ما إن يمرَّ عليك مصطلح «زوجات الرسول» فإن ذهنك سيحيلك تلقائيًّا إلى الأسماء الشهيرة التي حفلت كتب التاريخ بأسمائها كعائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عُمر وخديجة بنت خويلد وغيرهن من النساء اللائي لخّص أسماؤهن هذين البيتين: (فعائشة ميمونة وصفية/ وحفصة تتلوهن هند وزينب … جويرية مع رملة ثم سودة/ ثلاث وست نظمهن مهذب)، هُن مَن اعتدنا الحديث عن قصصهن مع النبي حتى مات وهُن على ذمته حتى بتنا نعتقد أنه لم يقترن إلا بهن.

الحقيقة أن الرسول –في سنوات عُمره الأخيرة- توسّع في زيجاته أملاً في الاقتران بأكبر عددٍ من القبائل العربية البارزة لمد روابط المصاهرة بينها، ولضمان أن تكون عونًا لدولة الإسلام عقب رحيله.

وإزاء هذه السياسة اختلف المؤرخون في تحديد عدد زيجات النبي؛ قيل 20 وقيل أكثر وقيل أقل وسط وقوع اضطراب شديد في أسماء بعض زوجاته غير الشهيرات. فيما حاول البعض التقليل من شأن تلك الزيجات ففرّق بين «أمهات المؤمنين»، وهن النساء الشهيرات اللائي تزدان كُتب التاريخ بمروياتهن، أما غيرهن من المنتسبات لمختلف القبائل العربية فلم تستمر الزيجة بهن لفترة طويلة –على أغلب الأحوال- فتجاهلت كُتب التاريخ التركيز على سيرتهن بعد عدم اعتبارهن «أمهات مؤمنين».

في هذا الموضوع، نستعرض سيرة أبرز تلك الزيجات المجهولة في حياة النبي..

1. شِراف بنت خليفة

بحسب ما ينقل ابن سعد في كتابه «الطبقات الكبرى»، فهي أخت الصحابي الشهير دِحية بن خليفة الكلبي الذي كان يُضرب به المثل في الأناقة حتى رُوي أن جبريل كان يتشبّه للنبي في صورته.

اسمها بالكامل هو شراف بنت خليفة بن فروة الكلبية، أما أمها فهي ليلى بنت خالد بن جابر بن حارثة بن العبيد. عدّها ابن الأثير في كتابه «أُسد الغابة» ضمن الصحابيات، وأفرد لها سيرة ذاتية قصيرة تتناسب مع عدم مرورها بأحداث كثيرة في صحبة النبي.

رُوي أن السيدة عائشة زوجة الرسول حاولت إفساد تلك الزيجة في مرحلة الخطوبة بعدما زارت شراف -ولم يكن النبي قد رآها بعد- فادّعت أن في خدّها عيب يُخيف الناظرين.

لكن يبدو أن هذه الجهود العائشية لم تفلح في صرف أنظار الرسول عن شراف، وقرّر الزواج بها في نهاية الأمر عقب وفاة زوجته خولة بنت الهذيل (ابنة أخت شِراف)، ويبدو أن هذه الوفاة كانت سببًا رئيسيًّا لوقوع الزيجة بسبب حرص النبي على الزواج من كلبية سعيًا لدعم علاقته بتلك القبيلة العربية القوية التي سيطرت على شمال الجزيرة وستكون مفتاح أي استحواذ عربي على الشام حتى بعد وفاة الرسول.

أما عن خولة فكانت تستحقُّ منّي مكانًا منفردًا في قائمة «زوجات النبي المجهولات» لولا أننا نكاد لا نعرف عنها تقريبًا أيَّ شيء؛ فقط أن اسمها بالكامل خولة بنت الهذيل بن هبيرة الثعلبي، أمها هي خرنق (أخت شِراف) بنت خليفة أخت دحية الكلبي.

اللافت في قصة خولة أن الرسول سعى للاقتران بها فماتت خلال طريقها إليه فعقَد على خالتها شِراف فماتت أيضًا في الطريق، وهو ما وضع كلتا المرأتين؛ الخالة وابنة أختها، ضمن قائمة زوجات النبي اللائي لم يدخل بهن، بحسب ما ذكرت كتب التاريخ الإسلامي.

