هل من ضوء في نهاية النفق؟

حينما يتعلق الأمر بشيء يختص بالشأن العربي، أو عندما تسوء الأمور أو تكون رتيبة لا جديد فيها، دائمًا ما نطرح هذا السؤال حتى وإن لم تكن هناك إجابة حاضرة أو واعدة. نعيش ونأمل، وربما في النهاية نشهد أي ضوء!

في سباق الفضاء، تأتينا قصة اليوم من مكانٍ مختلف، قريب للغاية، من عالمنا العربي، وعلى الرغم من أنه ليس مشروعًا فضائيًا متكاملًا بالمعنى المتعارف عليه، لكنه كان من أول الإنجازات التي تحسب للعالم العربي في مجال الفضاء. كان الرائد الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، أول رائد فضاء عربي مسلم يصعد على متن محطة الفضاء الدولية في المهمة «STS-51-G» في الـ17 من يوليو/تموز 1985، والتي دامت مدة 7 أيام.

أما اليوم، وبعد مرور الوقت، فلابد أن تكون هناك تطورات في مشاريع الفضاء العربية. المقصود هنا ليس إطلاق الأقمار الصناعية العربية المخصصة للبث التلفزيوني أو الاتصالات اللاسلكية فحسب، بل المشاريع العلمية لاستكشاف الفضاء؛ دراسة الكون والكواكب الأخرى. فهل سنجد ما نبحث عنه؟

الإمارات في المقدمة

بسبب ما لديها من رؤية مستقبلية في مجال العلوم والابتكارات، وفي سابقة تاريخية لها، أعلنت الإمارات بالتعاون مع وكالة الفضاء الروسية، عن أول رائدي فضاء إماراتيين في طريقهما لمحطة الفضاء الدولية، هما «هزّاع المنصوري» و«سلطان النيادي».

بدأت القصة حين تقدم أكثر من 4 آلاف إماراتي بطلب الانضمام إلى برنامج الإمارات لرواد الفضاء، الذي أُعلن عنه في وقت سابق من العام الماضي. في الـ20 من يونيو/حزيران 2018، أعلنت وكالة الفضاء الروسية «روسكوزموس» أن رحلتها القادمة ستكون بمشاركة رواد فضاء إماراتيين. وفي يوليو/تموز، وصل 9 مرشحين إماراتيين إلى روسيا لإجراء الفحوصات الطبية.

وقع الاختيار على الرائدين -المنصوري والنيادي- من قِبل اللجنة الطبية في مركز «غاغارين» للتدريب واختبار رواد الفضاء في روسيا، حيث سمحت لهم ظروفهم الجسدية والصحية باجتياز الاختبار المكون من 6 مراحل بنجاح. سيكون هناك رائد فضاء أساسي سينطلق في إبريل/نيسان 2019، ضمن البعثة الروسية على متن المركبة الفضائية «سيوز MS-12»، في مهمة تدوم 10 أيام في محطة الفضاء الدولية، وسيكون الرائد الآخر احتياطيًا إذا لزم الأمر.

برنامج الفضاء الإماراتي

بدأ برنامج الفضاء الإماراتي في العام 2014 بإنشائها لوكالة الإمارات للفضاء وفقًا لمرسوم الشيخ «خليفة بن زايد آل نهيان»، إذ يهدف البرنامج إلى تنظيم وتطوير القطاع الفضائي الوطني، كما دخلت الإمارات سباق الفضاء نحو الكوكب الأحمر حين أعلنت عن إطلاق مشروع «مسبار الأمل» غير المأهول للوصول إلى المريخ.

كما ترغب الإمارات في أكثر من استكشاف المريخ، وهو بناء أول مستوطنة بشرية على سطح الكوكب تسمى «مدينة العلوم»، والتي تحاكي الحياة على الأرض. سيتم الانتهاء من المرحلة الأولى لمشروع مسبار الأمل ويبدأ مهمته بحلول عام 2020، ومن المتوقع أن يصل المريخ بحلول العام 2021، تزامنًا مع الذكرى الخمسين لاتحاد الإمارات.

دخلت الإمارات سباق الفضاء بمشروع لإرسال مسبار غير مأهول إلى المريخ بحلول العام 2021، في أول مهمة فضائية في العالم العربي إلى كوكب آخر.
بيان الحكومة الإماراتية

يتم تنفيذ مشروع مسبار الأمل من خلال مركز محمد بن راشد للفضاء، الذي تأسس عام 2015. بهذا تكون الإمارات واحدة من بين 9 دول في العالم تطمح لاستكشاف كوكب المريخ. أما عن حجم الاستثمارات الإماراتية في تكنولوجيا الفضاء، فقد تجاوزت الـ 20 مليار درهم؛ أي ما يعادل 5.44 مليار دولار أمريكي.

لقد اخترنا التحدي الملحمي للوصول إلى المريخ؛ لأن التحديات الملحمية تلهمنا وتحفزنا.
نائب رئيس الدولة، وحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم

اقرأ أيضًا: حلم الوصول للكوكب الأحمر؛ هل سنراه متحققًا؟

تتركز مهمة مسبار الأمل في دراسة وفهم التغيرات المناخية على سطح كوكب المريخ، ومتابعة حالة الطقس بشكلٍ يومي لإيجاد أجوبة عن سبب تآكل غلافه الجوي، واختفاء المياه من على سطحه.

