محتوى مترجم
المصدر
MIT Technology Review
التاريخ
2016/04/15
الكاتب
مارتن غيفورد

كان هناك معرض لفنان صاعد، في غاليري أوبغكامف، في باريس، في يوليو 2013. استمر لمدة أسبوع، وحضره جمهور عام، وحظي بتغطية صحفية، وكشف عن أعمال أنتجت على مدى عدد من السنوات، بما يتضمن بعض ما تم تدشينه على الفور في المعرض. على وجه الإجمال، كان المعرض تظاهرةً فنيةً عالميةً ونموذجيةً إلى حد ما. وتمثّلت الخصيصة غير العادية الوحيدة في أن الفنان المذكور كان برنامج كمبيوتر يعرف باسم «بينتنج فول».

بيد أن ذلك نفسه لم يكن شيئًا محدثًا. كانت الأعمال الفنية المصنوعة بمساعدة الذكاء الاصطناعي بيننا لفترة طويلة بشكل مدهش. فمنذ عام 1973، تعاون هارولد كوهين – وهو رسّام وأستاذ في جامعة كاليفورنيا، سان دييغو، ومثّل بريطانيا لمرّة واحدة في بينالي البندقية – مع برنامج يسمّى أرون. وقد كان ذلك البرنامج قادرًا على صنع الصور باستقلالية على مدى عقود؛ حتى أن كوهين، في أواخر الثمانينيات، كان يتندّر بأنه الفنان الوحيد الذي سيكون قادرًا على عرض أعمال جديدة صنعت تمامًا بعد موته.

إن الأسئلة التي لم تحل بخصوص آلة الفن هي: أولًا، ما هي إمكاناتها، و، ثانيًا، هل يمكن حقًا – بغض النظر عن نوعية العمل الذي يمكن ينتج عنها – وصفها بأنها خلاقة أو خيالية. تأخذنا هذه المشاكل العميقة والمثيرة إلى أعماق أسرار صناعة الفن البشري.

إن برنامج بينتنج فول من بنات أفكار سيمون كولتون، أستاذ الإبداع الحاسوبي في كلية غولدسميث، لندن، الذي اقترح أنه إذا كان بالإمكان اعتبار البرامج خلاقة، فإنها ستضطر إلى تمرير شيء يختلف عن اختبار تورينج. وهو يقترح أنه بدلًا من مجرد القدرة على التحدث بالطريقة الإنسانية بشكل مقنع، كما يقترح تورينج، فإن الفنان الذكي الاصطناعي من شأنه أن يتصرف بطرق ماهرة وجديرة وخيالية.

حتى الآن، قام بينتنج فول –الذي يوصف على موقعه بأنه فنان طموح– بإحراز تقدم على جميع الجبهات الثلاث [المهارة والجدارة والخيال]. بخصوص الجدارة، قصد كولتو منه أن يكون مستجيبًا للعواطف. تألَّف عمل مبكر للبرنامج من فسيفساء من الصور في لوحة مائية متوسطة. لقد تفحّص البرنامج مقالًا في صحيفة الغارديان عن الحرب في أفغانستان، واستخرج كلمات من قبيل الناتو والقوات وبريطانيا، وعثر على صور مرتبطة بتلك الكلمات. وفيما بعد، وضعها معًا لصنع صورة مركبة تعكس المحتوى والمزاج النابع من هذه المادة الصحيفة.

لقد تمّ تصميم البرنامج من أجل نسخ رسومات وتصميمات ميدياوية مختلفة، وتحديد الملائم منها، وكذلك تقييم النتائج. «هذا فشل ذريع»، تم التعليق على أحد الجهود. وقد يشكك المرتابون في هذه التصريحات وغيرها بأن ذلك أكثر من تكلم بطني رقمي ماهر Ventriloquism. لكن كتابة الشعر أدرجت على الموقع بوصفها مشروعًا حاليًا – لذلك، بينتنج فول يطمح حاليًا إلى أن يكون مؤلفًا ورسامًا.

في معرض باريس المذكور، لم يواجه عارضو الصور فنانًا بشريًا وإنما حاسوبًا متنقلًا على شاشته تتخذ اللوحة مكانها. أخذ بينتنج فول صورًا للزوار في أمزجة مختلفة، واستجاب لكلمات عاطفية مستمدة من عشر مقالات قرأها – مرة أخرى – في الغارديان. إذا كان الرصيد السلبي كبيرًا جدًا (الذي يكون خطرًا دائمًا من جراء التغطيات الإخبارية)، برمج كولتون البرنامج إلى الدخول في حالة من اليأس حيث يرفض أن يرسم أي شيء، أي ما يعدّ معادلًا افتراضيًا للمزاج الفني.