2. مليكة بنت كعب الليثى

يذكر شهاب الدين النويري في كتابه «نهاية الأرب في فنون الأدب»، أن النبي تزوّج بمليكة في رمضان من سنة 8هـ. قتل خالد بن الوليد أباها يوم فتح مكة.

وصفتها المرويات بأنها تمتّعت بـ«جمال بارع»، وهو ما أثار غيرة السيدة عائشة، التي سعت هذه المرة أيضًا لإفساد هذه الزيجة فزارتها سرًا وقالت لها «أما تستحين أن تنكحي قاتل أبيك؟»، وهو ما أثار حفيظة ملكية فاستعاذت من النبي لحظة دخوله عليها فطلّقها.

بينما يقول رفاعة الطهطاوي في كتابه «نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز»، إن النبي لما دخل على مليكة قال لها «هبي لي نفسك»، فاستنكرت قائلة «وهل تهب الملكة نفسها للسوقة؟!»، فسرّحها.

وبحسب النويري فإن أهلها حاولوا مصالحة الرسول وإعادتها لعصمته بدعوى أنها «صغيرة جرى خداعها» إلا أنه أبَى فزوّجوها لأحد أقاربها من بني عذرة.

3. فاطمة بنت الضحاك بن سفيان الكلابي

عرضها والدها على النبي للزواج بها، ولإقناعه بمدى مناسبتها لهذه الخطوة أكد الوالد للرسول أن فاطمة «لم تمرض قطُّ». وبرغم امتناع النبي في بداية الأمر فإنه في النهاية استجاب لكلام الأب وتزوّجها عقب وفاة ابنته زينب أي سنة 8هـ.

ورغم قِلة ما نعرفه عن فاطمة فإنها ارتبطت بواقعة شهيرة في التاريخ الإسلامي، وهي الخلاف الذي وقع بين الرسول وزوجاته بسبب مطالبتهن له بزيادة الإنفاق عليهن، وهو ما أغضبه عليهن فاعتزلهن شهرًا.

ونتيجة لهذه الأحداث نزل قول الله «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا» في سورة الأحزاب. بحسب الحديث الصحيح الوارد عن عائشة فإن الرسول عرض تلك الآية على نسائه بدءًا من عائشة فاخترن جميعًا الله ورسوله.

لكن يبدو أن هذا الإجماع النسوي لم يكن عامًّا على كافة زوجات النبي، فوفقًا لما ذكره ابن رشد الجد في كتابه «المقدمات الممهدات»، فإنه لما عرَض عليها النبي آية التخيير اختارت الدنيا ورفضت استكمال حياتها مع الرسول فطلّقها، وهي الخطوة التي ندمت عليها لاحقًا حتى إنها كانت تردّد أمام الناس «أنا الشقية، اخترتُ الدنيا».

وبعد وفاة النبي، عمّرت فاطمة طويلاً حتى ماتت في سنة 60هـ خلال خلافة معاوية بن أبي سفيان.

4. عالية بنت ظبيان بن عمرو بن عوف

لم تقترن بالنبي كثيرًا، فسرعان ما طلّقها -لم توضّح المرويات لنا سببًا لذلك- وبعد انفصالها عن النبي تزوجت من ابن عمٍ لها فولدت منه، وكان ذلك قبل نزول آية تحريم زواج نساء النبي من رجال آخرين، بحسب ما أورد المتقي الهندي في كتابه «كنز العمال».

بل وفقًا لما نقله الزرقاني في كتابه «المواهب اللدنية بالمنح المحمدية»، فإن النبي طلّق عالية ما إن دخلت عليه، بينما يقدّم لنا الطهطاوي رواية مخالفة يزعم فيها أنها ماتت قبل أن تصل إليه.

5. عمرة بنت يزيد الكلابية

بحسب ما روى ابن حجر العسقلاني في كتابه «الإصابة في تمييز الصحابة»، فإنها كانت متزوّجة من الفضل بن العباس بن عبدالمطلب ولما طلّقها تزوّجها الرسول.

