محتوى مترجم
المصدر
HubPages
التاريخ
2012/08/31
الكاتب
HubPages

في عام 1951، كتب عالم الاجتماع الألماني ثيودور أدورنو واحدة من أهم المقالات في فهم النظرية النقدية: «النقد الثقافي والمجتمع». تكشف هذه المقالة عن التوتر الشديد بين المناهج الفلسفية لـ «النقد المتعالي Transcendent criticism» و «النقد الجوهري Immanent criticism». في هذا العمل المعقد، يوضح أدورنو أنماط النقد بتحليل مواقف الناقد مِن داخل وخارج ثقافته على حدٍ سواء. علاوة على ذلك، يجادل أدورنو أنه ليكون الفن ناجحا، عليه أن يقدم بعض الحقائق التي يتحاشاها المجتمع. لفهم المزيد من التوتر بين النقد الجوهري والنقد المتعالي، علينا أن نفهم كيف تمت «سيقنة contextualized» [أي الربط بالسياق – م] كلا المنهجين في عالم النظرية النقدية.

يجادل أدورنو أنه ليكون الفن ناجحا، عليه أن يقدم بعض الحقائق التي يتحاشاها المجتمع.

يبدأ أدورنو شارحًا النقد المتعالي، وهو النموذج التقليدي لنقد الثقافة، والذي فشل في أن يكون نقديًا بحق. ففي النقد المتعالي، يرى الناقد بشكل عام موقفه والظاهرة الفنية كليهما على حدٍّ سواء، كأمرين مستقلين عن المجتمع وسُننه. بعبارة أخرى، يسعى هؤلاء النقاد لتفسير الثقافة بشكل موضوعي قدر المستطاع. ومع ذلك، يقول أدورنو أنَّ «النُقّاد المهنيين كانوا في بادz الأمر «مراسلين Reporters»: لقد كانوا أشخاصًا موجهين في سوق المنتجات الفكريّة» (Adorno: 1951- 259). يعمل أولئك النقاد التقليديون كالسماسرة، كوسيط مبيعات بين المنتج والمستهلك. ومع ذلك، وأثناء القيام بهذا، «اكتسب أولئك النقاد رؤية حيال المسألة التي يتعاملون معها، إلا أنهم ظلوا باستمرار وكلاء لميدان المنتجات الفكرية، لقد كانوا على اتفاق مع ذاك الميدان حتى وإن لم يتفقوا مع منتجات فكرية بعينها» (Adorno: 1951: 259). هذا التفسير مهم لأنّه يوضح أن النقاد المتعالين اكتسبوا مناصب وجيهة في المجتمع كما ارتبطوا بشكل حيوي بتطور ثقافته. علاوة على ذلك، يشير هذا الرأي أنه من خلال تلك المناصب الوجيهة، من الصعب فعلا أن يكون النقد حقيقيًا.

يرى أدورنو أن المنظور المتعالي هو منظور أيديولوجي. ولإثبات هذا الإدعاء، يؤطِّر أدورنو نظريته حول الأيديولوجيا. نظرية أدورنو للأيديولوجيا هي التحول المادي لمفهوم (العقل – النفس – الروح) عند الفليلسوف الألماني جورج هيجل. ولفه كيف تم إعادة سيقنة هذه النظرية، لابد من توضيح مفهوم هيجل الأصلي. فكلمة «جايست Geist» التي تعني (العقل والروح والنفس) يمكن تقسيمها إلى ثلاث فئات: الروح الشخصية، الروح المجردة، والروح المطلقة. الروح الشخصية يمكن النظر لها كقوة كامنة مثل (الماضي)، فيما تعتبر الروح المجردة عن قوة فاعلة مثل (الحاضر)، وبذلك تكون الروح المطلقة هي الهدف، القِبلة والمرام مثل (المستقبل). وعليه، فإن العلاقة بين الأقسام الثلاث لمفهوم جايست عبارة عن دورة مستمرة/ دائرة مغلقة. كذلك، جادل أدورنو بأن هناك علاقة بين عالم الاقتصاد القائم على التبادل والنُقّاد المتعالين (Adorno: 1951 – 254). على سبيل المثال، إذا كان عمل الناقد يخدم كدعاية للثقافة الإستهلاكية، فإنه يكون موازيا لعالم الاقتصاد القائم على التبادل. لذلك فإن مفهوم هيجل للـ «جايست» يُسهِّل تفسير أدورنو عن أن المجتمع والثقافة هم طرفا النقيض لكيان اجتماعي ذاتي الإنتاج.

