محتوى مترجم
المصدر
The Conversation
التاريخ
2018/03/19
الكاتب
فرانك جوارنييري

في الحادي عشر من مارس/آذار عام 2011، ضربت كارثة نووية اليابان، حيث أدى زلزال بقوة 9 درجات على مقياس ريختر إلى حدوث موجات مد عاتية وصل ارتفاعها لـ 15 مترًا، ضربت محطة الطاقة النووية «فوكوشيما دايتشي» بعد قرابة 45 دقيقة من وقوع الزلزال. وخرجت المحطة عن العمل، كما تعطلت المولدات الاحتياطية عن العمل.

وبعد استنفاد بطاريات الطوارئ، سرعان ما ارتفعت درجة حرارة 3 مفاعلات من أصل 6 موجودة بالمحطة، كما تعرض اثنان على الأقل من قلوب المفاعلات النووية للانصهار، ما أدى لانبعاث كميات كبيرة من الإشعاعات. وعلى الرغم من أن المفاعلات في حالة استقرار في الوقت الحالي من الناحية النظرية، لايزال العمل يجري لفهم واحتواء الضرر الناجم عن تلك الكارثة.

وخلال الأعوام السبع التي انقضت منذ وقوع الكارثة، كُتب الكثير وقيل الكثير عن أسبابها، غير أن تقارير الخبراء لم تعِر اهتمامًا كبيرًا لشهادة ماساو يوشيدا الذي كان يعمل مديرًا لمحطة الطاقة «فوكوشيما دايتشي» آنذاك، وتوفي بعد وقوع الكارثة بعامين. لا يسعنا إلا أن نتساءل عن القرارات التي كان يتعين على يوشيدا اتخاذها في الفترة بين 11 و 15 مارس/آذار 2011 لتجنب الأسوأ. كما أن شهادته تثير الشكوك حول مبادئ السلامة النووية في اليابان.


هل هي كارثة «صنعت في اليابان»؟

سرعان ما ميّز المجتمع الدولي واليابانيون أنفسهم تلك الكارثة بأنها «صُنِعت في اليابان»، ما يعني أن أسبابها ناجمة عن ظروف خاصة تتصف بها اليابان: أولها تعرض البلاد للمخاطر البيئية «الزلازل وموجات المد العاتية (تسونامي)»، وثانيها القبول الثقافي بفكرة التواطؤ، سواء كانت حقيقية أو خيالية، بين الشركات والحكومة.

إن إدارة تلك الكارثة، عن طريق شركة «تيبكو» المسئولة عن تشغيل محطة الطاقة النووية فوكوشيما داييتشي والحكومة اليابانية، أيضًا وجهت إليها إدانات ووصفت بأنها «غير مجدية». كما أن ثمة مواضع إخفاق خطيرة تعزى إلى شركة تيبكو، التي لم تستطع تفادي وقوع انصهار نووي ووقوع انفجارات لاحقة. لكن النقطة المضيئة الوحيدة في تلك الكارثة هي بطولية من كانوا يعملون على الأرض، والذين ضحوا بأرواحهم لتجنب وقوع كارثة أعظم.

إن خلع عبارة «صُنِع في اليابان» على كارثة فوكوشيما يركز الاهتمام على فشل النظام الاجتماعي – التقني، والذي يبدو أنه منفصل عن الممارسات الجيدة للصناعة ومعايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية. الأكثر من ذلك هو أن النطاق الاستثنائي لتلك الكارثة يسمح بوضعها في نفس الفئة التاريخية مع حادثة «تشرنوبيل». لكن حادثة تشرنوبيل تُعزى إلى إهمال الاتحاد السوفيتي، ما يعزز ضمنيًا الرؤية الخيالية بوجود صناعة نووية آمنة وموثوق فيها، لكن هل طبيعة كارثة فوكوشيما وتحديد أسبابها يجعلانها استثناء؟

لقد كان هناك عدد كبير من التحقيقات الرسمية في تلك الكارثة. في اليابان، صدرت تقارير عن تحقيق حكومي ولجنة برلمانية. كما أجريت تحقيقات من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولجنة المراقبة النووية الأمريكية ووكالة الطاقة الذرية التابعة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.

ركزت تلك التحليلات بالدرجة الأولى على تأثير الزلزال وما تبعه من موجات مد عاتية «تسونامي» على محطة الطاقة النووية والأسلوب الذي تم من خلاله إدارة الكارثة من قبل شركة «تيبكو» والسلطات اليابانية، فضلًا عن التعاون بين من كانوا في موقع الكارثة (خدمات الطوارئ) ومن كانوا بعيدين عن الموقع (طاقم العمل بشركة تيبكو).

ونتيجة لذلك، تم نشر مئات الآلاف من الصفحات وفي نهاية المطاف، خلصت السلطات مجتمعة إلى أن الالتزام والتمسك بمعايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية يضمنان السلامة النووية. لكن غالبية جلسات الاستماع التي شملت أشخاصًا كانوا شاهدين على تلك الكارثة ظلت سرية. وهذا الأمر مثير للقلق: فلماذا يسمح مجتمع ديمقراطي مثل اليابان بإعطاء جلسات الاستماع للجنة برلمانية حتى تظل سرية؟

وفي خلال التحقيق الذي أجرته الحكومة اليابانية، تم إجراء مقابلة مع ماساو يوشيدا مدير محطة فوكوشيما داييتشي النووية لأكثر من 28 ساعة وعلى مدى 13 جلسة. ونُشِرت شهادته على الملأ في سبتمبر/أيلول عام 2014 بعد انتقادات من قبل وسائل الإعلام في البلاد. وجاءت شهادته فيما يفوق 400 صفحة.


