يُصنَّف الاقتصاد الجزائري من ضمن قائمة الاقتصاديات الغنية بالموارد. فالجزائر تعتمد على النفط والغاز كسلعتين أساسيتين تُنتجهما وتصدرهما، وهي رابع مصدر لإنتاج الغاز الطبيعي في العالم، وثالث مُنتِج للنفط على مستوى قارة أفريقيا.

ويُشكِّل كلا من الغاز والنفط قرابة 98% من إيرادات صادراتها و70% من عائدات اقتصادها بشكل عام، ونسبة 40% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، ورغم ذلك فهذا القطاع لا يُسهم سوى في توظيف 2% فقط من الأيدي العاملة بالبلاد.

وفي إطار التراجع والانهيار الحاد الذي شهدته أسعار النفط العالمية، عانى الاقتصاد الجزائري من أزمة حادة، سببها الرئيسى هو اعتماد إيراداته بطريقة شبه كاملة على عائدات صادرات النفط والغاز، وجراء هذا الانهيار انخفضت إيراداته بشكل كبير ولم يكن هناك أي تطور في القطاعات والنشاطات الاقتصادية الأخرى التي قد تُعوِّض هذا التراجع، وهي نتيجة حتمية لسياسة عدم التنوع في النشاط الاقتصادي.


التطور التاريخي للاقتصاد الجزائري

مرت الجزائر بمراحل تاريخية مختلفة أثرت في تطور بنية اقتصادها منذ العهد العثماني وحتى عصرنا الحالي. ففي العهد العثماني، تراوح الاقتصاد الجزائري بين الانتعاش نتيجة الاعتماد على الاكتفاء الزراعي والحرفي والتوازن التجاري القائم على مبادلة السلع الأولية الزراعية بالسلع الأوروبية، والتقهقر بعد القرن الثامن عشر نتيجة الأوبئة والطاعون الذي أصاب البلاد وأدى إلى عدم القدرة على التطور داخليًا أو التفاعل الدولي، وهو ما مكّن فرنسا –نسبياً- في نهاية الأمر من احتلال الجزائر.

وفي ظل الاحتلال، عانى الاقتصاد من تشوهات كبيرة في مجمل أنشطته، والتي كانت موجهة لخدمة الاقتصاد والمستهلك الفرنسي بالأساس، وتم ذلك من خلال مصادرة ملكية الأراضي الزراعية من مالكيها الجزائريين، والعمل على تطوير الصناعات التي تخدم مصالحها فقط، بجانب محاولاتها للسيطرة والتحكم في السياسية النفطية للجزائر.

بعد التحرير، وتحديدًا في فترة ما قبل الثمانينات، اعتمدت الدولة بشكل كبير على الريع النفطي، ونظمت الاقتصاد في البداية عن طريق المؤسسات الاقتصادية التي خلّفها الفرنسيون، قبل أن يتم تأميمها، لتهمين الدولة بشكل تام على قطاعات الاقتصاد، مع محاولات للاهتمام بالطبقة العاملة وتحسين ظروفها. وقد شهدت فترة ما بعد الثمانينات محاولات لإجراء عملية إصلاح شامل، من خلال تدعيم الفعالية والكفاءة والمهارة وتحفيز فكرة حرية العمل واتخاذ القرار، وقد جاء ذلك من خلال سياسات إعادة الهيكلة على مستويات عدة سواء إعادة هيكلة مالية أو استغلال كفء للطاقات البشرية.

وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، دخل الاقتصاد الجزائري في أ وائل التسعينيات مرحلة اقتصاد السوق، بفعل ضغوطات صندوق النقد الدولي، حيث تم نقل ملكية المؤسسات الاقتصادية من القطاع العام إلى الخاص، مع الحد من تدخل الدولة في الشئون الاقتصادية، والسماح لرأس المال الأجنبي بالاستثمار في قطاعات الاقتصاد الوطني.


مؤشرات أداء الاقتصاد الجزائري

خلال عامي 2017 و2018، تراجعت معدلات نمو الناتج المحلى الإجمالي، حيث سجلت 1.6% و2%، مقارنة بالسنوات الثلاثة السابقة، التي تراوح فيها معدل النمو بين 3.8% و3.9%.

وتعتمد الموازنة العامة الجزائرية على عائدات النفط بنسبة 65%، وفور الانخفاض الحاد الذي لحق بأسعار النفط العالمية، ارتفعت نسب عجز الموزانة لحدود غير آمنة، فوصلت إلى 7.3% عام 2014، وارتفعت بدرجة كبيرة عام 2015 إلى 16.2%، ثم بدأت الحكومة باتخاذ إجراءات تقشفية لحل أزمتها فتحسن عجز الموازنة بنسبة صغيرة ووصل إلى 12.2%، وواصل انخفاضه عام 2017 ليصل إلى 11.5%، نتيجة تحسن وارتفاع أسعار النفط مرة أخرى، وصولاً إلى عام 2018، حيث بلغ العجز حوالي 7.3%.

أما بخصوص الحساب الجاري (المؤشر الذي يقيس الفرق بين الصادرات، والواردات)، فقد شهد عجزًا عام 2014 بلغ 4.4%، لكن مع تراجع قيمة العملة المحلية، واستثمارات رأس المال الثابت، وصل عجز الميزان الجاري إلى 16.5% عام 2015، ثم 15.6% في عام 2016، حتى ظهرت آثار ارتفاع أسعار النفط مرة أخرى، فانخفض العجز في عامي 2107 و2018 إلى 13% و10% على التوالي.