ومع ذلك، فإن نظرية هيجل تختلف جوهريا عن الفكر الماركسي الكلاسيكي. فعوضًا عن النظرة الماركسية أن (الحياة الاقتصادية) قاعدة تقوم عليها البُنى الفوقيّة (الثقافة والمؤسسات الاجتماعية)، ادعى هيجل أنَّ كلا من القاعدة والبنى الفوقيّة كليهما يُسبِّب الآخر؛ دائرة مغلقة من حياة اقتصادية تنتج الثقافة، وثقافة تنتج الحياة الاقتصادية. هذا التمييز بين النظريتين مهم لأنه يوضح إلى أي مدى كان النقاد المتعالين مرتبطين بالتطور الاقتصادي للثقافة.

يسعى النقد الجوهري لاستعادة المعنى الاجتماعي لهذه الظواهر الثقافية مجتمعة.

يفسر أدورنو أيضًا نوعًا آخر مهم من النقد الثقافي وهو: النقد الجوهري. على المستوى الأيديولوجي، فإن هذا النمط المعاصر من النقد الثقافي مختلف جدا عن النقد المتعالي. ففيما يفسر النقد المتعالي الظواهر الثقافية على أنها تعبير غير مباشر عن الحالة المؤسفة التي يعيشها المجتمع البشري، يسعى النقد الجوهري لاستعادة المعنى الاجتماعي لهذه الظواهر الثقافية مجتمعة. الأكثر من ذلك، يحلل النقد الجوهري الظواهر الثقافية مستخدما التناقضات المجتمعية في النظم والقواعد والتي تقدم الاحتمالات الأكثر صحة من أجل تغيير اجتماعي دون قصور (Adorno: 1951 – 266). على سبيل المثال، في أوائل عام 1980، كانت مجموعة الهيب هوب الأمريكية «بابليك إنمي Public Enemy» معروفة جيدا بسبب أغانيهم المشحونة سياسيا وانتقادهم لوسائل الإعلام والدولة. مع الاهتمام الفعال بمخاوف وقضايا المجتمع الأفرو-أمريكي، حاولت بابليك إنمي فضح العديد من التناقضات المجتمعية في المفهوم الأمريكي للحرية، مثل: التنميط العرقي، وحشية الشرطة، وتأخر استجابة الطوارئ في مجتمعات السود. بانتقاد تلك الظواهر الثقافية البائسة، استعملت بابليك أنمي «النقد الجوهري» لإحداث التغيير الاجتماعي الذي لا يعاني قصورًا.

كذلك، يهدف النقد الجوهري ليس فقط إلى سيقنة الموضوع قيد التحقيق، بل وأيضًا الأسس الأيديولوجية لهذا الموضوع. يجادل أدورنو أن الموضع والفئة التي ينتمي إليها كلاهما، يتم إظهارهما كمنتجات لعملية تاريخية (Adorno, 1951 – 263). على سبيل المثال، محاولة بابليك إنمي نقد التناقضات الاجتماعية في المفهوم الأمريكي عن الحرية. ومع ذلك، عند القيام بذلك، غيرت مجموعة الهيب هوب تلك، الأساس الأيديولوجي للحرية داخل المجتمع الأفرو-أمريكي.