بيننا إنسان لا يختلف عنا كثيرًا، ليس له أدنى ذنب في هذا الاختلاف الذي خُلق به، وعلينا منح هذا الإنسان صوتًا يُدافع به عن نفسه وعن حقوقه المبخوسة بسبب قلة الوعي لدى المجتمع.. إنه صوت أطفال التوحد، حيث يعرِّفُالعلماء التوحد بأنه:

اضطراب في النمو العصبي للإنسان يؤثر بشكل شديد على تطور وظائف العقل ويظهر ذلك عادة خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل، والتوحد كلمة مترجمة عن اليونانية Autism، وتعني العزلة أو الانعزال، وبالعربية أسموه «الذاتوية».


ما هي أعراض التوحد؟

أعراض التوحد في الطفولة تبدأ بعلامات تأخر في النمو مرتبطة وتبدأ عادة في الظهور الثابت بين عمر 2 و3 سنوات، إلا أنه تم تشخيص بعض الحالات في عمر مبكر مع بلوغ الطفل 18 شهرًا، بينما تم تشخيص بعض الحالات في عمر 4 أشهر، وما يلي قائمة بأشهر أعراض التوحد وفقًا للمرحلة العمرية.

أولًا: أعراض التوحد لدى الأطفال البالغين 3 أشهر

  1. لا يستجيب الطفل للضوضاء والأصوات العالية.
  2. عدم قدرة الطفل على تتبع الأجسام المتحركة بعينيه.
  3. عدم استجابة الطفل أو تفاعله مع الناس بالابتسامة أو غيرها.

ثانيًا: أعراض التوحد لدى الأطفال البالغين 7 أشهر

  1. عدم انتباه الطفل للأصوات من حوله وعدم التفاته برأسه لتحديد مصدر الصوت.
  2. لا يظهر الطفل أي مشاعر أو مودة لذويه.
  3. عدم التفاعل مع محيطه أو إظهار أي رد فعل طبيعي مثل الضحك أو الصراخ.
  4. لا يتحرك الطفل كعادة أقرانه في هذا العمر نحو الأشياء بشكل تلقائي.

ثالثًا: أعراض التوحد في عمر 12 شهرًا

  1. قلة الحركة والزحف أو انعدامهما.
  2. عدم التفوه بأي كلمة.
  3. لا يستخدم الطفل أي إيماءة كالتلويح بيديه أو هز الرأس.
  4. لا يمكنه الوقوف حتى في حالة تقديم المساعدة له.

رابعًا: أعراض التوحد في عمر 24 شهرًا

  1. يمكنك ملاحظة عدم قدرة الطفل على المشي.
  2. لا ينطق إلا كلمات أو جملًا قليلة.
  3. لا يتعرف على وظائف المقتنيات المنزلية كالهاتف وملعقة الطعام على سبيل المثال.
  4. لا يقلد أفعال الوالدين أو كلماتهم.
  5. لا يمكنه اتباع التعليمات البسيطة.

الأعراض الأكثر شيوعًا لدى الأطفال

أعراض التوحد في مهارات التواصل

  1. لا يستجيب الطفل أو يبتسم عند النداء عليه باسمه بحلول عامه الأول.
  2. يفضل أن يكون وحيدًا ولا يهتم باللعب أو التحدث مع الآخرين.
  3. لا ينتبه للأشياء من حوله ولا يتفاعل أو يحاول تجربة أي شيء.
  4. تأخر الطفل في الكلام أو المهارات اللغوية.
  5. يتجنب أو يرفض الاتصال الجسدي.
  6. لا يمكنه التفرقة بين الضمائر، وعلى سبيل المثال قد يستخدم (أنت) للحديث عن نفسه بدلًا من (أنا).
  7. تكرار نفس العبارة تكرارًا ومرارًا.
  8. نادرًا ما يستخدم الإيماءات ويستجيب لها.
  9. لا يمكنه التركيز على نفس الموضوع خلال الحديث أو الإجابة على الأسئلة الموجهة له.
  10. لا يمكنه تمييز أو إدراك السخرية والمزاح.

أنماط السلوك:

من أعراض التوحد في السلوك والتصرفات ما يلي:

  1. تكرار بعض السلوكيات بشكل ملحوظ، مثل الرفرفة باليدين أو الاهتزاز أو القفز أو الدوران.
  2. الثبات على أنشطة أو أشياء معينة.
  3. تكرار روتين معين أو طقوس ثابتة والشعور بالضيق عند تغييرها ولو قليلًا.
  4. الحساسية القصوى للاتصال الجسدي كاللمس، وكذلك الحساسية للضوء والصوت.
  5. الاندفاع والتصرف دون تفكير.
  6. السلوك العدواني سواء مع نفسه أو مع الآخرين.

