محتوى مترجم
المصدر
The conversation
التاريخ
2018/10/23
الكاتب
«سارة كولنباندر» و«إيان بالمر»
من المتوقع أن تزداد أعداد قاطني «المدن» في أفريقيا بنحو مليار نسمة بحلول عام 2050، ولكن السلطات المحلية في جميع أنحاء القارة لا تملك الموارد ولا السلطة ولا الخبرات اللازمة لتلبية الطلب المتزايد على المساكن والخدمات.

إن التمدن السريع في أفريقيا يمثل فرصة عظيمة للحكومات هناك؛ إذ إن تقديم الخدمات – من تعبيد الطرق حتى الرعاية الصحية- لسكان المدن يكون أقل تكلفة من تقديم نفس الخدمات في غير المدن، كما يتزايد الناتج الاقتصادي للعاملين في القطاعين الصناعي والخدمي مقارنة بنظرائهم في القطاع الزراعي، ويتمتع قاطنو المدن في أفريقيا بمتوسط عمر أطول ودخول أفضل مقارنة بنظرائهم في الريف. وبالتالي فإن تنامي التمدن يساعد على تسارع التنمية الاقتصادية بشكل أكبر.

ومع ذلك، فإن السلطات المحلية في القارة تعاني الضعف والقيود المفروضة عليها في فرض الضرائب، ويرجع ذلك أساساً إلى انتشار الفقر، الذي يؤدي بالضرورة إلى تواضع الحصيلة الضريبية، ناهيك عن وجود قيود تشريعية، والتي لا تمنح المحليات – على سبيل المثال- السلطة الكافية لجمع الضرائب، إضافة إلى افتقادها إلى الكفاءة الإدارية اللازمة لذلك. ومن ثَمَّ، أصبحت موازنات المحليات في الدول الأفريقية (جنوب الصحراء الكبرى) ضئيلة للغاية، مما حدّ بشدة من قدرة السلطات المحلية على ضخ الاستثمار الضروري في البنية التحتية.

ولكن الصورة ليست قاتمة تماماً، فهناك فرصة لتمويل البنية التحتية الضرورية لتوفير الخدمات الحضرية عبر خمسة طرق: تحويل الأموال من الحكومات الوطنية، والاعتماد على العائدات الخاصة بالمحليات، وتمويل المحليات نفسها من خلال أدوات الدين، والتمويل المقدم من مزودي الخدمات والمرافق العامة، وتخصيص جزء من الزيادة في أسعار الأراضي الناتجة عن الاستثمار في البنية التحتية.

يمكن للحكومات الوطنية لعب دور رئيسي من خلال وضع التشريعات التي تُمكِّن المحليات من استخدام الخيارات التمويلية المتاحة أمامها وبناء قدراتها الذاتية، ويبدو ذلك جلياً في تجربتي كل من جنوب أفريقيا وكينيا.


الدروس المستفادة من جنوب أفريقيا

في عام 2014، أصبحت جوهانسبرج، العاصمة الاقتصادية لجنوب أفريقيا، أول مدينة في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية تُصدِّر سندات خضراء (سندات تمول مشاريع متعلقة بالبيئة والمناخ)، مما أتاح للمدينة اقتراض الأموال بأسعار فائدة أقل كثيراً مما لو اقترضت تجارياً، كما أظهر ذلك التزامها بالحفاظ على البيئة. وبعد ذلك بثلاثة أعوام، حذت مدينة كيب تاون، ثاني أكبر مدن البلاد، حذو جوهانسبرغ.

ويُعد ذلك إنجازاً كبيراً للسلطات في المدينتين، إذ يحتاج إصدار السندات إلى اكتساب مهارات مالية معقدة لتحديد المشروعات التي يمكن الاعتماد عليها كضمانات بنكية للسندات، وتقديم السندات في شكل جذّاب للمستثمرين المحتملين.

