في الـ 31 من ديسمبر/ كانون الأول الماضي تم الإعلان عن أول حالة مشتبه في إصابتها بفيروس كورونا في الصين، حالة من القلق انتابت العالم، ازدادت وتيرتها يومًا تلو الآخر مع انتشار الفيروس عالميًّا وإيقاعه المزيد من الضحايا.

رغم حالة القلق هذه، فإن واقع الحال يشير إلى أن فيروس كورونا ليس الأول من نوعه الذي يغزو العالم، فهناك العديد من الأوبئة التي أثارت القلق والذعر العالمي في القرن العشرين وحصدت أرواحًا أكثر مما حصدته بعض الحروب.

فإذا كانت الحرب العالمية الأولى قد حصدت أرواح 16 مليون شخص، فإن وباءً واحدًا مثل الإنفلونزا الإسبانية قد أودى بحياة ما يتراوح بين 40 و50 مليون إنسان، أي 3 أضعاف قتلى الحرب في الفترة نفسها. بهذا التقرير، يمكننا إلقاء نظرة سريعة على أبرز هذه الأوبئة وتداعياتها.

الإنفلونزا الإسبانية: الوباء الأكثر قسوة من الحرب

كانت البداية في خريف عام 1918، بينما كان العالم يحتفل بانتهاء أكثر الحروب قسوة في التاريخ البشري (الحرب العالمية الأولى) إذ بنوع من الإنفلونزا يبدأ في الظهور والانتشار، بدا الأمر بسيطًا، إنفلونزا موسمية، لكن إنفلونزا هذا العام كانت أكثر من مجرد إنفلونزا معتادة أو نزلة برد.

كانت إنفلونزا مميتة أصابت خمس سكان العالم، توفي بعض ضحاياها في غضون ساعات من ظهور أعراضها الأولى، وتوفي البعض الآخر بعد بضعة أيام فقط. معظم الوفيات كانت بين الشباب في أعمار بين 20 و40 عامًا، على عكس الإنفلونزا المعتادة التي عادة ما تكون قاتلة لكبار السن والأطفال الصغار.

ذلك الحين عجز الأطباء عن إيجاد علاج لها، لم يدركوا أن الفيروسات هي التي تسبب هذا المرض، وكان الطريق أمامهم طويلًا لاكتشاف الأدوية المضادة للفيروسات واللقاحات التي تساعد في التعافي منها. كان ذلك أمرًا طبيعيًّا بالنظر إلى أن الجهود العلمية والطبية كانت موجهة بشكل كبير نحو الحرب التي استمرت 4 سنوات، والآن يجب أن تتحول بكل قوتها إلى مكافحة هذا الوباء الأكثر فتكًا وقسوة من الحرب نفسها.

تم تسجيل أول ضحايا الوباء بالولايات المتحدة، وانتشر سريعًا حتى أصاب أكثر من 25% من سكانها في عام واحد، وأنهى حياة ما يقدر بنحو 675 ألف أمريكي. وفي غضون أشهر قليلة انتقل إلى أوروبا ومختلف دول العالم، ووصلت ضحاياها إلى ما يتراوح بين 40 و50 مليون شخص. استمر الأمر هكذا حتى اختفى خطر الإصابة بالإنفلونزا في صيف عام 1919 بعدما اكتسب معظم المصابين الحصانة وتوفي البعض الآخر.

الإنفلونزا الآسيوية: الأزمة لم تتنهِ بعد

ظهر الوباء في الصين بين عامي 1957 و1958، انتقل بهدوء بين الأطفال، لم يسجل في البداية سوى عدد قليل من الحالات المصابة به، لكن مع بدء السنة الدراسية في صيف 1957 انتشر الوباء سريعًا بين الأطفال في المدارس، وكذلك الأسر في المنازل، وبصفة خاصة الشباب والحوامل.

تنوعت أعراض الوباء بين أعراض بسيطة مثل السعال والحمى الخفيفة، ومضاعفات خطيرة مثل الالتهاب الرئوي. لكن هذه المرة نجح الأطباء في التعرف عليه سريعًا نتيجة اكتسابهم الخبرة من تجربة الإنفلونزا الإسبانية.