والجدير بالذكر أنّ طفل التوحد يتمتع بنسبةٍ من الذكاء، لكنْ يواجه صعوبة عدم فهمه للعبارات والألفاظ،وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين، مما يزيد توتره؛ لذلك تتكوَّنُ عدم مقدرةٍ عند الطفل في التعبير عن نفسه بالكلام، مما يدفعه إلى التعبير بسلوكياتٍ غير مناسبةٍ مثل الصراخ والبكاء، كما أنه يرفض القيام بالأعمال المطلوبة منه.


بعض الخرافات الخاطئة عن التوحد

1. الأشخاص الذين يعانون من مرض التوحد لا يريدون التعامل مع الآخرين وتكوين علاقات معهم.

الحقيقة: إذا كنت تتعامل مع شخص مصاب بالتوحد، فمن المحتمل أنه يعاني من نقص المهارات الاجتماعية، مما قد يجعل من الصعب التفاعل مع أقرانه. وقد يبدو ذلك الأمر مخجلًا، ولكن ذلك يرجع فقط إلى أنه غير قادر على التواصل بنفس طريقتهم مما يجعله ينطوي في عالمه الخاص به.

2. لا يمكن للأشخاص المصابين بالتوحد الشعور أو التعبير عن عاطفتهم، سواء كانت سعيدة أو حزينة.

الحقيقة: أن التوحد لا يجعل الطفل غير قادر على الشعور بالعواطف التي نشعر نحن بها، بل يجعل الشخص يتفاعل مع العواطف ويدرك التعبيرات بطرق وحركات مختلفة.

3. لا يستطيع الأشخاص الذين يعانون من مرض التوحد فهم مشاعر الآخرين.

الحقيقة: أن التوحد قد يؤثر في كثير من الأحيان على قدرة الطفل على فهم لغة الجسد ومهارات التواصل غير المباشرة، لذلك قد لا يكتشف شخص مصاب بالتوحد الحزن الذي يعتمد فقط على لغة الجسد أو السخرية في نبرة صوت المتحدث. ولكن عندما يتم التعبير عن العواطف بشكل مباشر، فإن الأشخاص المصابين بالتوحد أكثر عرضة للشعور بعواطف ومشاعر الآخرين ويتفاعلون معها بأسلوبهم الخاص.

4. الأشخاص المصابون بالتوحد يعانون من إعاقة ذهنية.

الحقيقة: أن التوحد قد يحدث بمفرده أو قد يصاحبه اضطراب آخر يؤثر على وظائف الدماغ، مثل الصرع، الإعاقة الذهنية، والالتهابات الفيروسية، والتوحد اضطراب مربك لأنه يعبر عن نفسه بشكل مختلف في كل حالة.

في بعض من أطفال التوحد يعانون من ضعف عقلي، ونجد البغض الآخر لديهم معدل ذكاء مرتفع، وقد يتفوق بعضهم في الرياضيات أو الموسيقى أو بعض المجالات الأخرى، فالملحنون العظماء مثل موزارات والعلماء مثل أينشتاين والممثل دان أيكيورد كانوا جميعًا يعانون من التوحد.

5. التوحد مرض لا شفاء منه ومصابو التوحد يظلون به للأبد.

الحقيقة: أن الأبحاث العلمية الحديثة أظهرت أن الأطفال المصابين بالتوحد يمكن أن تتحسن حالاتهم بعد إجراء الاختبار التشخيصي، ومن ثم التدخل المبكر المكثف، ولهذا دلالة بالغة على أهمية معالجة التوحد عندما تبدأ الأعراض المبكرة في الظهور، وليس معنى هذا أن يصبح الطفل طبيعيًا 100%.

فالتوحد يُعتبر إعاقة نمائية شاملةً مزمنةً، وبالتالي فإنّ الهدف من التدخلات العلاجية هو الوصول بالطفل إلى أعلى حدٍّ ممكنٍ في الاعتماد على نفسه وتحسُّن المهارات الحياتية وكذلك السلوكيات التكيفية إلى أقصى درجة ممكنة، وفي حال تحقق هذين الهدفين فإنّ التدخل العلاجي يُعتبر ناجحًا نجاحًا كبيرًا.

6. التوحد لم يكن موجودًا من قبل.

