ولد عبد الله العروي، نوفمبر 1933، في مدينة أزمور بالمغرب، لعائلة عريقة، ونال الثانوية من مدرسة مولاي يوسف بالرباط قبل أن يسافر إلى فرنسا لينال درجة البكالوريوس من معهد الدراسات السياسية، وقد نال درجة الدكتوراه من السوربون عام 1976 عن أطروحته حول «الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية».

وقد عمل أستاذًا في عدة جامعات أمريكية وفرنسية، كما قام بالتدريس في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس في الرباط، قبل أن يتقاعد منها عام 2000 ليتفرغ للكتابة والتأليف.

اختار العروي اسم «عبد الله الرافضي» لينشر تحته سنة 1964، وهو نص مسرحي بعنوان «رجل الذكرى» ضمن العدد الأول من مجلة الأقلام المغربية، ثم بدأ ينشر باسمه انطلقًا من عام 1967.

عاش العروي تجربة سياسية بدأت في صفوف اليسار، قبل أن يقرر الانصراف عن السياسة متفرغًا للفكر والمعرفة، وإن لم يَحُل ذلك دون قيامه ببعض الأدوار السياسية أحيانًا، فقبل تكليف الملك الحسن الثاني للاتصال باليسار الفرنسي في بداية التسعينات، محاولاً وقف الحملة الإعلامية والسياسية على المغرب.

له عشرات الكتب والمؤلفات بالعربية والفرنسية أبرزها : «الأيديولوجيا العربية المعاصرة»، و«العرب والفكر التاريخي»، و«أزمة المثقفين العرب» و«أصول الوطنية المغربية»، و«مفهوم الآيديولوجيا»، و«من ديوان السياسة».


العروي والنقد الأيديولوجي

غلاف كتاب مفهوم الأيديولوجيا للعروي

أعلن العروي منذ البداية عن هَوَسه بالنقد الأيديولوجي،معتبرًا أن «تمحيص الدعوات الإنقاذية والإصلاحية التي يعجّ بها العالم العربي، عمل نافع لا مفر من إنجازه»، حمل العروي على عاتقه نقد وتمحيص الدعوات الأيدلوجية في العالم العربي، متبعًا ما وصفه بـ«الطريق المعاكس» أي استكشاف ما تحمله الأيديولوجيا في طياتها من إيماءات لبنية اجتماعية جديدة، بعد أن كانت – في نظره – ليست إلا انعكاسًا للبنى الاجتماعية القائمة.

عمل العروي علي نقد الأيديولوجيا العربية المعاصرة، محللاً رؤيتها إلى السياسة والتاريخ، ومخلخلا أسسها ومنطلقاتها الفكرية، ولعله كان يرمي بذلك إلى إيجاد «البنية الذهنية» الحاكمة للإنتاج الفكري في العالم العربي، لقد كان يبحث عن المنطق الضمني الجامع بين مختلف التيارات الأيديولوجية، أي البنية الذهنية الثاوية خلف تلك الواجهات كلها.

ثم يخلص إلى تبيان رؤيته في أن «الماركسية» هي ذلك المنطق الضمني للأيديولوجيا العربية بمختلف توجهاتها، وإن عاب على مثقفي العالم الثالث سطحيتهم في التعاطي مع ماركس.

امتد نقد العروي للأيديولوجيا كذلك إلى الحديث عن مفهوم الأيديولوجيا ذاته، وتبيان تفاعلاته وتشعباته مع مفاهيم أخرى، فكتب «مفهوم الأيديولوجيا» و«مفهوم الحرية» و«مفهوم الدولة»، وتحدث عن «الأيديولوجيا الدولوية» التي تمكن الدولة من اكتساب وإبقاء شرعيتها راسخة ثابتة.

وقد كان يرمي إلى جعل أعماله أداة مفهومية قادرة على مساءلة الإنتاج الأيديولوجي العربي خارج النطاق الثقافوي التقليدي، فالمفاهيم بالنسبة له لا تصدر عن أي نزوع تجريدي، بل إنها تنخرط في «الآلة الفكرية» التي تعمل بالنهاية على مساءلة الواقع الاجتماعي. وإن كان البعض يعيب على العروي نبرته الوثوقية التي يعبر بها عن آرائه ويقيم موقفه.


العروي مؤرخًا

ليست التاريخانيّة مذهبًا فلسفيًّا تأمّليًّا، وإنّما هي موقف أخلاقي يرى في التاريخ، بصفته مجموع الوقائع الإنسانيّة، مخبرًا للأخلاق وبالتالي للسياسة. لا يُعنى التاريخاني بالحقيقة بقدر ما يُعنى بالسلوك، بوقفة الفرد بين الأبطال. التاريخ في نظره، هو معرفة عمليّة أوّلاً وأخيرًا
عبد الله العروي

يقدم العروي نفسه مؤرخًا قبل كل شيء،تشغل الكتابة في التاريخ والتاريخانية حيزًا كبيرًا من متن العروي، فهو صاحب دراسات مرجعية في تاريخ المغرب، «الجذور الاجتماعية والتاريخية للوطنية المغربية»،«مجمل تاريخ المغرب»، «المغرب والحسن الثاني».

