اعتاد تجار غرب أوروبا في القرن الخامس عشر على الاجتماع في فندق، تملكه عائلة شخص فرنسي يُدعى «فان دي بورص»، لإجراء عمليات البيع والشراء دون إحضار بضائعهم إلى الفندق، ومع مرور الوقت أصبح ذلك الفندق بمثابة محطة يتلاقى فيها التجار.

باتت اجتماعاتهم في ذلك المبنى الذي يملكه دي بورص في مدينة «أنتويرب» البلجيكية ذات صفة رسمية، وذلك عندما تدخل «دي بورص» من أجل ضبط مسألة الأسعار، فقام بوضع لائحة تحدث عليها أسعار السلع كلما اقتضت الحاجة لذلك، الفكرة التي لاقت قبولاً من جميع التجار وأنهت الخلافات اليومية المتعلقة بأسعار السلع.

وسرعان ما انتشرت الفكرة في المدن المجاورة، فتم افتتاح مبنيين أطلق عليهما مسمى «بورصة»، نسبة إلى «فان دي بورص»، في مدينتي «غنت» و«روتردام».

ومن ثم ظهرت كلمة البورصة لتعبر عن المكان الذي يجتمع فيه التجار، بشكل دوري ومنتظم، لإبرام الصفقات والعقود والاتفاقات. وبدأت الدول الأوروبية بعد ذلك في إنشاء مبانٍ قائمة بذاتها لهذا الغرض تحت اسم البورصة، ثم توالى إنشاء العديد من أسواق الأوراق المالية في مختلف البلدان بما في ذلك الدول النامية.[1]

ومع ظهور التكنولوجيا، تحولت معظم البورصات العالمية نحو التداول الإلكتروني الذي أعان التجار على الوصول بشكل أفضل إلى الأسواق الدولية.

أنواع البورصة الثلاثة

في البداية، عند تعريف البورصة نجد أنها بالأساس سوق متكامل تتوفر فيه الحرية الكاملة لقوى العرض والطلب للتفاعل في عمليات البيع والشراء.

وتتنوع البورصات ويمتد نشاطها إلى مختلف مجالات الحياة الاقتصادية، ومن الممكن تصنيفها إلى ثلاثة أنواع:

1. بورصة السلع

يجري التعامل في بورصة البضائع أو السلع على حاصلات بعينها كالقطن والصوف، ويطلق عليها مسمى البورصات التجارية أو بورصات العقود.

تتمركز في هذا السوق المبادلات التجارية الخاصة بمنتجات طبيعية تلقى طلبًا كبيرًا نظرًا لاستهلاكها الضخم الذي لا غنى عنه. ومن أهم بورصات البضائع في الوقت الحالي، بورصة نيويورك ولندن وبروكسل وباريس وبومباي.

وطريقة التعامل في تلك البورصات يتم إما في صورة نقدية أو بالبيع الآجل للبضائع، ويظهر ذلك جليًا في هيئة سوقين:

1- السوق العاجلة: التي ترتبط بالبضائع الجاهزة والموجودة بالفعل في المخازن والمستودعات وفي المحال التجارية، والتي تُلزم البائع بتسليمها مباشرة بمجرد إتمام البيع.

2- السوق الآجلة: يقوم ذلك السوق على فكرة العقود الثنائية التي تتضمن التزامات قائمة على بضائع نموذجية غير موجودة فعليًا، وفي حالة الرغبة في تصفية العملية أو عدم الرغبة في الإكمال فيها، فإنه من الممكن دفع فرق السعر.

2. بورصة العملات والمعادن النفيسة

في بورصة العملات، يتم تبادل العملات كسلع غائبة غير حاضرة، إما بسعر فوري يتم فيه التبادل حاضرًا، أو بسعر آجل يتم تعليقه على سعر البورصة في تصفية محددة. ويكون التبادل في هذا النوع من البورصة بالأجل إذ لا يتطلب تسليم العملات فورًا، بل عادة ما يتم التسليم في موعد مستقبلي يتم الاتفاق عليه.

