في الثاني من أبريل فوجئ رواد مواقع التواصل الاجتماعي بفيديو لجماعة تسمى نفسها «جماعة الصادعون بالحق» تعلن بيانها «التأسيسي الأول»، معلنة أنها انتظرت 40 عامًا لإلقاء البيان -تحديدا منذ عام 1973م- لتعلن للجميع الصدع بالحاكمية ومحاربة الجاهلية وأنها ليست حزبًا سياسيًا ولا تسعى للسلطة بل تسعى لأن يحكم الإسلام ويكون التشريع لله لا للبشر.

وعبر أشرطة الفيديو التي بدأ في بثها مطلع أبريل الجاري أكَّدت الجماعة أنها تأسّست قبل 40 عاماً،عملت خلالها في السر، «فآمن به أناسٌ من بلادٍ مختلفة، ومن هؤلاء كوكبة من الرجال والشباب»، على حد قول الجماعة التي قدمتْ نفسها كجماعة عالمية مركزها في مصر، ولديها أفرع في الكثير من الدول العربية والأفريقية.

ويبدو أن الصومال تعتبر مركزًا قويًا لنفوذ هذه الجماعة، إذ يبدو أن أغلب التسجيلات تم تصويرها في الصومال، و أظهرت الكثير من الأتباع في هذا البلد،وأثارت الكثير من النقاشات والاعتراضات في الدوائر الثقافية والدينية الصومالية، وقد تعرض أتباع الجماعة لحملة أمنية بعد أن أعلنت السلطات حظر الحركة وملاحقة أعضائها بحجة أنها (جماعة إرهابية)».


سنحاول الآن تحليل خطاب هذه الجماعة للوقوف على هويتها، إذ يقول زعيم الصادعون «مصطفى كامل»

فلا ديمقراطية تخضعنا لحكم البشر وتخرجنا من حكم الله ولا سيادة للشعب بل السيادة كلها لله والأمة ليست مصدر السلطات بل القرآن والسنة هما مصدر السلطات فإذا فعلنا ذلك صادقين ابتغاء وجه الله فسوف يبدل الله حالنا إلى أحسن حال كما بدل حال العرب قبل الإسلام حيث كانوا لا ذكر لهم وكانوا تبعًا لكسرى وقيصر.

وبهذا فإن هذه المجموعة لا تعتبر فصيلاً من فصائل الإسلام السياسي أو الجهادي بل لا تعدو أن تكون مجموعة دعوية تحمل بعض الأفكار المتطرفة المستقاة من تأويلات البعض لكتب سيد قطب وشقيقه محمد قطب.

و لهذا فقد قررت أن أوضح أبرز الصفات المميزة لهذا الكيان الدعوي الجديد:

أولا: حركة سياسية لا تسعى للسلطة

أكبر تنازل قدمته هذه المجموعة القطبية هو إعلانها أنها لا تسعى للسلطة أو الحكم بذاتها، بل إنها لا تمانع أن يعلن تطبيق الشريعة رجال مثل عبدالفتاح السيسي وحفتر والبشير وهي مستعدة للعمل تحت لوائهم ما داموا يطبقون الشريعة من وجهة نظرها.

وبالتالي تتناقض هذه المجموعة في هذه النقطة مع أفكار صاحب الظلال والذي كان من أشد الناس نفورًا ورفضًا للتفاوض مع عبدالناصر أو مع الطبقات العسكرية الحاكمة في البلاد العربية.

ثانيا: أنها جماعة ليست ثورية

ورغم كلام الشيخ مصطفى كامل عن «الطليعة المؤمنة» على نفس طريقة سيد قطب، فإنه يختلف معه في استيلاء هذه العصبة أو الطليعة المؤمنة على السلطة، فإن الشيخ مصطفى كامل زعيم «الصادحون بالحق» يتحدث عن خط دعوي طويل يحتاج لعقود وربما قرون حتى تخليص الأمة تماما من ميراث الجاهلية.

بينما كان يرى سيد قطب تحديداً ضرورة المواجهة بين الحق والباطل والصدام بينهما وأن على هذه الطليعة المؤمنة التي تشابه الجيل القرآني الفريد أن تواجه الباطل وتهزمه كما فعل تنظيم «صالح سرية» أقدم التنظيمات الجهادية في مصر والعالم العربي عندما خطط للاستيلاء على السلطة بالقوة المسلحة وهذا الأمر فكر انقلابي ثوري يتناقض مع طرح مجموعة الصادحين بالحق.

ثالثا: التركيز المفرط على مسألة الحاكمية

يلاحظ في تسجيلات مجموعة «الصادحون بالحق» تركيزها المفرط على قضية الحاكمية وزعمها أن مسألة تحكيم الشريعة جزء من توحيد الألوهية لله، وبالتالي فإن من ينكرها أو يرى رأيا مغايراً للشريعة فإنه كافر خارج عن الإسلام.

ويترتب على ذلك تكفيرهم للأنظمة الحالية والمجتمعات التي رضيت بهذه الأنظمة باعتبارها مجتمعات جاهلية تحتاج لأن تدخل الإسلام من جديد على يد «الصادعون بالحق».

رابعا: سذاجة الطرح وبساطته

إن المستمع لخطاب مجموعة الصادعين بالحق يفاجأ ببساطة الطرح وسذاجته وعدم مواكبته الأحداث، فهو طرح كان ممكنا في فترة الصحوة الإسلامية في السبعينات ولكنه غير مقبول الآن، فالواقع أسقط كل هذه الشعارات أرضا بعد فشل الجماعات التي تحملها، فالأمة لن تأكل شعارات بعد اليوم بل تريد من يقوم بخطوات عملية في طريق النهضة وحل مشكلاتها العاجلة.

