الرضاعة سلوك فطري وتلقائي، حتى الحيوانات تلد وترضع ولم يعلمها أحد. كلنا أطعمنا أطفالنا في سن مبكرة ولم يحدث لهم مكروه. لا بأس من استعمال الببرونة والتيتينة من آن لآخر، كلنا قمنا بذلك.
عزيزتي الأم،

حمدًا لله على سلامتك وسلامة مولودك، أما بعد..

فور وصول مولودك إلى دنيانا، ستجدين نفسك محاطة بمجموعة من الأحباء الأعزاء حسني النية، يشاركونك نصائح الأمومة ويسعون بأي شكل لمساعدتك والتخفيف عنك، وقد يعرض البعض العناية بطفلك مؤقتًا حتى تتمكني من الخروج للهواء الطلق وحدك أو الاستجمام قليلاً أو حتى ممارسة نشاط الأمهات المفضل وهو «الحملقة في السقف»، كل هذه الأمور الطيبة والحميدة تمامًا قد يقودك التطبيق الخاطئ لأي منها إلى سلسلة من المشاكل المحتملة، لذلك – وفي هذا المقال سنساعدك على انتقاء النصائح الصائبة وتوظيف مساعدات الآخرين بالشكل الأمثل.


مبدئيًا: لا تترددي في طلب المساعدة

تقريبًا كل مهام يومك يمكنك إيكالها للآخرين فور توافر الفرصة، مهام المنزل اليومية والكثير من واجبات التسوق والعناية بالأطفال الكبار وغيرها الكثير ما يحتاجه يومك، لا تنتظري أن يعرض الآخرون مساعدتهم فربما أعيتهم الحيرة كما أنك أدرى بما تحتاجين، ولا تطالبي نفسك بدور المرأة الخارقة في هذا المرحلة. حتى المهام المتعلقة بطفلك مثل تغيير الحفاض، أو العناية بملابسه، أوكلي للآخرين أي شيء يمكنهم القيام به باستثناء الرضاعة التي سنفرد لها تفصيلاً حيال ما يمكن للآخرين مساعدتك بشأنه.


القاعدة الأولى: الرضاعة ليست مؤلمة

لا تأخذي بهذه النصيحة تحت أي ظرف من الظروف: «استحملي، هي الرضاعة كده في الأول بتوجع، كلنا كنا كده».

الرضاعة خالية من الألم، لها فقط إحساس باللمس والضغط والشدّ الخفيف والدغدغة المريحة وإحساس سريان اللبن داخل قنوات الثدي، وبعض انقباضات الرحم.. لكن أي ألم يصاحب الرضاعة هو إشارة لوجود خلل يحتاج التدخل والتعديل. خلق الله الألم لتنبيه الإنسان لما يؤذي جسده ليُعجل بالتدخل قبل حدوث إصابة شديدة.

ذلك فمن سوء الحكمة وخلل التقدير أن نظن بعملية فسيولوجية وطبيعية تمامًا مثل الرضاعة أن تكون مؤلمة بالفطرة! خاصة أنها مسألة مصممة لكي تستمر شهوراً وسنوات، وليست خطوة مؤقتة تتطلب صبرًا وجيزًا على الألم مثل الولادة.

آلام الثدي أثناء الرضاعة لها أسباب معروفة ويمكن التعامل معها بسهولة، أشهر أسبابها هو وضع جسم الطفل في وضعية خاطئة بالنسبة لجسم الأم، أو طريقة خاطئة من فم الطفل لثدي الأم، وأحيانًا ما تكون بسبب عدوى فطرية لفم الطفل و/أو ثدي الأم، وفي أحيان أخرى يحتاج الأمر لفحص التجويف الفموي للطفل لاستبعاد وجود رباط اللسان أو رباط الشفاه.

وفي كل الحالات، شعورك بالألم أثناء الرضاعة يستوجب التوجه إلى استشاري رضاعة طبيعية لتحديد المشكلة ومساعدتك في التغلب عليها.


