بابكر كرار مفكر سياسي سوداني، ولد عام 1930 وانضم إلى خلايا الحزب الشيوعي السوداني مبكرًا. ومع تغير توجهاته، أسس «حركة التحرير الإسلامي» عام 1949 خلال دراسته بكلية الحقوق بجامعة الخرطوم، وستجعله تلك التجربة مؤيدًا قويًا للانخراط الطلابي في العمل السياسي لاحقًا، مساويًا في ذلك بين الذكور والإناث.

رفض كرار التبعية لجماعة «الإخوان المسلمين» التي كان مما عاب عليها النهج الرأسمالي[1]، ما أسفر عن صراعات دفعته ومجموعته إلى الانفصال وتأسيس «الجماعة الإسلامية» عام 1954، التي أسست بدورها «الحزب الاشتراكي الإسلامي» عام 1964.

كان كرار معارضًا للرئيس السوداني جعفر النميرى، ما اضطره إلى مغادرة البلاد معظم حقبة السبعينيات، قبل عودته عقب المصالحة الوطنية عام 1978، حيث استمر على موقفه السياسي حتى وفاته عام 1981.

توارت مسيرة كرار وفكره لأسباب عدة، منها صعود التيارات الإسلامية الأخرى وفترة المنفى وقصر عمر كرار النسبي، إلا أنه يعد من رواد الاشتراكية الإسلامية التي عمل على مزجها بالقومية العربية ذات القدرة الاستثنائية على دمج الشعوب والقبائل غير السامية في وحدة حضارية؛ أي أنها قومية ديناميكية الحدود تتجاوز حاجز الجنس واللون والحدود الجغرافية[2].

فيما يخص قضية الوحدة العربية، نفى كرار جدوى الحديث عن جمع شتات الأمة بضم الأقطار بعضها إلى بعض سواء في هيكل فيدرالي أو غيره، لمعارضة ذلك عمليًا لمصالح الطبقات الحاكمة، ونادى كرار بالوحدة العربية بمعنى «النهوض الثوري الشامل في مواجهة جبهة عريضة من العداوات»، كما أنها تغيير ثوري شامل في شتى المجالات الحيوية في المجتمع يؤدي إلى تقريب الشعوب والسياسات العربية. رفض كرار جعل القومية العربية انتماءً قائمًا بذاته مستقلًا عن الإسلام، إذ العلاقة بين العروبة والإسلام عنده علاقة تمازج عضوي واندماج موضوعي[3].

أكد برنامج «بالجماعة الإسلامية» على ضرورة تأسيس المجتمع على الإيمان بالله والأخوة والعمل، وتوطيد الديمقراطية الشعبية وتوسيع نطاق الحركة التعاونية، وتحقيق المساواة التامة في ميدان العمل عبر إلغاء الإقطاع وتحويل جميع وسائل الإنتاج إلى ملكية الجماعة، وتوزيع الأرض على من يفلحها[4]. كان موقف كرار من الرأسمالية واضحًا، لقد اختبرت الشعوب ذلك الطريق ولم تجد فيه إلا البؤس[5]، وكان ذلك من أسباب تأييده للزعيم المصري جمال عبد الناصر.

أسست «الجماعة الإسلامية» «الحزب الاشتراكي الإسلامي» وفق إيمان بالاشتراكية المدعومة بالبحث العلمي حلًا لمعضلات التحرر، مع الوعي بالتمسك الجماهيري بالعقيدة الإسلامية، فحاولت اتخاذها ضمانة تحمي الأمة (السودانية) من أي تبعية للخارج، مع التأكيد على انفتاح الحزب على التجارب الإنسانية عامة، ووقوفه حتى من التجارب الإسلامية موقف المستفيد الناقد لا المنساق، فكان من انتقاداته للحركات الإسلامية العجز عن طرح الإسلام بصورته التبشيرية الثورية الكفيلة باستنهاض الجماهير[6].

يقول بابكر كرار في كتاب «الجماعة الإسلامية: دعوة ومنهاج» (نقلًا عن الدكتور صبري خليل، أستاذ فلسفة القيم الإسلامية في جامعة الخرطوم):

من هنا تكون «الجماعة الإسلامية» ثورة كاملة ضد النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والتعليمي والقضائي […] وذلك لأن أي حركة إصلاحية لا تجتث هذه الدعائم من أساسها اجتثاثًا كاملاً فهي حركة ترقيع للمجتمع وحركة تشويه للاتجاهات الثورية المسددة إلى غاياتها.

