لأن الأمر يستحق؛ لا يمكن أن يفوت الأوان أو يصبح أقرب من اللازم، في حالتي، على أن تكون من تريده، فلا يوجد حدود للوقت، توقف وقتما تحب، يمكنك أن تتغير أو تظل كما أنت، لا توجد قواعد لهذا الأمر.

الحالة المحيرة لبينجامين بوتون

The Curious Case of Benjamin Button
لقطة من فيلم الحالة المحيرة لبينجامين بوتون

ربما تكون قد قرأت الرواية الشهيرة أو شاهدت الفيلم الذي يقوم ببطولته براد بيت والذي يحكي قصة بينجامين والذي يؤثر عليه الزمن عكس أجمع البشر، ولد بمرض جعله عجوزًا جدًا، ومع مرور الوقت بدأ يستعيد شبابه وعافيته بعد أن توقع الجميع أنه قد ولد ليموت. يوضح الفيلم هنا العلاقة المرتبكة الدائمة بين الإنسان بالزمن، العلاقة أحادية الاتجاه دائمًا وأبدًا، يمر الزمن ولا نملك سوى انتظار أثر مروره.

بحث الفلاسفة كثيرًا في معنى الزمن ومغزاه، وظهرت الكثير من الفلسفات المفسرة له. إلا أن النقلة الحقيقة في فهم البشر للزمن كانت مع نسبية أينشتاين في بداية القرن العشرين. أكد أينشتاين أن الزمن نسبي يختلف مروره وإداركه من مكان لآخر طبقًا للعديد من العوامل الفيزيائية. ومنذ نسبية أيناشين اختلفت نظرة العلم والفلسفة للوقت تمامًا، كما ازداد اهتمام الباحثين بتفسير كل ما يتعلق به، رغم وجود بعض الأمور الغامضة والتي لم تفسر حتى الآن، ماهية الزمن نفسه، البعد الرابع الأزلي.

على Qoura يسأل أحد الأعضاء: هل يختلف الزمن بشكل أساسي عن باقي الأبعاد؟

يقول السائل: «أفهم أن الزمن عبارة عن بعد، لكنه يتصرف بشكل مختلف «بالنسبة لنا» عن باقي الأبعاد، هل ذلك لأنه يختلف بشكل أساسي عن باقي الأبعاد، أم أنه يتفاعل معنا بشكل مختلف فقط؟ ولو كان الأمر هكذا، هل نعرف لم؟».

أكثر الإجابات تقييمًا على الموقع هي إجابة ريتشارد مولر Richard Muller، بروفيسور الفيزياء بجامعة بركلي بالولايات المتحدة الأمريكية، صاحب كتاب بعنوان «الآن.. فيزياء الزمن».

يقول مولر:

بالطبع، نستطيع أن نتوقف ثابتين في الفراغ لكن ليس في الوقت. وبشكل أكثر دقة، في النسبية العامة، إذا قمت باختيار أن إطار إحداثيات محدد، يمكن لأي جسم (أو أنت بنفسك) أن تظل ساكنًا في هذا الإطار في المكان فقط، وليس في الوقت.

هذا التصرف الغريب يتجاهله علماء الفيزياء على الأغلب. نقوم برسم مخططاتنا بحيث يكون الزمن والمكان على قدم المساواة، ونستخلص نتائجنا الهامة كلها بدقة، متضمة حسابات التمدد الزمني وانكماش الفضاء.

وبما أن الفيزياء حاليًا تتجاهل سريان الزمن، يقول بعض الفيزيائيين إن هذا السريان غير حقيقي وغير موجود، وهذا هراء تام. فهدف الفيزياء يجب أن يضع اعتبارًا للحقيقة، لا أن ينكرها. وكل ما يقوم به هؤلاء هو أنهم لا يضمنون سريان الزمن في نظرياتهم الحالية؛ أي يتجاهلونه، ورغم ذلك يصلون لنتائج جيدة.

وهذا اللغز هو محور كتابي الأحدث «الآن: فيزياء الزمن».

أطرح في الكتاب فرضية جدلية؛ وهي أن مرور الزمن هو نتيجة استمرار لخلق زمن جديد، زمن متوافق مع خلق فضاء جديد أثناء تمدد الكون. ونقوم الآن بمتابعة بعض الاختبارات والتجارب لتلك الفرضية. وأنا لا أعتبر أي فرضية جديدة لا تتنبأ بظواهر بأن تصبح نظرية صالحة؛ بل وأكثر من ذلك، يجب أن توفر الفرضية الجديدة الاختبارات القادرة على دحض النظرية القائمة. ونحن الآن نتابع اختبارات في كل من مجال المراقبة الفلكية وكذلك التجارب المعملية.

