من أكثر الشكاوى التي تصلني من الأمهات هي الفوضى التي يسببها الأطفال بالمنزل، بالرغم من التوجيه والتشجيع والترغيب والترهيب وكل الأساليب – على حد قولهن – إلا أن الأمر دائمًا خارج عن السيطرة.

لن أتحدث هنا عن موضوع الطاعة وأن الطفل قد لا يكون قادرًا على طاعتك بعد في عدم التسبب بالفوضى نظرًا لسنه الصغيرة، ولن أتحدث عن أن تلك «الفوضى» – كما تسميها أنت – هي ضرورية بالنسبة للطفل لدعم تطوره الطبيعي في السن الصغيرة، لكن حقًا قد لا تكون المشكلة في الطفل أبدًا، بل في البيئة المحيطة به!

إليك خمس قواعد شهيرة من نهج منتسوري قد تساعدك في حل هذه المشكلة في منزلك.


1. كل شيء له مكان، وهناك مكان لكل شيء

هل حدث يومًا أن بحثت كثيرًا عن شيء مألوف مثل جهاز التحكم في التلفاز أو مفاتيح سيارتك ووجدت صعوبة في العثور عليه؟

حسنًا، السبب في تكرر ذلك الموقف هو أن آخر شخص استخدمها لم يتركها في المكان المخصص لها بعد الانتهاء منها، أو أنه لا يوجد مكان مخصص لها من الأساس!

ترك الأشياء في غير الأماكن المخصصة لها هو أحد أهم أسباب الفوضى في المنزل، الألعاب على الأرض، الكوب المستخدم على الطاولة، المنشفة المبتلة على السرير وهلم جرا.

في بيئة منتسوري المصممة بعناية تبدأ دورة العمل بأن يتعرف الطفل على النشاط وهو موجود في مكانه على الرف الذي يتعين عليه إعادته إليه بعد الانتهاء منه، هناك مكان محدد لكل أداة يعرفه الطفل جيدًا بحيث إذا أراد الوصول لها في أي وقت سيجدها فيه، وإذا استخدمها في أي وقت سيعيدها إليه حتى يجدها زملاؤه بسهولة

في المنزل علينا التأكد دائمًا من معرفة طفلنا بهذه الأماكن واستيعابه للعلاقات المكانية بين الأشياء الموجودة في بيئته، الملابس موجودة إما في الدولاب أو سلة الغسيل، الطبق موجود إما على الحوض أو الرف، هذه القواعد يطبقها كل أفراد المنزل وليس الطفل وحسب، ولا نقبل بالحلول الوسط كأن نكتفي بإعادة الكوب على طاولة المطبخ بدلا من الحوض على اعتباره جزءًا من المطبخ، فنحن بذلك ننقل الفوضى من المنزل إلى المطبخ ولا نقوم بحلها.


2. أرفف مفتوحة

بالرغم من تخصيص مكان لكل شيء قد تعم الفوضى أحيانًا، والمشكلة هنا قد تكمن في طريقة العرض أو التخزين، على سبيل المثال دولاب الملابس، إذا اعتمدنا طريقة التخزين الأفقية فهناك احتمال كبير أن ينبعج صف الملابس المرصوص بإحكام عند سحب قطعة منه، الأمر أشبه ببرج من المكعبات إذا سحبنا قطعة من منتصفه فينهار البرج، الانهيارات المتكررة تؤدي إلى الإحباط والاستسلام للتعامل مع وضع البرج المنهار والتخلي عن محاولة بنائه مرة أخرى.

تعرض الطفل للانهيارات المتكررة عند التعامل مع نظام غرفته قد يؤدي إلى إحباطه واستسلامه للفوضى، ولا ينحصر ذلك على دولاب الملابس وحسب، فكرة صندوق الألعاب الكبير الذي يحوي كافة الألعاب بداخله هي فكرة مستهجنة برأيي، فهو شبيه بمثال الكوب الذي ذكرته آنفًا، نحن بذلك لم نحل مشكلة الفوضى بل نقلنا الفوضى من أرض الغرفة إلى الصندوق، أيضًا إذا أراد الطفل إحدى الألعاب المدفونة في قاعه عليه أن يخرج كافة الألعاب الموجودة فوقه، الأمر أشبه بانهيار البرج، إعادة الألعاب مرارًا وتكرارًا أمر محبط وممل يدفع الطفل للاستسلام للفوضى بالنهاية.

في بيئة منتسوري نلاحظ دائمًا وجود الأرفف المكشوفة تزينها بعض الأنشطة الجذابة يستطيع الطفل الوصول إليها وإعادتها لمكانها بسهولة دون إحداث فوضى غير مقصودة، هذا عوضًا عن فائدتها في إثارة انتباه الطفل ليستخدمها نظرًا لتواجدها دائمًا في مرمى بصره بدلا من الصندوق المغلق.

اختر بعض الأرفف المناسبة لحجم الغرفة، على أن يكون طولها مناسبًا لطول طفلك بحيث يستطيع التعامل معها بمفرده، شارك طفلك في اختيار أماكن الأنشطة على الأرفف وتأكد من معرفته لها بمرور الوقت.


