هي مهمة صعبة، أعلم هذا جيدًا، ولكنها كذلك ليست مستحيلة! صعوبتها تكمُن في أننا نحيا في زمن الكثير من الأشياء فيه مدمجة، تخصَص الإنسان لدرجة متطرفة، وصُنع يده أصبح شاملًا. أعمالنا أصبحت تدار بالكمبيوتر والأجهزة الذكية، ولكنها هي أيضًا مصدر التشتيت الأكبر التي تجعل إنتاجيتنا في أسوأ أحوالها.

الجانب الإيجابي في الأمر هو كما أنها سبيل لعدم التركيز فهي تتيح في نفس الوقت الأدوات اللازمة لتصحيح هذا الأمر، ولكن سيتطلب الأمر منك بعض التخطيط والمجهود البسيط لكي تفعل ذلك بنجاح وتتجنب سلبياتها لتنعم بحياة مليئة بالإنتاجية.

في الأسطر القادمة سأخبرك تجربتي الشخصية – كالمعتاد – في إبعاد المشتتات عني والخطوات التي اتخذتها لاستعادة تركيزي ورفع مستوى إنتاجيتي، وكيف أنني عندما أهمل تطبيق أي من تلك الخطوات بسبب فترات إحباط أو كسل يجعل هذا الأمور تخرج من تحت سيطرتي.

1. ابتعد عن المنزل كلما أمكن

النصيحة الأولى ستكون مخصصة أكثر لفئتين أنتمي لإحداهما؛ فئة المستقلين في أعمالهم Freelancers، وفئة الطلاب. حيث إن الاثنين يعتمدان على المكوث في المنزل لقضاء أعمالهما أو لإتمام استذكارهما في أغلب الأوقات. بعد ما يقرب من 5 سنوات في العمل من المنزل أستطيع أن أقولها لك بكل ثقة… اهرب! ابتعد!

نعم أنت تتمتع بإنترنت أرضي مستقر بسرعة وسعة مخصصتين لك وحدك. لا تضطر إلى الاستيقاظ في الصباح الباكر للحاق بمواعيد عملك وخوض مغامرة ركوب علب السردين المسماة بالمواصلات والتكدس فيها وسط رائحة العرق واللزوجة والاحتكاك ببشر لا ترغب في التعامل معهم بالإضافة إلى توفير نفقات هذه المواصلات والأكل بالخارج.

لو أردت إحصاء مزايا العمل من المنزل فسأحتاج إلى مقال آخر مستقل بذاته، ولكن كل هذا البريق قد خبا وكشر الوجه الآخر لحقيقة الأمر عن أنيابه، الانعزال والانطوائية وعدم الواقعية ورؤية العالم من شاشة الحاسوب وغيرها أمور لم تكن تخطر ببالي على الإطلاق، ولكن دعني أقل لك العيوب التي تمس موضوعنا اليوم، سواء كنت تعمل أم لا زلت طالبًا.

أنت متاح دائمًا وأبدًا، وجودك بالمنزل يجعلك في متناول أسرتك الحبيبة، مما يفتح المجال للحديث والطلبات والمقاطعات التي تصيبك بالتشتت، أصوات التلفزيون والميديا تعلو وقت مشاهدة فيلم أو سماع موسيقى أو حتى مقاطع من القرآن أو كتابك المقدس والمناقشات والمشاجرات تجعلك تفقد التركيز، ولا تنس الضيوف والجيران الذين يجب عليك الخروج لاستقبالهم، فأنت موجود بالمنزل ومن العيب ألا تفعل ذلك!

فراشك العزيز على بُعد خطوات منك، هذا إن لم تكن تعمل أو تذاكر عليه أصلاً، فسيجذبك من حين لآخر لتستلقي وتستريح وتسرح مع هاتفك أو تنام، وجوده بجانبك أكبر خطأ.

4 جدران محصور بينها طوال الوقت، لا مناظر أخرى تجدد إحساسك ونشاطك، ترفع عينيك فتجد نفس المنظر الممل الذي اعتدته لسنوات، فتعود إلى شاشتك لكي تبحث عن الجديد فيها بعيدًا عن عملك المرهق أو مذاكرتك المملة ويمضي الوقت وأنت لا تشعر.

