محتوى مترجم
المصدر
the conversation
التاريخ
2018/10/25
الكاتب
محمد ولدي
الحمد لله. إلى سيدي، حفِظك الله. بعد أن وبخني سيدنا وغضب مني واتهمني أنني كثيرًا ما أتصرف دون الأخذ بنصيحته، وأحضرت والدتي من اليونان دون موافقته […] ولجأت لأكثر الناس وضاعة […]، أنا عبدك، يجب أن تعطي عبدك الأوامر. لديك أيضًا القدرة على مسامحته. تدّعي أنّي أحضرت أمي دون إعلام فخامتك. [حسنًا] ليس لي أم ولا أب. أنت أمي وأبي. لدي أنت فقط، سيدي..

هذا النص من المحفوظات الوطنية التونسية الآن، وهو مقتطف من رسالة كتبها عبد يوناني عام 1832، كان قد اعتنق الإسلام تحت اسم «محمد الخازن -خزندار-». وكان اعتذاره موجهًا لسيده الوزير (أو رئيس الوزراء) في ولاية تونس العثمانية، الشاكر صاحب الطابا، حافظ الأختام. وهو عبد وُلِدَ في شركيسيا، شمال القوقاز، وهي اليوم جزء من الاتحاد الروسي، شمال جورجيا، وتغطي الجمهوريات الروسية من كراشيا شركيسيا وكاباردينو بالكاريا وأديغيا.هذه الرسالة المكتوبة بالعربية واحدة من العديد من الروايات التي كتبها العبيد على مدى القرن التاسع عشر، وتعود بنا إلى وقت كان فيه الرجال والنساء يتنقلون بشكل مختلف تمامًا داخل الأبيض المتوسط.


إل دورادو للأوروبيين

حتى النصف الأول من القرن العشرين كان نادرًا أن يعبر الرجال والنساء والأطفال جنوب البحر المتوسط من شمال أفريقيا في محاولة للوصول إلى شواطئ أوروبا وخارجها.على النقيض، توافد الإيطاليون والفرنسيون والإسبان واليونانيون على شمال أفريقيا، فرارًا من الفقر والتكدس السكاني في بلدانهم، حيث سعوا للحصول على ثرواتهم في تربة جديدة في المغرب العربي ومستعمرات ما وراء الأطلسي. وكانت بلدان شمال أفريقيا (وليست الأوروبية) نقطة إرساء أيضًا، ليس فقط للعبيد الأفارقة الذين اضطروا لعبور الصحراء، ولكن أيضًا -حتى منتصف القرن التاسع عشر- للعبيد القوقاز والجورجيين واليونانيين، بعد انتفاضاتهم ضد السلاطين العثمانيين في عشرينيات القرن التاسع عشر.في الوقت الذي كتب فيه «محمد خزندار» هذه الرسالة المختصرة، لم يكن المغرب العربي بعد تحت الحكم الاستعماري الأوروبي. كان الفرنسيون قد استولوا على الجزائر قبل عامين، كما احتلوا عددًا من المدن على الساحل الجزائري في سلسلة من الهجمات العنيفة بين عامي 1830 و1832. أما بقية شمال أفريقيا فحُكِمت إما من السلالة العَلوية، كما كان الحال في المغرب، أو كما في تونس وطرابلس، تحت سلطة حاكم معين من الإمبراطورية العثمانية.ترقّى الرجال الذين جاءوا من بعيد، مثل محمد خزندار وسيدهُ شاكر، بشكل مذهل في الرتب الاجتماعية، حيث كان شاكر هو الوزير -المستشار الرئيسي- للحكام العثمانيين بتونس. هرع الإيطاليون والمالطيون والبريطانيون والفرنسيون والأوروبيون الآخرون إلى تونس والجزائر وطرابلس لكسب المال عبر وسائل أكثر أو أقل قانونية في التجارة، وصيد المرجان، وأحيانًا التهريب (التبغ والأسلحة والقهوة وغيرها).


زيف نظرية «الإحلال العظيم»

ماذا حدث منذ عهد محمد خزندار؟ ما الذي تغير في الهجرة الأفريقية إلى أوروبا «خاصة منذ الخمسينيات»؟ كيف تحولت المنطقة المغاربية من مركز جذب وهيمنة للهجرة وحركة النساء والرجال من أفريقيا وآسيا وأوروبا، إلى كونها محطة في الطريق إلى البحر الأبيض المتوسط وأوروبا؟إذا نبهنا ذكرياتنا القصيرة ورجعنا إلى القرن التاسع عشر، يمكننا تذكر كل التحولات الكبرى التي مر بها هذا الجزء من العالم:1. الاستيلاء البطيء على الأسواق والاقتصادات الأفريقية من القوى الأوروبية.2. القضاء على العبودية رسميًا من أواخر أربعينيات القرن التاسع عشر فصاعدًا في تونس والجزائر.3. الاختفاء التدريجي لتجارة الرقيق، أولًا في البحر المتوسط ​​ثم من غرب أفريقيا إلى المغرب الكبير.4. ظهور الاستعمار لأول مرة في الجزائر عام 1830، ثم في تونس في أوائل عام 1881، والمغرب وليبيا في أوائل عام 1910 قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى وهجرة المستعمرين الأوروبيين الذين وصل عددهم في الجزائر إلى مليون، مقابل 9 ملايين مسلم عندما استقلت البلاد عام 1962، عندما غادروا الأراضي المستوطنة في طريقهم إلى أوروبا. وأخيرًا، الهجرة الاقتصادية لعمال شمال أفريقيا، والعاملين من دول أفريقية أخرى بعد الحرب العالمية الثانية للمساعدة في إعادة بناء وتعزيز اقتصاديات القوى الاستعمارية السابقة. بالحديث عن جميع هذه الأحداث التاريخية، لا يمكن وصف الهجرة من الجنوب إلى الشمال بـالـ «غزو» أو كجزء من نظرية الإحلال العظيم كما يعتقد البعض. حيث إنه نتيجة بنية اقتصادية اتكالية، وهجرة عمالية حديثة، واستغلال وهيمنة كولونيالية وما بعد كولونيالية. من أمين خزانة بسيط أصبح «محمد» العبد رئيسًا للوزراء مطلع الثمانينيات من القرن التاسع عشر عندما احتلت فرنسا تونس. تشكلت حياته أيضًا، مثله مثل الملايين من المهاجرين الآخرين، من خلال التحولات العظيمة العديدة التي حدثت في الأبيض المتوسط.