مصر تطرح مرشحًا لليونسكو للمرة الثالثة.. موقفنا ضعيف.. وهذه قد تكون فرصتنا الأخيرة.
عالم الآثار زاهي حواس في تصريحات تلفزيونية

في شوارع باريس لا صوت يعلو فوق صوت انتخابات «اليونسكو»، فمنذ الإثنين 9 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، تبدأ كواليس الضغوط والمنافسة والصراع الشرس، وسط معارك انتخابية للفوز بمنصب الأمين العام لمنظمة التربية والعلوم والثقافة، أحد أهم المناصب على المستوى العالمي؛ للدور البارز الذي تقوم به والمؤثر في مجتمعات القارات الست ونهضة العالم تعليميا وثقافيا وعلميا.

وانتهت مساء أمس الإثنين، عملية فرز التصويت في الجولة الأولى لانتخاب المدير الجديد لليونسكو خلفاً للبلغارية إيرينا باكوفا، وبدأت مرحلة فرز الأصوات، حيث أدلى مندوبو 58 دولة أعضاء بالمكتب التنفيذي للمنظمة بأصواتهم في الانتخابات التي يتنافس فيها 7 مرشحين.

وحصل المرشح القطري حمد بن عبدالعزيز الكواري على 19 صوتاً، بينما أحرزت الفرنسية أودريه أزولاي 13 صوتاً، بينما حازت السفيرة مشير خطاب مرشحة مصر على المركز الثالث بـ 11 صوتاً، وحصلت فيرا خورى لاكويه من لبنان 6 أصوات، وكيان تانج من الصين على 5 أصوات، فولاد بلبل أوجلو من أذربيجان صوتين، فام سان شاو من فيتنام صوتين.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، يجب أن يحصل المرشح الفائز في سباق التصويت، على موافقة المؤتمر العام للمنظمة في مرحلة أخيرة، ويعتبر خمس جولات على أقصى تقدير هي طريق السفيرة مشيرة خطاب إلى قيادة اليونسكو، بعد اجتيازها الجولة الأولى.


من هي مشيرة خطاب؟

قطعت السفيرة مشيرة خطاب (مواليد 1944) الطريق الطويل وهي تجوب العالم شرقه وغربه لشرح رؤيتها لخدمة منظمة اليونسكو وتطويرها، متسلحةً بالمكانة الكبيرة التي تناسب مصر في مجال الثقافة، وهي الدولة التي يعود تاريخها إلى سبعة آلاف عام مضت وتضم أهم آثار العالم والتراث الإنساني.

طموح المرشحة المصرية يتناسب مع مشوار ممتد في السلك الدبلوماسي، تدرجت فيه حتى شغلت منصب وزير الدولة للشئون الخارجية ثم وزيرًا لشئون الأسرة والسكان في وزارتي أحمد نظيف وأحمد شفيق .

التعليم والمناصب

حصلت مشيرة خطاب على بكالوريوس الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة القاهرة عام 1967، والتحقت بالعمل في وزارة الخارجية في عام 1968، وتولت منصب سفيرة مصر لدى تشيكوسلوفاكيا بين 1990 و1995، كما مثلت بلادها لدى جنوب أفريقيا ما بين 1995 و1999، فضلاً عن أنها شغلت منصب الأمين العام للمجلس القومي للأمومة والطفولة ثم منصب رئيس لجنة برامج الطفل بمجلس اتحاد الإذاعة والتليفزيون.

تحديد النسل

انضمت خطاب عام 2011 إلى برنامج «المرأة في الخدمة العامة» كعضو هيئة تدريس، وكانت خطاب قد أطلقت حملة قومية ضد الزواج المبكر، ونجحت في تعديل قانون الأحوال المدنية برفع الحد الأدنى لسن الزواج للإناث إلى 18 عامًا، وذلك بالشراكة مع مكتب النائب العام والمنظمات غير الحكومية عام 2009.

الاتجار في الأطفال

وتمتلك مرشحة مصر لليونسكو رصيدا من العمل الحقوقي، وظهر ذلك في عدد من الإنجازات المتميزة في التعاون مع شركاء كثر بما في ذلك مجموعة الدول المانحة، وقد أهلها هذا الرصيد كشخصية قادرة على الإنجاز في حشد قدر جيد من التمويل للعديد من المشروعات التي نفذتها في مناطق تتعلق بالتعليم والثقافة.

