يتداول الناس عشرات الأسئلة والعديد من المخاوف عن الذكاء الاصطناعي. ويتجلى في عالم مواقع التواصل الاجتماعي مئات الأخبار عنه وما سيحدثه من ثورة قادمة في الحضارة الإنسانية والحياة البشرية.

يشوب أغلبية هذه الأخبار خاصة في عالمنا العربي معلومات خاطئة جزئيًا أو كليًا، لذا نستعرض هنا بعض المفاهيم المغلوطة عن الذكاء الاصطناعي وحقيقة الأمر فيها.


1. البعض لا يدرك مفهوم الذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي والمفاهيم الأخرى كتعلم الآلة والتعلم العميق ما هي إلا مصطلحات وكلمات تلخص مختلف الأساليب العلمية والرياضية والهندسية التي يتم استخدامها برمجيًا في مجالات الحوسبة الذكية.

بالتالي الذكاء الاصطناعي هو سمة لآلة من خلالها تقوم هذه الآلة بفعل يحتاج إلى قدر من الذكاء، فيمكننا تعريف الذكاء – بشكل ما – على أنه القدرة على تحقيق هدف في ظل ظروف مختلفة تحدث في البيئة المحيطة؛ لذا فالذكاء الاصطناعي معني بدراسة تصميم مثل هذه الأنظمة الآلية الذكية.

هنا يمكننا لفت الانتباه إلى أن الذكاء الاصطناعي –طبقًا للتعريف السابق- لا يعني مجملاً قدرة الآلة على التعلم، بل في أغلب الأحوال يقوم المبرمجون بكتابة أكواد وخوارزميات تقوم بالفعل الذي يتصف بالذكاء، لتحقق الهدف المرجو في مختلف الظروف، وهذا ما تقوم عليه أغلب الأنظمة الذكية في عالمنا الآن.

على عكس مفهوم تعلم الآلة الذي يهدف إلى جعل الآلة تقوم بأفعال ذكية دون أن يتم برمجتها بشكل صريح للقيام بذلك، إذ يتم توفير أنظمة تمكن الآلة من القدرة على التعلم وتحسين الأداء بشكل مستقل بناء على البيانات دون الحاجة إلى تغيير الكود الخاص بها، لذا يمكنك اعتبار أن الذكاء الاصطناعي هو الهدف العام، ومفهوم تعلم الآلة هو أحد الطرق للوصول إلى هناك.


2. الذكاء الاصطناعي ليس نوعًا واحدًا

هناك نوعان رئيسيان يمكننا بهما وصف الذكاء الاصطناعي، الذكاء الاصطناعي المحدود والذكاء الاصطناعي العام.

يصف الذكاء الاصطناعي المحدود الأنظمة الذكية التي تقوم بمهام محددة دون غيرها سواء كانت مبرمجة سلفًا أو لم يتم برمجتها بشكل صريح للقيام بذلك. فعلى سبيل المثال، الأنظمة التي تقوم بتوصية ببعض المنتجات التي قد تعجبك بناء على ما اشتريته سابقًا، الرد على استفسارات العملاء البسيطة، التنسيق مع أنظمة ذكاء أخرى لحجز غرفة في فندق ما في وقت ومكان مناسبين، كل هذه الأنظمة محدودة في أدائها لمهام معينة ومحددة لا تستطيع أن تعمل خارج هذا النطاق، لذا سميت بذلك الاسم.

أما عن الذكاء الاصطناعي العام فهو شكل مرن من الأنظمة الذكية القادرة على القيام بمهام مختلفة إلى حد كبير، تشبه في ذلك البشر، فمثلاً يمكنها التفكير في مجموعة واسعة ومختلفة من المواضيع بناءً على خبراته المتراكمة. يشيع هذا النوع من الذكاء بكثرة في الأفلام السينمائية وهي غير موجودة في حياتنا الآن، ويختلف خبراء الذكاء الاصطناعي حول العالم في متى يمكن أن يصبح الأمر حقيقة وأمرًا واقعًا.


