في شهر نوفمبر/ كانون الثاني الماضي رافقت فرق تابعة لمنظمة أبحاث النزاعات المسلحة، الوحدات العسكرية العراقية أثناء حملتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل. حيث تمكن عدد من خبراء تلك المنظمة البريطانية غير الحكومية من تفتيش ستة مصانع أسلحة تابعة للتنظيم.

في تقريرها الشامل الذي أصدرته المنظمة كشفت الأخيرة أن تنظيم الدولة الإسلامية امتلك في الفترة الماضية قدرات واسعة على إنتاج أسلحة وذخيرة متطورة. وأفاد التقرير أن تنظيم الدولة أنتج في الآونة الأخيرة أسلحة على نطاق ودرجة من التطور تضاهي مستوى تسلح قوات الجيوش الوطنية، وأن درجة الدقة الفنية لما يصنعه التنظيم تشير إلى أنه لا يمكن وصف ذلك بأنه إنتاج «بدائي» للأسلحة.

كما أشار التقرير إلى حقيقة امتلاك التنظيم منذ البداية قبل انخراطه في عمليات التصنيع العسكري لكميات هائلة من الأسلحة استحوذ عليها التنظيم في السنوات الماضية من الجيشين العراقي والسوري.

مع أهمية ذلك المخزون الكبير من الأسلحة الذي يمتلكه التنظيم، فإن مقومات السيادة العسكرية التي تتمتع بها الدول في العالم المعاصر، تعتمد بصورة كبيرة على امتلاك سلاح طيران حديث ومنظومات للدفاع الجوي، وهو ما يعتقد الكثيرون حتى الآن أن التنظيم يفتقر إليه منذ نشأته وإلى اليوم، رغم تحوله إلى سلطة فعلية خلال رقعة جغرافية واسعة في شرق سوريا وغرب العراق في السنوات الماضية، ولكن هل هذا الاعتقاد السائد صحيح بصورة مطلقة؟


ماذا تحتوي ترسانة تنظيم الدولة الإسلامية؟

بعد اقتحام تنظيم الدولة لقاعدة الرقة الجوية الواقعة قرب مدينة الرقة منذ أكثر من عامين بعد حصار استولى التنظيم على منظومات دفاع جوي روسية الصنع من طراز SA-24 كَرنتش كانت موجودة في تلك القاعدة. كما استولى أيضا على أسلحة أمريكية متطورة، من ضمنها مدافع، سيارات مدرعة، وكذلك عدة دبابات من نوع برامز من الجيش العراقي الذي فر من الموصل بعد العاشر من يونيو/حزيران من عام 2014 .

كما حصل التنظيم أيضا على مضادات للطائرات من نوع zu23-2 و zu23- 4 السوفيتية والبولندية والبلغارية الصنع، وكذلك منظومات الدفاع الجوي الأمريكية المحمولة نوع ستنجر FIM92، كما استخدم التنظيم بالفعل أسلحة ثقيلة من النوع GHSK، التي تؤدي إلى تضاؤل قدرة الهلكوبترات الهجومية بصورة فعالة، على الرغم من أنها لا تستخدم بكثرة ضد الطائرات النفاثة والتي تطير على ارتفاعات عالية.

مضادات أخرى حصل عليها التنظيم وبكميات كبيرة -كما يُعتقد– هي مضادات FN-6 صينية الصنع التي يمكنها اصطياد أهدافها على علو 11,000 قدم، وكذلك منظومة SA-16 للدفاع الجوي التي تلتقط أهدافها على بعد 16,000 قدم.

من الجدير بالذكر أن منظومة الـ SA-24 هي أفضل ما تم الاستيلاء عليه من قبل التنظيم، وذلك لقوتها وسهولة تشغيلها، فهي مصممة ضد الأهداف المنظورة مثل الطائرات التكتيكية العسكرية، الهليكوبترات، صواريخ كروز، والطائرات بدون طيار، وكذلك لفعاليتها العالية ولمداها الأكبر ولقدرتها على ضرب الأهداف أثناء الليل.