الحقيقة: التوحد كان موجودًا بالطبع، ولكن نسبته كانت قليلة، زادت تلك النسبة بسبب الأغذية المصنعة والمدمرة للأطفال وبعض الأسباب الأخرى التي لم تكن معروفة ولم يكن هناك ما يشخص هذا الاضطراب. في حين أن التوحد مرض قديم قدم الأزل، ولكن قديمًا كان يتم تشخيصه على أنه فصام طفولة، ولكن بعد تطور أساليب التشخيص تم اكتشافه وبدء العمل به وتقييم الأعراض.

والحقيقة أن وجود المدربين المتخصصين المؤهلين عامل مهم من عوامل تحسّن أعراض التوحد، ولكنْ هذا كلَّه لا يلغي دور الأسرة، وخاصة الوالدين، فعليهم دور كبير في تدريب وتأهيل أبنائهم للمهارات التي يتعلمونها من المدربين المتخصصين، فمن الخطأ إهمال دور الأسرة والاعتماد الكلي على المراكز.

7. كثير من أسر التوحديين يبحثون عن أنواع مختلفة من الحِمْيَة الغذائية لأطفالهم، وذلك لاعتقادهم أنها علاج مفيد لأعراض التوحد.

الحقيقة: أن هناك من استفاد جزئيًا من الحِمْيَةِ، إلا أنّ الدراسات العلمية أظهرت عدم فاعلية الحِمْيَةِ، ولكنْ بعض الأطفال قد يكون لديه تحسس من بعض الأطعمة، فعندما يعمل له حِمْيَةِ منها فإنّ ذلك قد يساعد في تحسّن بعض الأعراض جزئيًا ولوقت محدود، مع ملاحظة أنَّ حرمان الطفل من بعض الأطعمة قد يكون له آثار سلبية على صحة الطفل، فإذا أراد الأهل تجربة الحِمْيَةِ فلا بد أنْ يكون تحت إشراف طبي من المتخصصين في التغذية.

8. يبحث بعض أهالي أطفال التوحد عن علاج أطفالهم بالأكسجين.

الحقيقة: قد اختلفتْ الدراسات العلمية في إثبات فاعلية العلاج بالأكسجين لأطفال التوحد، فهناك بعض الدراسات أَظهرتْ فاعليته، ولكن غالبية الدراسات العلمية المقننة أظهرتْ عدم فاعليته على المدى البعيد، كما أنّ له بعض الأعراض الجانبية، ومنها: الصداع، التهاب الأذن الوسطى، تشنجات، ومشاكل في النظرِ.

9. تظن بعض أسر أطفال التوحد أنّ هناك علاجًا دوائيًا طبيًا للقضاء على أعراض التوحد.

الحقيقة:لا توجد أدوية طبية بعد لعلاج التوحد بشكل جذري، وإنّما توجد بعض الأدوية التي أظهرتْ الدراسات العلمية فعاليتها في علاج بعض الأعراض المصاحبة للتوحد، مثلَ العنف والعدوانية، وكذلك الهيجان وسرعة الانفعال والصرع وفرط الحركة.

10. يعتقد البعض أنه لا يمكن تشخيص التوحد إلا بإجراء مجموعة من الفحوصات والأشعات المخبرية.

الحقيقة: أن تشخيص التوحد كاضطراب سلوكي لدى الأطفال يكون مبنيًا على التشخيص النفسي والتقييم الطبي، عن طريق طبيب متخصص وأخصائي نفسي، وإنما تساعد هذه الفحوصات المخبرية في استبعاد وجود أي مشكلات طبية أخرى، وليس لإثبات التشخيص.


سِجْنُ الصغيرِ بنظراتِ مَن حولِهِ!

أنجبت بعد حرمان دام أكثر من خمس سنوات، لكنْ شاءت الأقدار أنْ يكون طفلي من فئة التوحديين، وهذه نعمة أحمد اللهَ عليها.

«رقية خالد» أنجبت طفلًا يُعاني من هذا المرض منذ ثلاث سنوات، تقول بنبرة حزن تُعلق على نظرات الناس من حولها:

وبتوترٍ شديدٍ، استكملت:

إنْ فكرت في عزله فكأنني أعزل نفسي وأُسرتي عن العالم الخارجي، أَوَليسَ من أقل حقوقه أنْ يطَّلِعَ على العالم؟ فبأيّ حق يجني هذه النظرات؟ إنه ضعف وعي المجتمع بكيفية التعاملِ معه. لكنني لم أَستسلم في أنْ أرفع راية الانغلاق والانعزال لصغيري، بل العكس، كان دافعًا قويًا بالنسبة لي أنْ أتثقَّفَ حول الأمر وأبادر في أخذ بعض الكورسات وبعدها بدأت أجمع بعض الأطفال من الحيّ وأقص عليهم بعض القصص، وأُطلِعَهم على بعض مشاهد الفيديو لفئة التوحد لكي يتفهموا حالة ابني وكيفية التعامل مَعَه، والحمد لله، جهدي لم يذهب هدرًا وأتى بثمارِه. فكم من نظرة تهدم ولا يشعر بها صاحبها.

