محتوى مترجم
المصدر
The conversation
التاريخ
2018/10/23
الكاتب
ستيفن هوجود

يتبدى كثير من التحديات للمتأمل في مستقبل حقوق الإنسان، وما إذا كانت ستزيد أهميتها أم ستقل خلال السنوات القادمة، ومن أهم تلك التحديات: التغيرات المناخية، وتنامي الحس القومي، وانعدام المساواة، وتزايد السلطوية.

وفي واقع الأمر، ترتبط تلك التحديات المختلفة ببعضها بعضاً بطرق متشابكة، فعلى سبيل المثال، لقد ساعد انعدام المساواة على تنامي المشاعر القومية، وأدت التغيرات المناخية إلى تزايد انعدام المساواة، ولكن تعتمد تلك التحديات أيضاً على إجابة تساؤل أعمق:

إلى أي مدى يُعد تمتع الآخرين بحقوق الإنسان مهمًا لنا بوجه عام؟

حقوق الإنسان ليست مهمة

إن الأمر الأكثر إضراراً بتقدم حقوق الإنسان هو هؤلاء الأشخاص، من كل أرجاء المعمورة، الذين يعتبرون أن حقوق الإنسان ليست مهمة بتلك الدرجة التي ينادي بها المدافعون عن حقوق الإنسان، فعندما يُخيَّر المرء بين حقوق الإنسان والأشياء الأخرى التي يعدها الناس ضرورية، مثل الرفاهية المادية، أو الأمن، أو الفرص المتاحة أمام أولادهم والإنجازات القادرين على تحقيقها، فسنجد أن معظم البشر يرفضون التضحية مقابل حصول الآخرين على حقوقهم.

ولنضرب ثلاثة أمثلة واضحة، أحدها انعدام المساواة: ففي المجتمعات الأكثر التزاماً بحقوق الإنسان، تتردّد قطاعات رئيسية من السكان في إعادة توزيع الدخل من خلال فرض معدلات أعلى من الضرائب، وبالنسبة للسكان الأكثر فقراً، فلا يوجد شيء يصنع فارقًا في حياتهم مثل قدرتهم على الحصول على تعليم ورعاية صحية بجودة عالية.

ولكن في الولايات المتحدة وبريطانيا، فإن الإنفاق العام على هاتين الخدمتين يتقلص باستمرار، كما أننا نعلم أن الاعتماد على الخدمات التي يقدمها القطاع الخاص وحدها تؤدي إلى انعدام المساواة، ولكن الأمر ببساطة أن الكثيرين ليس لديهم استعداد لدفع المزيد من الأموال لتوفير الرعاية الصحية والتعليم بأعلى المعايير الممكنة لكل البشر.

ولنضرب مثلاً التعامل مع اللاجئين: فإن افتقار البشر لحماية الحكومات الوطنية يجعلهم أكثر احتياجاً للاحتماء بحقوق الإنسان من غيرهم، فعندما يكون الإنسان لاجئاً، فكل ما يملكه في الحياة هو إنسانيته، ولكن بدلاً من أن يثير ذلك دافعاً لتقديم المساعدة في نفوس الشعوب الغنية، فقد أثار ذلك نوعًا من الهلع حيال المهاجرين في أوروبا، مما أدى إلى ظهور اليمين المتطرف.

فبسبب قرارها الشجاع بفتح الحدود الألمانية أمام مليون لاجئ سوري، ضعفت القوة السياسية للمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، وانتهزت الأحزاب والحركات اليمينية المتطرفة لدخول الحياة السياسية في ألمانيا. وعندما نضيف الإسلام إلى هذا المزيج، بغض النظر عن أهمية حق الإنسان في الاعتقاد الديني، تصبح حقوق الإنسان أقل إثارة للمشاعر الإيجابية.

