الهوية هي ما نورث لا ما نرث، ما نخترع لا ما نتذكر.
محمود درويش

فيلم «عرب راقصون» للمخرج «عيران ريكليس»، صاحب أفلام «العروس السورية»، و«شجر ليمون»، و«زيتون»، إنتاج ألماني –فرنسي- إسرائيلي، عن رواية بنفس الاسم لـ«سيد قشوع»، كاتب عربي إسرائيلي يكتب بالعبرية، والقصة سيرة ذاتية روائية له، تدور بالعربية والعبرية عن صبي فلسطيني من بلدة «الطيرة» نفس بلدة «قشوع»، يدرس في مدرسة داخلية بالقدس، مع زملاء إسرائيليين بالضرورة.

تبدأ أحداث الفيلم في عام 1982، تظهر في المقدمة جملة توثيقية عن عرب 48 أو أبناء الأقليات، وهم 20% من المواطنين في إسرائل؛ أي 1,167,000 مواطن. يشتغل الأب الشيوعي (قام بدوره الممثل الفلسطيني علي سليمان) بالسياسة ويعمل بقطف الفاكهة، بعد تركه للمدرسة إثر اعتقاله عام 69.

«لا تخربط الألوان إياد، الأسود من فوق والأخضر من تحت»، هكذا يخبرون الطفل عن علم فلسطين، «إياد» الذي تشكل وعيه في ظل أجواء مشحونة، حيث يعيش في خلفية الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان التي يحضّر «سليمان» ورفاقه مظاهرات من أجلها في «الناصرة» ثم قصف بغداد، وردّ «صدام حسين» بقصف تل أبيب.

تسير أحداث الفيلم في البداية بسخرية بدون النمطية والرمزية التي تستخدمها دائمًا الأفلام الفلسطينية، يجيب «إياد» على سؤال في المدرسة: ما عمل والدك؟ بـ«فدائي» لأنه لا يعرف معناها، فقد سمع جدته تقول إن والده خرّب حياته بالعمل في السياسة.

يتأرجح الصبي «إياد» الذي لعب دوره «توفيق برهوم» بين الهوية الفلسطينية، ووالده الفدائي وبين حملات «أطفال من أجل السلام» في مدرسته، بينما يخبر المُدرس «قيس ناشف» التلاميذ خلسة بأن اسم البلاد الحقيقي فلسطين وليس إسرائيل، يجلب «إياد» معه صبيًا يهوديًا للبيت، يرتعد الصبي بعدما يعرف أن والد صديقه «إرهابي» على حد قول الجريدة العبرية.


الرقص بين هويتين

صورة من فيلم «عرب راقصون»

كيف يحيى شخص عربي إسرائيلي ممزق بين هويتين، لا يعرف أين يقف وإلى من ينتمي لغويًا ونفسيا، أي الأطعمة يفضل؟، أي الموسيقي يحب؟، وهو نفس المأزق الذي قدمه «علي سليمان» من قبل في فيلم «الصدمة» أو «The Attack»، عن قصة جرّاح عربي إسرائيلي، تتورط زوجته في عملية فدائية /انتحارية، يراه العرب إسرائيليًا ويراه الإسرائيليون عربيًا.

عزلة «إياد» في المدرسة في القدس وتلعثمه في العبرية ونظرات أقرانه الإسرائيليين الساخرة منه، اسمه الذي ينطقه الجميع بالخطأ «أييد»، يذكرونه دائمًا بأنه عربي، يدافع عن صورة العربي التي تظهر في كتب «بنياميين تاموز» و«أهارون ميجد».

إمعانًا في الشتات تنشأ علاقة عاطفية بينه وبين «نعومي» قامت بدورها «دانيل كيتسيس»؛ بنت يهودية، تعلمه البنت الفرق بين الـ«B»، والـ«P» في العبرية، تخبره بأن يقول لها «أحبك» بالعربية، يأكلان ويتمشيان سويًا في شوارع القدس، يتدرب على حرف الـ«P» في «Palestine»، في النهاية بسبب الضغوط والحياة المشحونة الممزقة يترك «إياد» المدرسة ليعمل في مطعم مع فلسطينيين.

يرجع إياد إلى بيت أسرته ليجد نفسه غريبًا كما هو في المدرسة العبرية، يتابع أهله باستغراب وهم يسمعون نشرة الأخبار بينما يناجي الأب الواهم «صدام حسين» ليدكّ الأمريكان، وتصل به الهلاوس بأن يقنع أولاده بأن وجه صدّام مرسوم على القمر.

من ناحية أخرى، تنشأ علاقة صداقة تجمع «إياد» بشاب يهودي قعيد يدعى «يوناثان» (قام بدوره اللبناني مايكل ميشونوف)، بسبب مرض في الجهاز العصبي كان إياد قد تطوع لمساعدته في برنامج الخدمة العامة الإجباري.

استخدم المخرج في بيت «يوناثان»، «wide shots» أو اللقطات الواسعة؛ ليظهر مسجد قبة الصخرة في الخلفية، بينما لا يبالي إياد بأخبار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المعتادة المذاعة على التلفاز، تتبدل مصائر «إياد» و«يوناثان» حتى يصبحان شخصًا واحدًا في النهاية.

من فيلم «عرب راقصون»

لم يكن الفيلم دعوة للتعايش أو عدمه أو دعوة لأي شيء من الأصل بقدر ما هو يبرز التناقضات بداخل المواطن العربي الإسرائيلي. الشاب الفلسطيني الذي يحب فتاة إسرائيلية، لن يهلل فرحًا مع أهله بصواريخ «صدام» المتجههة إلى تل أبيب، بل سيخشى على حبيبته أن يصيبها أذى، لكنها في النهاية ستتركه فأصوله العربية لن تسمح له بالزواج من إسرائيلية، وعلى حد قول أمها «أفضّل أن تكوني مثلية أو مريضة بالسرطان على أن تحبي صبيًا عربيًا».


الصراع الأبدي

المخرج الإسرائيلي «عيران ريكليس» اشتهر بأفلامه التي تظهر الصراع العربي الإسرائيلي، ويمكن القول بإنها تساند الجانب الفلسطيني بشكل ما. في فيلم «شجرة ليمون» من بطولة «هيام عباس» قدم قصة سيدة يقيم بجانبها وزير الدفاع الإسرائيلي، فيصبح لزامًا أن يقتلعوا أشجار الليمون خاصتها لأنها تهدد أمنه.

الانسلاخ من الهوية والتمزع ظهر جليًا أيضًا في فيلم «العروس السورية» في عام 2004 بطولة «كلارا خوري» الذي تدور قصته في «مجدل شمس»، قرية درزية في الجولان، حيث تتزوج «منى» من شاب سوري وتنتقل للعيش معه في سوريا ولا يسمح لها بالعودة إلى أهلها مرة أخرى.

فيما كان فيلمه «زيتون» يتناول بحيادية قصة علاقة صداقة تنشأ بين فتى فلسطيني وطيار إسرائيلي، وعن عرب إسرائيليين يقول «ريكليس» إنهم يمثلون خمس سكان إسرائيل، وهم نفسيًا وعاطفيًا غير موجودين، وإن اعتبرناهم موجودين فهم موجودون في مأزق.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.