مع مرور الزمن والتقدم الذي تحققه البشرية، فإن قدرة البشر على مقاومة الموت وتجنبه تتزايد بشكل مضطرد، فتبعا للتقرير السنوي للإحصائيات الصحية الذي تصدره منظمة الصحة العالمية (إصدار عام 2016)، ازداد متوسط العمر المتوقع للإنسان في عام 2015م ليصبح 71 سنة بزيادة قدرها 5 سنوات عن نفس المتوسط عام 2000م، فيما يعد أسرع معدل للزيادة في متوسط العمر المتوقع منذ الستينات، وتقول د. مارجريت تشان (المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية):«لقد قطع العالم شوطا كبيرا في الحد من المعاناة غير الضرورية، والوفيات المبكرة الناتجة عن الأمراض التي يمكن علاجها أو الوقاية منها».

وعلى الرغم من التقدم الطبي الكبير في مختلف المجالات، تظل آلام ومشاكل التقدم في السن من أكبر المشاكل التي لم نستطع بعد التغلب عليها، وخاصة مرض ألزهايمر. يمثل هذا المرض بطبيعته التقدمية (Progressive Nature) التي تؤدي إلى التآكل المستمر في حجم المخ واحدا من أكبر تحديات الصحة العامة في العالم. فبعد مرور ما يزيد عن القرن من ملاحظة علامات مرض الزهايمر تحت المجهر للمرة الأولى، لا نزال غير قادرين على تطوير علاج يوقف تقدم المرض أو حتى يقوم بإبطاء معدل تقدمه، وكل ما لدينا هو بعض الأدوية التي تعالج الأعراض التي يتسبب بها المرض. ويقدر الباحثون عدد المصابين بالخرف «Dementia» في العالم بحوالي 46.8 مليون إنسان، ويعتبر ألزهايمر هو السبب في إصابة حوالي 80% من ذلك العدد بالخرف، ومن المتوقع أن يتضاعف ذلك الرقم كل عشرين عاما، ما لم يحدث تطور طبي كبير في علاج المرض أو الوقاية منه، وقد بلغ الإنفاق الصحي العالمي لمراعاة مرضى الخرف حوالي 818 مليار دولار أمريكي عام 2015، ويمثل ذلك الرقم حوالي 1.09% من الناتج المحلي الإجمالي للعالم كله!


كيف تعرفنا على المرض!

في عام 1906م، كان الطبيب النفسي الألماني ألويس ألزهايمر أول من قام بالربط بين الخرف والرواسب البروتينية غير الطبيعية في أنسجة المخ. وعلى الرغم من الاهتمام الكبير الذي يلقاه المرض والأبحاث التي تحاول تحليل أعراضه وأسبابه وخلافه خلال الثلاثين عاما الأخيرة، إلا أن الآليات الدقيقة التي يقوم بها المرض بالتسبب في الإصابة بالخرف لا تزال مجهولة بدرجة كبيرة، وحتى وقت قريب، كانت الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها التأكد إذا ما كان المريض مصابا بمرض الزهايمر أم لا هي بفحص عينة من أنسجة المخ تحت المجهر بحثا عن رواسب بروتين الأميلويد ولم تكن تلك الوسيلة مفيدة في التشخيص حيث أنه لم يكن من الممكن استخدامها على البشر الأحياء. في عام 2012م تغير كل ذلك، حين أقرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية استخدام نوع معين من الصبغاتللكشف عن تلك الرواسب البروتينية لتكون تلك الخطوة هي الخطوة الأولى لتشخيص المرضى الأحياء بشكل فعال. كما شكل ذلك الاكتشاف تطورا مهما في الأبحاث، حيث أصبح من الممكن استثناء المرضى المصابين بالخرف لأسباب أخرى بخلاف مرض الزهايمر وبالتالي أصبح من الممكن الحصول على نتائج أكثر دقة للأبحاث السريرية التي يتم إجراؤها على الأدوية المختلفة. كذلك أتاحت تلك التقنيةللأطباء متابعة معدلات زيادة رواسب الأميلويد وارتباطها بتطور حالة الخرف لدى المريض، وكذلك ملاحظة أن رواسب الأميلويد تتكون قبل ظهور الأعراض المرضية بفترات طويلة قد تصل إلى عقود من الزمان!


