نعتقد أن السائحين الخمسة الذين كانوا على متن الغواصة تيتان المفقودة منذ يوم الأحد قد ماتوا، قلوبنا مع هؤلاء المفقودين الخمسة، ومواساتنا لكل أفراد عائلاتهم في هذه اللحظات العصيبة.
بيان شركة «أوشن جيت».

بهذه الكلمات نعت شركة «أوشن جيت» الأثرياء الخمسة ممن كانوا على متن الغواصة «تيتان»، وذلك في رحلتها التي تنظمها دوريًّا لاكتشاف حطام السفينة التاريخية، «تيتانيك»، والتي غرقت في عام 1917، وأسفر هذا عن مقتل أكثر من 1500 شخص.

واستحوذت القصة على اهتمام واسع من وسائل الإعلام العالمية، والتي تابعت عن كثب جهود قوات خفر السواحل الأمريكية والكندية في البحث عن الغواصة منذ صباح الأحد الماضي، 18 يونيو، وحتى وقت متأخر من ليلة الخميس، 22 يونيو.

في السطور التالية نطرح 5 أسئلة معًا؛ ستشرح لك قصة رحلة الموت التي عاشها السياح الخمسة رفقة الغواصة «تيتان»، وكيفية انفجارها، إلى جانب حقيقة توافر وسائل الأمان بها. 

1. ما هي الشركة المنظمة للرحلة؟

تُعد شركة «أوشن جيت»، وهي شركة أمريكية تأسست عام 2009، ومقرها إيفرت في واشنطن، هي المسئولة عن تنظيم تلك الرحلة، حيث تهدف إلى زيادة الوصول إلى أعماق البحار والمحيطات، ولديها أسطول من 5 غواصات تبحر على عمق 4 آلاف متر تحت الماء.

وتقوم الشركة التي أسسها رجل الأعمال الأمريكي «راش ستوكتون»، على 4 برامج رئيسية هي: اكتشاف المواقع التاريخية، البحث وجمع البيانات حول المناطق العميقة، إلى جانب إنتاج الأفلام والوسائط، ومنصة خاصة لاختبار أعماق البحار.

وبدأت الشركة الأمريكية رحلاتها الخاصة لاستكشاف حطام سفينة «تايتنيك» التاريخية في عام 2021، بتكلفة تبلغ 250 ألف دولار للفرد، ومدتها تحت الماء ساعة و45 دقيقة فقط، على متن الغواصة «تيتان»، والتي صُنعت خصوصًا من ألياف الكربون والتيتانيوم، وتستطيع الإبحار في 50% من محيطات العالم.

أريد أن أُذكر كمبتكر كسر القواعد. انتقاء القواعد التي تخرقها هي تلك التي ستضيف قيمة للآخرين وإلى المجتمع، وهذا حقًّا، بالنسبة لي، يتعلق بالابتكار.
تصريح سابق للمدير التنفيذي للشركة «راش ستوكتون».

2. من كان على متن الغواصة؟

تواجد 5 أشخاص على متن الغواصة في تلك الرحلة، هم: الملياردير البريطاني هيميش هاردينج (58 عامًا)، ورجل الأعمال من أصل باكستاني شاه زاده داود (48 عامًا)، وابنه سليمان (19 عامًا)، إلى جانب عالم المحيطات الفرنسي بول هنرينار جوليت (77 عامًا) والمؤسس والرئيس التنفيذي للشركة راش ستوكتون (61 عامًا).

ويشترك 4 ممن لقوا حتفهم على متن «تيتان» في ثرائهم الملحوظ إلى جانب هوسهم بالمغامرة واكتشاف أعماق البحار، إلا أن أصغرهم سليمان لم يكن كذلك على الإطلاق، حيث تقول عمته إنه كان مرعوبًا من تلك الرحلة، ولكنه ذهب من أجل إرضاء والده، لأنه كان مهوسًا بسفينة «تيتانيك»، على حد قولها.

المفاجأة في تلك القصة أن مقعدي رجل الأعمال ذي الأصول الباكستانية وابنه، كانا مخصصين للملياردير الأمريكي «جاي بلوم» وابنه، وذلك بحسب رسائل نصية نشرها الأخير عبر حسابه على فيسبوك، جمعته مع الرئيس التنفيذي للشركة، والذي حاول إقناعه بالتواجد في تلك الرحلة.

وبحسب الرسائل المنشورة، فإن «راش» قدم عرضًا خاصًّا لـ «بلوم» أطلق عليه عرض اللحظة الأخيرة والمقدر بـ  120 جنيه استرليني للتذكرة الواحدة، إلا أنه رفض في النهاية بسبب ازدحام جدوله خلال العام الجاري، بينما الحقيقة كانت بسبب المخاوف التي عبر عنها الابن لأبيه، بحسب ما قال في منشوره.

أعربت عن مخاوف تتعلق بالسلامة، وأخبرني ستوكتون أنه رغم وجود مخاطر واضحة، فإنها أكثر أمانًا من الطيران في طائرة هليكوبتر أو حتى الغوص، وأنه لم تكن هناك إصابة حتى منذ 35 عامًا في الغواصات غير العسكرية.
«جاي بلوم» عبر حسابه على فيسبوك.