يمكن القول إن الصور التي كشِف النقاب عنها في يونيو 2015، من قِبل فريق أبحاث الدماغ في غوغل، تعرض أيضًا جانبًا واحدًا على الأقل من الخيال البشري: القدرة على رؤية شيء ما على أنه شيء آخر. فبعد بعض التدريب في تحديد الكائنات عبر القرائن البصرية، والتغذي على صور للسماء وأخرى عشوائية، بدأ البرنامج في توليد صور رقمية تشير إلى خيال مركّب لكل من والت ديزني وبيتر بروغل الأكبر، بما في ذلك هجين «خنزير-حلزون» و«جمل-طائر» و«كلب-سمكة».

ثمة معادل رقمي للظاهرة العقلية التي يشير إليها مارك أنطونيو في عمل شكسبير «أنتوني وكليوباترا»: «في وقت ما نرى سحابة على أنها تنين، وفي وقت آخر نراها على أنها دب أو أسد».

لقد أوصى ليوناردو دا فينشي أن التحديق في بقع على جدار أو في علامات عشوائية مماثلة يشكّل حافزًا للخيال الخلاق. ثمة فنان يحاول اختراع مشهد ما حيث يحوم محاربين في معركة أو مناظر طبيعية لـ «جبال وأنهار وصخور وأشجار وسهول كبرى ووديان وتلال». قد تكون هذه القدرة واحدة من محفزات عصور فن الكهوف فيما قبل التاريخ. في كثير من الأحيان، تبدو لوحة أو نقشة صخر على أنها تستخدم ملمحًا طبيعيًا – كحصاة في جدار تشبه العين، على سبيل المثال. لعل فنان الكرو-ماغنون استشفّ لأول مرة الأسد أو البيسون في علامات عشوائية، وتعرف بعد ذلك إلى أن التشابه أكثر وضوحًا مع طلاء أو خط قطعي.

من هنا، كل الصور – وليس فقط اللوحات والرسومات ولكن أيضًا الصور الفتوغرافية – تعتمد على القدرة على رؤية شيء واحد، وعلى جعل الأشكال على سطح مستو، وشيء آخر: شيء في العالم ثلاثي الأبعاد. ونُظُم الذكاء الاصطناعي التي وضعها فريق غوغل جيدة في ذلك. لقد تمَّ إنشاء الصور باستخدام شبكة عصبية اصطناعية، وبرمجيات تحاكي طريقة طبقات من الخلايا العصبية في معالجة المعلومات في الدماغ. والبرنامج مدرّب، من خلال تحليل الملايين من الأمثلة، على التعرّف على الأشياء في الصور: دمبل أو كلب أو تنين.

اكتشف باحثو غوغل أنه بإمكانهم أن يحولوا هذه الأنظمة إلى فنانين عن طريق القيام بشيء من قبيل ما اقترحه ليوناردو دا فينشي. والشبكة العصبية تقدّم مع صورة مكونة من عاصفة من البقع والنقاط، ويطلب منها أن تعدّل الصورة لإخراج أي تشابه خافت، يتكشف في الضوضاء، إلى كائنات تمّ تدريب البرنامج على التعرّف عليها. قد يصبح بحر من الضوضاء متشابكًا كنمل أو نجم البحر. ويمكن أيضًا لهذه التقنية أن تطبّق على الصور، وملء السماء الزرقاء بكلاب شبحية أو إعادة صياغة الصور في منمنمة.

mccowanmountain3-1
mccowanmountain3-1

وقد كان البرنامج بارعًا مثل مارك أنطونيو في تمييز الحيوانات في الغيوم. أطلق فريق غوغل على النتيجة العبارة الفنية الاستهلالية، لأن المشروع البحثي في الهندسة المعمارية العصبية الشبكية أطلق عليه اسم استهلال – إشارة إلى الفيلم الذي أنتج عام 2010 وحمل نفس الاسم، وكان عن رجل يخترق طبقات أعمق وأعمق من أحلام الناس. من منظور تاريخ الفن، تصنف الاستهلالية على أنها البديل عن السريالية. وقد أنتج كل من رينيه ماغريت وسلفادور دالي وماكس أرنست العديد من الأعمال على هذه الشاكلة – سماء مع آلات موسيقية أو باكيتات، على سبيل المثال، بدلًا من سحب مكفهرة.