في غضون بضعة أشهر من تشخيص الوباء والعمل على مواجهته، بدا أنه قد انتهى وقُضي عليه نهائيًّا، لكن الأمر لم يكن كذلك. فقد ظهرت موجة ثانية من الوباء ولكنها أشد وطأة، استهدفت كبار السن، وانتقلت من الصين إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وسنغافورة ومختلف دول العالم.

تسببت هذه الموجة بارتفاع معدل الوفيات بشكل كبير، فبلغت أكثر من 60 ألف حالة في الولايات المتحدة، ونحو 14 ألف حالة في بريطانيا، واستمرت في التزايد حتى بلغت نحو 4 ملايين حالة وفاة عام 1958 طبقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية.

إنفلونزا هونج كونج: الوباء الأسرع انتشارًا

فقط 10 أعوام هي ما فصلت بين الإنفلونزا الآسيوية وإنفلونزا هونج كونج. ففي يوليو/تموز 1968 بدأت الأخيرة في الظهور في الصين نتيجة لتطور سلالة الإنفلونزا الآسيوية، واستمرت حتى أوائل عام 1970. وبالرغم من أنها ارتبطت بعدد قليل من الوفيات مقارنة بالإنفلونزا الآسيوية، فإن الفيروس كان شديد العدوى، ما سهَّل انتشاره بين دول العالم سريعًا.

فخلال أسبوعين من ظهوره تم الإبلاغ عن 5 ملايين حالة مصابة بالفيروس في جنوب شرق آسيا. وفي غضون عدة أشهر انتشر الفيروس في الصين بأكملها والهند والفلبين وأستراليا، ثم إلى منطقة قناة بنما والولايات المتحدة من خلال الجنود العائدين إلى كاليفورنيا من فيتنام (حرب فيتنام). وبحلول نهاية ديسمبر/كانون الأول 1968، كان الفيروس قد انتشر في جميع أنحاء الولايات المتحدة ووصل إلى بريطانيا ودول أوروبا الغربية، وأوروبا الشرقية واليابان والعديد من الدول في أفريقيا.

كانت أعراض الوباء هي الأعراض المألوفة للإنفلونزا، ولم تكن تستمر سوى بين 4 و6 أيام، وبعدها يتوفى المرضى الذين كان أكثرهم من الرضع وكبار السن. وعلى الرغم من أنه تم تطوير لقاح ضد الفيروس، إلا أنه لم يصبح متاحًا إلا بعد أن وصل الوباء إلى ذروته في جميع أنحاء العالم نهاية عام 1969 وبعد ما تسبب في وفاة ما بين مليون ومليوني شخص.

الإيدز: لا أمل سوى تناول الأدوية طيلة الحياة

ظهر فيروس نقص المناعة (الإيدز) في الثمانينيات وتحديدًا في يونيو/حزيران 1981، بين مجموعة من الرجال المثليين في الولايات المتحدة، حيث تسبب في وفاة 121 أمريكيًّا، واستمر بعد ذلك في الانتشار مسببًا المزيد من الوفيات لتصل إلى 50 ألف حالة كل عام في أمريكا وحدها.

بحلول عام 1983 تفشى الإيدز بشكل كبير بين الرجال والنساء في وسط أفريقيا عن طريق الاتصال الجنسي ومشاركة معدات حقن المخدرات مع الأشخاص المصابين. وصنفه برنامج الأمم المتحدة المعني بنقص المناعة البشرية بأنه الوباء الأكثر فتكًا في العصر الحديث، حيث أصاب نحو 78 مليونًا، وأسفر عن وفاة ما يقرب من 39 مليون شخص حول العالم بعدما أصاب جهازهم المناعي وتركهم عرضة لمختلف الأمراض والعدوى.

في منتصف التسعينيات ظهر أول الأدوية في السوق، والذي يمكن أن يبطئ تطور المرض على الأقل. وعلى الرغم من أنه لم يعد من الأمراض القاتلة اليوم، إلا أنه من الأمراض الخطيرة المزمنة، إذ لم تنجح هذه الأدوية في تخليص المصابين من الفيروس، بل تعمل على وقف تقدمه فقط. ولا يبقى أمام المصابين سوى أمل واحد، وهو تناول هذه الأدوية طيلة حياتهم من أجل السيطرة على الفيروس.

