تشابه الموقعان؛ فكلاهما بيت من بيوت الله، والتوقيتان؛ فكلاهما يوم الصلاة الجامعة، ويا للقدر تشابه الحدثان، استهداف لمصلين أثناء تعبدهم في صلاة الجمعة، ويا لمبالغة القدر، كلا المسجدين يعود إلى فرق وطوائف ترتبط بآل بيت النبي (شيعة وصوفية)، وأخيرًا يمعن القدر في تشابهه حينما نعلم أن الدافع وراء الواقعتين هو نفسه، وربما يكون المنفذ هنا هو المنفذ ذاته هناك، لكن يا لبعد ما أعقب الحدثين.. رسميًا!


عامان بين الصادق والروضة

يدفعنا، طوعًا أو كرهًا، تشابه الحدثين إلى مقاربة التعامل معهما، ربما لندرك كيف يمكن لقوة القانون أن تصلح في موضع يرى الآخرون أن القوة الغاشمة هي النافع والمجدي فيه.

في 26 يونيو/حزيران 2015، وبينما كان المصلون في مسجد الإمام الصادق بالعاصمة الكويتية في سجودهم الأخير من الركعة الأخيرة لصلاة الجمعة، تناثرت أشلاء فتى قدم من السعودية عندما ضغط على زر حزامه الناسف ليغادر الدنيا مُخلفاً وراءه 27 ضحية فارقوا الحياة.

إذ قاد شخص، قبل هذه اللحظة بدقائق، سيارة، وإلى جواره انتحاري، فأوصله إلى المسجد المذكور بعد أن استضافه لأيام قليلة في منزله وسلّمه الحزام الناسف الذي تلقاه من أعضاء الخلية، ليفجر الانتحاري نفسه في ذلك المسجد.

في 24 من ديسمبر/كانون الأول 2017، وبينما كان المصلون يستمعون للكلمات الأولى من خطبة الجمعة في مسجد الروضة بسيناء، تساقط الرصاص عليهم من كل حدب وصوب، ليحصد أرواح أكثر من 300 ضحية.

تبنى ما عُرف بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام عملية تفجير مسجد الإمام الصادق بحجة أن الشيعة طائفة كافرة، ومبتدعة في أحسن الأحوال، فيما كانت الذريعة نفسها، على الأرجح، تقف وراء رصاص الروضة، فالصوفية ضالون مبتدعة عندهم.


5 دقائق في الكويت و45 في مصر

تنقسم الكويت مذهبيًا إلى سنة يمثلون الأغلبية العددية، وشيعة يمثلون الأقلية، إذ تتباين النسب والأرقام بحسب الجهة المعلنة، لكن السائد أنهم يمثلون من 20 إلى 30%. وبينما يموج العالم حولهم سياسيًا، والتناحر السني الشيعي يبلغ ذروته في المنطقة، كادت هذه العملية، التي تعد الأولى من نوعها في الكويت منذ التحرير في فبراير/شباط 1991، أن تشعل أزمة لم يكن يعلم مآلاتها على هذا البلد الصغير إلا الله، إذ تلقف المتشددون من الطائفة المغدور بها الكرة، وبدأت شرارات الاحتقان في التصاعد عبر التصريحات الإعلامية ليكون التعميم والهجوم سيدَي الموقف من الجهتين.

غبار التفجير لم يهدأ، ولم يمض على الحدث سوى دقائق معدودة كانت كافية ليحضر رأس الدولة ذاته، أمير الكويت، من قصره من دون موكب ولا حرس، إلى موقع التفجير قبل وصول وزير الداخلية نفسه أو أي مسئول في الحكومة، ليجبر الجميع على أن يكون على قدر جسامة الموقف وحساسيته نازعًا فتيل الأزمة.

في غضون دقائق لا تزيد في الغالب عن خمس، وصلت 39 سيارة إسعاف إلى موقع الانفجار، لتنقل المصابين إلى المستشفيات الحكومية، فيما فتحت 4 مستشفيات خاصة أبوابها لاستقبال الجرحى تخفيفًا للعبء.

تنادى بنك الدم طالبًا التبرع لإنقاذ الجرحى، لكنه ما لبث أن طلب من المتبرعين التوقف نظرًا لكثافة المتبرعين.

إمعانًا في مواجهة الحدث بحرفية عالية أُقيم العزاء في مسجد الدولة الكبير، وهو مسجد سني، فيما شيّع الضحايا 35 ألفًا، وهو رقم كبير إذا علمنا أن أكبر تجمع سياسي لم يتجاوز تسعين ألفًا، لتزيل هذه الخطوة ما كمن من احتقان داخل الأنفس.

