خرجوا الخطيب يتعالج

ربما لفت انتباه أحدنا خلال الأسابيع الماضية انتشار الهاشتاج المطالب بخروج الطالب أحمد الخطيب من السجن؛ لتلقي العلاج بعد اكتشاف إصابته بمرض خطير ونادر وهو «داء الليشمانيا الحشوية» أو «كالا آزار»، كما يطلق عليه في الهند، وهي تعني الحمى السوداء، حيث إن المصاب بالطفيل تكون وفاته مؤكدة في حالة عدم تلقي العلاج المناسب في وقت سريع من إصابته.

ولكن ما هي بداية إصابة أحمد بهذا المرض؟ ولماذا لم يتلق العلاج منذ بداية ظهور الأعراض علي جسده؟


أحمد الخطيب: قصة شاب عادي

أحمد عبد الوهاب الخطيب طالب بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، كان يعيش منذ ما يقارب الثلاث السنوات حياة بسيطة كأي شاب مصري في مثل عمره ما بين الدراسة والخروج مع أصدقائه حتى 28 أكتوبر 2014، حيث كان عمره حينها 19 عاما.

كان أحمد في تلك الليلة مع أصدقائه في شقة بمدينة الشيخ زايد يستأجرونها للمعيشة قريبا من جامعتهم، اقتحمت قوات الأمن الشقة في إحدى دوريات التفتيش على شقق الطلاب وتم اعتقال أحمد ليظل قيد الاختفاء القسري لا يعلم ذووه مكان احتجازه أو تهمته لمدة أسبوع، ظهر بعدها محتجزا بقسم الشيخ زايد كمتهم على ذمة قضية انضمام لجماعة إرهابية تحمل رقم 5078 كلي جنوب الجيزة.

بدأ أحمد منذ لحظته الأولى بعد اعتقاله كأي مسجون «سياسي» بعملية ترحيلات متعددة بين الأقسام والسجون، ففي البداية ظل محتجزا بقسم شرط الشيخ زايد لمدة شهر، تم نقله بعد ذلك لسجن الاستئناف بوسط القاهرة، ليظل فيه سبعة شهور أخرى، ثم إلى سجن طرة تحقيق بجنوب القاهرة الذي ظل محتجزا فيه حتى انتهاء فترة حبسه الاحتياطي والحكم عليه في 26 مارس 2016 بالسجن المشدد 10 سنوات، وغرامة 100 ألف جنيه.

بعد الحكم عليه تم ترحيله من سجن طرة تحقيق إلى ليمان 430ـ الموجود بمجمع سجون وادي النطرون على طريق مصر إسكندرية الصحراوي، بعد دخوله للسجن تم تجريده من ملابسه والاعتداء عليه بالضرب من قوة السجن فيما يعرف بين السجناء باسم «حفلة الاستقبال».

بعدها تم إيداعه بـ «زنزانة الإيراد»، وهي عبارة عن زنزانة ضيقة جدا بحيث لا تتسع لأكثر من 5 أشخاص، ولكن يتم إيداع أكثر من أربعين سجينا بها، والتي حكى عنها أحمد لأسرته في أول زيارة بأنهم كانوا ينامون بالتناوب بينهم، مجموعة تقف والأخرى تنام، كل منهم على جانبه حتى تتسع لأكبر عدد منهم نياما، ظل أحمد بهذه الزنزانة اثني عشر يوما، بعدها قاموا بالإضراب عن الطعام لمطالبة إدارة السجن لنقلهم للزنازين العادية لباقي المسجونين.


رحلة مرض سببها التعسف الأمني

في الزيارة كان مش قادر يمشي على رجليه وأصحابه بيسندوه، وشه كان مصفر وإيديه متجمدة وباردة

فاطمة شقيقة أحمد تحكي بدايات ظهور أعراض المرض عليه بعد خروجه من «الإيراد».

في 7 سبتمبر 2016 بدأت أعراض المرض تزداد على أحمد، فطلب من أسرته أخذ عينة دم وإجراء تحاليل سيولة دم و«فيرس سي»، قامت الأسرة بأخذ العينة سرا في الزيارة، وقامت بعمل تحاليل طبية عليها في أحد المعامل الخاصة، وكانت النتيجة عدم الإصابة بـ «فيرس سي» مع وجود سيولة عالية في الدم، مما يعني أنه بحاجة إلى مزيد من الفحوصات لمعرفة المسببات الحقيقية لسيولة الدم.