جميلة هي الابتسامة على وجوههم، لكنْ مؤلمة ابتسامة الآخرين لهم، فنظرات الشفقة والتعاطف تلاحقهم أينما كانوا، وقد تقابلهم في بعض الأحيان نظرات طامحة بابتسامة ساخرة بتعليق عاجز، لكنْ رغم ذلك هم فئة متميزة وناجحة وقادرة على أنْ تقدم الكثير ممَّا يعجز عنه الأصحاء منا.

ناهيك عن عرقلة المجتمعِ ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، من حيث عدم تهيئة البيئة المناسبة لهم وعدم مراعاة ظروفهم النفسية والجسدية، بل يزداد الأمر سوءًا حين يتم استغلالهم من بعض المتاجرين في هذا المجال. فنظرة الناس لهم مربكة، سواء للطفل أم لذويه، فإذا خرجوا من نطاق الأسرة الضيق إلى المجتمع، وجدوا للأسف أنَّ المجتمع يتعامل معهم كمعاقين بالدرجة الأولى، وجميع حقوقهم مهدرة، أقلها تلك النظرة الخاطئة التي تسبب للطفل عدم اتزانه نفسيًا وانفعاليًا.

وأيضًا يجب التنويه بمشكلة يواجهها ذووهم عند المطالبة بأيِّ حقّ لهم: أدناها التأمينات الصحية على الرغم من أنّها لا تُسمن ولا تُغني من جوعٍ، إلا أنّها قد تزيل بعض العبء المادي وتخفف الضغط لدى ذويهم، وسرعان ما يُلاقِي الأهل معاملة قاسية وردودًا عنيفةً ومؤذيةً نفسيًا، وكأنَّهم يتسولون على الدولة ويطالبون بشيء ليس بحقهم؛ مما يُسبب سوء حالة الأهل وتدهورها من هذه المعاملات فييأسون وينعزلون بطفلهم ويستسلمون للواقع.


وحدها لا تكفي

للأسف هناك تأخر وجهل واضح من قبل البعض لطفل التوحد، فنظرات التعجب والاستغراب تلاحقه في كلّ مكانٍ أينما كان، المزرى في الأمر أنَّهم لا يعلمون أنَّ تلك النظرات تشكل لديه همًا وغمًا، باعتباره مختلفًا عنْ بقية الأطفال، وللأسف تنعكس على طفلي بشكلٍ واضحٍ، حيث يبدأ بإصدار بعض الحركات الغريبة منه لتعبيره عن انزعاجه وعما يشعر به من الآخرين.

العاطفة في أيّ أمر لا تكفي، قد تكون سببًا جيّدًا أو دافعًا قويًّا، لكنّها لا تكفي، بل تصير مبتذلة إنْ لم يُعضِّدْها العمل الّذي يُصدقها، وقطعًا لا شكَّ في مصداقية عاطفتهم الجيّاشة.

ليس المطلوب أنْ يهتم الجميع بمشكلةٍ ما، ولا أنْ تصير ميدان اهتمامهم؛ لكنْ حبّذا لو تعلَّم الواحد منّا ولو شيئًا بسيطًا عن هذه الفئة، لا بأس لو ساهم من موقعه في زيادة الوعي تُجاهها، لو تخلّص من إحساس الشّفقة غير المبرر وكوّن وعيًا معرفيًّا فيما يتّصل بها.

وهذا ينسحب على كلّ الأفكار والأشياء والأشخاص الذين تقودهم عاطفتهم تجاه هذه الفئة أول الأمر، فينجرفون دون عمل ووعي صحيحٍ، فَكلٌّ منا يتميز في شيءٍ معين، فلم لا نحاول أنْ نفكر ونبحث في هذا الأمر ونساعد بما نملكه، حتى نقدر على التعامل مع مثل هذه الفئة وغيرها من ذوي القدرات والاحتياجات الخاصّة؛ فَكُلُّ إنسَانٍ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ له.