القاعدة الثانية: الرضاعة مسألة فطرية للطفل، لكنها قد تكون مهارة تحتاج إلى التعلم والممارسة

التجسيد الحي لتعلّم الأم للرضاعة هو بالضبط كما تتعلم قيادة الدراجات! في البداية تحتاج لعجلات مساعدة، وتكون شديد الحرص وتحتاج أن تذكر نفسك بارتداء الخوذة واتخاذ كل تدابير السلامة والأمان، بل وقد تحتاج إلى من يوجهك ويساندك مرة أو أكثر.

هكذا هي الرضاعة بالنسبة للأم، فلا تتهمي نفسك بالإخفاق لو أصابك عدم توفيق في الأيام الأولى من الرضاعة، واسترجعي القاعدة المبدئية وهي ألا تتردي في طلب المساعدة، والمساعدة هنا تكون بالتوجه لاستشاري الرضاعة الطبيعية. ولكن إذا كانت الرضاعة الطبيعية مسألة فطرية بالنسبة للطفل، فلماذا لا يقوم بها وحده دون توجيه أو معاناة؟


القاعدة الثالثة: الولادة الفطرية تفضي إلى رضاعة فطرية.

يولد الطفل بمنعكسات رد فعل فطرية عديدة، كثير منها يهدف لجعل الطفل يبحث عن الثدي، ويميل نحوه ثم يلتقمه، ويرضع. لذلك فإن الساعات الأولى من عمر الطفل هي ساعات ذهبية لتحقق الرضاعة واستقرارها، فمن الأولى أن ندع الطفل في الساعة الأولى من الولادة يستلقي ببطنه على بطن الأم وجلده ملامس لجلدها مباشرة، دون أي رضعات صناعية أو أعشاب أو ماء أو حتى سكاتة (لهاية/تيتينة).

الساعة الأولى من عمر الطفل ذهبية لا لأنه جائع، ولكن لأنه يكون في كامل وعيه وتركيزه –بفرض أنه لم يتعرض لأدوية مخدرة أثناء الولادة- حتى يحقق أفضل استثمار لمنعكساته الفطرية.

كلما زادت التدخلات غير الضرورية في الولادة، ظهرت صعوبات أكثر في الرضاعة. والولادة الفطرية الطبيعية لا تعني فقط أن تكون الولادة مهبلية، بل تعني أن تتم في ظروف أقرب للحدث الفسيولوجي الطبيعي منه إلى الجراحة الطبية الكبرى.

كما أنها لا تعني أبدًا أن تكون الولادة مؤلمة، بالعكس، فالولادات المؤلمة قد تؤدي إلى نتائج عكسية، ولكن المقصود هو أن تكون التدخلات بحكمة وبالقدر المطلوب، مع اختيار وسائل تُذهب الألم دون إلحاق ضرر بوعي وتركيز الطفل.

هذه التركيب المحكم من توظيف المنعكسات يفسد تمامًا باستخدام الرضّاعات الصناعية (الببرونة) أو السكاتة (اللهاية/ التيتينة).


القاعدة الرابعة: الببرونة والتيتينة -كلاهما- تضربان آلية المص والبلع في صميمها

حتى وإن كانت الببرونة والتيتينة تحتوي على لبن الأم فهما تتسببان للطفل في خلط بين طريقة المص منهما من ناحية، وثدي الأم من ناحية أخرى، فيما يعرف باسم التباس الحلمات، الأمر الذي ينتهي برفض الطفل للرضاعة من أحدهما وعادة ما يكون الرفض من نصيب ثدي الأم، لنظن خاطئين أنه قد قرر فطام نفسه.

هذه النتيجة تكاد تكون حتمية خاصة إذا حدث هذا التدخل في الأيام الأولى من عمر الطفل، فبعض الأطفال يصيبهم التباس الحلمات بعد استخدام واحد للببرونة أو التيتينة، والبعض الآخر قد يبدي صمودًا مؤقتًا لعدد من الرضعات حتى يلتبس عليه الأمر ويترك ثدي أمه.