3. صينية أو سلة النشاط

صينية النشاط من العلامات المميزة لبيئة منتسوري، فلا يكفي أن نعرض الأدوات كافة على الرف، بل أن يتم تنظيم وتصنيف الأدوات حسب استخدامها، وجمع أدوات النشاط الواحد على صينية أو في سلة واحدة، من ناحية هذا يسهل على الطفل نقل أدوات النشاط من الرف إلى مكان العمل وإعادتها إليه بسهولة ونظام، ومن ناحية أخرى فهي تحافظ على تركيز الطفل بضمان تواجد جميع القطع اللازمة لاتمام النشاط مع الطفل أثناء العمل، فلا يضطر لقطع تركيزه والذهاب للحصول عليها بعد بدء النشاط.

بعض الصواني الخشبية والسلال مختلفة الحجم ستكون إضافة جيدة لتنظيم أرفف الأنشطة في غرفة طفلك.


4. سجادة العمل

تخيل أن عقدًا قد انفرطت حباته في أرجاء الغرفة، مقابل حبات الخرز المنفرطة الموجودة بجانب بعضها في وعاء ما، أيهما أدعى لك لتقوم بلضمها لتعيدها كعقد جميل مرة أخرى؟

الوضع نفسه يحدث مع الطفل، حين تكون الفوضى محددة بمكان ما ذي مساحة صغيرة يسهل عليه التعامل معها وإصلاحها، لكن حين يخرج الأمر عن السيطرة وتتناثر قطع الألعاب في أرجاء الغرفة يرتبك الطفل ظنًا منه أن الأمر يفوق قدرته على التعامل معه ويحجم عن إصلاح الوضع.

في بيئة منتسوري تجد دائمًا بعض السجاجيد الصغيرة التي يستخدمها الأطفال لاحتواء مساحة عملهم على الأرض، تساعدهم هذه السجادة في التركيز أثناء العمل، فمن ناحية يركز الطفل على ألا تخرج أدواته عن مساحته الخاصة، ومن ناحية أخرى هي تصنع حاجزًا واقيًا حول النشاط، فغير مقبول من أي طفل آخر أن يخطو فوقها حتى لا يشتت تركيز زميله، وبالنهاية تركيز الطفل لإعادة الأدوات الموجودة على السجادة لمكانها أسهل كثيرًا من تشتت تركيزه لتنظيم الغرفة بأكملها.

يمكنك اقتناء بعض السجاجيد الصغيرة المناسبة لحجم الأنشطة الموجودة لديك، بالأخذ في الاعتبار اختيار ألوان هادئة وخلفية صماء غير منقوشة لضمان راحة عين الطفل أثناء العمل عليها ودعم تركيزه، قم بتعليم طفلك كيفية لف السجادة وفردها وحملها في دروس عملية يتم تكرارها على فترات إذا احتاج الأمر، وقم بتذكيره دائمًا لاستخدامها قبل الشروع في استخدام النشاط حتى تترسخ هذه العادة لديه.


5- دورة العمل الكاملة

في نهج منتسوري أي نشاط يقوم به الطفل نعتبره عملاً جادًا ذا قيمة وليس مجرد لعب لتمضية الوقت، ذلك أن هذا العمل الذي يستمتع الطفل بتأديته يتطلب من الطفل تركيزًا عاليًا وتحكمًا دقيقًا في عضلاته، وهذا ما نطمح إليه دائمًا مع أطفالنا، دعم تركيزهم واستخدامهم لعقولهم، ودعم تحكمهم الحركي واستخدامهم لعضلاتهم، بذلك يتم تطور شخصياتهم على نحو سليم.

دورة العمل الكاملة في نهج منتسوري تبدأ من اختيار الطفل للنشاط من على الرف، ثم اختيار مكان العمل سواء على طاولة أو على الأرض، والشروع في عمل النشاط حتى نهايته، ثم إعادة النشاط كما كان تمامًا على الرف بنفس ترتيبه وشكله الذي وجده عليه، أحد أسباب الفوضى في غرفة الطفل هو عدم اكتمال دورة العمل غالبًا بسبب إغفال الخطوة الأخيرة بها، ومع تراكم الأدوات أو الأنشطة التي لم تتم إعادتها لمكانها قبل الشروع في استخدام غيرها يتفاقم الوضع ويصعب التعامل معه لاحقًا.

كن قدوة لطفلك بإتمام دورات العمل الخاصة بك، وتأكد من استيعاب طفلك لخطوات دورة العمل، ذكره بها إذا استوجب الأمر، واستمر في المتابعة حتى يكتسب الطفل هذه العادة وتصبح جزءًا من شخصيته.

في نهاية المقال جدير بالذكر التأكيد على أن تلك القواعد لا تعمل كتعويذة سحرية تحول غرفة طفلك لجنة فور تنفيذها، بل يحتاج الأمر لبعض الجهد والصبر والإصرار، كما هو الحال عند محاولة اكتساب عادة حميدة أو نظام صحي يتطلب الأمر بعض الوقت للمس النتائج المرجوة منه، كما أن اعتماد هذه القواعد مع كافة أفراد الأسرة يزيد كثيرًا من فرص نجاحها مع الطفل فلا يحس أنه غريب أو مضطهد باضطراره للالتزام بما لا يلتزم به أبواه وإخوته.

وفي المرة القادمة التي تجدون فيها غرفة طفلكم تعمها الفوضى، فكروا بأننا نربي أطفالنا للمستقبل، فمعاقبة الطفل أو تعنيفه لفظيًا أو جسديًا أو حتى مساومته ماديًا لترتيبها قد يحل المشكلة لحظيًا، لكنه يظلم الطفل بتنشئته مفتقدًا لعادات شخصية هو أحوج لها منا في حياته لاحقًا.