ونشاهد خلال الصور التالية بعض الاستعراضات العسكرية التي قامت بها ما يسمى بكتيبة الدفاع الجوي بولاية نينوى.

استعراض كتيبة الدفاع الجوء في ولاية نينوى، داعش، العراق
استعراض كتيبة الدفاع الجوء في ولاية نينوى
استعراض كتيبة الدفاع الجوء في ولاية نينوى، داعش، العراق

في هذا السياق كشف أيضا تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية العام الماضي امتلاك تنظيم الدولة ترسانة كبيرة من الأسلحة الحربية المتطورة، بعد أن استولى عليها من معسكرات جيوش البلدان التي يتواجد فيها.

وقد ذكرت العفو الدولية في تقريرها أن تحليلات الخبراء كشفت أن التنظيم تحصل على هذه الأسلحة بشكل أساسي من خلال نهب مخازن الجيش العراقي، التي كانت تحتوي على أسلحة تم تصنيعها في أكثر من 20 دولة، بينها الصين وروسيا والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.

في السياق ذاته كشفت جريدة الإندبندنت البريطانية مطلع العام الماضي أن خبراء الأسلحة في تنظيم الدولة ابتكروا تقنية أسلحة متطورة قادرة على إسقاط طائرات الركاب المدنية.

وبحسب الصحيفة، تظهر لقطات فيديو نشرت مؤخرا مقاتلين بقاعدة التنظيم في مدينة الرقة السورية وهم يبتكرون بطارية حرارية محلية الصنع لاستخدامها في الصواريخ سطح جو المفككة.

وتنقل الصحيفة عن خبراء أسلحة دوليين أن التنظيم كانت لديه إمكانية الوصول إلى هذه الأسلحة منذ عقود، لكن تخزين وإعداد البطارية الحرارية الأساسية لوظيفة الصاروخ صعبة جدا من دون معرفة متقدمة، وبالتالي فإن التطور الأخير في غاية الأهمية. ولذلك يُخشى الآن من احتمال تمكّن التنظيم من إعادة آلاف الصواريخ غير المستخدمة إلى الخدمة مرة أخرى.

كما أشارت الصحيفة إلى أن الصواريخ التي ظهرت في الفيديو المشار إليه الذي بثته شبكة سكاي نيوز البريطانية، تبلغ نسبة دقتها نحو 99% بمجرد تصويبها إلى أهدافها. كما يظهر شريط فيديو آخر، تقول سكاي نيوز إنها حصلت عليه من مقاتلي الجيش السوري الحر الذين حصلوا عليه بدورهم من أسير عمل مدربا للتنظيم، اختبارا لمركبة كاملة التحكم عن بعد.

ويظهر الشريط مقاتلي التنظيم مع مجسمات لأشخاص مزودة بأنظمة تنتج إشارات حرارية بشرية تسمح للمركبات بتفادي أجهزة المسح الضوئي الأمنية المتطورة وشن هجمات بالقنابل على أهداف رفيعة المستوى. وتشمل اللقطات أيضا تدريبات تلقن المقاتلين كيفية شن هذه الأنواع من الهجمات في بلدانهم.


طائرات داعش المفخخة التي يمكن شراؤها عبر الإنترنت

استعراض كتيبة الدفاع الجوء في ولاية نينوى، داعش، العراق

أشار تقرير لجريدة نيويورك تايمز الأمريكية في شهر سبتمبر/أيلول 2016 إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية في الآونة الأخيرة على عكس الجيش الأمريكي الذي يطلق طائرات بدون طيار بحجم طائرات الركاب الصغيرة، التي تحتاج إلى مدرجات للإقلاع والهبوط، صار يستخدم طائرات بدون طيار أكثر بساطة، ومتاحة تجاريا مثل DJI Phantom، والتي يمكن شراؤها من على موقع Amazon. ثم يقوم التنظيم بربط مجموعة من العبوات الناسفة الصغيرة في تلك الطائرات، مما يجعلها قنابل موجهة عن بُعد.

