حين تحكم المافيا فإن كل شيء يسقط تحت أقدام الفساد والجريمة، حتى أعظم الصروح لا يمكنها تحمل حكم السمسرة والرشى والعمولات. البارسا لم يخسر من ريال مدريد في الملعب بقدر ما انهزم خارج الملعب حين تسلطت على النادي الكتالوني أيادي أشخاص كساندرو روسيل – في السجن – وسلفه ماريا بارتوميو الذي سوف يدخل السجن يومًا ما. انهزم البارسا لأنه خان كل ما جعله عظيمًا؛ لأنه في كل يوم مر تحت حكم عصابة (روسيل – بارتوميو – بريدا) فرط في شيء من هويته داخل الملعب وخارج الملعب.

إن الفساد لا يبني شيئًا جميلاً، وإن تواجد الفساد والجمال في مكان واحد فإنهما لابد مفترقان. ورث روسيل ناديًا يتربع على عرش الرياضة العالمية، ليس فقط لأنه كان مهولاً داخل الملعب، لكن –وهذا هو الأساس– لأن البارسا في صحوته الجديدة بقيادة خوان لابورتا ويوهان كرويف ولاعبي الدريم تيم السابقين قد رسخوا مجموعة من القيم جعلت البارسا شيئًا مثيرًا للإعجاب والتحدي. كان البارسا ينتهج سياسات مبدئية في تعاقداته، في اختياره للرعاة، في أبسط التفاصيل حتى مؤتمرًا صحفيًا لجوارديولا كان يظهر فيه المعدن الحقيقي للنادي. مورينيو يهاجم ويسب ويشكك ويستفز، لن نرد؛ لأن البارسا كان يقف نمودجًا. كان الراعي الرسمي هو اليونيسيف، لا تعاقدات مشبوهة مع نيمار، ولا عقد رعاية مع جهة تمثل عكس ما يسعى إليه نموذج النادي.

كان خروج بيب من برشلونة طعنة في نزاهة إدارة روسيل. كان الخلاف مكتومًا لكن كتمانه تمامًا لم يكن ممكنًا، حتى مع تلك الأحضان الكاذبة التي بادر بها روسيل تجاه بيب أمام الكاميرات في المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه عن رحيل جوارديولا في نهاية موسم 2011-2012. كان بيب بالنسبة لروسيل هو كل شيء يكرهه، هو لابورتا وكرويف والنزاهة والشرف. لم ينسَ روسيل لبيب أنه ساند لابورتا علنًا، بعد أن رفع الرئيس الجديد حينها ساندرو روسيل دعوى قضائية يتهم فيها لابورتا بالاختلاس وسوء الإدارة المالية للنادي، تلك الدعوى التي ثبت بطلانها والتي يقبع صاحبها في السجن الآن بنفس التهمة التي اتهم بها لابورتا؛ الفساد المالي.

ويحكي جويليم بالاج، الصحفي البريطاني صاحب كتاب «بيب جوارديولا – طريقة أخرى للفوز»، كيف أن روسيل فور توليه الإدارة باع قلب الدفاع ديميترو شيجرينسك الذي وقّع مع البارسا في الموسم السابق بـ25 ليتم بيعه دون موافقة بيب بـ15 مليونًا لناديه شاختار دونيتسك تحت دعوى أن البارسا – أنجح نادٍ في العالم وقتها – لا أموال لديه، كي يثبت روسيل صحة دعوته ضد لابورتا. وقتها تم سحب منصب الرئيس الشرفي من كرويف وتم إبعاده.

النجم الهولندي يوهان كرويف

لو أن البارسا ظل وفيًا لمبادئه خارج الملعب، لما بدا هكذا داخل الملعب، شائخًا، عجوزًا، معلقًا بقدمي ميسي الذي يتم حصاره بألف قدم وألف عين. لو أن البارسا بقي وفيًا لمبادئه خارج الملعب لما جلب مدربين لديهم الجرأة على تدمير هوية الفريق الكروية. لما تعاقدوا مع نيمار في صفقة مشبوهة مثلما كان رحيله صفقة مشبوهة. لو أن البارسا ظل وفيًا لمبادئه لما انتهج أسلوب القرصنة على الأندية مستغلاً أموال صفقة نيمار الذي خطفه البي إس جي بنفس منطق العصابات اللصوصي. الآن تمارس إدارة البارسا قرصنة على ليفربول و دورتموند للحصول على كوتينهو وديمبلي. ماذا تبقى من البارسا بعد كل هذا سوى جماهير لا زالت تؤمن بأسلوب الفريق، ولاعبين يتشبثون بهويتهم في ظل ضغط لا معقول؟.

7 سنوات قضتها عصابة روسيل في حكم النادي الكبير، نتج عنها خراب يبدو أكثر مأساوية بالنظر إلى ميسي، فالنادي الذي يمتلك أفضل لاعب في العالم، يبدو مصممًا على إهدار تلك الحقيقة في ترهات الفساد الإداري الذي يعصف بكل إنجاز كروي ممكن.