ستصاب بالاكتئاب وضيق النفس وعدم الرغبة في عمل أي شيء، لا بد أن تخرج، لا بد أن تنعش من روحك، تستنشق هواءً آخر. اذهب إلى مساحات عمل مشتركة، مقاهٍ، كافيهات، واحرص على أن تجلس في موقع يتيح لك النظر إلى الشارع والمارة أو إلى منظر طبيعي مثل حديقة أو ساحل بحر لو كنت تعيش في مدينة ساحلية.

سيريح هذا من نفسيتك كثيرًا ويعطيك الطاقة اللازمة للعمل والإبداع والتركيز، فلن تحتاج لفتح أي شيء آخر على حاسوبك وقتما تمل، لأن ما تراه أمامك وحولك هو شيء جدير بالنظر ولن يستغرق منك سوى دقائق لتعود بعدها لتكمل ما تفعل بإقبال شديد.

2. فَعِّل وضع حفظ الطاقة الفائق

هاتفك الذكي هو اللعنة التي عليك تجنبها بأي شكل طالما لا تحتاج إليه في مهمة عملك أو مذاكرتك الحالية. فهو مصدر التشتيت الأكبر بتنبيهات تطبيقاته ومحادثات أصدقائك عليه، كما أن سهولة استخدامه تجعلك ترغب في التصفح من عليه أكثر من الحاسب. لذلك فإن الطريقة الأفضل والفعَّالة في نظري هي تفعيل وضع حفظ الطاقة الفائق فيه Ultra Power Saving mode.

لماذا؟ لأنه وضع يظل فيه الهاتف متصلًا بالإنترنت، ولكن في نفس الوقت فإنه يمنع عنك وصول التنبيهات حتى تلتقط الهاتف، والجميل في الأمر أنك ستختار عدد محدود جدًا من التطبيقات التي ستعمل عليها عبر هذا الوضع، في حالة هاتفي فإنه يجعلني أختار 6 تطبيقات فقط، ولن يمكن فتح أي تطبيق آخر سواهم.

اختر أهم التطبيقات التي من الممكن أن تحتاجها من الحين للآخر خلال فترة عملك، ولن تستقبل تنبيهات من سواهم، وحتى التنبيهات لن تصل إلا عندما تلتقط الهاتف بنفسك.

ولو كان هاتفك الذكي لا يدعم هذا الوضع فيمكنك الاعتماد على وضع الطائرة Airplane mode، والذي سيقطع عنك كل وسائل الاتصال من شبكة هاتف إلى واي فاي وبلوتوث، فلن يصل إليك أي تنبيه يقطع حبل أفكارك.

3. احظر مواقع إضاعة الوقت

لو انتبهت في الوقت المناسب فستجد نفسك متلبسًا بالزحف لفتح نافذة جديدة في المتصفح لكتابة رابط موقع التواصل الاجتماعي المفضل لديك أو أي موقع تدمن على وجودك عليه، ولكن للأسف فأنت لا شعوريًا تفعل هذا ولا تنتبه إلا بعدما تكون قد استغرقت تمامًا في السباحة في بحر هذا الموقع.

أيًا كانت المواقع التي تدمنها بشدة يجب أن تتجنبها أيضًا بشدة أثناء عملك، فهي أكثر ما سيستنزف وقتك الثمين وكأنك قد وقعت في هوة زمنية لا تفيق منها إلا بعد ساعات، ولكي تنتبه إلى زحفك إليها فأفضل ما يجب أن تفعله هو تنصيب إضافة مانع مواقع لمتصفحك.

هذا النوع من الإضافات Site Block يجعلك تنشئ قائمة بالمواقع التي تحاول تجنبها لكي يمنعك من الولوج إليها، فيمكنك تفعيل المنع وقت عملك فقط، والأمر لا يقتصر على المنع بل يمكنك تحويل المواقع الممنوعة تلقائيًا إلى مواقع أخرى مفيدة أو إظهار رسالة تذكرك بمهامك التي كنت ستتركها وقت شرودك.

