أسأل نفسي يوميًا هل انتهت أفكار الروايات والأفلام بعد كل هذا الزمن؟ هل هناك قصص أخرى تستحق أن تُروى؟ هل سلبنا القدماء أعظم أفكارنا وانتهت اللعبة؟ أم أن أفضل القصص لم يروِها أحد بعد؟

هذا المقال تقديم بسيط لمقادير الحبكة الفنية على مر العصور بشكل عام، سينمائيًا وأدبيًا، وهل هناك فرصة لطبخ قصة لم يطبخها أحد من قبل.

أبسط بناء لقصتك

تحتاج ثلاثة أشياء لصناعة فيلم جيد… السيناريو، والسيناريو، والسيناريو.
المخرج الأمريكي «ألفريد هيتشكوك».

اتسمت معظم الحبكات ببناء ثابت مع بعض الإضافات الفنية هنا وهناك، وهذا البناء يبدأ بالتقديم والعرض للبيئة والشخصيات، ثم تتصاعد الأحداث بعد أن يحدث شيء ما حتى نصل للذروة، ثم أحداث ما بعد الذروة من محاولة لحل المشكلة، وبعد هذا نصل للنهاية وهو حل المشكلة وإنهاء الصراع.

وهذا هو أبسط بناء، وتكون الإضافات الفنية مثل أن يبدأ البعض بمشهد من حالة ذروة الأحداث، ومثال على هذا البداية الشهيرة لفيلم «نادي القتال» Fight Club، عندما كان شخص ما واضعًا فوهة مسدس في فم البطل، أو بداية فيلم «بلا حدود» Limitless لـ «برادلي كوبر» و«روبرت دي نيرو»، وهو وقوف برادلي كوبر على حافة مبنى وهو يحاول الانتحار وهناك أشخاص يحاولون اقتحام منزله، وهكذا هنالك أمثلة كثيرة.

ومن الإضافات المثيرة أيضًا هي البداية بمشهد أكشن قوي يصدم المشاهد ويجذبه، مثل تقديم شخصية الجوكر في واحد من أقوى المشاهد الافتتاحية في فيلم «فارس الظلام» The Dark Knight، وأيضًا هناك البداية بصورة أو مشهد يُلخِّص فكرة الفيلم ولكن بدون أن تفهمه إلا بعد الانتهاء من المشاهدة، مثل المشهد الافتتاحي لفيلم «رجل جاد» A Serious Man، إخراج الأخوين كوين، وهو مشهد لا علاقة له بأحداث الفيلم، فهو عبارة عن زوج وزوجة في عصر قديم يأتيهما ضيف، ثم تشك الزوجة أنه شيطان وليس إنسانًا، وتطعنه الزوجة وتسيل دماء من صدره، ثم يضحك ضحكة شيطانية، حتى الآن لا نفهم هل هو إنسان أم شيطان، ويخرج الرجل المطعون من المنزل وتغلق الزوجة الباب دون محاولة فهم ماهية الضيف وتدخل منزلها لتُكمل حياتها، ثم يبدأ الفيلم وتدور القصة حول مدرس فيزياء عادي، حياته مستقرة ثم تبدأ المشاكل تنهال عليه بشكل غير طبيعي في وقت قصير، ويبدأ بالتساؤل لماذا يحدث هذا معي، ويملؤك الفيلم بالتساؤلات التي لم يتم الإجابة عليها، وهذه هي فكرة هذا الفيلم الغامض، ببساطة لا يجب أن تضيع عمرك في البحث عن إجابات، ويجب أن تفعل كما فعلت المرأة في المشهد الافتتاحي، فتأخذ كل شيء ببساطة ليس كالرجل الجاد بطل الفيلم، فهنالك بعض الألغاز التي من الأفضل أن نتقّبلها كما هي.

هذه كانت أمثلة للبدايات المثيرة، هيا بنا نعود لمطبخنا.

الصراع أساس أي عمل فني مثير

المكون الأساسي لأي عمل فني هو الصراع، وهو الشيء غير المعتاد الذي تدور حوله الأحداث. بالتأكيد لا أحد منّا يريد سماع قصة عن شخص يستيقظ، ويشرب قهوته، ثم يذهب للعمل، ثم يعود لمنزله ويأكل وينام. يجب أن تكون القصة التي تراها عبارة عن هذا الشخص يريد شيئًا ما، ويحدث الصراع غير المعتاد، ويحصل على ما يريد، ويدفع ثمنًا باهظًا، ويرجع للمعتاد، ويتغير، فلا تعود الأمور كما كانت قبل الصراع طبعًا، ويتلخص الصراع بشكل عام حول ستة أشكال، سأضع مثالاً بجانب كل منها للتوضيح:

