الموظفون هم جزء رئيسي من ممتلكات المنظمة، أي شخص في أي مجال عمل يدرك هذه الحقيقة جيدًا، لكن تبقى حيرة المدير في أنه يفكر دائمًا في مسألتين: هل أجعل اهتمامي بالنتائج على حساب الموظفين؟ أم أهتم بالموظفين على حساب النتائج؟

على الرغم من أن الإجابة المثلى بالطبع هي الجمع بين الاثنين، لكن الأمر لا يحدث بهذه السهولة، ولا نزال نرى العديد من الأشخاص يرون أنفسهم مضطرين لاختيار مسألة واحدة على حساب الأخرى، بفعل العديد من العوامل التي تواجههم، وهناك من يظن بأنه يفعل الاثنين معًا من خلال تجهيزه لبيئة عمل مميزة ومريحة، ولكن قد لا يكون هذا كافيًا، فتظل الأزمة مستمرة. يأتي كتاب «مدير الدقيقة الواحدة» محاولًا تقديم الإجابة على هذه المعضلة.


المدير ذو الدقيقة الواحدة

مفهوم «المدير ذو الدقيقة الواحدة» هو مصطلح رمزي، لكن المقصد من ورائه العديد من الأشياء:

1. أن يأخذ المدير من وقته دقيقة يوميًا لتأمل وجوه الأفراد الذين يعملون معه، وإدراكه بأنهم المورد الأهم بالنسبة للشركة.

2. إدراك قيمة الوقت في حد ذاته، وأن هناك العديد من الأشياء التي يمكن إنجازها في وقتٍ قليل، فلا حاجة إلى إضاعة الوقت فيها، كوجود الاجتماعات التي لا طائل منها. ولا يعني هذا عدم عقد الاجتماعات، ولكن إدراك أهمية كل دقيقة في الاجتماع وفي العمل بشكلٍ عام.

3. عدم الحاجة إلى تكرار العديد من الكلمات التي تُقال، وفي الوقت ذاته التأكد من أن الكلام قد أصبح مفهومًا بالفعل، فلا يشعر أي شخص بالتردد في السؤال عن المقصد من هذا الكلام لاحقًا.

المدير ذو الدقيقة الواحدة هو الذي يركز على الجمع بين رضا الأفراد عن أنفسهم في المنظمة، والمحافظة على النتائج الجيدة في الأداء، وهي معادلة بسيطة عبر عنها الكاتبان بالقول:

من يشعر بالرضا عن نفسه، يحقق نتائج طيبة[1].

لأن الرضا سيخلق حالة من الإنتاجية لدى الموظف، وبالتالي سيرتفع أداؤه في العمل، والآن كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ هنا يأتي دور المبادئ التي يستخدمها المدير ذو الدقيقة الواحدة. قبل الحديث عن هذه المبادئ، يوضح الكاتبان أن المدير دائمًا يركز على تنفيذ كل مبدأ منها مع الموظفين الجدد في المقام الأول، ومع الموظفين الحاليين عند وجود مسئولية أو مهمة جديدة مطلوب منهم تأديتها، وهذا لأن الموظف عند البداية يكون في حاجة دائمًا إلى الإرشاد والتوجيه.


وضع الأهداف بأسلوب الدقيقة الواحدة

إذا كنت لا تستطيع أن تخبرني عما تود أن يحدث، فليست لديك مشكلة بعد. هذه لا تعدو كونها مجرد شكوى. لا توجد مشكلة حقيقية إلا إذا كان هناك اختلاف بين ما هو حاصل بالفعل ما نرغب أن يحصل[2].

يأتي مبدأ وضع الأهداف بأسلوب الدقيقة الواحدة في مقدمة المبادئ للمدير ذي الدقيقة الواحدة، وهو يحتوي على مجموعة من الخطوات:

1. التوصل إلى اتفاق بشأن الأهداف: وهذا الاتفاق يكون معروف لدى المدير والموظف معًا، حتى لا يكون هناك خلل بين ما يريده المدير وما يفعله الموظف.

2. تحديد مظاهر السلوك الجيد: قياس الأداء لا يعتمد على مشاعر أو أفكار، بل تعبيرات سلوكية تكون قابلة للملاحظة أو القياس، فيكون بالإمكان مناقشتها وتحديد جوانب التميز أو النقص بها لاحقًا عند الرغبة في تقييم الهدف.