الجهود الحالية لتطوير علاج للمرض

تحاول شركات الأدوية التي تعمل على مكافحة الزهايمر القيام باستهداف رواسب بروتين الأميلويد منذ فترة طويلة، فشركات مثل Biogen، Eli Lilly، Merck و Roche لديهم عقاقير في مراحل مختلفة من مراحل الاختبار. حيث أثبت عقار شركة Biogen، قدرته على تقليل نسبة ترسبات الأميلويد وكذلك الحد من التدهور المعرفي الناتج عن المرض في مراحل الاختبار المبكرة، لكن النتائج اللاحقة أثبتت عدم وجود أي فائدة للعقار في الحفاظ على القدرات العقلية المعرفية للمريض، مما يثير العديد من التساؤلات حول مستقبل العقار. ومن المنتظر الحصول على المعلومات النهائية عن العقار الخاص بشركة Eli Lilly في أواخر سنة 2016 أو بدايات 2017، تلك البيانات التي سوف تظهر إذا ما كان ذلك العقار ذو تأثير في المرضى في المراحل الأولى من المرض أم لا.

حتى الآن، ليس من المعلوم تماما إذا ما كانت رواسب الأميلويد هي السبب الأساسي للمرض، أم أنها فقط تشارك بشكل طفيف في المرض، ونتيجة لفشل العديد من العقارات التي تستهدف الأميلويد في الاختبارات المختلفة، فقد بدأ الاهتمام ينتقل لنظريات أخرى، خاصة تلك التي تهتم بدراسة سلوك البروتين الذي يطلق عليه «تاو tau»، فمع تقدم الحالة المرضية، يزداد انتشار ذلك البروتين في الدماغ مسببا خنق خلايا المخ. وتعمل بعض شركات الأدوية حاليا على تطوير بعض العقاقير التي تحاول التعامل مع ذلك البروتين.


كيف تتعامل الدول مع الموقف

حتى وقت قريب، كانت الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها التأكد إذا ما كان المريض مصابا بمرض الزهايمر أم لا هي بفحص عينة من أنسجة المخ تحت المجهر
قامتأكثر من 20 دولة بوضع خطط حكومية رسميةلمكافحة الخرف تتضمن التزاما بمزيد من الانفاق على الأبحاث الموجهة لمكافحة مسبباته

يتطور العلم تبعا لسرعته الخاصة، في المقابل لا يستطيع المرضى الذين يعانون الانتظار. وفي ظل عدم وجود علاج، قامت أكثر من 20 دولة بوضع خطط حكومية رسميةلمكافحة الخرف تتضمن التزامًا بمزيد من الإنفاق على الأبحاث الموجهة لمكافحة مسبباته، وكذلك الالتزام ببناء المزيد من مراكز الرعاية للمصابين بالخرف، زيادة الوعي حول التدابير المخففة لآلام المرضى، وكذلك وضع مبادئ توجيهية أخلاقية لمقدمي الرعاية للمصابين. كانت فرنسا هي الدولة الأولى في أوروبا في وضع خطتها الخاصة بمكافحة الخرف سنة 2001م، وأصدرت الولايات المتحدة خطتها الخاصة بمكافحة الخرف عام 2012م. وتتداخل التحديات المالية مع التحديات الثقافية، فعلى سبيل المثال، تفرض الصبن على الأطفال أن يقوموا برعاية كبار السن حفاظا على القيم الكونفوشيوسية. وتثير بعض الدراسات التي توضح التحسن السلوكي الناتج عن استخدام علاجات مبنية على الكركم و الشاي الأخضر الكثير من الشكوك لدى الجهات غير الداعمة لأفكار العلاج الطبيعي. ويتزايد الاهتمام العام بالمرض عبر الوقت ومن خلال الدعم الذي تقدمه الكثير من الهيئات الصحية، فعلى سبيل المثال، قامت جوليان مور بتمثيل دور مريضة – صغيرة السن نسبيا – بالزهايمر في فيلمها «Still Alice» في ذلك الدور الذي حصلت على جائزة الأوسكار بسببه.