نعرف جميعًا بشكل جيد ذلك المشروب الغازي، إذ يشعرنا بالأمان أحد المرادفات المطبوعة على زجاجته (لايت – دايت – زيرو .. )، فنعُبُّ منه عبًّا، لنروي الظمأ، الذي أهم ما فيه، أنه ظمأ يخلو من تأنيب الضمير.

دفعت تلك الطمأنينة الكثيرين – خاصة أصحاب الوزن الزائد – ومرضى السكر، لاستهلاك تلك المشروبات بشكلٍ يومي، ليحصلوا على المتعة العصرية الضاغطة لمذاق المشروبات الغازية، في صفقةٍ مجانية السعرات الحرارية. تلك المواظبة اليومية تعني ثبوت الفوائد إن وجدت، وبالطبع بروز الآثار الجانبية والمضاعفات.

من خلال النقاط التالية، سنضع مشروبات الدايت الغازية على كفتيّ الفائدة والضرر، لكن لا بدَّ أولًا أن تتعرف أكثر على تلك المشروبات عن قرب.


ممَّ تتكون مشروبات الدايت الغازية؟

تختلف تفاصيل المكونات من بلدٍ لآخر، ومن علامةٍ تجارية لأخرى، لكنَّها عمومًا تتكون بالأساس من الآتي:

  • الماء المُكربَن، أو ماء الصودا، والذي يتم إنتاجه من خلال إذابة غاز ثاني أكسيد الكربون في الماء تحت ضغط، والذي يتحول إلى حامض الكربونيك الضعيف، والذي يمنحها مذاقها اللاذع المميز.
  • المحلّيات الصناعية، وهي بدائل السكر، مثل الأسبارتام، والسكرالوز، والسكارين، وقدرتها على التحلية أقوى من السكر المعتاد مئات المرات، فكميات قليلة للغاية منها تعوض كمياتٍ أكبر من السكر، ولهذا فهي قادرة على التحلية بمقدارٍ ضئيل للغاية من السعرات الحرارية. وترجع قدرتها للتحلية إلى أنها تشبه السكر في تركيبها، ولذا فهي قادرة على إثارة مستقبلات الطعم الحلو في حلمات التذوق في ألسنتنا.
  • بعض الأحماض مثل الفوسفوريك، والماليك، والسيتريك، والتي تكسبها المزيد من اللذوعة المميزة.
  • الكافيين، ويحتوى العبوة المعدنية الواحدة على 46 مجم من الكافيين تقريبًا، وهو يقارب الكمية الموجودة في نصف كوبٍ صغير من القهوة.
  • بعض الفيتامينات والأملاح المعدنية، بنسب مختلفة، والتي تسوِّق من خلالها الشركات وجود بعض الفوائد في تلك المشروبات.
  • بعض الألوان والمذاقات الصناعية، وكذلك المواد الحافظة وأشهرها بنزوات البوتاسيوم.

هل لها فوائد؟

تكاد مشروبات الدايت الغازية تكون خاليةً من أي فائدة غذائية، فهي لا تحتوي أيَّ مقدارٍ معتبر من الأغذية الأساسية كالكربوهيدرات، والدهون، والبروتين. لكن رغم ذلك، فهناك بعض المنافع لمشروبات الدايت الغازية، لكن أكثرها فوائد عامة للمشروبات الغازية، وليس خصوصية للمشروبات الدايت.

يمكن لمشروبات الدايت الغازية أن تفيد عملية هضم الطعام، على عدة مستويات، أولًا، فهي تحسّن كفاءة عملية البلع، عن طريق إثارة الأعصاب المسئولة عنها بشكل قوي. كذلك تزيد المشروبات الغازية من الشعور بالامتلاء بعد تناول الطعام، حيث تطيل اختزانه داخل المعدة، مما يؤخر الشعور بالجوع. تساهم تلك المشروبات أيضًا في تحسين الإمساك، حيث تنشط حركة الأمعاء قليلًأ.