وكان لـ «خطاب» إسهامات في مكافحة الاتجار في الأطفال، حيث أسست أول وحدة مصرية لمكافحة الاتجار في الأطفال بالمجلس القومي للطفولة والأمومة، وأنشأت مأوى لهؤلاء الضحايا بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة، وساعدت في سحب تحفظات مصر على اتفاقية حقوق الطفل عام 2003، خلال عملها كنائبة رئيس إحدى لجان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بجنيف.


برنامج مصر للترشح

كيف لامرأة غير عربية أن تدافع عن التمييز وهي لم تذقه.. العرب لهم الحق في أن يتم سماعهم، وبصفتي امرأة مسلمة أحمل تطلعات ومخاوف الملايين في العالم العربي والأفريقي والشرق أوسطي من أجل أن أُلبِّى طلباتهم لتعزيز السلم العالمي والازدهار المشترك.
مشيرة خطاب في حوارها مع صحيفة «لاتريبون» الفرنسية

عالج برنامج مصر عدة قضايا دولية وإقليمية وقدم رؤية تراعي احتياجات الشعوب وتطلعاتها وتعزز من دور منظمة اليونسكو في العالم، وذلك من خلال مواجهة أفكار الكراهية والتطرف التي تهدد العالم كله، ونشر وترسيخ ثقافة التعايش والسلم والانفتاح على الآخر، كما تعتبر مسألة التعليم حاضرة بقوة في البرنامج، والعمل على تمكين المرأة من خلال آليات واضحة تفعل على الأرض، بحسب حملة المرشحة المصرية لليونسكو.

وقالت مشيرة خطاب، في حوار مع صحيفة «لاتريبون» الفرنسية، بعد سؤالها عن أول الإجراءات ستتخذها إذا فازت بالمنصب: «سأقوم أولاً بدمج الهيئات الإدارية للمنظمة وعمل فريق يشترك في أفكار واحدة، لتعزيز العلاقات بين الهيئات المختلفة للمنظمة ولخلق تفاعلات إيجابية ومثمرة».

وأوضحت أن أولوياتها حال فوزها هي تنفيذ كل القرارات التي اتخذتها «اليونسكو» ولم يتم تنفيذها، مؤكدةً أنه يجب أن تكون المنظمة أكثر فعالية وأقرب في التعاطي مع القضايا المختلفة.

ويقوم برنامج المرشحة المصرية على البعد عن تسييس القضايا، مع التركيز على تطوير التعليم باعتباره حقاً من حقوق الإنسان بالإضافة إلى تطوير وسائل الإعلام والتكنولوجيات الجديدة، معلقةً: «يجب أن تترك السياسة في الأمم المتحدة».


فرص قيادة السيدة العربية الأولى لليونسكو: «مفاجآت قادمة»

تحظى مشيرة خطاب بدعم المجموعة الأفريقية، حيث تمتلك القارة السمراء حصة حاكمة داخل المجلس التنفيذي لليونسكو تصل إلى 17 دولة أفريقية من بين 58 دولة عضو بالمجلس.

وبوصول «خطاب» لرئاسة المنظمة ستستعيد مصر دورها مرة أخرى، في ظل وجود نوع من الوفاق والترابط بين مصر ومنظمة اليونسكو، فيُحسب للقاهرة أنها شاركت في وضع ميثاق المنظمة، كما أن منظمة الأمم المتحدة للثقافة كان لها دور كبير في إنقاذ آثار النوبة الغارقة.

وتعتبر مصر أن فرص مرشحتها متساوية مع منافستها الفرنسية، وتأمل في انسحاب بقية المرشحين العرب، وهي الحالة الوحيدة التي ستقود إلى منافسة مصرية-فرنسية شرسة.

و ترى حملة مشيرة خطاب أن نتائج الجولة الأولى من انتخابات اليونسكو لا تعد مؤشرا دقيقا للنتائج المتوقعة، وإنما ستكشف عن شكل التربيطات السياسية بين أعضاء المجلس التنفيذي، مؤكدةً أن الجولة الثانية «ستشهد مفاجآت» ترقى إلى انسحاب بعض المرشحين؛ مما يرجح كفة المرشحة المصرية، من خلال المفاوضات مع أعضاء الدول صاحبة التصويت في الانتخابات.