يمتاز الطرح التبشيري للإسلام بنبذ الطرح الذرائعي والتبريري والاعتذاري والطائفي والرجعي للدين، وطرح الدين في صفاته الموضوعية باعتباره حاجة إنسانية يستمد أهميته وفاعليته من فطرة الإنسان ومن شريعته العالمية للبشرية جمعاء، ورسمه إطار رسالة الأمة العربية بطرح الإسلام في صورة مهام بغرض العمل على إنجازها، واختراقه الطائفية وإزالته حواجزها، وكونه منطلقًا لفتح باب الاجتهاد.

يرتبط الطرح الثوري للإسلام عند كرار بـ «نظرية الاستخلاف» في الأموال العامة والخاصة التي يفرق بينها وبين المِلكية الرأسمالية، إذ يقوم مبدأ الاستخلاف الاقتصادي الإسلامي على ثلاثة أسس؛ أولًا، حق الجماعة في الانتفاع بمصادر الثروة الرئيسية؛ ثانيًا، نيابة الدولة عن الجماعة بما يخول لها إدارة إنتاج هذه المصادر؛ ثالثًا، حق الفرد المشروط في الانتفاع بمصادر الثروة الثانوية دون المصادر الرئيسية.

وقف «الحزب الاشتراكي الإسلامي» من التيار الاشتراكي السوداني موقفًا نقديًا أيضًا، إذ عاب عليه عدم تشبعه بالوعي الإسلامي وضعف اهتمامه بتوطيد الديمقراطية وحكم القانون، بينما رأى في الإسلام ذاته أحد منابع النزعة الاشتراكية، «فالإسلام يقوم في أصوله الأولى على الإيمان بالله والحرية الفردية ووحدة البشرية واحترام العمل ومساواة المرأة ورعاية اليتامى والفقراء وتحريم الاستغلال والاحتكار والسرقة».

كانت قضايا الحرية والتحرر من الفقر والتمزق الروحي محل اهتمام القرآن الكريم، هي عين القضايا التي تهم عالم اليوم، كما طالب كرار بتحويل المؤسسات الدينية إلى مؤسسات تبشيرية تخدم الوحدة الوطنية وتعمق الشعور بالوحدة الفكرية والاجتماعية والسياسية.

كان الانتماء الإسلامي أحد أسباب رفض كرار للعلمانية في الطرح الليبرالي، إذ تقوم على فصل الدين عن الدولة ما ينتهي إلى عزله عن الحياة العامة وحصره في العبادات، وهو ما يكبح جميع صفاته التبشيرية والثورية، وإن كان كرّار يرفض أيضًا تكفير المنادين بها، مع اتفاقه معهم على إيجابياتها مثل رفض الكهنوت والثيوقراطية وتقرير مدنية السلطة لكن مع تقرير دينية التشريع.

آمن «الحزب الاشتراكي الإسلامي» بتعدد الطرق نحو الاشتراكية، فهي لا تنحصر في ديكتاتورية البروليتاريا أو الحزب الشيوعي الحاكم مثلما أثبتت ثورات الشعوب الآسيوية والأفريقية[7]. دعا «الحزب الاشتراكي الإسلامي» إلى نهج سلمي، رافضًا الثورة المسلحة والأساليب الانقلابية، وهو ما أكده موقف بابكر كرار الرافض لعنف «الجبهة الوطنية السودانية» (تحالف المعارضة السودانية ضد النميري) عام 1976، حيث حاولت الإطاحة بنظام النميري من خلال حل عسكري، خلال إقامته بالمنفى.

يقول بابكر كرار في كتاب «ميثاقنا والنهوض الثوري ببلادنا»:

طريقنا هو الطريق الديموقراطي […] طريق دعم وتطوير وتثوير الحركة الجماهيرية، بكافة منظماتها الديموقراطية والسياسية، وتشديد النضال الجماهيري الصلب بالمظاهرات والإضرابات والاعتصامات السياسية، وفرض إرادة الشعب السوداني بكل الوسائل الشرعية المتاحة لدينا.
المراجع
  1. نادية يسن عبد الرحيم، بابكر كرار: سيرته وفكره، مركز البحوث والدراسات الإقريقية، الخرطوم، 2006، ص104
  2. المصدر السابق، ص212
  3. المصدر السابق، ص213
  4. المصدر السابق، ص110
  5. المصدر السابق، ص116
  6. المصدر السابق، ص118
  7. المصدر السابق، ص122