المأزق هنا هو أن التخلص من التباس الحلمات وإعادة الطفل إلى الرضاعة المباشرة من ثدي أمه عملية شاقة ومرهقة، ولكنها ممكنة. فإذا كنت تقرئين هذه السطور قبل استخدام التيتينة أو الببرونة، فدعيها فإنها مُفسدة. وإن كنت تقرئينها بعد تعرض طفلك لالتباس الحلمات فلا تيأسي من عودة طفلك إلى ثديك، وراجعي استشاري رضاعة طبيعية.

كيف يمكن للآخرين المساعدة في إرضاع صغيري لو اضطررت لتركه قليل من الوقت؟

يمكنك الاستعداد لذلك بضخ أو تصير كمية مناسبة من لبنك وحفظها في المبرّد بقواعد حفظ معينة خاصة بلبن الأم، ويمكن للآخرين استخدامها في إرضاع الطفل بالملعقة أو السرنجة أو القطارة، وهناك طريقة الإرضاع من الفنجان أو Cup feeding، بمحاذاة فم الطفل لحافة فنجان يمتلئ ثلثاه فقط باللبن، وسيقوم هو بإخراج لسانه واغتراف رشفة لبن، ولاحظي أنك لا تسكبين اللبن داخل فمه، فهو لا يشرب، ولكنه يحاكي طريقة حركة اللسان أثناء رضاعته من ثديك.

ولا تقارني للحظة بين إمكانية إعطاء طفلك لبناً صناعياً طالما أنه بإمكانك استخدام لبنك المحفوظ، فالألبان الصناعية مخصصة لحالة مرضية ويجب أن تستعمل تحت إشراف طبي لضرورة معينة، وليست بديلاً مكافئاً للبن الأم بأي حال من الأحوال، بل إن رضعة واحدة من اللبن الصناعي قد تفسد البيئة النقية للجهاز الهضمي لطفلك لأيام!

كيف يمكنهم تهدئته لو كان يبكي لسبب آخر غير الجوع؟

لو مش عارفة ترضعيه خلاص، فيه ستات مش مكتوب لها ترضع.

هناك طرق عديدة لتهدئة الطفل يمكنك الاستفادة منها بنفسك أو توجيه الآخرين لاستخدامها.

1. القماط أو Swaddling: طريقة لإحاطة جسد الطفل بقطعة قماش تسمح له بالحركة المحدودة ليديه وقدميه، فيشعر معها وكأنه في بيئة تحاكي حضن أمه أو بيئة الرحم، على أن يكون استخدامها مؤقتًا وليس بشكل مستمر، وهي فعالة في الأسابيع الست الأولى من العمر.2. الجلد للجلد Skin-to-Skin: سواء قمت بها أنت بنفسك أو قام بها والد الطفل، فالتلامس الجسدي مع الطفل له تأثير السحر في سحب توترهم وبث الطمأنينة في نفوسهم. جردي طفلك من ملابسه تمامًا واحتفظي فقط بالحفاض حول خصره، ولاصقيه بصدر وبطنك بشكل رأسي، ويمكن ارتداء ملابسك فوقه أو استخدام غطاء مناسب حسبب حرارة الجو.3. الاستحمام المشترك Co-bathing: أعتقد أننا لو تمكنا من عمل استفتاء بين الأطفال الرضع عن أفضل نشاط يقومون به بعد الرضاعة، فسيقع اختيارهم على الاستحمام المشترك! املئي مغطسك (البانيو) بالماء في درجة حرارة مناسبة، واسترخي أنت وطفلك ما شاء لكم الزمان أن تسترخيا.

ويفضل أن يكون بالقرب منك من يقدم المساعدة عند الحاجة.

أخيرًا، وليس آخرًا، أفضل غذاء لطفلك، هو ما خلقه الله خصيصًا له دونًا عن غيره من البشر. ولنا في هذا تفصيل برويّة إن كان في العمر بقية.