3. كتابة كل هدف في ورقة، فيما لا يتعدى الـ250 كلمة: والمقصود من هذا أن يكون الهدف أمام الموظف طوال الوقت، ومكتوب بشكل بسيط يمكن فهمه من أي شخص يقرؤه، وأن يعيد الموظف نفسه قراءة هذا الهدف من وقت لآخر، وهذا سيحتاج منه إلى دقيقة واحدة في كل مرة.

4. مراجعة الهدف للتأكد من مطابقة السلوك مع الهدف.

ويكون دور المدير ذي الدقيقة الواحدة هنا هو الاجتماع مع الموظف عند بداية عملية وضع الأهداف، للتأكد من تحقيق هذه الخطوات، وهنا تظهر فاعلية المدير، لأن هذا التطابق في الأهداف من الجانبين هو المفتاح الرئيسي لنجاح الموظف في عمله.


الثناء لدقيقة واحدة

من واقع العمل، فإن من أكثر الأشياء التي تثير مخاوف الموظف هو شعوره بكونه مراقب، وهناك من ينتظره ليفعل الخطأ ويوبخه، وهذا الأمر يؤثر على جودة أدائه من ناحية، ويُفقده الشعور بالأمان من ناحية أخرى. لذلك يأتي أسلوب الثناء لدقيقة واحدة كمبدأ هام في الإدارة، حيث يمكنه أن يساعد الشخص لتخطي كل هذه الحواجز واكتساب الثقة في العمل، ويمكن تنفيذه بالخطوات التالية:

1. إخبار الموظفين بأنه سيتم تقويم أدائهم خلال الفترة القادمة من العمل.

2. عند قيامهم بتنفيذ شيء صحيح يتم الثناء عليهم مباشرةً.

3. إخبارهم بالشيء الصحيح الذي فعلوه بالضبط، وكيف قدم هذا الأمر فائدة للمنظمة ولبقية العاملين، فيشعر الموظف بقيمة النجاح الذي حققه في المهمة.

4. التوقف للحظات لمنح الموظفين الفرصة للشعور بالرضا من المدير بالفعل.

5. مصافحتهم بعد ذلك أو لمسهم بأي طريقة تعكس مساندة المدير لهم في هذا النجاح.

الالتزام بهذه الخطوات مع الموظف يجعله يشعر بالتقدير من المدير، وأنه يهتم به وبنجاحه وبالثناء عليه، وبالتالي يكتسب ثقة أكبر في ذاته وفي المنظمة ككل، فيرتفع مستوى الأداء الخاص به في العمل لاحقًا.


التأنيب لدقيقة واحدة

لا يمكن التأكيد على أن فاعلية المدير ذي الدقيقة الواحدة ستصل إلى أفضل مستوياتها باستخدامه لمبادئ وضع الأهداف والثناء فقط، فهناك بالطبع مبدأ ثالث يختص بالتأنيب لدقيقة واحدة. يمكن القول إن استخدام هذا المبدأ ينجح أكثر مع الأشخاص الذين يعرفون الكثير عن عملهم، ويملكون خبرة من وجودهم من المنظمة لفترة طويلة، وبالتالي فإن هذا معناه توقع نسبة أقل في الخطأ منهم.

فبالطبع، يكون الموظف في بداية عمله مُعرضًا للخطأ أكثر، ولهذا يكون هناك تدريب لهم لمساعدتهم على إجادة المهمة المطلوبة منهم، وتقليل الأخطاء المحتملة بأكبر قدر ممكن. وكما تحدثنا في المبدئين الماضيين، فإن تطبيق هذا المبدأ يحتاج إلى خطوات خاصة به أيضًا كالتالي:

1. إدراك الموظف أنه سيكون هناك تقويم لأدائه خلال العمل.

2. الحديث مع الموظف مباشرةً بعد الخطأ الذي قام به، لا انتظار تراكم الأخطاء.

3. إخبار الموظف عن الخطأ الذي قام به، والتركيز على توجيه النقد للسلوك لا الشخص بأي حال من الأحوال.

4. إخبار الموظف عن الشعور المترتب على هذا الخطأ، والصمت قليلًا حتى يصلهم الشعور.

5. مصافحتهم بعد ذلك أو لمسهم بأي طريقة تعكس مساندة المدير لهم في العمل.

6. إخبارهم بمدى تقديرهم من قبل المدير، والتأكيد على مقدار الثقة بهم وبقدراتهم في العمل.