انتهت إجابة مولر، والتيقام الكثير من الفيزيائيين بالتصويت عليها كأفضل إجابة عن السؤال المطروح، إلا أنها لم تكن الإجابة الوحيدة بالطبع.

فتأتي إجابة رودني بروكس Rodney Brooks تالية لإجابة مولر، وهو حاصل على الدكتوراه في الفيزياء من جامعة هارفارد، ومؤلف كتاب Fields of Color لتبسيط ميكانيكا الكم بدون معادلات.

يقول بروكس:

بالطبع يختلف الزمن عن باقي الأبعاد، ولا تحتاج للرياضيات لترى هذا.

يعد الزمكان رباعي الأبعاد كنا نعبر نحن -مثلاً- عن ميعاد محدد ومكان محدد لحدث ما بأربعة أرقام، وهذا لا يعني أن المكان والزمن متساويان. في نظرية الحقل الكمي، كما في نظرية أينشتاين، يلعب المكان والزمن دورين منفصلين بما يتفق مع تصوراتنا الطبيعية للأمر. وفكرة أن الزمكان يجب أن نراه كوحدة رباعية الأبعاد قدمت لأول مرة على يد عالم الرياضيات الألماني هيرمان مينكوفسكي Hermann Minkowski.

إلا أن أينشتاين لم يؤيد هذه النظرية، وأطلق عليها لفظة «superfluous erudition» وتعني زائدة عن الحاجة. لكن عند استخدامه لمعادلات مينكوفسكي الرياضية لكي يصف المجال الجذبي، كان على أينشتاين أن يضيف الرقم «التخيلي» «للوقت. جعل هذه المعادلة أصغر وأسهل في التعامل معها، إلا أن أينشتاين كان حريصًا جدًا على التفرقة بين التدوين الرياضي للنظرية وبين الحقيقة.

اكتشاف مينكوفسكي كان هامًا في تطور صياغات النظرية النسبية، فالزمكان رباعي الأبعاد في النظرية النسبية، في أكثر خصائصه الرياضية الهامة، يظهر علاقة واضحة مع الفراغ الهندسي الإقليدي ثلاثي الأبعاد. في هذه الحالات، القوانين الطبيعية، بافتراض أن الصيغة الرياضية للزمن فيها نفس القواعد التي تنطبق على الأبعاد الثلاثة.
ألبرت أينشتاين، من كتاب النسبية.

يقول أينشتاين هنا إن كتابة المعادلات رباعية الأبعاد مفيدة للفيزيائيين، فهي تعد طريقة ملائمة لمعالجة العلاقة الرياضية بين تغير الزمن وتغير الأبعاد والضرورية للنظرية النسبية الخاصة. ويمكن القول إن الفيزيائيين لا يمكن أن يعيشوا بدون ذلك. ومع ذلك، فالفضاء والزمن مختلفان، وأقول لمن يحاولون أن يقدموا فكرة الأبعاد الأربعة للعوام بشكل زائف وإجباري كضرورة لفهم النظرية النسبية، عيب عليكم.

لذا، لو لم تكن تفهم الرياضيات بشكل قوي وقادر على تخيل الأرقام الخيالية، أقترح عليك أن تتجاهر الإجابات التي تحتاج لحسابات، فهي غير ضرورية بشكل كامل لفهم مبادئ النظرية النسبية، كما أشرح في كتابي، والذي يمكنك أن تقرأه مجانًا -وخصوصا الفصل العاشر- في الموقع الخاص به.

انتهت إجابة بروكس.

وتعقيبي الشخصي، أن الإجابات تناولت جزءًا محددًا فقط متعلقًا بالزمن، وهو قيمته الرياضية في المعادلات اللازمة لتفسير وشرح وإثبات النظريات المتعلقة به، وعلى رأسها النسبية بالطبع. إلا أن معضلة فهم الزمن هي معضلة فلسفية بالأساس، كيف يجري الزمن؟، لماذا للأمام فقط؟، هل لنا تحكم في الأمر؟، هل يرتبط الزمن بالقدر؟، كل هذه أسئلة تناولتها مختلف المدارس الفلسفية قديمًا وحديثًا بكثير من التناول وبرؤى ووجهات نظر مختلفة ومتضادة أحيانًا أخرى، وربما نعود لتلك المسألة المعقدة يومًا ما في تقرير تفصيلي آخر.