كان التنظيم يقوم في البداية باستخدام الطائرات بدون طيار لتصوير الهجمات الانتحارية بالسيارات المفخخة، والتي نشرها المقاتلون على الإنترنت. ولكن القادة الأمريكيين والعراقيين أكدوا أنه أصبح واضحا منذ بدايات عام 2016 أن داعش تستخدم تلك الطائرات كعامل مساعد في ساحات المعارك.

وفي شهر مارس/آذار 2016 أفاد تقرير استخباراتي أمريكي بأن تنظيم الدولة نشر فيديو على الإنترنت، التقطته إحدى طائراته المسيرة . ظهرت خلاله القواعد الجديدة التي تتمركز فيها القوات الأمريكية والعراقية في شمال العراق.

القواعد الجديدة التي تتمركز فيها القوات الأمريكية والعراقية في شمال العراق، داعش

بعد أيام من ظهور الفيديو أُطلق صاروخ على منتصف إحدى نقاط التمركز المتواجد فيها أكثر من 100 جندي من المشاة البحرية الأمريكية، وقُتل أحدهم في ضربة دقيقة من التنظيم، وهناك بعض الاعتقادات بأن طائرة بدون طيار استُخدمت في عملية الاستهداف. وعلى مدى الصيف أبلغت القوات الأمريكية في العراق وسوريا عن رؤيتها طائرات صغيرة بدون طيار تحوم بالقرب من قواعدها وحول الخطوط الأمامية في شمال العراق.

خصص البنتاغون في هذا الإطار موارد هائلة لإيقاف هجمات الطائرات بدون طيار التي يشنها تنظيم الدولة، لكن عددا قليلا حتى الآن من الوحدات العراقية والتركية تم تزويدها بالمعدات المعقدة التي يمتلكها الجنود الأمريكيون، واللازمة لتعطيلها.

وقد طلب البنتاغون 20 مليون دولار إضافية من الكونغرس للتعامل مع المشكلة، كما تم تأسيس مكتب خاص لدراسة كيفية إيقاف تلك الطائرات.

في السياق نفسه قدم مركز مكافحة الارهاب في أكاديمية وست بوينت العسكرية بالولايات المتحدة، في تقرير نشر على الإنترنت، دراسة لوثيقة منسوبة لتنظيم الدولة مكونة من حوالى ثلاثين صفحة تتعلق بشراء وبناء واستخدام تنظيم الدولة الإسلامية لطائرات مسيرة قتالية اكتشفتها الباحثة فيرا ميرونوفا من جامعة هارفرد في العراق أثناء تواجد الأخيرة لعدة أيام داخل وحدة للجيش العراقي قرب الموصل أثناء العملية العسكرية الدائرة حتى الآن.

وتدل الوثائق التي قدمتها تلك الباحثة إلى المركز بهدف تحليلها على أن تنظيم الدولة الإسلامية شكل منذ 2015 وحدة على الأقل مكلفة بتطوير واستخدام طائرات مسيرة قتالية استنادا إلى طائرات مسيرة مدنية معدلة قادرة على نقل ذخائر لإلقائها بدقة نسبية على أهداف للعدو. وتدل هذه الوثائق على «أن تنظيم الدولة الإسلامية شكل وحدة رسمية لتطوير طائرات مسيرة يتم تمويلها منذ 2015 أو حتى قبل ذلك»، وأنه « كان ينوي منذ ذلك التاريخ استخدامها كأسلحة هجومية».

وتشمل الوثائق المدرجة في التقرير استمارات موحدة يكتب عليها مشغلو الطائرات نوع المهمة (تدريب أو تجسس أو قصف)، وموقعها، ونوع المعدات المستخدمة، وإذا تكللت بالنجاح، وإذا أخفقت وسبب ذلك.

وقد حذر المركز أخيرا من تحسين تنظيم الدولة الإسلامية قدراته على القصف انطلاقا من طائرات مسيرة خلال المدى القصير، مرجحا أن هذا النوع من العمليات قد يصبح أكثر انتشارا وفتكا في الفترة المقبلة.