السارس: ما أشبه الليلة بالبارحة

يُعرف علميًّا بالمتلازمة التنفسية الحادَّة الوخيمة، ظهر لأول مرة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2002 بإقليم غوانغدونغ جنوب الصين. وبحلول يونيو/حزيران 2003، كان الفيروس قد أصاب 1511 حالة وتسبب في وفاة 57 حالة بالإقليم.

في الفترة نفسها انتقل الفيروس إلى مختلف المدن والمقاطعات الصينية حيث أصاب 1750 حالة توفي منهم 286 حالة في هونج كونج، ومنها إلى العاصمة بكين وشنغهاي وشانشي وتيانجين وغيرها، حيث بلغ إجمالي الإصابات أكثر من 5 آلاف حالة، ونحو 350 حالة وفاة.

خلال أسابيع قليلة، انتقل الفيروس عبر الحدود، إلى فيتنام وسنغافورة وتايوان وغيرها الكثير من الدولة الآسيوية، حيث تم إخلاء العديد من المناطق التجارية ومراكز التسوق وتأجيل السياحة والسفر. عُزلت الحالات المشتبه فيها في المحاجر الصحية، وبقي كل من يشعر بأعراض تشبه الإنفلونزا داخل منزله، أما من غامر بالخروج فقد ارتدى أقنعة الوجه.

وقد أفاد العديد من التقارير ذلك الوقت أن المسئولين في الصين طالبوا الأطباء بعدم الإعلان عن الحالات الجديدة التي يشتبه في إصابتها بالمرض، لكن مع زيادة الضغط وانتشار الفيروس، اضطرت بكين إلى الإعلان عن الأرقام الحقيقية للمصابين والمتوفين أيضًا.

من خلال تتبع العلماء للفيروس وجدوا أنه انتقل إلى البشر عبر أسواق الثروة الحيوانية في الصين. ونتيجة للتعاون الدولي لمواجهته من خلال عزل الأشخاص المصابين، تم احتواء الفيروس بحلول يوليو/تموز 2003، ولكن بعد أن أصاب أكثر من 8 آلاف شخص وتسبب في وفاة أكثر من 800 شخص حول العالم، طبقًا لما أعلنته الصحة العالمية.

الإيبولا: لا ذنب للصين هذه المرة

أفريقيا وليس الصين هي منبع الفيروس هذه المرة، فبداية ظهوره كانت في السودان والكونغو الديمقراطية عام 1976، في قرية تقع على مقربة من نهر إيبولا الذي اكتسب المرض اسمه منه. وفي ديسمبر/كانون أول 2013، ظهر هذا الوباء مجددًا في غينيا وانتشر إلى ليبيريا وسيراليون المجاورتين، ومنهما إلى نيجيريا والسنغال، حيث تسبب في وفاة نحو 6 آلاف شخص. كما عاد للظهور من جديد عام 2018 في الكونغو الديمقراطية، فأودى بحياة 2200 شخص آخر.

تتراوح فترة حضانة المرض بين يومين و21 يومًا. ولا ينقل الإنسان عدوى المرض حتى يبدي أعراضه، التي يتمثل أولها في الإصابة فجأة بحمى وآلام في العضلات وصداع والتهاب في الحلق، يتبعها تقيؤ وإسهال وظهور طفح جلدي، والإصابة في بعض الحالات بنزيف داخلي وخارجي على حد سواء.

ورغم مرور سنوات طويلة منذ ظهوره لأول مرة، فإنه لا يوجد حتى الآن علاج مرخص ومجرب ضد هذا الفيروس، الأمر الذي تسبب في ارتفاع عدد ضحاياه إلى أكثر من 11 ألف شخص.

ختامًا، يمكن القول إنه بجانب هذه الأوبئة كان هناك أوبئة أخرى اجتاحت العالم وتسببت في موجة من القلق العالمي مثل إنفلونزا الطيور عام 2003 التي تسببت في وفاة 400 إنسان، وإنفلونزا الخنازير عام 2009 وقد خلفت أكثر من 18 ألف حالة وفاة، لكن خطرها كان أقل وطأة وأمكن السيطرة عليه.