محتوى مترجم
المصدر
Economist
التاريخ
2016/08/06
الكاتب
فريق الإيكونومست
بعد استقبال عبد الفتاح السيسي، الرئيس المصري، العام الماضي للمئات من كبار الشخصيات في منتجع شرم الشيخ الساحلي، قدم لهم عرضًا بسيطًا. قال السيسي، وهو من أطاح بسابقه الإسلامي، محمد مرسي، إن التقلبات التي أعقبت الربيع العربي في مصر قد انتهت، وإن البلاد مستعدة لتلقي استثماراتهم. كما وعد بالاستقرار والإصلاح الاقتصادي. وكافأ ضيوفه بدورهم مصر بالأموال، القروض والأعمال التجارية الجديدة. كانت تلك «اللحظة المناسبة»، حسبما وصفتها كريستين لاجارد، رئيسة صندوق النقد الدولي.
تتوقف حزمة صندوق النقد الدولي الجديدة على الإصلاحات التي تحدث عنها سياسيون لسنوات، لكنهم فشلوا في تطبيقها
لقد بُددت تلك الفرصة. وعاد الآن فريق من صندوق النقد الدولي إلى مصر للتفاوض بشأن حزمة جديدة من القروض يُعتقد أن قيمتها تبلغ 12 مليار دولار على مدار ثلاثة أعوام. يحتاج السيسي هذه الأموال بشدة. حيث تواجه حكومته عجزًا كبيرًا في الميزانية والحساب الجاري (حوالي 12 بالمئة و7 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، على التوالي)، بينما انخفضت احتياطيات النقد الأجنبي إلى مستويات خطيرة. تكمل عناصر أخرى مثل العملة المتضخمة، نسبة التضخم مزدوجة الأرقام، ومعدل البطالة البالغ 12 بالمئة هذه الصورة القاتمة. ويبقى المستثمرون المحتملون بعيدًا عن البلاد.لا تبعث الحكومة المصرية على الثقة. حيث سوف تتوقف حزمة صندوق النقد الدولي الجديدة على الإصلاحات التي تحدث عنها سياسيون لسنوات، لكنهم فشلوا في تطبيقها. كضريبة القيمة المضافة التي سوف ترفع مستوى الإيرادات التي تشتد الحاجة إليها. هناك خطة مطروحة الآن أمام البرلمان، لكنها أثارت ضجة بسبب المخاوف المتعلقة بالتضخم، الذي بلغ 14 بالمئة. أدت شكوك مشابهة بالسيسي إلى التراجع عن الوفاء بوعود رفع الدعم عن الوقود، بعد تقليله عام 2014. يعوق البرلمان إصلاح قطاع الخدمة المدنية المنتفخ، رغم تعهد السيسي بعدم فصل أي موظفين.أمام هذا الجمود، امتنع البنك الدولي عن تقديم حزمة منفصلة من الدعم. وقد يفعل البنك الإفريقي للتنمية الأمر ذاته. وحتى دول الخليج، التي تدعم السيسي بقوة وقدمت لمصر مليارات الدولارات من المساعدات، يبدو أنها تفقد ثقتها به. يُعتقد أن الإمارات قد سحبت مستشاريها من البلاد فزعًا. وكان وصول الدفعات الأخيرة من المساعدات بطيء.

الادخار حرام

يمتد عجز الحكومة إلى مشكلة مصر الأكثر إلحاحًا: عملتها المضخمة. فبينما يبلغ سعر الصرف الرسمي 8,83 جنيه مصري للدولار، يزيد سعر الدولار في السوق السوداء إلى أكثر من الثلث. فاق الطلب على الدولار المعروض منه بسبب التراجعات الحادة لقطاع السياحة والاستثمارات الأجنبية، المصدرين الرئيسيين للعملة الصعبة. لذلك حاولت الحكومة أن تبقي على الدولارات داخل مصر، على سبيل المثال،عبر تقييد السحب من البنوك. كما أعلن الأزهر، أكبر هيئة إسلامية في البلاد، أن اكتناز العملة الأجنبية محرم. لكن هذه الجهود أخافت فقط المستثمرين المحتملين وأعاقت المستوردين المصريين.
هلل السيسي لمشروع توسيع قناة السويس الضخم، لتعزيز الفخر الوطني وكبريائه، إلا أنه لم يقدم الكثير للتعزيز الاقتصاد
هناك مخاوف حول أن إضعاف الجنيه سوف يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، في ضوء استيراد مصر للعديد من السلع الرئيسية، مثل القمح. لكن الحكومة يجب أن تقلق أكثر بشأن خطط دعمها الوعرة. تمثل مصر أكبر سوق في العالم للقمح، الذي تشتريه الدولة ويستخدم في صنع الخبز المدعم بقوة. تشتري الدولة بعض القمح من الداخل بزيادة بالغة عن تكلفته لتشجيع المزارعين المحليين. يجفف ذلك موارد الخزينة العامة ويشوبه الكثير من الفساد. حيث يخلط المزارعون القمح الأجنبي بقمحهم ويبيعونه بأسعار مرتفعة. كما يضخم الموظفون الحكوميون كميات القمح التي في صوامع الحكومة ويختلسون بعض أموال الدعم. حتى نظام البطاقة الذكية الذي هدف إلى تعقب مبيعات الخبز تعرض للاختراق، ما سمح لبعض الخبازين بالحصول على المزيد من الدقيق المدعم.حذر السيسي من تطبيق «إجراءات اقتصادية قاسية» قريبًا. كما يقر طارق عامر، محافظ البنك المركزي، بأن الدفاع عن الجنيه كان «خطأً فادحًا». يبدو مرجحًا أن الحكومة تعتزم تمرير عددٍ من الإصلاحات وخفض قيمة الجنيه. لكن السياسية الاقتصادية نادرًا ما تنفذ بشكل صحيح. فالحكومة، على سبيل المثال، تراجعت عن خطةٍ للبدء بالدفع للمزارعين المصريين بسعر السوق (بالإضافة إلى دعم صغير) مقابل قمحهم. وبدلًا من ذلك، هلل السيسي لمجموعةٍ متنوعة من المشروعات الضخمة، مثل توسيع قناة السويس، لتعزيز الفخر الوطني – وكبريائه. لكن هذه المشروعات لم تقدم الكثير لتعزيز الاقتصاد. بل في الواقع تراجعت إيرادات قناة السويس منذ إتمام توسيعها في أغسطس الماضي.سوف يدشن مشروعا آخر ذي صلة منطقة اقتصادية خاصة على جانبي القناة، والتي يفترض أن قوانينها وضرائبها سوف تكون أقل من بقية البلاد. أكد رئيس المنطقة، أحمد درويش، أن إدارة المنطقة «مستقلة بالكامل عن عملية اتخاذ القرار الحكومية». ومع ذلك، وقع القليل من الشركات للانضمام إلى المنطقة – ربما لأن زعم درويش قُوّض بالفعل بواسطة قرار الحكومة زيادة معدل ضريبة دخل الشركات، حتى في المناطق الاقتصادية الخاصة، من 10 بالمئة إلى 22,5 بالمئة. تجدر مقارنة ذلك بميناء جبل علي في دبي، حيث لن تدفع الشركات أي ضرائب لمدة 50 عامًا.
حالة
الكارثة الاقتصادية في مصر