وعلى جانب آخر من العالم، كانت 45 دقيقة كافية ليُجهز الغادرون بمصلى «الروضة» على أكثر من 300 شخص، منهم من قتلوه في طرقات القرية، وليحرقوا سيارات الأهالي، لكن هذه المدة الطويلة لم تكن كافية لوصول أي من أفراد السلطة (الجيش أو الداخلية) لوقف تلك المذبحة.

وبينما تداعى الأهالي للتبرع بالدم لإنقاذ من يمكن إنقاذه لم يجدوا أكياسًا فارغة لحفظ دمائهم فيها ليزداد الأمر قتامة على قتامته.


ما بعد الصدمة

إلى هنا تبدو الإجراءات اعتيادية في الكويت، لكن التحدي الحقيقي كان ينتظرها في التعامل مع منفذي الهجوم ومحاسبتهم على ما اقترفوه، لتختار الكويت الطريق الأسلم عبر تقديمهم للعدالة مع ضمان إجراء محاكمة حقيقية لا تستجيب للغضب الشعبي، ولا تكون ردة فعل على بشاعة الحادثة.

48 ساعة فقط احتاجتها السلطات للإعلان عن أسماء الخلية المنفذة للهجوم وجنسياتهم وخط سيرهم، بلغ عددهم 29 متهمًا من بينهم كويتيون وباكستانيون وسعوديون وبدون جنسية.

أجرت النيابة تحقيقاتها ووجهت التهم إليهم وأحالتهم إلى محكمة الجنايات.

واجه بعض محامي المتهمين نقدًا لاذعًا؛ نظرًا لقبولهم مهمة الدفاع عن مجرمين في نظر الجميع، ما دفع المحكمة إلى انتداب محامين من جمعية المحامين الكويتية للدفاع عن بعض المتهمين الذين تنحى محاموهم عن الدفاع.

ورغم خطورة القضية وحساسيتها، «أخلت محكمة الجنايات، في الجلسة الثانية لها، سبيل 11 متهمًا من دون أي ضمان، واكتفت بمنعهم من السفر مع إلزامهم بحضور جميع الجلسات»، فيما «أمرت المحكمة إدارة السجن بتمكين المتهمين جميعًا من الاتصال بذويهم ودفاعهم».

وبعد جلسات عدة تنوعت بين العلنية والسرية، قضت الجنايات بمعاقبة سبعة متهمين بالإعدام من بينهم خمسة غيابيًا، وهم المجموعة التي نفذت وشاركت في التنفيذ بالمساعدة أو التحريض، وأحد عشر متهمًا بالسجن مُددًا متفاوتة، لكن الأبرز كان تبرئة أحد عشر متهمًا من بينهم مالك السيارة التي اُستخدمت في التفجير، وهو شقيق أحد المدانين بالإعدام غيابيًا، إذ وقر في ضمير المحكمة أن المتهم لم يكن على علم باستخدام سيارته في التفجير، وكان هذا سندًا قويًا لتبرئته.

مرت القضية بدرجات التقاضي المعتادة؛ الاستئناف ثم التمييز (النقض)، ليصل عدد المبرأين في القضية إلى 15 متهمًا وتخفض عقوبة أحد المحكومَين بالإعدام حضوريًا إلى الحبس 15 عامًا.

وبنظرة سريعة على أسماء المتهمين تجد صلة الارتباط العائلية الواضحة، إذ من بين المتهمين أربعة إخوة أحدهم المتهم الأول، الوحيد الذي تم إدانته بالإعدام حضوريا، فيما بُرئ أحد أشقائه وأُدين الآخران بالسجن، لتؤكد المحكمة مبدأ قانونيًا بالغ الأهمية، وهو تفريد العقاب، إذ لا يمكن أن يؤخذ أحد بجريرة غيره مهما قرب منه. ومن بين المتهمين أيضًا أخوان، أحدهما أُدين بالإعدام غيابيًا بينما بُرئ الآخر، إضافة إلى روابط أسرية بين بقية المدانين بالسجن والمبرأين.

أسدلت محكمة التمييز بأحكامها الستار على هذه القضية، لتصل لنهاية الطريق الذي اختارته الكويت في تعاملها مع واحدة من أخطر أزماتها المعاصرة.

أمّا في مصر، فقد أمر الرئيس عبد الفتاح السياسي باستخدام «القوة الغاشمة»، فإذا بالقوات الجوية المصرية «تثأر» لشهداء الروضة، ولكن كيف… لا نعلم!