ومن ذلك رفضه سيادة الشعب، وتأكيده على سيادة الكتاب والسنة، في مقولة غريبة وغير مفهومة، فالسيادة عندما نقول إنها للشعب فقط لأن الشعب هو القوة القانونية التي تملك دون منازع سلطة فرض الحق القانوني، وهذا لا يتاح للقرآن والسنة بدليل أن القرآن منتشر في بيوت الناس ولكن لم يغير من سلوكهم وسلطة الفرض لا تكون إلا لسلطة مادية متجسدة وقديما نسب لأحد الخلفاء أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

خامسًا: الاستخدام المفرط للآيات القرآنية

بدا ملفتًا حقًا الاستخدام المكثف للآيات القرآنية على لسان المتحدثين باسم جماعة «الصادعون بالحق»، مع تجاهل للسنة النبوية، ولا نعرف ما سبب هذا التجاهل هل هو خطأ عابر أم عدم اقتناع بمسألة حجية السنة؟

وربما يدفع للاعتقاد أن لهؤلاء الناس رأيًا معينًا في السنة هو حرص أغلب المتحدثين من أفراد الجماعة على حلق ذقونهم ولبس الزي الغربي الأنيق وهذا الأمر غير مألوف عند أفراد الجماعات الإسلامية – غير الإخوانية.

سادسًا: ادعاؤهم تنفيذ طريقة النبي الشرعية

ويقول أمير «الصادعون بالحق» مصطفى كامل:

فإن منهجنا يختلف عن منهج الجماعات الإسلامية سواء تلك التي تتخذ العنف سبيلاً للوصول إلى الحكم وإقامة الإسلام أو تلك التي تريد الوصول إلى الحكم عبر المجالس النيابية أو غيرها من تلك الأنشطة السياسية و الاجتماعية أو تلك المنشغلة بقضايا جزئية والمخالفات الفرعية في حياة الناس غافلين عن غياب أصل التوحيد. وهذا تعجل في الخطوات ومخالفة لمنهج رسول الله يصرفنا عن توحيد الله في تلقي الشرائع كتوحيده في تلقي الشعائر فنحن منشغلون في هذه المرحلة بأمر الدعوة والبلاغ والتربية وهذه الجماعات التي تعلن أنها قامت لإعلاء كلمة الله دون أن تلتزم بمنهج رسول الله لها علينا حق الولاء العام للمسلمين وإن كنا نعتقد خطأ مناهجها وعجزها عن إمكانية تحقيق الهدف الذي تعلنه وندعو لها بالتوفيق والرشاد ونألم لما يؤلمها وما تعانيه من اضطهاد وحرب من الجاهلية غير أننا بسبب الاختلاف الواضح بين منهجنا ومناهجها لا نستطيع المضي في طريق واحد.

وهذا القول والادعاء الخطير فيه من النرجسية الكثير، فكيف تزعم جماعة من الجماعات أنها على منهج وطريقة النبي، بينما تضل الجماعات الأخرى عن طريق النبي سواها، وإن عهدنا حتى بمتطرفي بعض الجماعات قولهم إن جماعتهم هي «الأقرب» إلى نهج النبي، ولكنها جرأة عجيبة، أن تتجرأ جماعة وتقول إن طريقها وحده هو طريق النبي.

ناهيك عن تناقض حديثهم، فقد عرف عن النبي أنه كان سياسيًا وأدار دولة في المدينة وأنه كان مقاتلًا وقاد جيوشًا لمحاربة «الجاهلية» وأنه عبر القوة استطاع إسقاط الجاهلية لا عبر آلية التثقيف والتربية.

ويبدو أن مؤسسي هذه الجماعة تأثروا بمزاعم تقي الدين النبهاني صاحب كتاب «التكتل الحزبي» وهو من الكتب المتبناة عند «حزب التحرير» وهم ممن يقولون إنهم يأخذون بطريق النبي ويحللون السيرة النبوية تحليلا ساذجا، فيزعمون أن رسول الله بدأ أول حياته مجرد مثقف ثم أنشأ كتلة حزبية – كالتي أنشأها النبهاني – ثم بعد ذلك عرض نفسه للقبائل بحثًا عن النصرة من أهل القوة والمنعة منهم.

وتحليلات حزب التحرير مرتبة منطقية حتى تصل إلى أن الجيوش «الحالية» هم أهل القوة والمنعة وهم يشبهون القبائل في الزمان الأول؛ ولذللك فينبغي طلب النصرة منهم لينقلبوا لصالح مشروع الخلافة ويأتوا لنا بالخلافة.

في الختام لقد تعددت الآراء في هذه الجماعة من قبل المحللين فمنهم من يراها واجهة إخوانية، ومنهم من يراها ممثلا عن القطبية «الحديثة»، ومنهم من يراها جماعة تكفيرية، ولكن بالمجمل ظهور هذه الجماعة لا يخدم المنطقة أبدًا في الوقت الحالي لأنه سيشكل دعمًا كبيرًا لذوي التوجهات المتطرفة الذين سوف يسارعون للانضمام إليها مما سيتسبب في نشر الفوضى في منطقة قدرها الأزلي ألا تنعم بالاستقرار.