كيف هي جيدة، حقًا، الاتسهلالية؟ بعض الصور مدهشة ويمكن أن ينظر إليها بطرق مختلفة – بما في ذلك وضع خطي مؤكد يذكرنا بشكل غامض بأسلوب فان جوخ. وفي بعض الحالات، تكون مثيرة للاضطراب، مما يشير إلى نوع من الهلوسة التي وصفها أولئك الذين يعانون من رحلات سيئة أو دي تي اس: سماء مليئة بكلاب تركب الدرّاجات، على سبيل المثال، أو تحريك عمارة مغطاة في عيون محدّقة.

لكن الأعمال الاستهلالية، حتى الآن، كيتشية جدًا وواضحة جدًا وقائكة على صور جلية – في ذوقي، على أي حال – لتعطي كثير منافسة لدالي أو ماغريت. لم يجتز بينتنج فول أو أكثر برامج مماثلة له حتى الآن مستوى إنجاز ما بعد الثانوية أو نوادي الهواة. ماذا عن إمكانات الفن الحاسوبي؟ هل يمكن إضافة الذكاء الاصطناعي إلى الفنون البصرية (أو، في هذا الشأن، إلى الموسيقى والتعابير الأخرى في أجهزة اللحاسوب التي نجد الحواسيب أيضًا بارعة بالفعل)؟

إن سيمون كولتون واع بالنقد المتعلق بأن أعمال بينتنج فول في الواقع هي إبداعاته الفعلية. إننا، كما يشير، لا نمنح رصيد لعمل فني بشري إلى معلّم الفنان. إن الجواب قد يعتمد على المدى الذي كان يتابع به التلميذ إرشادات المعلم. وعمومًا، الفضل في لوحة تعود إلى ورش عصر النهضة تذهب إلى الفنان المعلم/القائد، وليس إلى المتدربين الذين قاموا بالكثير من العمل. لكن في حالة The Baptism of Christ (1475)، ندرك منجز عضو الورشة ليوناردو دا فينشي، لأن الأجزاء التي رسمها – ملاكًا وبعض المناظر الطبيعية – تختلف بشكل واضح عن عمل الفنان المعلم. لذا يصنف مؤرخو الفن الصورة على أنها جهد مشترك.

في القرن السابع عشر، كان لدى أنتويرب مصنعًا صغيرًا من المساعدين المدربين تدريبًا عاليًا الذين رسموا إلى حد أكبر أو أقل معظم أعماله على نطاق واسع. وكان الإجراء الطبيعي أن ينتج الفنان المعلّم رسمًا صغيرًا يتم إظهاره بعد ذلك، تحت إشرافه، في حجم سقف أو ألتربيس. يعتقد بعض العلماء، مع ذلك، أنه في بعض الأحيان تحول الاستوديو عن روبنز عندما لم يقدم هذا الرجل العظيم ولو نموذجًا أوليًا.

هنا، على سبيل المثال برنامج أرون يبدو مثيرًا للفضول. هل الصور التي طورها البرنامج على مدى العقود الأربعة الماضية هي حقًا عمل لهارولد كوهين، أو إبداعات مستقلة لأرون نفسه، أو ربما تعاون بينهما؟ إنها مشكلة حساسة. لم ينتقل أرون بعيدًا عن اللغة الأسلوبية العامة التي قام بها كوهين نفسه في الستينيات، عندما كان داعية ناجحًا لجريد الحقل اللوني. ومن الواضح أن أرون يعدّ تلميذه في هذا الصدد.

كان أحد جوانب عمل كوهين، في وقت سابق، حاسم في اهتمامه بمجال الذكاء الاصطناعي. ورأى أن صناعة الفن لا يجب أن تتطلب عملًا مستمرًا، أو قرارًا يصنع دقيقة بدقيق… ينبغي أن يكون من الممكن وضع مجموعة من القواعد وبعد ذلك، تقريبًا دون تفكير، جعل اللوحة تتبع القاعدة.

هذا النهج هو سمة نوع معين من الفنانين. التجريدات الكلاسيكية لبيت موندريان من العشرينيات والثلاثينيات هي مثال على ذلك. قدّمت هذه وفقًا لمجموعة من القواعد التي فرضتها على نفسها: السماح بالخطوط المستقيمة فقط، التي يمكن أن تأتي فقط في زوايا قائمة، ويمكن أن تصور فقط في لوحة من الأحمر والأزرق والأصفر (بالإضافة إلى الأسود والأبيض).

وفي مثال نادر على تجربة الفن التاريخي، حاول الناقد الفني الراحل توم لوبوك أن يرسم بعض الموندارينات بنفسه باتباع هذه الوصفة. أنتج حسب الأصول عدة تجريديات، التي بدت تمامًا مثل أعمال موندريان، ولكنها لم تكن على ما يرام. ويبدو أن الاستنتاج هو أن موندريان قد أضاف صفات إضافية – ربما كانت حدة في التوازن البصري وترجيحًا في اللون – لم تكن موجودة في القواعد.