تسليط الضوء مجددًا على قصة الكارثة

لقد قام مركز أبحاث المخاطر والأزمات بالمدرسة الوطنية العليا للمناجم في باريس بترجمة شهادة يوشيدا إلى الفرنسية، وهو أول إصدار كامل لشهادته بلغة أخرى غير اليابانية. وتوجد نسخة إنجليزية مترجمة لشهادة يوشيدا، قدمتها صحيفة أساهي اليابانية اليومية، لكن ثبت عدم دقتها في عدد من النقاط الحاسمة، كما أنها تُعد مثيرة للجدل.

بالنظر إلى أن فرنسا تولد 76% من الكهرباء من خلال الطاقة النووية، فينبغي أن تكتمل مهمة ترجمة شهادة يوشيدا من قبل الشركة المسئولة عن الطاقة النووية بالبلاد. ولم يتطوع أحد لتنفيذ تلك المهمة، على الرغم من ذلك، لا شك في أن كل شيء قد قيل واستقرت الأمور على ذلك.

وقد اتبع محققو فوكوشيما جميعهم صيغة محددة سلفًا، مصممة على ما يبدو فقط لتأكيد الفرضيات التي من شأنها أن تعزو جميع الأحداث المتعلقة بالكارثة لأسباب تقنية بحتة. على الرغم من ذلك، فقد رد يوشيدا على أسئلة المحققين من وجهة نظر مختلفة تمامًا، حيث عزا قراراته وتصرفاته إلى النزاع بين العاملين معه والتكنولوجيا، أو على وجه التحديد، الآلات (المفاعلات) والتي خرجت بشكل مفاجئ عن السيطرة.

وكان الواقع الوحشي للوضع في مارس/آذار عام 2011 يتلخص في أن الأمر لم يعد إدارة أزمة أو تطبيق الإجراءات المعمول بها أو تنفيذ الخطة أو الخطة البديلة. فمع مرور الأيام، غدت محطة فوكوشيما داييتشي للطاقة جزيرة غارقة في الظلام دون كهرباء أو مولدات طوارئ تعمل بالديزل، وتقريبًا خالية من الموارد.

لقد خاطر يوشيدا وفريق عمل المحطة بأرواحهم في كل لحظة، حيث كانوا يرتدون ملابس واقية من الحرارة وعانوا توابع الهزات الارتدادية، وكانوا يبحثون عن أبسط دليل مرئي أو مسموع وسط غياب بيانات القياس. وحيث كانوا يتلمسون الطريق حول متاهة المحطة المدمرة، سعوا بنجاح، لحماية أنفسهم من التلوث الإشعاعي لاستكمال عملهم.

وخلال جلسات الاستماع، عبر يوشيدا عن مخاوفه وشكوكه وعما كان يعتقده، حيث أشاد بالتزام زملائه داخل المحطة، لكنه استنكر غياب أو انعدام كفاءة أولئك الذين كانوا بالخارج (شركة تيبكو) والحكومة وهيئة السلامة النووية.

إن ما تحمله شهادة يوشيدا من عاطفة شديدة يُعد أمرًا مثيرًا للدهشة ومحركًا للمشاعر. تحطم شهادة يوشيدا جميع الثوابت البيروقراطية التي تقلل من شأن تعقيدات المواقف إلى درجة تجاهل إنسانيتنا: بمعنى أن العمال كانوا يواجهون احتمالية الموت، وفوق ذلك، موت رفقائهم وعائلاتهم وأي شيء عزيز بالنسبة لهم.

وبعد أيام من الجهود اليائسة، تم تجنب انفجار مفاعلات فوكوشيما، والذي كان من الممكن أن يهدد مفاعلات أخرى بمحطتي دايني وأناجاوا القريبيتين. بالرغم من ذلك، علمنا أنه لم يتم تفادي أيًا من نتائج تلك الكارثة.


هوامش الأمان

بطبيعة الحال، يُعد إعادة فحص معايير السلامة أمرًا مهمًا، كما هو الحال بنسبة لأنظمة السلامة الخاصة بالنواة الصلبة (وهي نوع من خطوط الدفاع الحصينة ضد الهجمات الخارجية) والتركيب المكلِف لمولدات الطاقة الاحتياطية. ترفع مثل تلك التدابير دون شك هوامش السلامة، لكن ماذا عن الصورة الأكبر؟

إن إنشاء «قوى نووية خاصة»، مثل قوة العمل النووية السريعة في فرنسا، يعد مثالًا عمليًا لتلك الفكرة، حيث تكون تلك القوة موجودة عند الحاجة لترميم المنشآت وفقًا للوائح الخاصة بالتعرض للإشعاع. لكن ماذا ستفعل مثل تلك الفرق في تخطي مستويات الإشعاع المنصوص عليها في القانون؟

هل يمكننا الاعتماد على التزامها، مثلما فعلت اليابان مع الفريق الخاص بماساو يوشيدا وطاقمه، والتي ضحى فيها الأبطال والضحايا عن طيب خاطر أو وفقًا لأوامر، من أجل تجنب وقوع نهاية نووية للعالم؟