أما المثال الأخير فهو التعذيب: فعلى الرغم من أن الدعوة إلى عدم تعرض أي إنسان للتعذيب كانت العامل الأكثر دعماً للالتزام بحقوق الإنسان، إلا أن استطلاعات الرأي حول التعذيب أظهرت وجود دعم واسع النطاق لاستخدام التعذيب عند مواجهة الأخطار المتعلقة بالأمن القومي، وهو نفس المنطق المهيمن على تطبيق عقوبة الإعدام في بعض الأماكن، إذ إن السبب الأكثر قبولاً لمناهضة عقوبة الإعدام هو الخوف من قتل شخص بريء، وليس الحق الأصلي للإنسان في الحياة.

وفي الواقع، تتكرر تلك التوجهات في نطاق واسع من الأسئلة المتعلقة بالحريات المدنية، مثل حرية المعلومات، وحرية الصحافة، وحرية التعبير، والتحرر من الرقابة، ولكن البشر سيختارون التضحية بقدر كبير من الحريات، حريات الآخرين أولاً، ثم حرياتهم هم أنفسهم في النهاية، عندما يواجهون أخطاراً جسيمة.


وظائفنا وأرضنا

من الأمور المثيرة للدهشة، ذلك التجاهل التام للمادة 29 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تتحدث عن واجبات الأفراد -وليس حقوقهم- نحو المجتمعات، إذ تنص الفقرة الثانية منها على ما يلي:

لا يُخضع أيُّ فرد، في ممارسة حقوقه وحرِّياته، إلاَّ للقيود التي يقرِّرها القانونُ مستهدفاً منها، حصراً، ضمانَ الاعتراف الواجب بحقوق وحرِّيات الآخرين واحترامها، والوفاءَ بالعادل من مقتضيات الفضيلة والنظام العام ورفاه الجميع في مجتمع ديمقراطي.

يمكن للدول السلطوية الاعتماد على هذه المادة لتبرير قمع حقوق الإنسان باسم الأخلاقيات العامة، أو لسحق المعارضة، أو للتخلص من حقوق الملكية أو تثبيتها، ولكن لا ينبغي أن تتصرف الدول الديمقراطية بنفس الطريقة، إذ يجب على الدول الديمقراطية الوفاء بمتطلبات ائتلافات معينة من مواطنيها، فإذا فقدت الدولة ما يكفي من الدعم من جماعات رئيسية من مواطنيها، فستفقد الحكومات سلطتها، كما قد تتعرض الدولة نفسها لأخطار قد تطيح بها.

لقد تجاهلت العديد من الدول الغربية المادة 29 لمدة طويلة، ويرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى أن حظوظ الديمقراطيات الغنية كانت في صعود منذ عام 1948، ولكنها تتعرض للضغوط في الوقت الراهن، كما أن العقد الاجتماعي الأساسي أصبح فجأة محل تساؤل، وأدت المخاطر الجديدة، مثل عدم المساواة، والتغيرات المناخية، والتخلي عن العمالة اليدوية مقابل الاعتماد على الآلات والذكاء الاصطناعي، إلى ارتفاع أصوات الفئات التي يتعارض العقد الاجتماعي مع مصالحها، ونادت تلك الفئات بأن «هذه وظائفنا وهذه أرضنا»، وأن «مجتمعنا يتمتع ببعض القيم المشتركة»، وأن «الناس الذين يشبهوننا هم فقط المواطنون الحقيقيون»، ودخلت هذه المشاعر، التي تردد صداها في فترة رئاسة دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي، والاستفتاء حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكست»، في مواجهة مباشرة مع حقوق الإنسان.

وبشكل عام، لا تحمل الدول توجهات إيجابية تجاه حقوق الإنسان، إذ تمثل لها مصدراً للإزعاج أو الإحراج، وبالتالي يتطلب استمرار حقوق الإنسان وازدهارها مناداة الشعوب والمواطنين بأهمية حقوق الإنسان ومطالبة حكوماتهم بالالتزام بها، وتبعاً لنفس المنطق، يمكن للشعوب والمواطنين أيضاً الإطاحة بحقوق الإنسان تماماً، فالأمر يرجع إلينا في نهاية المطاف، ونحن من يصنع الفارق الذي سيؤدي إلى نجاح حقوق الإنسان أو فشلها، بغض النظر عن المخاطر الخارجية والداخلية التي سنواجهها.