جوجل يتجسَّس عليك. هذه المرة ليست ادعاءات منافس يحاول إزاحة عملاق البحث من قمة خريطة الإنترنت. بل اتهام رسمي يواجه الشركة من حكومة الولايات المتحدة، التي قالت إن جوجل أزاح كل المنافسين عبر اتفاقات غير قانونية جعلته الخيار الافتراضي لملايين من أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة، ليستغلها الموقع في تعقب بياناتك واختراق خصوصيتك، حتى لو اخترت ألَّا يراقبك.

الاتهام يهدد على الأقل بتفكيك شركة ألفابيت المالكة لخدمات جوجل إلى شركات أصغر. بينما هددت الشركة في بيان رسمي بأن إزاحتها من السوق لا يعني إلا الفوضى!

يراقبك رغمًا عنك

في كل مرة ستحاول منع جوجل من تتبع بياناتك عبر الهاتف، ستصلك رسالة تحذير: الخدمة لن تعمل إن أوقفت تحديد موقعك. جربها بنفسك لتتأكد. هذا ليس صحيحًا، الطبيعي أن الخدمة ستستمر حتى لو عطلت تحديد الموقع. ماذا لو عطلته فعلًا؟ لا فارق كبير. سيواصل جوجل جمع البيانات وكأنك لم تعدل شيئًا.

هذه كانت نتائج تحقيقات استمرت 3 سنوات، رفعت بعدها مقاطعة كولومبيا وثلاث ولايات أمريكية دعاوى قضائية ضد شركة جوجل بدعوى أن عملاق التكنولوجيا يخدع المستهلكين للوصول إلى بيانات مواقعهم، حيث يستمر في تتبع معلوماتك حتى لو غيرت إعدادات الخصوصية لمنع الموقع من جمع البيانات. هذا لا يقتصر على خدمات جوجل، بل يصل إلى بيانات شبكة الواي فاي لديك.

تقول جوجل إن الادعاءات السابقة «غير دقيقة» وتعتمد على بيانات قديمة، وإنها غيرت سياسات الخصوصية لتمنح مستخدميها التحكم الكامل في بياناتهم. لكن المدعين العامين الأمريكيين يقولون إن جوجل تكذب، وإنه مهما غيَّرت إعدادات حسابك وأجهزتك، فسيواصل عملاق البحث التجسس عليك؛ ببساطة لأنك أهم مصادر أرباحها، إذ تبيع هذه المعلومات للمعلنين للوصول إلى المستهدفين من الإعلانات بدقة أكبر، وبالتالي جمع أموال أكثر. 

وقال المدعي العام في ولاية إنديانا، تود روكيتا: «أعطت جوجل الأولوية للأرباح على الأشخاص.. أعطت الأولوية للأرباح على اتباع القانون».

احتكار السوق

في دعوى منفصلة، اتهمت وزارة العدل الأمريكية شركة جوجل بحماية احتكارها للإعلانات على شبكة الإنترنت، عبر صفقات غير قانونية مع مصنعي الهواتف المحمولة لجعل محرك البحث الخاص بها هو الخيار الافتراضي للمستخدمين، بما منحها معظم حصتها السوقية المهيمنة في محركات البحث، وهو رقم قدرته الوزارة بنحو 80%.

وقالت الوزارة في دعواها المؤلفة من 57 صفحة إن جوجل اخترقت القانون لسنوات عديدة لبناء إمبراطوريتها.

الدعوى القضائية، التي قد تمتد لسنوات، يمكن أن تؤدي إلى سلسلة من الدعاوى القضائية الأخرى لمكافحة الاحتكار من المدعين العامين للولايات. بينما أجرت حوالي أربعين ولاية، وفي ذلك نيويورك وتكساس، تحقيقات موازية. ومن المتوقع أن ترفع بعضها دعاوى منفصلة ضد سيطرة الشركة على تكنولوجيا الإعلان عبر الإنترنت.

وتمثل الدعوى بداية حقبة جديدة لقطاع التكنولوجيا؛ إذ تعكس الإحباط المكبوت تجاه حفنة من عمالقة التكنولوجيا الذين تطوروا من شركات صغيرة وغير مستقرة إلى قوى عالمية ذات تأثير هائل على التجارة والرأي العام والإعلام والإعلان.