إنه من غير المألوف لنقاد الفن محاولة أي شيء عملي كما بحث لوبوك. لكن يقوم كثير من الآخرين بفعل نفس الأمر: ندعوهم بالمزورين والنسّاخ والتلاميذ. هناك قدر كبير من الفن يتكون، ودائمًا يتكون من تقليد عمل آخر: صور أنشئت على طريقة موندريان أو مونيه أو بعض المنشئين الآخرين الكبار. يقضي مؤرخو الفن حياتهم في تصنيف الفنانين إلى دائرة بوتيتشيلي وأتباع كارافاجيو، وغير ذلك، ومن الواضح أن الآلات يمكن أن تعمل على هذا المستوى: إنها يمكن أن تنتج فنًا مشتقًّا (الذي يمثل 99.9 في المئة من عمل الفنانين البشري). لكنها يمكن أن تفعل أكثر من ذلك؟

بشكل مفهوم، اعتقد كوهين في الكثير بشأن هذا الموضوع. في محاضرة عام 2010، طرح الموضوع بشكل معاكس. لم يكن واضحًا أن أرون هو المبدع؟ على اية حال، «مع عدم وجود مزيد من المدخلات من قِبلي، يمكنه توليد عدد غير محدود من الصور، وهو رسام أفضل بكثير مني، وعادة ما يفعل كل شيء بينما أنا مدسوس في السرير». ما هو، في الواقع، إساهمه؟ «حسنًا، بالطبع، لقد كتبت هذا البرنامج. لكن ليس صحيحًا تمامًا القول بأن البرنامج ببساطة يتبع القواعد التي أعطيتها له. البرنامج هو القواعد».

بطريقة ما، ثم، أرون يعمل مثل ستوديو عصر النهضة أو استوديو الباروك. في إطار توجيه كوهين، وضع بدرجة يعادل فيها استوديو روبنز في وضع مستقل – وربما أكثر. في السنوات الأولى، كان يقتصر أرون على رسم الخطوط العريضة؛ يختار كوهين من بينها ويضيف أحيانًا ألونًا بيده. وفي الثمانينات، بدأ كوهين إدخال مسألة العمل باللون إلى البرنامج. في نهاية المطاف، وضع سلسلة من القواعد لتمكينه من تأليف التجانس اللوني، لكنه وجد هذا غير مرض. وكان حله الأول يتألف من قائمة طويلة من التعليمات بناء على ما يمكن أن يفعله الفنان البشري في حالات معينة. لكن هذا لا يعمل دائمًا، ويرجع ذلك جزئيًا حتمًا إلى أن القائمة كانت لانهائية.

في نهاية المطاف، وجد وسيلة لتعليم أرون استخدام الألوان من خلال خوارزمية بسيطة. لدينا قدرة محدودة على تصور اختلاف الترتيبات اللونية، ولكن نظام الاسترجاع رائع لدينا. يمكن للفنان البشري أن ينظر إلى صورة بينما تتطور ويقرر بالضبط، مثلًا، ما الظلال الصفراء التي ستضاف إلى صورة من عبّاد الشمس. لم يكن لدى أرون نظامًا بصريًا على الإطلاق، ولكن كوهين وضع الصيغة التي يمكن أن توازن بين عوامل من قبيل المسحة والتشبعة في أية صورة.

يمكن للآلة أن تكون من أي إبداعية مثل لرامبرانت أو بيكاسو؟ للقيام بذلك، يقول كوهين، فإن الروبوت عليه تنمية الشعور الذاتي. قد يحدث ذلك أو لا يحدث، و«إذا لم يحدث ذلك، فإنه يعني أن الأجهزة لن تكون خلاقة كما البشر». إن عمليات مثل التي يقوم بها الفنان تنطوي على التفاعل بين العوامل الاجتماعية والعاطفية والتاريخية والنفسية والفسيولوجية التي يصعب بشكل مروع تحليلها، ناهيك عن تكرارها أو نسخها. وهذا هو ما يمكن أن يعطي الصورة التي يقدمها هذا الفنان أو ذاك مستوى عميق المعنى إلى العين البشرية.

ذات يوم، كما يشير كوهين، قد تطور الآلة حساسية معادلة، ولكن حتى لو لم ينجح ذلك، «فإن هذا لا يعني أن الآلات ليس لديها ما تقوم به فيما يخص الإبداع.» وكما أثبتت التجربة الخاصة، يقدم الذكاء الاصطناعي شيئًا يجتاز مساعد أو تلميذ الفنان: متعاون جديد وخلاق.