وجدت إحدى الدراسات أن تناول بعض السيدات كبيرات السن للمشروبات الغازية بشكل مستمر، أسهم في تقليل الكولسترول الضار LDL بأجسامهم، ورفع قليلًا من نسبة الكولسترول المفيد HDL، لكن يحتاج الأمر إلى مزيد من الدراسات لتوثيق تلك الملاحظة.

كذلك تعتبر تلك المشروبات صديقة لمرضى السكر، حيث تساعدهم في التخفيف من كمية السكر التي يتناولونها في غذائهم، والتي قد تسبب لهم مشاكل صحية جمة.

وأظهرت دراسة فريدة، أجريت على 72 شخصًا، فائدة جانبية تبدو غريبة للغاية، للمشروبات الغازية، وهي تحسين شكواهم من الحاجة المستمرة للسعال، لتفريغ حلوقهم، بنسبة 63%!


أضرار محتملة

ما زلنا بالطبع بحاجة للمزيد من الدراسات العلمية القوية لحسم الكثير من نقاط الجدل حول مشروبات الدايت الغازية، لكن الأدلة المتوافرة حاليًا أشارت للأضرار التالية…

الأسنان

تزيد تلك المشروبات فرص حدوث التسوس، حيث تسبب حدوث بعض التآكل في طبقة الإناميل، نتيجة ارتفاع حامضية تلك المشروبات الغازية. في المقابل، أظهرت بعض الدراسات أن مشروبات الدايت الغازية أقل ضررًا على الأسنان من نظائرها المحتوية على السكر، حيث إن لوجود السكر دورًا بار زًا في إتلاف طبقة الإناميل، لكن لا يمكن تبرئة مشروبات الدايت الغازية بشكل تام من هذه المشكلة، ولذا فالأفضل تناولها وسط الطعام، لكي يقلل من تركيزها المباشر على الأسنان، وكذلك غسل الأسنان جيدًا بعد تناولها.

هشاشة العظام

من الاعتقادات الشائعة على نطاقٍ واسع، أن المشروبات الغازية عمومًا، تسبب هشاشة العظام، وهذا اعتقادٌ يحمل الكثير من الصحة، وله تفسيرات مباشرة، وغير مباشرة. أما التفسير المباشر، فهو احتواؤها على نسبة زائدة من أملاح الفوسفور، مقارنة بفقرها في الكالسيوم، والتوازن بين هذيْن العنصريْن ضروري للحفاظ على عظامنا. أما التفسير غير المباشر، فيعود إلى أن انتشار تناولها بين المراهقين والشباب، جعلها تحتل في نظامهم الغذائي، مكان مشروباتٍ أنفع للعظام مثل الألبان الغنية بالكالسيوم.

علاقة مضطربة مع السمنة

المنطق البسيط يقول إنَّ تلك المشروبات الغازية قليلة السعرات تساهم في علاج السمنة، حيث تشبع الرغبة في السكريات، دون ثمن يذكر من السعرات الحرارية، والتي يختزن الفائض منها على هيئة الدهون التي تسبب لنا السمنة. وبالفعل هناك العديد من الدراسات التي تؤكد أن استبدال المشروبات الدايت بالمشروبات الغازية المعتادة في الغذائي، يساهم في خفض الوزن، وفي تقليل الدهون الضارة في محيط البطن، والمسؤولة عن الكرش.

لكن تحدّثت بعض الدراسات الحديثة عن نتائج مقلقة، ظهر فيها تقارب معدلات الإصابة بمتلازمة اضطراب الأيض – والتي تتضمن السمنة، والإصابة بارتفاع ضغط الدم، وسكر الدم – بين من يتناولون المشروبات الغازية المعتادة، والدايت. وكان التفسير الذي قدمه الباحثون، أن المشروبات الدايت تستخدم كغطاءٍ يريح الضمير لأنماطٍ غذائية غير صحية.