7. عندما ينتهي التأنيب، فهذا يعني عدم الحديث في هذا الأمر مرة أخرى.

بالنظر إلى هذه الخطوات، فإن الموظف سيتعلم من الخطأ مباشرةً، وسيعمل على إصلاحه، وفي الوقت ذاته لن يفقد أبدًا الثقة في نفسه بسبب طريقة إخباره بالخطأ، وبفعل الثقة والتقدير من المدير، ولأنه يعرف بأنه لن يظل أحد يذكره بالخطأ الذي حدث، بل سيتم تجاوز الموضوع ببساطة.


ما الذي يترتب عليه أسلوب «المدير ذو الدقيقة الواحدة»؟

ساعد الموظفين في الوصول إلى توقعاتهم كاملة، واضبطهم يؤدون شيئًا صحيحًا[3].
أفضل دقيقة أقضيها، هي تلك التي أستثمرها في الأفراد[4].

بعد أن تقرأ عن المبادئ الثلاثة الخاصة بالمدير ذي الدقيقة الواحدة، يمكنك أن تفكر بناءً على ذلك في نتائج الأداء المتوقعة من الموظفين:

1. سيكون لدى الموظف الدافع الحقيقي للنجاح في العمل، لأنه يعرف أن هناك من يثق بأدائه ويثني عليه مع كل نجاح.

2. لن تكون هناك فجوة بين ما يرغب به المدير في المنظمة، وما يفعله الموظف، بل على العكس يمكن لكليهما أن يضيف على الآخر فيمنح الهدف درجة نجاح أكبر.

3. لن يشعر الموظف بالخوف من تقويم الأداء، بل سينتظره ليعرف ما الذي يفعله جيدًا فيقوم بالاستفادة منه في المستقبل، وما الذي يخطأ في تنفيذه فيقوم بتحسينه.

4. طريقة كتابة الأهداف ستجعل من السهل دائمًا مراجعتها، وبالتالي الحفاظ على الاستمرارية في تنفيذ الأهداف طبقًا للخطة الموضوعة والمتفق عليها، ولن يكون هناك العديد من الأوراق المستخدمة، بل عدد قليل يكفي لجمع الأهداف كلها.

5. التركيز سيتجه دائمًا للسلوكيات، وهو الشيء القابل للملاحظة والقياس، وبناءً عليه التعديل والتطوير. ومن جانب آخر لن يكون هناك مهاجمة أو نقد للشخصية نفسها، بل التركيز على السلوك طوال الوقت، فيزيد هذا من إحساس الموظف بالأمان في العمل.

6. «الأهداف هي التي تحرك السلوك، أما النتائج فهي التي تحافظ على مستوى السلوك». هذا الأمر هو ما يجعل المدير قادرًا على الجمع بين الاثنين؛ تحسين أداء المنظمة، والارتقاء بالأفراد وزيادة إنتاجيتهم.[5]

7. الأفراد لن يشعروا بأنهم يعملون لدى أحد، بل كل واحدٍ منهم سيشعر بقيمته الشخصية، وهذا يؤثر تمامًا في تطوره وترقيته، وسيكون من السهل عليه أن يصبح هو ذاته مديرًا في المستقبل.

بعد أن تقرأ كل هذه المبادئ، عليك أن تفكر دائمًا بأننا ما زلنا نقطع خطواتنا الأولى في العالم العربي في علم الإدارة، وأننا بحاجة إلى تعلم المزيد، وبالتالي من المتوقع أن نُخطئ كثيراً، ولكن الدرس الرئيسي الذي يمثل جوهر النجاح في الإدارة، والذي يجب أن تُذِّكر نفسك به باستمرار، أن البشر هم أفضل الموارد في منظمتك.

لذلك تساءل دائمًا عما يبحث الموظفون في العمل، ثم حاول توفيره لهم. ليس ضروريًا أن تكون الأشياء مادية، بل غالبًا يتعلق الأمر بالمعنويات، وقد يكون الحل في أن تجرب الإدارة بالدقيقة الواحدة.

المراجع
  1. كينيث بلانتشارد وسبنسر جونسون، "مدير الدقيقة الواحدة"، ترجمة: محمد نجيب المقطوش، 1981. ص 15.
  2. المرجع السابق. ص 24.
  3. المرجع السابق. ص 31.
  4. المرجع السابق. ص 50.
  5. المرجع السابق. ص 78.