وفي يوليو/تموز 2018، أعلن «جيم بيرنشتاين»، مسؤول وكالة الفضاء الأمريكية ناسا عبر تويتر، عن تعاون مشترك بين الوكالة الأمريكية، والإماراتية قائلًا:

التقيت هذا الصباح المدير العام لوكالة الإمارات للفضاء معالي الدكتور محمد الأحبابي، وقد وقّعنا خطابًا للتعاون المشترك في رحلات الفضاء البشرية. أتطلع إلى العمل مع د. الأحبابي لتعزيز استكشاف الفضاء من أجل الإنسانية.

إضافة لمشاريع استكشاف الفضاء، كانت الإمارات قد أطلقت العديد من الأقمار الصناعية في الفترة بين عامي 2009 – 2013، وتم تطوير هذه المشاريع بالتعاون مع كوريا الجنوبية، ومن المترقب إطلاق القمر الصناعي «خليفة سات» في نهاية هذا العام من مقر الإطلاق في كوريا الجنوبية. كما نجح مركز محمد بن راشد بإطلاق أول قمر صناعي إماراتي نانومتري يدعى «نايف 1» إلى الفضاء في أوائل العام 2017.

شمال أفريقيا

الجزائر

بدأ البرنامج الوطني للفضاء في 2002 ومن المقرر أن يكتمل في العام 2020. منذ بداية إنشائه أطلق 5 أقمار صناعية بنجاح، كان آخرها القمر الصناعي «الكومسات -1»، حيث يهدف إلى تعزيز مجال الاتصالات من خلال إنشاء شبكة نقل فعالة وآمنة. تعمل هذه الشبكة في حالات الطوارئ القصوى مثل الكوارث الطبيعية الكبرى، كما سيعمل القمر الصناعي على زيادة سعة شبكة الاتصالات الوطنية، وتخفيض تكاليف تشغيلها الحالية. أما مشروع المستقبل، برنامج الفضاء الجزائري 2020 – 2040، فيهدف إلى إطلاق المزيد من الجيل الأحدث من الأقمار الصناعية.

المغرب

أطلقت المغرب أول قمر صناعي صغير محلي الصنع عام 2001، حيث كان نتيجة عمل مشترك دؤوب بين المركز الملكي للاستشعار عن بعد، والجامعة التقنية الألمانية في برلين. استقر القمر على صاروخ «Zenit-2»، ثم بدأ برنامج تطوير الأقمار الصناعية في المغرب بعد أزمة جزيرة ليلى مع إسبانيا عام 2002، حيث تتنافس الدولتان على الأحقية في الجزيرة، وعندما لم تتمكن إسبانيا من الحصول على صور الأقمار الصناعية من الجزيرة.

أطلقت المغرب قمرها الصناعي «محمد السادس – A» في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وهذه الخطوة قد تعجّل من تصنيع إسبانيا لقمرها الصناعي «Ingenio» المترقب إطلاقه في العام 2020. أما المغرب فمن المنتظر إطلاق قمرها الصناعي «محمد السادس-B» بحلول نهاية العام الجاري.

مصر

أم الدنيا، بدأ برنامج الفضاء المصري منذ عام 1959؛ أي في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ولم يظهر حتى الآن!

ومؤخرًا، بتكلفة 100 مليون دولار، صدّق مجلس النواب المصري العام الماضي (2017) على إنشاء وكالة الفضاء المصرية، ليس من أجل استكشاف الفضاء، أو دراسة الكواكب الأخرى، بل لأغراض محلية. وفي تصريحاته لصحيفة ـ«المصري اليوم» المحلية بشأن ذلك، قال الخبير الاقتصادي «محسن خضير»:

إن امتلاك مصر لوكالات الفضاء سيساهم في حماية حدودها والسيطرة على أراضيها، رسم خطط المدن الحديثة والتنمية خاصتها، ورصد المحاصيل الزراعية وطرق إنتاجها، وكذلك السيطرة على مصادر المياه.

قامت مصر بتطوير اتفاقيات تقنية مع ألمانيا تسمح بتدريب الشباب المصريين على تصنيع الأقمار الصناعية. كما كان الرائد «أكرم أمين عبد اللطيف»، طالب الدكتوراه في تصميم الفضاء الجوي الذي يدرس في ألمانيا، أول رائد فضاء مصري يتم قبوله في برنامج تدريب وكالة ناسا في الولايات المتحدة الأمريكية. ومن المنتظر أن ينتهي مشروع وكالة الفضاء المصرية في سبتمبر/أيلول الجاري!

أخيرًا؛ وصل الجميع إلى المضمار متأخرًا، لكن بصورة عامة تبدو المشاريع الفضائية العربية، باستثناء الإمارات، متشابهة ومنصبّة على مشاريع في الفضاء لكن ليس بالمفهوم الاستكشافي، بل بالمنفعة الذاتية. ولا يسعنا بطبيعة الحال سوى الترقب، فالجميع بانتظار العام المقبل والذي يليه كي يرى نتيجة عمله.