ويحتاج إصدار السندات إلى أمور أخرى بخلاف المهارات المالية، إذ يتطلب إقناع المستثمرين بأن السلطات المحلية تتمتع بالدعم الشعبي لمشاريعها، وبذلك تكون قادرة على تأسيس المشاريع وإدارتها، سواء كانت شبكات مواصلات أم مرافق لإعادة تدوير المخلفات، ووجود أنظمة رقابية تتسم بالشفافية لحماية استثماراتهم من الفساد.

وكان على مدينتي جوهانسبرج وكيب تاون توفير الكثير من الضمانات قبل التمكن من إصدار السندات الخضراء، ولكنهما لم يكونا وحدهما في ذلك، إذ لعبت الحكومة الوطنية دوراً فعالاً في ذلك.

وتعد جنوب أفريقيا الدولة الوحيدة في المنطقة التي تسمح للسلطات المحلية في المدن باقتراض الأموال، وينص القانون صراحة على أن للمدن استخدام أدوات الدين، بما في ذلك السندات المحلية، للاستثمار في البنية التحتية، ومنح ذلك التشريع المستثمرين الثقة اللازمة لشراء السندات المحلية لجوهانسبرج وكيب تاون.

وتسعى مدن أفريقية أخرى، مثل داكار في السنغال وكامبالا في أوغندا، لإصدار سندات محلية أيضاً، ولكن تلك المساعي تعثرت في اللحظات الأخيرة بسبب غياب الدعم السياسي والقانوني على المستوى الوطني.


الدروس المستفادة من كينيا

في كينيا، تولت شركات المرافق العامة المملوكة للدولة مسئولية الاقتراض من أجل مشاريع البنية التحتية بدلاً من المحليات، وذلك لأنها تتمتع بالحق القانوني لتمويل مشروعاتها من خلال الاقتراض. ولكن الحق القانوني للاقتراض لا يعني الكثير إذا لم يوجد من يريد الإقراض أولاً.

ومن ثَمَّ ساعدت الحكومة الوطنية في البلاد، بدعم من البنك الدولي، المرافق العامة للحصول على القروض من البنوك التجارية، وشجعت المرافق على الاقتراض لدعم مشروعات توصيل المياه والصرف الصحي، بحيث إذا نفذت المرافق تلك المشاريع بنجاح، ستحصل على منحة إضافية لا تُردْ من الحكومة، وعن طريق تلك المنح، تحفز الحكومة شركات المرافق على تأسيس سجلات ائتمانية خاصة بها، وبالتالي تستطيع الاقتراض في المستقبل بتكلفة أقل.

كما تساعد الحكومة الكينية شركات المرافق على إصدار سندات مجمعة (لإقراض عدة شركات أو مشروعات بدلاً من إقراض شركة واحدة) تمول بها مشروعات البنية التحتية، وذلك بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وهولندا، ويساعد الاعتماد على السندات المجمعة على تقليل المخاطر التي يمكن أن تواجه المستثمرين حال فشل أحد مشروعات المرافق، الأمر الذي يشجع المستثمرين على الإقراض بأسعار فائدة أقل.

وقد صدر أول سند مجمع أواخر العام الماضي 2018، ويتوقع أن يستفيد 400 ألف كيني من الخدمات التي ستمولها تلك السندات.

واسُتخدمت السندات المجمعة في السابق في كولومبيا والهند والمكسيك والفلبين، ولكنها لم تصدر من قبل على نطاق واسع في الدول الأفريقية جنوب الصحراء. وينبغي للدول التي تحاول التأسي بالنموذج الكيني وضع أطر قانونية واضحة مشابهة للأطر القانونية الكينية.


تعاني العديد من المدن الأفريقية عجزاً ضخماً في تمويل مشروعات البنية التحتية ومواكبة النمو السكاني السريع، ويمكن لتلك المدن الاعتماد على أسواق السندات لتوفير رأس المال الكافي لسد العجز، ولكن المحليات لن تتمكن من توفير حاجاتها المالية وحدها، إذ تلعب الحكومات الوطنية دوراً بالغ الأهمية يكمن في وضع القوانين المناسبة، ومساعدة المحليات والمرافق العامة على جذب الاستثمارات، لضمان استدامة مشاريع البنية التحتية الحضرية.