كذلك تختلف الأدلة العلمية في العلاقة بين مشروبات الدايت الغازية، والشهية. فبعض الدراسات أظهرت أنها تزيد الإحساس بالشبع، فتقلل كمية الطعام المُتناوَل، وبالتالي تساعد في إنقاص الوزن. لكن في المقابل، تُظهِر أدلة أخرى أنها قد تزيد الشعور بالجوع، وتفاقم الرغبة في تناول السكريات الحقيقية، وذلك لأن بدائل السكر التي تحتويها، تقوم بعملها أساسًا عن طريق خداع المخ، بإثارة نفس المستقبلات العصبية التذوقية التي يحفزها السكر، لكنها تعجز عن تحفيز مراكز المكافأة في المخ بشكل فعال، وهي المراكز المسئولة عن إرضائنا بطعم ما نأكل.

الجهاز الهضمي

رغم ما ذكرناه في فقرة الفوائد، من دور المشروبات الغارية في تحسين عملية الهضم، وتقليل الإمساك، فإنها في بعض الناس قد تسبب أضرارًا أكثر من الفوائد، حيث وجدت بعض الدراسات أنها قد تخل بالتوازن الدقيق للبكتيريا النافعة التي تسكن الجهاز الهضمي، والتي تساهم بأدوارٍ عديدة في التفاعلات الحيوية داخل أجسامنا. هذا الاختلال قد ينجم عنه إضعاف المناعة في الجهاز الهضمي، وتقليل كفاءة الجسم في أيض السكر، وزيادة فرص حدوث متلازمة الأيض. كما أنها قد تسبب لدى البعض شعورًا زائدًا بالتخمة، والامتلاء، والانتفاخات.

الاكتئاب والصَّرع

رغم أن غالبية الدراسات العلمية تنفي وجود علاقة بين مشروبات الدايت الغازية، والإصابة بالاكتئاب، فإن زيادة في فرص الإصابة بنوبات الاكتئاب قد لوحِظَت لدى بعض مرضى الاعتلالات المزاجية عند تناولهم المشروبات التي تحتوي على الأسبرتام كمحلٍّ صناعي.

أما الصرع، فلا أدلة على علاقته بالمحلّيات الصناعية في مشروبات الدايت، سوى دراسةٍ واحدة وجدت أن الأسبرتام يزيد من فرط نشاط المخ لدى الأطفال المصابين ببعض أنواع الصرع.


والسرطان ؟

في إحصائية شخصية توصَّلت إليها عبر ملاحظاتي، فإن 143% من الأمهات يعتقدن بشكل جازم أن المشروبات الغازية الدايت تسبب الإصابة بكل أنواع السرطانات الخبيثة!

قد تُصدَم أمهاتنا عندما يعلمْن أن أكثر من 30 دراسة قوية على الإنسان، لم تجد علاقة بين المحليات الصناعية والإصابة بالسرطان، منها دراسة شملت أكثر من 9 آلاف شخص، تمت متابعتهم لأكثر من 13 عامًا. بدأ ذلك الجدل حول السرطان في السبعينيات عندما أظهرت بعض الدراسات في الحيوانات، زيادة معدل الإصابة بسرطان المثانة في فئران التجارب، نتيجة استهلاك المحلّيات الصناعية، وتم بالفعل منع استخدام أنواعٍ منها. لكن جميع الأنواع المستخدمة الآن في المشروبات الغازية، لم يثبُتْ عليها بدليل علمي التسبب بأيٍّ من أنواع السرطان.


الخلاصة

يمكن توظيف المشروبات الغازية قليلة السعرات الحرارية بشكل متوازن في إنجاح برامج إنقاص الوزن، فهي بالتأكيد أفضل من المشروبات المعتادة من هذه الجهة، مع عدم الإسراف في تناولها بشكلٍ يومي، نظرًا للتراكم المستمر للأدلة العلمية عن أضرارٍ محتملة لها على المدى المتوسط والطويل.