تلك مقدمة صالحة لكل حديث يتناول برشلونة، وبالتالي يصلح كمقدمة للحديث عن كلاسيكو الكامب نو الذي انهزم فيه برشلونة، انهزم ولم يُهزم، لأن تفوق الريال جاء من ضعف الكتلان الذي لا يخفى إلا على عين إدارة برشلونة التي تتأرجح بين الجهل الكروي والعمى والفساد. فاستحواذ تخطى حاجز الستين بالمائة لم يشفع لبرشلونة الذي بدا مستسلمًا تمامًا أمام تكتل الريال ومرتداته. لقد وعى زيدان درس البرنابيو جيدًا، وعى أنه ليس ماهرًا بما يكفي لفتح الملعب مع الكتلان وأن ميسي لن يوقفه كاسيميرو ولا مودريتش ولا كروس، بل سيوقفه تكتل يقطع عنه الإمداد ويغلق عليه المساحة ويجبره على السقوط أكثر ليقترب من انيستا وبوسكيتس بحثًا عن الكرة؛ لأن متوسط ميدان البارسا غير قادر على خلق المساحة التي تكفل لميسي استلام التمريرات في مساحة عشرة أمتار أمام صندوق الريال، مع بعض من الخشونة التي تعد ثابتًا لا يتغير في مواجهة ميسي.

أما متوسط ميدان الكتلان على المستوي الفردي فكان أداء بوسكيتس متميزًا، وانيستا جيدًا، ولولا وجود راكيتيتش لكان بالإمكان أفضل مما كان. الكرواتي يعيد التأكيد على أنه قطعة زائدة لا دور واضح لها، لا هو لاعب رقم 6 ولا هو لاعب رقم 8، وهو في التسلم من الحركة والثبات غير مطمئن وغير ممكن وهو في تحمل عبء الضغط غير فعال. لكن السيد فالفيردي في أولى رسمياته رأى أن بدنيات راكيتيتش تكفل له أن يبقى بينما يخرج الدون أندريس في ظل تأخر الكتلان بهدف. هذا المنهج الفالفيردي إن جاز التعبير هو الذي يجعل لاعبًا كباولينهو يقترب من دخول برشلونة. هذا الباولينهو الذي كان طرح اسمه في زمن آخر سيعد جريمة، مرشح الآن لكي يجاور عقل الكتلان الإلكتروني سيرجو بوسكيتس. بالبع صادف أمر باولينهو هوى في نفس بارتوميو بسبب ما يشاع عن علاقاته «المشبوهة» في الصين، تلك العلاقات التي أتت بعقد الرعاية الجديد.

ارنيستور فالفيردي – مدرب نادي برشلونة

يريد فالفيردي متوسط ميدان ذا نزعة بدنية وبالتالي نحن في انتظار مزيد من الاعتمادية على الليو في صناعة اللعب، بدلاً من محاولة إعفاء الملك رقم 10 من مهام صناعة اللعب في الثلث الأوسط من الملعب كي يتفرغ للصناعة والتهديف من الثلث الأخير. وبناء على هذا فلا مكان في خطط فالفيردي لمواهب كألينيا وسامبر ودينيس وروبيرتو، إلا كبدلاء لملء خانات فارغة.

إن الضرير فقط هو من رأى أزمة برشلونة أمام الريال على أنها خلو مركز الجناح الأيسر من نيمار. كان ديولوفيو سيئًا، وقدم بديله دينيس أداءً جيدًا، لكن الحق أقول لكم؛ إن البارسا كانت أزمته في وجود نيمار وستبقى بعد رحيله هي أزمة متوسط ميدان. لا يمتلك الفريق لاعبًا قادرًا على التحكم بالرتم، وبالتالي فإن تدوير الكرة في المساحات الضيقة وتحت الضغط يبدو أمرًا إعجازيًا الآن. لا خيارات تمرير أمام حامل الكرة. تلقي البارسا هدفين من مرتدات تجعلك تتساءل عن ماهية التمركز، تمركز الوسط بالذات.

كان بيب يقول إنه إذا كان تمركزك جيدًا أثناء حيازة الكرة فإن خطورة المرتدات تنعدم، وبالتالي فإن الدفاع ضد المرتدة يتطلب شيئًا أكبر من قلب دفاع سريع وجيد في حالة الـ 1 ضد 1. بالطبع يمر البارسا بأزمة على مستوى الافتكاك، قد تكون سببًا في رغبة فالفيردي في ضم باولينهو، لكن الحق يقال أيضا إن أزمة برشلونة لا يحلها مزيد من اللاعبين العاطلين في منتصف الملعب، غير القادرين على اللعب بالكرة وبدونها. ومن هنا يمكننا التساؤل عن إدارة المشروع الرياضي في برشلونة، التي يبدو أنها تخضع فقط لمتطلبات التربح الفردي، حيث تخضع الصفقات لمنطق السمسرة، وبالتالي فإن باولينهو قد يكون مربحًا أكثر من سيري على مستوى ما يمكن تحقيقه من عمولات، بينما سيري على مستوى الكرة فحسب ليس هناك شك أنه ضرورة حيوية لبرشلونة.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.