خاصة في الشرق الأوسط الملتهب.

المراجع
  1. Kim Coleman-A History of Chemical Warfare-Palgrave Macmillan (2005). Chapters 1-4
  2. Jared Ledgard-A Laboratory History of Chemical Warfare Agents-Jared Ledgard (2006). Sections 1-3