3. لن نقوم بصنع ذكاء اصطناعي يفوق ذكاء البشر

نشهد حاليًا وجود أنظمة ذكاء اصطناعي تفوق البشر قدرة وذكاءً في أداء العديد من المهمات، هذه المهمات التي اعتدنا أن نشاهد بشرًا يقومون بأدائها، لكننا صرنا نرى الآلات الذكية تقوم بهذه المهمات على أكمل وجه.

شاهدنا سابقًا أنظمة ذكية تتغلب علينا في ألعاب مختلفة كالشطرنج و لعبة جو، ونشهد حاليًا سيارات ذاتية القيادة تبدأ رحلتها في شوارع عواصم بعض الدول كالولايات المتحدة الأمريكية، هذه جميعها أنظمة ذكاء محدود تخطت في ذكائها وقدراتها ذكاء البشر في أداء المهمات الموكلة بها، وخلال سنوات قليلة ستغزو هذه الأنظمة العالم لتحل محل البشر في كثير من الوظائف الحالية وليصبح وجودها أمرًا معتادًا في حياتنا اليومية.

لكن الأمر الأكثر أهمية يكمن في الذكاء الاصطناعي العام، الأنظمة المتعددة المهام كالبشر والتي نراها كتهديد حقيقي لنا. يرى خبراء الذكاء الاصطناعي المتشككون منهم والمتفائلون بأن الذكاء الاصطناعي العام سنراه حقيقة، الأمر فقط متوقف على متى سيحدث ذلك؟ فيرى المتشككون أنه سيحدث خلال قرون ربما، على عكس المتفائلين الذي يرون أنه سيحدث قبل نهاية هذا القرن في أشد الأحوال.

وبدراسة نتجت عن سؤال الكاتب جايمس برات للباحثين ذكرها بكتابه Our last invention: Artificial Intellegence and the End of the Human Era عن متى يمكن أن نشهد ذكاءً اصطناعيًا عامًا مماثلاً للبشر؟ هل سيكون قبل حلول عام 2030، 2050، 2100، بعد عام 2100، أم لن نشهده مطلقا؟ فكانت إجابة 42% من الباحثين والذين شكلوا المجموعة ذات الأغلبية أننا سنشهد هذا الأمر قبل عام 2030.

أحد الأسباب الرئيسية في عدم معرفتنا متى يمكن تحديدًا أن نرى الذكاء الاصطناعي العام هو عدم معرفتنا الكاملة بماذا نعني حقًا بمصطلح «الذكاء»، الأمر الذي يساهم في صعوبة التنبؤ، لكننا بكل الأحوال نعلم أننا سنشهده عاجلاً أم آجلاً.

لذا أحد الأسئلة المهمة للغاية يجب أن يكون عن القيم العليا لدى البشر، كيف يمكن ترسيخ هذه القيم بداخل الآلات؟ وكيف يمكننا أن نتفاوض معهم على أسس هذه القيم؟ ومتى يمكن أن تختلف قيم هذه الأنظمة الذكية بشكل كبير عن القيم الخاصة بنا؟

فكما جادل الفيلسوف «نيك بوستروم» بأنه لا يمكن الافتراض بشكل ما اشتراك هذه الأنظمة الذكية في القيم التي ترتبط بصورة نمطية بالحكمة والنمو الفكري لدى البشر، والاهتمام الصادق بالآخرين، والتنوير الروحي والتأمل، أو المتع البسيطة في الحياة والتواضع ونكران الذات، قد يكون ممكنًا بناء ذكاء يُقدر هذه الأشياء، لكن بالنهاية سيتم بناء ذكاء يضع هذه القيم على لا شيء سوى الكسور العشرية للثابت الرياضي Pi.