ونقل ابن سعد في كتابه «الطبقات الكبرى»، أن الرسول بعث أبا أسيد الساعدي ليخطب عمرة لنفسه. هذه الزيجة لن تستمر طويلاً، فسرعان ما سيعرف النبي أن بعروسه الجديدة بياضًا (برصًا) فطلّقها قبل أن يدخل بيها.

فيما يقدّم لنا مكي بن أبي طالب نهاية مختلفة أكثر حُزنًا لمصير عمرة بأنها كانت من ضمن نساء النبي اللائي رفضن الاستمرار مع النبي بعد نزول «آية التخيير»، وعقب انفصالها عن النبي أُصيبت بالجنون فخرجت ذات يوم من دار أبيها لرعاية الغنم ولم تعد.

6. قُتيلة بنت قيس

عرَض على الرسول الزواج بها أخوها الأشعث بن قيس سيد قبيلة كِندة اليمنية، بعدما وفد عليه عام 9هـ لمبايعته على الإسلام. في هذا الوقت كان النبي قد غضب على زوجته الكندية -أيضًا- أسماء بنت النعمان وأمر بإرجاعها لأهلها بعدما استعاذت في وجهه لحظة دخوله عليها.

وهي الفرصة التي استغلّها الأشعث ليمدّ وصال القرابة مع الرسول فعرض عليه أن يزوّجه أخته «قتيلة» بدلاً من «أسماء» فوافق النبي وقال له «قد تزوجتها».

رجع الأشعث إلى اليمن وجهّز أخته وبعث بها إلى الرسول، لكن لم يُكتب لها الإقامة في جواره طويلاً فسريعًا ما أصابه المرض الذي أودى بحياته، وبحسب ابن الأثير في «أسد الغابة»، فإن النبي لم يتزوّجها أكثر من شهر واحد.

فور وفاة النبي، أعلن الأشعث رفضه تعيين أبي بكر خليفة، وقال لأصحابه «رجعت العرب إلى ما كانت الآباء تعبُد»، وكان من ضمن مؤيديه في هذه الخطوة أخته قتيلة التي عادت إلى حضرموت فور وفاة النبي وارتدّت عن الإسلام.

لاحقًا، هُزم تمرُّد الأشعث ووأدت جيوش المسلمين خبر فتنته، ليختفي أي خبرٍ عن قتيلة بعدها إلا من مروية واحدة أن الصحابي القرشي عِكرمة بن أبي جهل تزوّجها. أغضبت هذه الخطوة أبو بكر بسبب اقتران عِكرمة بـ«أم مؤمنين» وكاد يقتله لولا تدخُّل عُمر بن الخطاب الذي أكد له أن قتيلة «لم يُضرب عنها الحجاب» ولا تنطبق عليها القواعد التي طُبّقت على باقي نساء النبي.

7. ليلى بنت الخطيم بن عُدي الأنصارية

رسمت كتب التاريخ شخصيتها بشكلٍ سيئ، فهي امرأة غيور سيئة الخُلق. ووفقًا لما رواه النويري في «نهاية الأرب في فنون الأدب»، فإنها قالت لنفسها: والله لآتين محمد ولأهبن نفسي له. وهو ما حدث، فبينما كان الرسول جالسًا مع أصحابه أتت عليه وقالت له «أنا ليلى بنت سيد قومها، وقد وهبت نفسي لك»، فقبلها الرسول زوجةً له.

لاحقًا، حينما رجعت ليلى إلى قومها حذّروها من تلك الخطوة لأنها «ليس لها صبر على الضرائر (باقي زوجات النبي)»، فرجعت إليه وطلبت منه التراجع عن الزواج بها لأنها «طويلة اللسان» فأحلّها من اتفاقهما.

وبحسب ما ذكرت الروايات، فلقد تزوّجت ليلى بعد تلك الواقعة برجلٍ يُدعى مسعود بن أوس وولدت له ولدًا، وعاشت في كنفه حتى هاجمها ذئب في أحد الأيام وقتلها.