«باير ليفركوزن» عند النظر والتدقيق في تفاصيل وجهه الجادة تشعر بأنه مريض نفسي أو قاتل متسلسل مهووس بالتفاصيل، يستدرج الضحية دائمًا إلى موقع الجريمة باسلوبه المعتاد. وهكذا أيضًا يصف روجر نفسه ويصف أسلوبه الكروي في التدريب.الـ comfort zone عند شميت يختلف تعريفها عن التعريف الحقيقي لهذه الحالة النفسية، فبدلاً من الابتعاد عن التوتر والقلق والحدة والجهد والضغط النفسي، يجد شميت الراحة أكثر عندما يكون ضمن هذه الظروف.

أفضل نسخة من فريقي تظهر عندما يكون الخصم غير مرتاح في أسلوب لعبه، بينما أتبع نفس الأسلوب في كافة البطولات و لا أفضل تغيير أسلوبي. بل أدفع الخصم وأجبره على اللعب بطريقة فريقي وليس بأسلوبهم المعتاد.
روجر شميت

يقول أرسين فينغر بأن كل مدرب يعكس شخصيته في طريقة لعب فريقه ولا يمكن للمدرب أن يتصرف بعكس طباعه ومعتقداته، وإلا سيكون الطريق إلى الفشل أقرب منه إلى النجاح. وشميت يعكس ذلك بشكل واضح في طريقة لعب ليفركوزن فهو يصف نفسه بأنه دائمًا ما يكون منزعجًا وقلقًا وهجوميًا في بعض الأحيان. وظهر ذلك جليًا في عدة مناسبات آخرها في لقاء هوفنهايم. لذلك يلعب ليفركوزن بطريقة سريعة وقوية أقرب إلى العدوانية في الأداء وليس العنف البدنيّ.


هواية التدريب

لم يكن شميت يخطط لأن يصبح مدربًا قط. وتطورت هذه الهواية مع الزمن وأوصلته إلى البوندزليجا ودوري الأبطال. وكان يفضل فيما سبق قضاء الوقت بجانب عائلته أو المشي لمسافات طويلة في الغابات وهو يستمع إلى أغاني بروس سبرينجستين، وكان التدريب نشاطًا في وقت الفراغ فقط. جاءت بدايته مع فريق في الدرجة السادسة في دوري المقاطعات وكان مدربًا بدوام جزئي وليس بوقت كامل، حيث كان يعمل كمهندس ميكانيكا في إحدى الشركات التي توفر قطع غيار السيارات للشركات المصنعة. اكتسب شميت هذه الشهادة العلمية عندما كان لاعبًا في دوري المقاطعات بسبب افتقاره للموهبة فشق طريقه باتجاه الدراسة الأكاديمية لكنه استمر كلاعب هاو في الوقت نفسه .

نجح شميث في الصعود مع فريقه إلى الدرجة الخامسة ونال في الوقت نفسه ترقية في عمله الأساسي ليصبح مديرًا لمراقبة الجودة، ولكن شغف اللعبة بدأ يستدرجه ويغويه شيئًا فشيئًا حتى حصوله على وظيفته الرسمية الأولى كمدرب وبدوام كامل في نادي مونستر وهو في السابعة و الثلاثين من عمره عام 2007م . ليتخلى عن عمله كمهندس ميكانيكا وهذا قرار لن يندم روجر على اتخاذه أبدًا.


التطرف جميل في بعض الأحيان

أكمل روجر مشواره التدريبي مع بادربورن عام 2011م، وهي المدينة ذاتها التي درس في إحدى جامعاتها وبدأ حينها نجمه الخافت بالسطوع، لتكون بادربورن هي المدينة التي قدمته للمجال العلمي كمهندس ناجح، وللمجال الرياضي كمدرب لديه أسس النجاح. وبسبب تميز أداء فريقه اقتنصه أحد أمهر صائدي المواهب وهو رالف رانجنيك الذي كان يشغل آنذاك منصب المدير الرياضي لنادي ريد بول سالزبورج النمساوي. ولم يكد يعرفه أحد في النمسا حينها، فهو بالكاد كان معروفًا في ألمانيا. لكن هناك بدأت الصحافة تركز أكثر على فلسفته الهجومية التي مزج فيها خبرته الهندسية مع معرفته الكروية وخلق فريقًا أشبه بماكينة الضغط حولت أرض الملعب إلى محرك فعال جدًا، وطاقة حركية كبيرة كان عناصرها كل من ساديو ماني وكيفن كامبل وسوريانو والبرازيلي آلان.

قدم شميت في النمسا فلسفة هجومية فائقة ذات ضغط متواصل تشبه إلى حد ما فلسفة يورجن كلوب وتوماس توخيل لكن نسخته كانت أكثر تطرفًا. كان شميت يحمل في يده مؤقتًا زمنيًا ضبطه لمدة 5 ثوان وكان على فريقه استرجاع الكرة خلال هذه الثواني. وهذا التطرف لم يترك خصومه بسلام وأوصله إلى لقب الدوري النمساوي، وثُمن نهائي الدوري الأوروبي بعد تغلبه على أياكس بنتيجة 6-1 في محصلة اللقائين.

أداء جيد ملفت للأنظار مع سالزبورج أجبر إدارة باير ليفركوزن على التفكير به وقررت إداراة النادي دفع الشرط الجزائي في عقده 1.5 مليون يورو، وكما مبدأه المعتاد قام بتحويل الفريق من الشكل التقليدي إلى مزيج من دورتموند و بايرن بإمكانه الضرب بالمرتدات والسيطرة إن لزم الأمر. وأتت النتائج مباشرة من حيث الأداء و النتائج لأن شميت لا يؤمن فقط بالفوز بل كيف تحققه بالطريقة التي تجسد أفكاره الكروية.


ديربي الضغط العالي

حان وقت اللقاء الأول أمام دورتموند في سيجنال إيدونا بارك ، اللقاء الذي أعتبر ديربي الضغط العالي Gegenpressing لأن كلوب وشميت من أتباع هذه الفلسفة التي تعتمد على الضغط العالي وخنق الخصم في مناطقه. وتشرّب لاعبوه أفكاره بسرعة وأعني السرعة بشكل حرفيّ؛ حيث استطاع كريم بلعربي أن يسجل مع الثانية التاسعة فقط كأسرع هدف في تاريخ البوندزليجا حينها وتنتهي المباراة بانتصار صاحب الفكر والأيديولوجية المتطرفة بهدفين على أرض خصمه. عناصر ليفركوزن كانوا سريعين جدًا ومن الصعب توقع حركتهم وتحركاتهم.

شميت يصنّف على أنه من المدربين أصحاب المبدأ، وهو مؤمن بفلسفته وواثق بنفسه لأبعد الحدود. وهذه الثقة تزداد مع الوقت. فاللعبة تتعلق بالأفكار وليس المواهب فقط. في البداية عليك أن تبني فكرة ما تصبح مرجعًا لك. وتظهر أن فكرتك ناجحة من خلال أداء الفريق على أرض الملعب. وشميت مقتنع بأن المدرب الجيد ليس بالضرورة أن تكون مسيرته الاحترافية ناجحة كلاعب. ويعتقد كذلك أن أداء المجموعة هو العلامة الفارقة في أرض الملعب وأهم من أي لاعب، وأكبر من أي مهارة. وفوق كل شيء يأتي المدرب، فهو كلمة السر في هذه الحلقة التي تظهر الفريق بأفضل شكل ممكن، المدرب هو اللعبة بحد ذاتها.