محتوى مترجم
المصدر
Middle East Eye
التاريخ
2017/09/14
الكاتب
سُراج شارما

تركيا عالقة بين حليف مريب وغير مفيد، وعدو ومنافس (سابق)، يسعى بأي طريقة ممكنة لإفساد تحالفاته القائمة، لذا قفزت تركيا على آخر جزرة عرضتها موسكو. وجاءت الجزرة على صورة نظام الدفاع الصاروخي الروسي الأكثر تطورًا في روسيا «S-400».

وكان إعلان تركيا وإقرار موسكو أن صفقة شراء نظام «S-400» تحقق تقدمًا، يمثل انتصارًا نادرًا لصنّاع السياسة التركية مؤخرًا. إذ يمكن أن تعني الصفقة أي شيء تريده الأطراف المعنية.

فهي تُرضي من يعتبرونها أداة للمساومة تستخدمها أنقرة لاستخلاص تنازلاتٍ من واشنطن. وأيضًا هؤلاء الذين يرون أن أنقرة تكثّف من تلبية احتياجاتها الأمنية دون أن تكون رهينةً لدى الحكومة الأمريكية.

وربما تحفز هذه الصفعة الكونجرس الأمريكي لإعادة النظر في تردده في بيع الأسلحة لحليفه من خلال إعادة التركيز على المصالح الاستراتيجية طويلة الأجل. وبالنسبة لموسكو، فإن بيعها نظامها «S-400» لتركيا -على الرغم من المخاوف من أن التكنولوجيا وتفاصيل قدراتها الحقيقية يمكن أن تجد طريقها إلى أيدي الناتو- يمثل انقلابًا كبيرًا.


منفعة متبادلة لموسكو

أسباب تقليدية فقط هي ما تجعل من الوضع «منفعة متبادلة» لموسكو.

فجيش تركيا هو ثاني أكبر جيش في حلف الناتو، وعلى مقربة شديدة من روسيا. ويُعتقد أن الرءوس النووية للناتو مخزنة فى قاعدة «أنجرليك» الجوية. كما أن المدخل البحري لروسيا للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط هو عبر المضايق التركية. كما كانت تركيا دائمًا الحصن الجنوبى للناتو في مواجهة روسيا.

ستعتبر موسكو هذا انتصارًا حتى لو لم تفلح صفقة الـ «S-400» في خلق أوقات مضطربة للحلف مع تركيا، خاصة بعد التراجع السريع في علاقاتها مع الولايات المتحدة.

وبقدر قلق أنقرة، فإن مثل هذه الصفقة ستعالج ما تعتبره شاغلًا أمنيًا رئيسيًا وعاجلًا. وستحقق نتيجة إضافية إذا أدت إلى زيادة رغبة الولايات المتحدة في نقل أنظمة الأسلحة إلى تركيا.

قالت «نرسين غوني» -عميد جامعة بهجيشير بقبرص وخبيرة في العلاقات التركية الروسية- لـ «ميديل إيست آي» إنه يجب أن يُنظر إلى صفقة الـ «S-400» على أنها حل «وسط». وقالت: «لقد كان واضحًا لسنوات أن ما تريده تركيا هو نقل التكنولوجيا، وهدفها النهائي هو الإنتاج المحلي. وهذه عملية طويلة الأمد وكان عليها أن تكتفي بـ S-400 في الوقت الحالي».

وأضافت أن «أنقرة لم تنحز لروسيا حتى تستفز حلفاءها الغربيين. فقد عقدت لسنوات عدة محادثات مع شركات من الدول المتحالفة مثل إيطاليا وفرنسا. وقد أدى ترددهم في الموافقة على نقل التكنولوجيا إلى هذه الصفقة».

وقال «أحمد قاسم هان» -أستاذ العلاقات الدولية في جامعة قادر هاس في إسطنبول- لـ «ميديل إيست آي» إنه من بين الأسباب العديدة وراء هذا التحرك، لامبالاة واشنطن وانعدام الرؤية الاستراتيجية بشكل كبير. وقال هان إن الولايات المتحدة تجاهلت كل ما تعتبره تركيا قضايا حيوية بالنسبة لها، وإن السبب فى ذلك هو الافتقار إلى الاستراتيجية وبعد النظر. وأضاف: «لن أصف العلاقات التركية-الأمريكية بالطريق المدمَّر، ولكن به الكثير من الأنقاض. لقد أدى الوضع الغريب بين الحكومتين في كلا العاصمتين إلى وضع صعب، حيث إن الحفاظ على الحوار أمر حيوي حتى إذا أصبحت هذه النداءات سخيفة لكثرة تكراراها».