  • الشخصية مقابل نفسها: هاملت في مسرحية هاملت لشكسبير.
  • الشخصية مقابل شخصية أو شخصيات أخرى: الصراع بين الساحرين روبرت وألفريد في فيلم ورواية The Prestige.
  • الشخصية مقابل الطبيعة: في هذا النوع من الصراع يتم تعذيب الشخصية بواسطة قوى طبيعية مثل العواصف أو الحيوانات، ورواية The Old Man and the Sea لإرنست همنغواي، وMoby Dick من تأليف هيرمان ميلفيل، أمثلة على هذا النوع من الصراع.
  • الشخصية مقابل شيء خارق للطبيعة أو القدر: كما في مسلسل Dark، وهو مسلسل تلفزيوني خيال علمي ألماني مثير، شارك في تأليفه «باران بو أودر» و«يانتيه فريزه».
  • الشخصية مقابل التكنولوجيا: فيلم المصفوفة The Matrix، ورواية لويس لوري The Giver.
  • الشخصية مقابل المجتمع: وليام شكسبير في «روميو وجولييت»، وفيلم Taxi Driver بطولة روبرت دي نيرو.

دائمًا ما يكون المكون الأساسي هو الانتقال من حالة لأخرى، مثلًا من الحياة للموت، ومن النظام للفوضى، ومن الوعي إلى اللا وعي، وهذا يعطينا المساحة لتحليل الحبكات كلها وإعادة توجيهها لعناصرها الأساسية كما قلنا، وهم التحول والصراع، وهذه الأشياء تنبع من أفكار محدودة من الممكن أن نحصيها في ست وثلاثين فكرة رئيسية، فنعيد تجميع البعض منها لنصنع قصة ممتعة، ولكن للأسف ليست جديدة ولكننا ننسى دائمًا.

المواقف الدرامية الـ 36

كل ما يُقال الآن قيل من قبل… لكنهم ينسون… دائمًا ينسون.
د. أحمد خالد توفيق.

هي قائمة وضعها الكاتب الفرنسي «جورج بولتي» لتصنيف كل موقف درامي قد يحدث في قصة أو أداء:

  1. التضرع / التوسل.
  2. الخلاص.
  3. جريمة يتبعها انتقام.
  4. الانتقام بين الأقارب.
  5. المطاردة.
  6. الكارثة.
  7. الوقوع في مصيبة.
  8. الثورة.
  9. المبادرة الشجاعة.
  10. الاختطاف.
  11. اللغز.
  12. التفاوض.
  13. العداوة بين الأقارب.
  14. التنافس بين الأقرباء.
  15. جرائم نتيجة الخيانة الزوجية.
  16. الجنون.
  17. الحماقة القاتلة.
  18. خطيئة الحب اللا إرادية.
  19. قتل أحد الأقارب دون قصد.
  20. التضحية من أجل المبدأ.
  21. التضحية بالنفس من أجل الآخرين.
  22. التضحية بكل شيء في سبيل النزوة.
  23. ضرورة التضحية بالأحباء.
  24. التنافس بين الأفضل والأقل منه.
  25. الخيانة الزوجية.
  26. جرائم الحب.
  27. اكتشاف حقيقة مشينة عن الحبيب.
  28. عقبات تعترض الحب.
  29. الوقوع في حب العدو.
  30. الطموح.
  31. الصراع مع الآلهة.
  32. الغيرة في غير محلها.
  33. الأحكام الخاطئة.
  34. الندم.
  35. استعادة المفقودين.
  36. خسارة الأحباء.

حتى الآن أظن أننا اتفقنا أن كل الأفكار معتادة، وغالبًا تم تقديمها من قبل، ولكن يبقى عنصر الإبهار متمركزًا في طريقة التقديم، وآخر مثال لهذا ربما هو فيلم «عقيدة» Tenet لكريستوفر نولان، وهو صراع تقليدي بين الخير والشر لإنقاذ العالم، ولكن كانت طريقة التقديم مبدعة وتم التركيز عليها، وهي انعكاس الزمن، وهذه هي اللعبة التي هرب بها نولان من فخ انتهاء الأفكار، وإعادة إنتاج الأفكار القديمة، وتكمن لعبة المخرج العبقري كريستوفر نولان في ابتكار طرق سرد تغنيك عن القصة المعتادة، وهو يمارس هذه اللعبة منذ زمن كما في فيلم «تذكار» Memento، وهي قصة انتقام تقليدية أيضًا، ولكنه اختار أن يبهرك بطريقة السرد، وهي سرد الأحداث بالعكس.

الإبداع هو أن تفعل شيئًا معتادًا بطريقة غير معتادة.
الناشط والكاتب الأمريكي «بوكر تي واشنطن».

في النهاية، أرى أن إيجاد طرق جديدة لتقديم القصص التقليدية حل ممتاز لكسر الملل، فكما نعلم ليس هناك أكثر من خمسة ألوان أساسية، ولكن مزجها يعطينا ألوانًا أكثر مما يمكن رؤيتها، وما زلت أؤمن أن هناك قصة لم يروِها أحد بعد، وأن أعظم القصص لم تُروَ بعد.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.