3. ما هو الخط الزمني للأحداث؟

يشير الخط الزمني للقصة إلى أن المغامرين الخمسة بدأوا رحلتهم يوم 16 يونيو/حزيران، من نيوفاوندلاند بكندا، على متن سفينة الدعم «بولر برنس»، ثم بدأوا في دخول الغواصة يوم الأحد 18 يونيو/حزيران، والتي انطلقت من سفينة الدعم، والتي ظلت على السطح.

انقطع الاتصال مع الغواصة في الساعة 11:47 صباحًا من نفس اليوم، الأحد، حيث كان من المتوقع ظهورهم مرة أخرى في 6:10 مساءً، إلا أن اختفاءهم دفع الشركة المالكة للسفينة لإخطار السلطات في تمام الساعة 6:35 مساءً؛ لتبدأ عمليات الإنقاذ.

تكاتفت جهود البحث من قبل خفر السواحل الأمريكية والكندية معًا، والهدف المعلن هو الوصول للغواصة قبل يوم الخميس، نظرًا لأنها كانت مجهزة فقط بـ 96 ساعة من الأكسجين؛ مستخدمة عوامات سونار في الماء على مدار أول 3 أيام على الأقل.

وارتفعت الآمال في إمكانية الوصول للغواصة، حينما أعلن خفر السواحل سماع أصوات ضجيج يوم الثلاثاء الماضي، مشيرين إلى عدم قدرتهم على تحديد مصدر الضجيج وقتها؛ إلا أن تلك الآمال نُسفت تمامًا، بعد إعلان السلطات ظهر الخميس، العثور على حطام الغواصة، ومصرع منْ كانوا على متنها.

4. ماذا حدث للغواصة؟ 

تشير معظم التفسيرات إلى حدوث ما يعرف بـ «الانفجار الداخلي الكارثي»، وذلك بسبب المعطيات التي أعلنت عنها سلطات البحث، حيث لم تتوصل لأي آثار لانفجار الغواصة خلال أيام البحث من الاثنين الماضي وحتى الخميس، كما أنها لم تعثر على أي أشلاء للضحايا الخمس.

وبشكل مبسط، فإن هذا النوع من الانفجار ينتج عن الضغط الهائل الذي تتعرض له الغواصة في الأعماق السحيقة، حيث يصل عمود المياه فوقها إلى ملايين الأطنان؛ لذا تُصمَّم أجسام الغواصات بشكل مخصص لتحمُّل هذا النوع من الضغط.

إذن لماذا انفجرت الغواصة؟ من غير المعروف حتى الآن سبب الانفجار، إلا أن المرجح حدوث تسريب في جسم «تيتان» أدى إلى عدم القدرة على تحمل ضغط المياه الواقع عليها، وبالتالي حدث انفجار داخلي، يقدر العلماء الزمن المستغرق له في غضون جزء من الألف من الثانية.

إن الانهيار الداخلي الكارثي سريع بشكل لا يصدق، ويحدث في غضون جزء من الألف من الثانية. كان من الممكن أن ينهار الأمر برمته، قبل أن يدرك الأفراد في الداخل أن هناك مشكلة.
أيلين ماريا مارتي، الضابطة البحرية السابقة الأستاذة بجامعة فلوريدا الدولية.

5. هل تمتعت الغواصة بوسائل الأمان حقًّا؟

المعطيات السابقة، أعادت المخاوف التي طرحها المدير السابق للعمليات البحرية بالشركة «ديفيد لوكريدج»، قبل 5 سنوات، للواجهة من جديد، والتي تتعلق بسلامة هيكل الغواصة المصنوع من ألياف الكربون وأنظمة أخرى قبل انطلاق رحلتها الأولى في عام 2018، وهو ما تسبَّب في طرده من عمله.

ووثَّق المدير السابق مخاوفه في نقطتين أساسيتين هما: أن ألياف الكربون قد تؤدي إلى خطر حدوث شقوق صغيرة تتوسع إلى تمزقات أكبر أثناء دورة الضغط، كما أن منفذ الرؤية في الطرف الأمامي من الغواصة مصمم لتحمل الضغط على عمق 1300 متر فقط، على الرغم من أن الشركة خططت لنقل السياح إلى أعماق تصل لحوالي 4 آلاف متر.

انتهى الصراع القانوني بين المدير السابق والشركة، عقب التوصل إلى تسوية خارج أسوار المحاكم في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018.
تقارير صحفية.

على جانب آخر، لا يمكن الجزم بأن تلك المخاوف هي ما تسبب بالفعل في غرق السفينة؛ إذ نظَّمت الشركة الرحلة بداية من 2021، ولقد نجحت بالفعل في الوصول إلى حطام «تيتانيك»، ومشاهدتها عن قرب دون أن تحدث أي مشاكل تقنية تتعلق بالسلامة.

وبين ذلك وذاك، فإن الإجابة المطلقة على السؤال السابق، لن تظهر قبل استكمال عمليات البحث من قبل السلطات المختصة، من أجل محاولة تجميع أكبر قدر ممكن من أجزاء الغواصة في الأعماق السحيقة، ومن ثَمَّ إمكانية تفسير ما حدث في تلك الكارثة؛ وهو الأمر الذي يعتبره الخبراء «مهمة صعبة» للغاية في الوقت الحالي.