وعلى مستوى الدين العام، يمكن القول إن نسبته اتجهت للزيادة بين أعوام 2014 و2018. حيث بدأت بـ 7.7%، وبلغت ذروتها عام 2016 لتصل إلى 20.6%، ثم انخفضت عامي 2017 و2018 إلى 17.9% و17.7%، إلا أنها ما زالت مرتفعة بالنسبة للاقتصاد الجزائري، على الرغم من كونها نسبًا آمنة وعادية مقارنة بدول المنطقة.

المؤشرات القادمة هي الأكثر حساسية بالنسبة للرأي العام الجزائري، لأن رجل الشارع هو من يشعر بتأثيراتهم بشكل مباشر.المؤشر الأول هو التضخم، والذي ارتفع من نسبة 2.4 عام 2014، ووصل إلى الذروة عام 2016 بنسبة 6.4%، ليستقر عام 2018 عند نسبة 4.4%. وهي نسبة مرتفعة مقارنة بما كان الوضع عليه قبل انخفاض أسعار النفط.

المؤشر الثاني هو البطالة، والذي بلغت نسبتها حتى سبتمبر/أيلول 2018 حوالي 11.7%، بارتفاع 1.5% عن العام السابق (2017).


آفاق الاقتصاد الجزائري

ما بين توقعات المنظمات الاقتصادية الدولية المتفائلة تجاه الاقتصاد الجزائري خلال عام 2019، وتوقعات بعض خبراء الاقتصاد بأزمة اقتصادية قد تحل بالبلاد، نتيجة الأزمات السياسية الحالية، يسيطر الضباب على آفاق الوضع في البلاد.

يرى البنك الدولي أن الاقتصاد الجزائري سيشهد انتعاشًا قويًا خلال عام 2019، حيث توقع ارتفاع معدل نمو الناتج المحلي 2.0%، مشيرًا إلى إمكانية تراجعه عام 2020، والسبب وراء هذا التوقع هي خطط الإنفاق الرأسمالي التي باشرتها الدولة على إثر الأزمة الحالية، التي أدت إلى ارتفاع معدل النمو وتعافي الاقتصاد من تراجع أسعار النفط، إضافة إلى تحسن قطاع الخدمات المالية، وما حققته القطاعات الأخرى البعيدة عن المحروقات من معدلات نمو طفيفة.

وعلى جانب آخر، أصدر عدد من مراكز الدراسات الاقتصادية تقارير تُحذر من أزمة اقتصادية جديدة قد تضرب البلاد خلال عام 2019، وذلك إذا لم تقم الحكومة بإصلاحات اقتصادية فورية تعمل على تنويع مصادر الإيرادات، من خلال الاهتمام والتطوير بالقطاعات الاقتصادية الأخرى غير المحروقات.

ويأتي هذا مع اعتراف الحكومة الحالية بأن السياسات الاقتصادية المتبعة غير ناجحة ولكنها تواجهه صعوبة في إصلاحها، ومن ثَمَّ بدأت الاحتياطيات النقدية للبلاد في التآكل بسبب زيادة فاتورة الواردات، وهو ما ينذر –في حالة عدم التدخل السريع- بعجز الدولة عن توفير أموال لاستيراد احتياجاتها الأساسية من الخارج.


ما بين التجربة الجزائرية والفنزويلية

يُصنف كل من اقتصاد البلدين (الجزائر وفنزويلا) بأنه اقتصاد غني بالموارد وخصوصًا النفط، الذي يشكل السلعة الأساسية للبلدين والمصدر الأساسي للعملة الصعبة، ويكاد يكون الوحيد لعائدات الصادرات نتيجة عدم تنويع الاقتصاد في كل منهما.

ففي الجزائر يُشكل النفط نسبة 65% من عائدات الصادرات، ويشكل نسبة 90% من عائدات صادرات فنزويلا، بالإضافة إلى امتلاك كل منهما احتياطي نفطي مُطمئِن، إلا أنه مع انهيار أسعار النفط منذ عام 2014، واجهت كل من البلدين نفس الأزمات تقريبًا، من تراجع في معدلات النمو وزيادة نسب الدين، وارتفاع نسب التضخم وانخفاض الاحتياطي النقدي.

لجأت حكومتا الجزائر وفنزويلا أيضًا إلى نفس الحلول؛ من سياسات تقشفية لتخفيض النفقات، وطباعة المزيد من النقود، فطبعت فنزويلا عملة إلكترونية (بترو) مدعومة بالنفط والغاز والذهب، بينما طبعت الجزائر المزيد من عملتها المحلية لسد عجز الموازنة لديها لمدة 5 سنوات.

ورغم ذلك، لا يعتقد الخبراء أن الجزائر قد تلقى مصير فنزويلا، على الأقل على المدى القصير. ففنزويلا وصلت إلى مرحلة متأخرة للغاية، بدايةً من معدل التضخم الذي وصل إلى 1600% عام 2018، وعجز الناتج المحلي الذي بلغ نسبة 20%، وحجم الديون الذي تخطى الـ 120 مليار دولار عام 2017. ووصولاً إلى تقلص الاقتصاد ككل بنسبة 16.6% عام 2017، وفقدان العملية لـ 87% من قيمتها أمام اليورو خلال 5 أشهر فقط.

إضافة إلى ما سبق، فلا شك أن سياسات الدول الكبرى تجاه اقتصاد فنزويلا، كونها منطقة استقطاب لنفوذ الدول الكبرى (الولايات المتحدة والصين) هي ساهمت في تأخر الوضع هناك، وهو أمر غير متوافر في حالة الجزائر، حتى وإن وُجد، فلن يكون ذا تأثير كبير.