في 5 ديسمبر 2016 وبعد مرور ثلاثة أشهر من التحليل الأول قامت أسرته بأخذ عينة دم أخرى وتقديمها لأحد المعامل الخاصة لفحصها، فتبين وجود زيادة في نسبة سيولة الدم ونقص عالٍ في المناعة مما زاد من شكوك الأطباء بإصابته بمرض خطير، قامت الأسرة بنقل التحاليل لأحد الأطباء المتخصصين في أمراض الدم، الذي أشار إلى ضرورة عمل بذل نخاع للاشتباه بإصابته بمرض الليوكيميا «سرطان الدم»، وبعد عرض نتيجة التحاليل على طبيب السجن لم يعرها اهتماما إطلاقا، وقال إن «الموضوع عادي»، وبعد إلحاح من أحمد قام طبيب السجن بعمل سونار تبين فيه وجود تضخم في الطحال، ولكن لم يزد الأمر عن ذلك.

في منتصف ديسمبر 2016 قامت الأسرة بتقديم طلب لمصلحة السجون للسماح لأحمد بالخروج لأحد المستشفيات المختصة للكشف وتلقي العلاج، كما قامت بإرسال شكوى إلى المجلس القومي لحقوق الإنسان بسرعة التدخل ومطالبة وزارة الداخلية بأدنى حقوقه، ولكن بدون رد من الطرفين.

في نهاية فبراير 2017 وبعد مرور أكثر من سبعة شهور على التأكد من الإصابة بمرض خطير لم يتم التعرف على ماهيته بعد؛ قامت مصلحة السجون بترحيل أحمد من سجن ليمان 430 وادي النطرون لمستشفى سجن ليمان طرة بجنوب القاهرة – غير المجهز لاستقبال أي مريض، أيا كانت حالته المرضية بسيطة، فضلا عن حالة أحمد التي تحتاج إلى عناية فائقة وأطباء مختصين.

وبعد عرض نتيجة التحاليل الأخيرة على طبيب المستشفى كان الرد:

هو عنده أنيميا وهيتعالج ويرجع تاني وادي النطرون

لم تفهم أسرة أحمد وقتها هذا الرد المخزي؛ «فإذا كان الأمر بهذه البساطة فلماذا تم نقله من وادي النطرون إلى هنا؟»، حسبما عبرت شقيقته فاطمة. وعلى الفور قدمت الأسرة شكاوى لكل من نيابة المعادي والإدارة الطبية بالمعادي ومجلس التعاون الدولي بسرعة اتخاذ قرار لعرض أحمد على أطباء مختصين، ولكن بدون جدوى أو حتى رد رسمي.

28 فبراير 2017 بدأت حملة تدوين من نشطاء وحقوقيين يطالبون الحكومة المصرية بالإفراج الصحي لأحمد، حتى يتسنى له تلقي العناية الطبية المناسبة لحالته التي أصبحت في مرحلة خطيرة جدا.

18 مارس 2017 تم نقل أحمد من مستشفى سجن ليمان طرة إلى مستشفى قصر العيني لعمل بذل النخاع، لتظهر الكارثة الأكبر وغير المتوقعة، حيث جاء في تقرير قسم الباثولوجيا الإكلينيكية، الذي قام أطباؤه بإجراء الفحص الطبي:

من خلال فحص عينة بذل النخاع الخاصة بالمريض تبين وجود طفيل الليشمانيا

وبعد انتهاء الفحص عاد أحمد مرة أخرى إلى مستشفى السجن، برغم توجيهات الفريق الطبي الذي قام بإجراء الفحص بسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لنقله لمستشفى مختصة للعلاج، بعد عدة مطالبات حقوقية واتساع دائرة الاستنكار لما يحدث من تنكيل مع أحمد منذ أول يوم.

21 مارس 2017 أخيرا تم نقل أحمد إلى مستشفى الحميات بالعباسية لتلقي العلاج، ولكن حتى الآن لم يسمح لأسرته بزيارته أو الاطمئنان عليه، كما نقل عن العاملين بالمستشفى أن أحمد محتجز بالمستشفى تحت حراسة مشددة، كما أنه مقيد في السرير من قدمه ويده.


الليشمانيا تهدد حياة المسجونين: أين القانون؟

وبرغم أن المادة 36 من لائحة السجون تنص على:

مازال أحمد مقيدا بأحد الأسرة الحديدية ولا تعلم أسرته تداعيات الحالة الصحية، وفي هذا الصدد تقول شقيقته بأن: «أحمد الآن في وضع المحكوم عليه بالإعدام إن لم يتم الإفراج الصحي عنه في أسرع وقت».

لا تكمن الخطورة الآن في حالة أحمد الصحية المهددة بالانهيار في أي لحظة فقط، بل هناك ما هو أخطر من ذلك بكثير، فالليشمانيا الحشوي أو الحمى السوداء مرض طفيلي، (أي يعيش على حساب الكائنات الأخرى)، ينتقل عن طريق نوع من الذباب يسمى ذبابة الرمل الفاصدة، وهي حشرة محبة للداخل، أي تستوطن وتستقر داخل البيوت ومناطق السكن، وتعتبر الأماكن المبتلة أو قليلة النظافة هي الأماكن المفضلة لمعيشتها، وأنثى الحشرة هي التي تلدغ (أي تنقل المرض للإنسان)؛ لأنها تحتاج إلى الدم من أجل التكاثر.