يقصد هنا بوستروم أننا لا يمكن أن نصل لذكاء اصطناعي يدرك القيم الإنسانية تمامًا كالبشر، وإن وجدت أنظمة ذكاء تقدر هذه الأشياء فلن تتخطى كونها خورازميات ومعاملات رياضية والتي لن تعادل طريقة إدراك وفهم البشر لها.


4. الذكاء الاصطناعي سيستحوذ على جميع وظائفنا

تنبأ العالمان كارل بيندكت ومايكل اوسبورني في دراسة لهما عن مستقبل الوظائف أن سبعة وأربعين بالمائة من الوظائف ستدار من خلال أنظمة آلية ذكية خلال العقدين المقبلين، فمن المرجح أن الوظائف الروتينية والتي لا تحتاج إلى قدر كبير من التعليم أو التفكير ستصبح من نصيب الآلات، وكذلك المهام التي تتطلب حكمًا غير متحيز أو تحتاج إلى حكم دقيق ستكون أغلبها من نصيب الآلات والأنظمة الذكية مثل اكتشاف الاحتيال والتشخيصات الطبية.

أما على الجانب الآخر، فكان الباحثان دارون أسيموغلو وباسكوال ريستريبو يقومان بحساب الوظائف التي سيتم استبدالها وكم الوظائف التي ستتواجد في المستقبل كنتيجة لوجود الذكاء الاصطناعي. يتوقع دارون وباسكوال وجود فرص عمل جديدة والتي ستكون سهلة بالنسبة للعمال ذوي المهارات العالية، إذ إن الوظائف الجديدة ستكون معقدة وغير روتينية وبالتالي ستحتاج إلى مهارات وتعليم عالٍ على الأقل في البداية.

لذا ستحتاج إلى التعلم واكتساب المهارات والعقلية الإبداعية لكي تستطيع اغتنام وظيفة من الوظائف الجديدة. أما بالنسبة للعمال ذوي المهارات المتواضعة، يتوقع الباحثان أنه بمرور الوقت ستظهر وظائف لهم مرة أخرى.


5. الذكاء الاصطناعي سيكون صديقًا للبشر

يخبرنا الفيلسوف كانط أن الذكاء يرتبط بقوة مع الأخلاقيات، وباستعانة عالم الأعصاب ديفيد تشالمرز بهذه الفكرة استنتج أنه بوجود ذكاء اصطناعي خارق سنصل إلى درجة عالية من الأخلاق، لكن هل حقًا الأخلاق ترتبط بالذكاء؟

يجادل أرمسترونج بأن هناك مجرمي حروب أذكياء، كما أن البشر الأذكياء الذين يتصرفون بشكل غير أخلاقي لديهم القدرة على إحداث الألم بشكل أكبر بكثير من البشر الأقل ذكاءً، بالتالي فالعلاقة بين الذكاء والأخلاق لدى البشر غير موجودة، ومن المستبعد أن تتواجد في أي أشكال أو أنظمة أخرى تتسم بالذكاء.

لا يعني بذلك أن الآلات ستصبح عدوًا لنا وتقوم بإطاحتنا، الذكاء لا يعني الشعور لا بالحب ولا بالكره، لكن كما وضح خبير الذكاء الاصطناعي إليعازر يودكوفسكي أننا كبشر يمكن أن تشاهدنا هذه الآلات بطريقة تجعلها تستخدمنا في أشياء أخرى.

في النهاية، لا نعرف هل سيكون تطوير أنظمة وآلات ذات ذكاء اصطناعي عام وخارق آخر اختراعاتنا كبشر أم لا؟ فربما إن وصلنا لهذه المرحلة ستتمكن هذه الأنظمة من تطوير أشياء أكثر ذكاءً لنكون نحن الأقل كآلات بيولوجية على سلم الذكاء، وربما يتطور ذكاؤنا بنفس القدر من خلال سعينا في تطوير قدرات البشر بدمج أنظمة آلية به، أو إحداث طفرات بيولوجية لنتمكن حينها من التأكد من استمرارية مفتاح السيطرة بأيدينا.