يمكنك تحميل أشهر إضافتين Site Block من هذين الرابطين:

إضافة متصفح جوجل كروم، إضافة متصفح فايرفوكس

4. اضبط المنبه

أحد التكتيكات المتبعة لإفاقتك من شرودك، سواء كنت تفعل أشياء لا معنى لها على مواقع لا معنى لها أو كنت مجرد شارد الذهن ولا تستطيع التركيز هو أن تضبط منبه الهاتف لينطلق في الصياح كل فترة معينة خلال عملك.

كل نصف ساعة، كل ساعة، كيفما ترى مقدار شرودك في المعتاد اضبط المنبه، سيجعلك تنتبه لما تفعل وتترك ما يشغل ويضيع وقتك هباء. ويا حبذا لو قمت بتسمية المنبه برسالة تحفيزية قوية تذكرك بهدف ما تفعله وما ستجنيه من ورائه.

5. أنشئ جدولًا يوميًا بالمهام

منذ صغري وأنا أكره ما يسمى جدول المذاكرة، ولكني ندمت أشد الندم على ذلك الكره، فلو كنت تعودت عليه منذ الصغر لكانت أشياء عديدة تغيرت للأفضل، ولكن أن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي أبدًا، الاعتماد على الجداول اليومية يجعل على عاتقك مسئولية لتنفيذ المهام المطلوبة في موعدها المحدد (ثقافة الـ Deadline).

اقتطع جزءًا من وقتك المهدر سلفًا لتنظم مهام عملك أو مذاكرتك، ضع خططًا قصيرة وطويلة الأمد، وستجد أنك بدأت في التركيز أكثر وذلك لسببين:

السبب الأول هو أن العمل بدون خطة واضحة يجعل من تراكم الأعمال والمهام عبئًا على عاتقك يجعلك تشعر بالضغط على الدوام، ستشعر طوال الوقت بأن هناك الكثير مما يجب إنجازه، أيهم تبدأ به وأيهم يمكن تأجيله، لا تعلم.

السبب الثاني هو أنك ستتذكر في الوقت الضائع فيما لا يفيد بأن هناك مواعيد للانتهاء مما تعمل عليه، فستعود مرة أخرى لإنجازه. ولكن يجب أن تضع في حسبانك أن تجعل الجدول مرنًا قليلًا للأمور الطارئة، فلا ينهار كل شيء إذا لم تستطع الانتهاء في الموعد المحدد.

6. قسم المهمة الواحدة

من الجيد ألا تجعل المهام في جدولك طويلة المدة، قسِّم المهمة الواحدة إلى عدد من المهام القصيرة سهلة الإنجاز، بهذا لن تمل، وسيكون لديك الوقت لاستجماع أفكارك والتقاط أنفاسك قبل العودة مرة أخرى للمهمة الصغيرة التالية.

المهام القصيرة ستخفف من عليك الشعور بالضغط، وبالتالي عدم الهروب إلى ما يشتتك ويصرف انتباهك عن أداء عملك، فلا تصعب الأمر على نفسك.

7. استرح بدون مشتتات أيضًا

أوقات الراحة مهمة جدًا، فيجب عليك ألا تتخاذل في الاستمتاع بها، ربما تكون دقائق قليلة ولكنها ستكون متنفسك للمتابعة. وفي أوقات الاستراحة بين المهام الصغيرة إياك والانغماس في عالم المشتتات، فلا تقربها إلا بعدما تنتهي من مهامك الكبيرة، لأنك بمجرد البدء في الانشغال بها بدافع تزجية الوقت ستجد نفسك وقد وقعت في البئر وستطول مدة استراحتك أطول من اللازم.

الطريقة الأفضل هي التحرك وإفراغ الذهن قليلًا مما يشغله، لا تفعل أي شيء فقط كن موجودًا بذهنك في الحاضر مدركًا لما يحيط بك، سينعش هذا عقلك قليلًا للعودة مرة أخرى بإقبال على العمل.

كانت هذه 7 طرق مجربة شخصيًا لتجنب التشتيت واستعادة التركيز لدفع إنتاجيتك إلى أقصاها، فهلا جربتها وأخبرتني بالنتيجة؟