ينطلق العروي في تأريخه من وضع قائم، يحلل شروطه، ويضع نصب عينيه فهم تشكّله التاريخي، وسبل الخروج من المأزق، وينطلق إلى تعميم نتائج تحليله أحيانًا، ويظهر في تناوله تصوره للحداثة والتحديث، يدافع العروي عن عقيدته التاريخانية سالفة الذكر في كل مؤلف من مؤلفاته، ويلح دومًا على الوعي التاريخي بوصفه أساس كل تفكير في شأن الحداثة والتحديث.

تحدث العروي عن «قطيعة» مع التراث، ولعله يشير بذلك إلى ضرورة الوعي بقطيعة حدثت بالفعل، بحكم تقدم التاريخ نفسه، والخروج من أفق التراث هذا لا يعني – بالنسبة للعدوي – القفز عليه، أو التنكر لحضوره في الوعي العربي، بل التصدي له بالتحليل والنقد، ولعل هذا ما يفسر إقبال العروي الكثيف على العناية بالتراث دراسة وتحليلا.


العروي «المثقف» في ميدان السياسة

العُروي الذي لم يكف في تحليلاته و كتاباته وحواراته عن مهاجمة المثقفين العرب معتبرًا أن «المسئولية يتحملها المثقف قبل السياسي»، ومتهمًا إياهم بالتقاعس عن «قول ما ينبغي قوله»، قد اتهم من قبل البعض بالوقوع في دائرة «مباركة السلطة».

وتشير الباحثة المغربية هند عروب في دراستها «مثقفون في مزادات السلطة» إلى إشادة العروي بالملك الحسن الثاني، وبوصفه له بأنه كان وراء الدولة التي تم تشييدها في المغرب، بدافع مع «ثقافته» و«عقليته المنهجية» و «عبقريته».

وتجدر هنا الإشارة إلى أن العروي قد أسهم بمقالة في كتاب جماعي صدر عام 1986 بعنوان «بناء دولة معاصرة – مغرب الحسن الثاني»، فضلاً عن كتابه الذي صدر عام 2005 بعنوان «المغرب والحسن الثاني»، ويأخذ الكثيرون على العروي قربه من المؤسسة الملكية في المغرب، ورأى في كتاباته أن تلك المؤسسة كانت السباقة في كافة المجالات، ورائدة التغيير والتحديث في المملكة. كما يؤخذ على الرجل صمته إبان اندلاع الربيع العربي منذ أواخر عام 2010، ورأى أن حراك 20 فبراير في المغرب قد «أخطأ الموعد».

في دراسته الصادرة عن مجلة «تبين» للدراسات الفكرية – العدد الثامن – بعنوان «من بعيد: عبد الله العروي مثقفًا»، يرى الناقد والأكاديمي المغربي «يحيي بن الوليد» أن الدافع وراء تلك مواقف تلك هو المركزية الشديدة لمفهوم «الدولة» في فكر العروي، فهو وإن كان يرفض أن تكون الدولة أداة في يد النظام يوظفها كيفما يشاء، إلا أنه يرى في الوقت ذاته «عدم إضعافها، لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى البلقنة، حيث لا يعرف القاتل من القتيل»، وكما يعبر العروي نفسه فإن «نقيض نظرية الدولة هي الفوضوية ومن هذا المنطلق يرى العروي أن «الملكية في المغرب تلعب دورًا ضامنًا للاستقرار، خصوصا أنها تضمن الفصل بين الديني والسياسي»، ومن هنا كذلك، فهو يتوقف كثيرًا عند «فكرة الدستور» معتبرًا أن ما سيتوقف عنده المؤرخون المستقبليون كثيرًا هو نص الدستور الجديد للمغرب 2011.


العروي والرواية

غلاف كتاب مفهوم الأيديولوجيا للعروي
غلاف كتاب مفهوم الأيديولوجيا للعروي
إنـي لا أميل إلى الرواية إلا بدافع تجاوز ما يظهر من صرامة تحليلاتي الأيديولوجية والتاريخية

عبد الله العروي

لم تقتصر كتابات العروي علي الكتابات المعرفية النقدية،بل امتدت إلى حقل الأدب والرواية، فصدرت له «الغربة» (1971) ثم «اليتيم» (1978) ثم «الفريق» (1986) ثم «أوراق» (1989) والروايات الأربع تشترك في كونها تتعرض لشخصيات بعينها وتدور في فضاءات مشتركة وتثير موضوعات متواترة، كما كتب روايتين أخريين هما «غيلة» (1998) و«الآفة» ( 2006 ).

إن تجربة الكتابة الروائية عند عبد الله العروي رحلة في سبيل البحث عن الذات وسبر أغوارها في ظل إخفاق الأحلام الجميلة التي ارتطمت بواقع آسن ينخره الفساد وتعشش فيه الأنانية والانتهازية والأمية.

يقول العروي:

العبور من الحب إلى التاريخ هو الوصول إلى سن النضج، أما الانتكاس من التاريخ إلى الحب فهو الصد عن الإخفاق الاجتماعي، ينعزل المرء فيعود إلى حياته الشخصية.. وبالتالي إلى الحب
المراجع
  1. يحيي بن الوليد، من بعيد :عبد العروي مثقفا ، مجلة تبين للدراسات الفكرية،العدد الثامن ص7 -23