يذكر أن، إيرينا باكوفا المدير الحالي لليونسكو حصلت في الجولة الأولى في انتخابات 2009 على ثمانية أصوات بينما حصل الوزير فاروق حسنى على ٢٢ صوتاً، وتواصل التنافس إلى أن تعادل باكوفا وحسني في الجولة قبل الأخيرة بـ 29 صوتا لكل منهما، إلى أن استطاعت المرشحة البلغارية بفضل التكتل الأوروبي المدعوم من اللوبي اليهودي في حسم الانتخابات لصالحها بفارق أربعة أصوات عن المرشح المصري.


عقبات أمام وصول مصر لباريس

في المعركة الانتخابية 2017 لمنصب أمين عام اليونسكو، فإن ثمة خمسة عوامل تقف حجر عثرة أمام نجاح مصر، وهي: تعدد المرشحين العرب، والأزمة الخليجية، والدعم الفرانكفوني، وأن الدول الممولة تفضل فرنسا، إضافة إلى أن باريس هي مقر اليونسكو.

فرنسا: «المنافس الشرس»

صعّب دخول المرشّحة الفرنسيّة أودري أزولاي السباق، من المنافسة في انتخابات اليونسكو، الأمر الذي اعتبرته مصر «غير جيد» خاصة أن فرنسا البلد المضيف للمنظمة منذ نحو 15 عاما، وكان هناك اتفاق ضمني على أنه لا ينبغي أن يقدم مرشحا لمنصب المدير العام، فضلًا عن أن «أزولاي» ذات أصول عربية، وثقافة غربية فرنسية، ويهودية العقيدة.

كما ترتبط فرنسا، بعلاقات وثيقة مع دول القارة السمراء لا سيما الفرانكوفونية بالإضافة إلى بلدان المغرب العربي، وحال فوز باريس بالانتخابات فإن تاريخ اليونسكو يشهد تولي قيادته 8 مرشحين من دول أوروبية بالإضافة إلى أمريكا الشمالية.

الصين: «استثمارات هائلة وتمويل ضخم»

بالرغم من حصول المرشح الصيني كيان تانج على 5 أصوات في الجولة الأولى، فإن الجولات المقبلة تشهد تكتلا للأصوات بصورة أكبر، في الوقت الذي تعد فيه بكين من أكبر المساهمين في منظمة اليونسكو بعد أن جمدت الولايات المتحدة في 2011 دعمها المالي والتي كانت تشكل أكثر من 20% من موازنتها على خلفية تصويت المنظمة لصالح قبول فلسطين كدولة كاملة العضوية، ويتوقع أن تحاول الصين التأثير على بعض بلدان القارة الأفريقية نظرا لاستثماراتها الهائلة هناك.

التفتت العربي

تقدمت مصر بمرشحة مشيرة خطاب، بالإضافة إلى أن قطر دفعت بالمرشح حمد بن عبدالعزيز الكواري، كما تتنافس واللبنانيّة فيرا خوري لاكويه، على منصب الأمين العام لليونسكو؛ مما يشكل تفتت الموقف العربي عامل ضعف لكافة المرشحين العرب، حيث يصعب استحواذ أي من الأصوات على الكتلة العربية في المجلس التنفيذيّ لليونسكو والتي تضمّ 7 دول هي: الجزائر ومصر ولبنان والمغرب وعمان وقطر والسودان.

حقوق الإنسان

تبقى عقبة موقف مصر من حقوق الإنسان حائلاً بين وصولها للمنصب، حيث أصدرت 6 منظمات حقوقية مصرية (الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، مركز النديم لمناهضة التعذيب، مركز أندلس لدراسات التسامح، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، نظرة للدراسات النسوية)بيان طالبت فيها بعدم التصويت لمرشحة القاهرة على اعتبار أنها «معادية لحقوق الإنسان».

واتهم البيان «خطاب» بأنها صمتت على تعدي الحكومة المصرية على حرية التعبير، وإغلاق سلسلة «مكتبات الكرامة» بالأحياء الشعبية، والتي أنشأها المدافع الحقوقي جمال عيد، فضلاً عن الهجوم على مكتبات ومؤسسات ثقافية أخرى مثل التحفظ على (سلسلة مكتبات ألف ومكتبة البلد وجاليري تاون هاوس)، الأمر الذي يثير الشكوك حول صلاحيتها للمنصب.