وقد يؤدي انتصار الحكومة إلى إعادة تشكيل واحدة من أكثر الشركات شهرة في أمريكا، واقتصاد الإنترنت الذي ساعدت في تحديده منذ أن أسسها اثنان من طلاب الدراسات العليا بجامعة ستانفورد في عام 1998.

لا حل إلا جوجل بلاي

في دعوى منفصلة، تواجه جوجل اتهامًا بأنها جعلت من الصعب على مطوري التطبيقات توزيع تطبيقات أندرويد في أي مكان غير متجر جوجل بلاي، الذي يفرض على المطورين قواعد ورسومًا تعود بالفائدة على جوجل.

وبينما ستجد متجر جوجل على هاتفك بمجرد شرائه، تقول الدعوى إن جوجل حاولت توقيع اتفاقيات مع مصنعي أجهزة أندرويد لمنع فتح متاجر منافسة. 

تزعم الدعوى أن جوجل أيضًا تحاول منع مالكي أجهزة أندرويد من استخدام متاجر التطبيقات الأخرى من خلال إظهار رسائل تحذير لهم تقول إن التطبيقات من تلك المتاجر يمكن أن تحتوي على برامج ضارة على غير الحقيقة، ومن خلال إجبار المستخدمين على تجاوز رسائل أمان مربكة عندما يحاولون تنزيل تطبيقات من خارج متجر بلاي ستور.

وتزعم الدعوى أن هذه الممارسات تجعل من الصعب للغاية على الشركات التنافس مع متجر جوجل بلاي، وإلحاق الضرر بالمستهلكين والشركات على حد سواء، باستثناء جوجل بالطبع.

جوجل: دخلت إلينا بقدميك

تضيف الدعاوى القضائية ثقلًا جديدًا إلى هجوم متزايد من قبل المنظمين للحد من السلطة والممارسات التجارية لعمالقة وادي السيليكون مثل جوجل وفيسبوك وأمازون وآبل. ورفعت الجهات التنظيمية الحكومية والفيدرالية العشرات من دعاوى مكافحة الاحتكار وحماية المستهلك والخصوصية والتجارة في محاولة لكبح كبرى شركات التكنولوجيا، أو حتى تفكيكها. وخلال يناير 2022، قدمت لجنة في مجلس الشيوخ تشريعات يحتمل أن تكون تاريخية لمكافحة الاحتكار تحاول إضعاف هيمنة عمالقة الإنترنت.

ويعكس التعقب الجديد كيف أصبحت جوجل لاعبًا مهيمنًا في الاتصالات والتجارة والإعلام على مدى العقدين الماضيين، لتجني أرباحًا ضخمة، وصلت إلى 34.3 مليار دولار العام الماضي في الولايات المتحدة وحدها، وفقًا لشركة أبحاث «إي ماركتر» التي توقعت أن يرتفع الرقم إلى 42.5 مليار دولار بنهاية العام 2022.

وقالت وزارة العدل الأمريكية إن تلك الأرقام الضخمة كانت ناتجة عن تصرفات جوجل التي أضرت بالمستهلكين من خلال خنق الابتكار وتقليل الاختيار وتقليل جودة خدمات البحث، وفي ذلك خصوصية بيانات المستهلك. وقالت أيضًا إن المعلنين الذين يستخدمون منتجاتها «يجب أن يدفعوا ثمنًا باهظًا لإعلانات بحث جوجل والاحتكارات العامة للإعلان عن نصوص البحث».

وتنفي جوجل منذ فترة طويلة مخالفة القانون، وتجادل بأن اتفاقياتها مع الشركات المصنعة للهواتف المحمولة لجعل جوجل محرك البحث الافتراضي لا تختلف عن ماركات السلع التي تدفع مقابل الحصول على مكان بارز على أرفف المتاجر. وقالت أيضًا إنه ليس من الصعب على المستهلكين تبديل الإعدادات الافتراضية من جوجل إلى محرك بحث آخر.