يفكر صناع القرار، على الأقل، في طرق للتحايل على نظام مصر التنظيمي المتعجرف. حيث يستخدم السيسي الجيش في تنفيذ العديد من مشروعاته، ما يوسع نطاق دوره الكبير بالفعل في الاقتصاد. ومع ذلك، تتعرض الشركات العادية للخنق بفعل الروتين. لا شيء يتم دون تقديم رشاوي. وتحتل مصر بشكل بائس المركز 131 على مقياس البنك الدولي لسهولة ممارسة أنشطة الأعمال. يحتاج المستثمر لاستخراج تصاريح من 78 هيئة حكومية مختلفة لبدء مشروعٍ جديد، وفقًا لبيانات الحكومة. ولم يسفر وعدها، منذ 18 شهر، بإنشاء محطة واحدة لتستبدل كل هذه الخطوات، عن شيء حتى الآن.

يُعتقد أن حجم الاقتصاد غير الرسمي في مصر يبلغ حوالي ثلثي حجم الاقتصاد الرسمي حيث يبلغ عدد الشركات غير المراقبة من قبل الحكومة 18 مليون شركة

البيروقراطية مفترسة للغاية لدرجة أن بعض الشركات تفضل عدم التوسع للاختباء منها. حيث يبلغ عدد الشركات غير المراقبة (وغير الخاضعة للضرائب) من قبل الحكومة 18 مليون شركة. ويُعتقد أن حجم الاقتصاد غير الرسمي يبلغ حوالي ثلثي حجم الاقتصاد الرسمي.لكن المشروعات غير الرسمية تجد الأمر صعبًا أن تحصل على قروض، وبالتالي تجد النمو صعبًا. أصدرت الحكومة هذا العام تكليفًا بأن تذهب نسبة 20 بالمئة من القروض الحكومية إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة، لكن من غير الواضح كيفية معاملة الشركات غير الرسمية (أو ما إذا كان هناك قدر كافي من المشروعات الصغيرة الواعدة لاستيعاب هذه الأموال على أي حال). قد تعاني البنوك لتمويل هذه الخطة مع استمرارها في إقراض الحكومة.كذلك تفشل مصر في تجهيز شبابها بالمهارات المفيدة. حيث تزيد نسبة بطالة الشباب عن 40 بالمئة. التعليم الجامعي بالفعل مجاني، لكن جودته سيئة ولا تبذل الجامعات الكثير من الجهود لتدريس المهارات التي يحتاجها سوق العمل المحلي. تخرّج مصر الكثير من الأطباء – لكن الكثير منهم يسافر للعمل في السعودية وليس مصر. يعتمد الخريجون الآخرون على القطاع العام للتوظيف، لكن الوظائف الشاغرة تشح بشكل متزايد.احتج الخريجون العاطلون عن العمل عشرات المرات خلال السنوات الأخيرة. يشير عادل عبد الغفار من مركز أبحاث بروكينجز الدوحة إلى «الارتباط المباشر بين بطالة الشباب واستقرار الدولة السياسي والاقتصادي الاجتماعي». فمع استمرار نمو أعداد الشباب في مصر، يصف البعض البلاد بأنها قنبلة موقوتة.لكن مصر لديها أيضًا تاريخٌ من التخبط. فقد تلقى حسني مبارك، الزعيم المصري السابق، مساعدة من صندوق النقد الدولي وتبنى إصلاحاته المقترحة، ما أدى إلى نمو هائل في التسعينيات والألفينات، حتى مع استمرار معاناة جموع الشعب. يتطلع السيسي إلى تحقيق المزيد من التطوير على نطاق واسع. لكن حتى الآن هناك القليل من العلامات على أنه سوف يفعل ما يتطلبه تحقيق ذلك.