وبالتالي الإصابة بالمرض، وعند إصابة شخص بالمرض فيرجح احتمال وجود حشرات أخرى حاملة لنفس المرض بنفس المكان، أما بالنسبة للمرض نفسه فهو يصيب الفقاريات، ومنها الإنسان، ويسبب تضخم في الكبد والطحال وقصور في الجهاز المناعي، مما يعني وفاة المريض، إما بالمرض نفسه، أو بأي عدوى أخرى بسيطة إذا لم يتم العلاج السريع له، وتكمن خطورة المرض في أنه قد يبقى خاملا داخل جسم الإنسان بدون ظهور أي أعراض في مدة تتراوح بين شهرين وستة أشهر، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.

وكذلك عند ظهوره تتشابه أعراضه مع العديد من الأمراض الأخرى،يصيب بالمرض سنويا حوالي ١,٣ مليون إنسان سنويا، ويؤدي إلى وفاة من 20 إلى 30 ألف إنسان سنويا، وينتشر المرض بصورة رئيسية في شرق آسيا وشرق أفريقيا وشمال شرق البرازيل، أما بالنسبة لإصابة به في مصر فلم توثق سوى حالة إصابة واحدة في سيناء عام ٢٠٠٨.


الإهمال الطبي والقتل العمد سيدا الموقف

كل محكوم يتبين لطبيب أنه مصاب بمرض يهدد حياته بالخطر أو يعجزه عجزا كليا يعرض أمره على مدير القسم الطبي للسجون لفحصه بالاشتراك مع الطبيب الشرعي للنظر في الإفراج عنه

الإهمال الطبي في السجون جريمة قتل عمد، وبرغم ذلك فهو سياسة متبعة من وزارة الداخلية في إدارة السجون، حيث رصد مركز النديم خلال العام 2015 358 حالة إهمال طبي متعمد في السجون وأماكن الاحتجاز المختلفة، كما قام برصد 16 حالة إهمال طبي انتهت بالوفاة في أماكن الاحتجاز، ليرتفع العدد في 2016 ليصل إلى 448 حالة تم رصدها عن طريق المركز، أما عن أماكن الاحتجاز التي فقد فيها المحتجزون حياتهم جراء الإهمال الطبي، فقد تم رصد 55 مقرا شرطيا، وذلك خلال العام 2015 فقط.

وبرغم نص التقرير الطبي على التوصية بعمل مسح طبي للمنطقة التي كان موجودا بها المصاب لمنع انتشار العدوى، لكن مصلحة السجون لم تقم بأي عملية مسح أو فحص للمسجونين داخل مجمع سجون وادي النطرون، الذي يحتوي على أربعة سجون تحتوي على آلاف المسجونين من جنائيين وسياسيين.

كما يحتوي على معسكرات تدريب للأمن المركزي وكذلك مزارع تابعة لوزارة الداخلية، وجميع من هم في هذه المنطقة من إدارة السجن والقوات والمساجين معرضون للإصابة بالمرض، كما ذكرنا سابقا في تعريفنا للمرض نفسه، فذبابة الرمل لا تفرق بين إنسان وآخر، كما أن أعراض المرض في بعض الأحيان تظهر مؤخرا ربما بعد ستة أشهر من الإصابة، كذلك لم تقم وزارة الداخلية بأي تصريح عن الواقعة برغم خطورتها الشديدة على أفراد الداخلية الموجودين هناك، وكذلك على المساجين الذين هم في عهدة الوزارة.

كما أن الأمر أيضا مرتبط بعمل وزارة الصحة في حالة ظهور طفيليات وأمراض جديدة بهذه الخطورة أيضا لم تقم بأي تحرك أو إصدار أي بيانات، التعتيم في هذه الحالات هو المعتاد من قبل الحكومة، ولكن في هذه المرة لن يفيد كثيرا، فمن المؤكد إصابة أشخاص آخرين بنفس المرض، ربما من المسجونين أو من مجندي الأمن المركزي أو من إدارة السجن نفسه، أو ربما أحد مسئولي الوزارة أصيب به أثناء زيارته للسجن، فلإصابة شخص بالمرض يكفي وقوف ذبابة على جسده.

المراجع
  1. داء الليشمانيات
  2. Parasites – Leishmaniasis
  3. التثقيف عامل رئيسي في مكافحة داء الليشمانيات الحشوي