كما أضافت أن خدماتها كانت نعمة للجميع؛ إذ يستخدم الناس جوجل لأنهم يختارون جوجل، وليس لأنهم لا يملكون بدائل؛ محذرة من أن تعقب الشركة «لن يساعد المستهلكين»، بل على العكس «من شأنه أن يدعم بشكل مصطنع بدائل البحث الأقل جودة، ويرفع أسعار الهاتف ويجعل من الصعب على الأشخاص الحصول على خدمات البحث التي يريدون استخدامها».

البدائل موجودة

يعرف معظم الناس أن التقنيات تتجسس علينا. في كل مرة تبحث فيها عن أي شيء على الإنترنت ستجد الإعلانات تتوالى عن نفس الخدمة بالضبط. ربما لا يظن بعضنا أن في الأمر مشكلة. ربما حتى تكون تلك الإعلانات مثالية بالنسبة لك. لكن خبراء الخصوصية يحذرون من أن شركات التكنولوجيا – وخصوصًا جوجل – تجمع قدرًا مثيرًا للقلق من البيانات الحساسة عنَّا، وفي ذلك معلومات حول مواردنا المالية، وتاريخنا المرضي، وميولنا السياسية والدينية، وغيرها. هذه البيانات تتسرب أو تخترق غالبًا لحساب وكالات جمع المعلومات.

يظن البعض أن استخدام وضع التصفح المتخفي في كروم مثلًا قد يكون أكثر أمانًا. لكن، وكما يقول روبرت بينز، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Startpage، فإن وضع «التصفح المتخفي» أو «الخصوصية» يخفي عمليات بحث الويب بشكل أساسي عن الآخرين الذين قد يستخدمون جهازك. لكن، لا يزال المستعرض نفسه يرى ويسجل جميع تفاصيل التعريف الخاصة ببحثك.

أحد الخيارات البديلة هنا هي استخدام متصفح جديد مخصص للخصوصية. هناك الكثير منها. لا يتذكر متصفح فايرفوكس مثلًا سجلك أو عمليات تسجيل الدخول الخاصة بك، ويقدم أدوات لحظر الإعلانات، ودرعًا يحظر بعض أدوات التتبع، وامتدادًا يجعل من الصعب على فيسبوك نفسه تتبع نشاطك عبر الإنترنت. بعض المتصفحات الخاصة الأخرى تقدم خدمات شبيهة، بينها Vivaldi وTor وBrave وDuckDuckGo وWaterfox.

بالإضافة إلى حماية خصوصيتك، تضمن بعض محركات البحث تلك حصولك على نتائج بحث غير متحيزة. يقول الخبراء إنه كلما عرف محرك البحث عنك أكثر، كلما حاول تحريف جميع نتائج البحث نحو تفضيلاتك. إذا أدخلت «مصر» في شريط بحث جوجل، على سبيل المثال، فقد تتلقى معلومات عن مواقع الغوص في البحر الأحمر أكثر من أي شخص آخر؛ إذ جمع جوجل من نتائج بحثك السابقة ما يفيد أنك مهتم بالغوص. لكن الشخص المهتم بالسياسة قد يتلقى المزيد من روابط الأخبار حول القضايا السياسية المحيطة بمصر.

بالطبع، هناك حدود لما يمكن أن يفعله أي متصفح خاص أو محرك بحث خاص. لا يمكن لأي منهم حمايتك على أي مواقع ويب تقوم بتسجيل الدخول إليها. قد تكون بعض المتصفحات الخاصة أبطأ كذلك؛ بسبب ميزات الخصوصية المحسنة. وبعضها قد لا تكون مثالية في العثور على معلومات لعمليات البحث المتخصصة للغاية.

يقول روبرت بينز، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Startpage، إن الشركات التقنية تحاول إبقاءك على مواقعها الإلكترونية لأطول فترة ممكنة، وهي تحقق ذلك جزئيًّا من خلال وضعك في غرفة الصدى الخاصة بك، حيث ترى وتسمع المزيد والمزيد من الشيء نفسه. يمكن أن يعزز هذا أفكارك وانطباعاتك، ويؤدي إلى الاستقطاب الذي نراه وحول العالم.

يختتم: «خصوصية الإنترنت أهم بكثير من إغلاق ستائرك في الليل».