سوء الإدارة الأمريكية؟

لقد جُنّوا لإتمامنا الاتفاقية، ما الذي كان علينا أن نفعل؟ انتظاركم؟ نحن نأخذ وسنأخذ كل تدابيرنا على الصعيد الأمني
الرئيس التركي «رجب طيب إردوغان»

قال «هان» إن صفقة S-400 -التى ربما بدت كخدعة في البداية- انتهت بكونها حقيقية تمامًا بسبب سوء إدارة الولايات المتحدة للوضع. وفي يوم الأربعاء، أصبح حلفاء تركيا هدفًا للرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» لانتقادهم اتفاقية «S-400». وقد صرح البنتاجون من قبل: «عموماً؛ إنها فكرة جيدة لحلف الناتو لشراء معدات قابلة للتشغيل المتبادل».

العلاقة القلقة بين تركيا والولايات المتحدة لا تعني أن تركيا لن تعقد اتفاقيات عسكرية مع حلفائها في الناتو، والدليل على هذا أنه في نفس اليوم الذي أُعلن فيه التطور في اتفاق «S-400» أعلن الجيش التركي عن وصول وتشغيل ست طائرات هليكوبتر للنقل العسكري (شينوك) من شركة بوينج.

ووفقا لكلام «غوني»، فإن التصورات التهديدية والمشتريات المرتبطة بالأمن يجب أن تحدث مع الأخذ في الاعتبار أسوأ السيناريوهات التي قد تحدث، وترى أنقرة أن هناك فجوة أمنية تحتاج إلى حل عاجل. كما قالت إن إيران كدولة مجاورة لديها مخزون ضخم من الصواريخ الموجهة، والتي كان اتفاقها النووي -الذي لا يتضمن تلك الصواريخ- في خطر في ظل رئاسة دونالد ترامب.

وأضافت: «نحن لا نقول إنه كان هناك خطر من هجوم إيراني، ولكن لابد لك من اتخاذ التدابير اللازمة. وفي النهاية فإن رادارات الناتو التحذيرية المتطورة قد تم تثبيتها في (كوريجيك ومالاتيا) ما يوضح أن صواريخ إيران تمثل تهديدات مباشرة». وأضافت أيضًا أن نظام الرادار نفسه كان علامة على تعاون الناتو المستمر، وأن صفقة S-400 لا تعني انحياز تركيا لجانب.

أشارت «غوني» أيضًا إلى التهديدات الجديدة من سوريا، قائلةً إن بطاريات الصواريخ الدفاعية المنتشرة المملوكة للناتو حاليًا جاءت مع العديد من الشروط المرفقة لضمان ردع حقيقي. وقالت: «لقد كان الوضع أفضل عندما كان التهديد الوحيد هو مخزون صواريخ سكود الذي يملكه النظام. أما الآن فلديك حزب الاتحاد الديموقراطي وداعش مع أسلحتهم التفجيرية».

وأضافت أن «نشر الباتريوت والقيود المفروضة على من يمكن استخدامها ضدهم يعني أنهم لا يلبون احتياجات تركيا».

ويرى هان أن هدف تركيا تغيير الطريق الاقتصادي للبلاد، وهو ما يرتبط أيضًا بقرارها بالتوجه لنظام «S-400». وأضاف: «تتطلع تركيا لجعل القطاع العسكري الصناعي محور محركها الاقتصادي منذ فترة طويلة. وتهدف إلى أن تقوم هذه الصفقات متضمنةً شروط نقل التكنولوجيا بتطوير صناعتها الخاصة وخلق منتجات ذات قيمة مضافة».

ومن العوامل الرئيسية الأخرى التي غالبًا ما يتم تجاهلها، هي إسرائيل وتصوراتها التهديدية الخاصة، وكيف تقدم تركيا كعضو داخل الناتو بعض الحماية. وقال هان إنه على الرغم من أن العامل الإسرائيلي لا يمكن أن يكون بأي حال جزءًا من قرار «S-400»، إلا أنه قد يؤثر على المدى البعيد، خاصة إذا زادت العلاقات الأمريكية التركية سوءًا.

«إن مشاعر الحكومة التركية الحالية تجاه إسرائيل ليست سرًا. لكن تركيا المرتكزة على الولايات المتحدة تضع إسرائيل في موقع إقليمي أقوى. لذلك قد تستخدم مجموعات الضغط في واشنطن لتيسيير العلاقات».