وتوجد بورصة واحدة من هذا النوع على مستوى العالم تسمى بالـ «الفوركس»، يتم التداول فيها على العملات كالدولار الأمريكي واليورو والجنيه الإسترليني.

أما بورصة المعادن النفيسة، فيكون التبادل فيها بالمعادن النفيسة من الذهب و الفضة والبلاتين وغيرها من المعادن ذات القيمة المرتفعة، والتي تختلف أسعارها اختلافا كبيرًا بالنسبة لمصادر إنتاجها كروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا وأمريكا، نظرًا لاختلاف طرق الحصول عليها وشحنها وتأمينها.[2]

3. بورصة الأوراق المالية

تعد هذه البورصة بمثابة مكان منظم يلتقي فيه الممولون والمستثمرون والمقرضون والمقترضون لبيع وشراء الأوراق المالية من خلال وسطاء أو سماسرة، ويتم فيها تبادل أدوات ماليّة مختلفة من أهمها الأسهم و السندات.

1- الأسهم: تمثل حصصًا ملكية متساوية من رأس مال الشركات، وتمنح لمالكيها -المساهمين- صفة الشركاء في رأس المال. وهناك نوعان من الأسهم:

  • أسهم عادية، وهو مستند ملكية يمنح صاحبه مجموعة من الحقوق: كالحق في التصويت، وحضور اجتماعات الجميعة العمومية، والاطلاع على دفاتر الشركة، والحق في الترشيح لعضوية مجلس إدارة الشركة، والحق في زيادة رأس المال[3].
  • أسهم ممتازة: يحظى مالكوها بمجموعة ثابتة من الأسهم، كما أن لهم الأسبقية في أخذ نسبة من أرباح الشركة، ويتمتعون بالحق في التصويت وناتج التصفية إذا ما أعلنت الشركة إفلاسها.

ويهتم العديد من المستثمرين بمؤشرات الأسهم، التي تمثل مقياسًا شائعًا لأداء سوق الأوراق المالية، لذا فإنهم يتابعون حركة تلك المؤشرات عن كثب واهتمام شديدين، إذ يعطي لهم صورة كلية عن الأسعار الإجمالية لعدد من الأسهم المختلفة، ومن ثم يساعدهم في اتخاذ القرار المناسب بالبيع أو الشراء.

وهنالك نوعان من المؤشرات: مؤشرات تقيس حالة السوق بصفة عامة كمؤشر داو جونز، ومؤشرات قطاعية أي تقيس حالة السوق بالنسبة لقطاع أو صناعة معينة كمؤشر 500 لستاندرد أند بور.

2- سندات الدين: تعد أحد أهم الأدوات التي تلجأ إليها الشركات سواء كانت خاصة أو عامة بغرض الحصول على قروض لتمويل مشروعاتها بدلاً من الاضطرار إلى زيادة رأس المال وعدد المساهمين.

ويحصل حامل السند على فائدة ثابتة مستحقة في مواعيد محددة، لكنه لا يشارك في أرباح الشركة، كما أنه لا يتحمل جزءًا من خسائرها، أي أنها أقرب ما تكون للشهادات البنكية، مع إمكانية بيع السندات والتجارة فيها، وتصدر تلك السندات عند طرحها للاكتتاب إما دفعة واحدة أو على أقساط.

كيف يتم الإدراج في البورصة والتداول فيها؟

تتحمل البورصات على عاتقها مسؤولية حماية المستثمرين، وذلك بضمانها دخول الشركات الجادة فقط إليها، من خلال وضع قواعد وشروط تتقيد بها الشركات التي تريد أن تدرج نفسها في البورصة، تلك الشروط يكون هدفها الأساسي تأمين المستثمرين من أي عمليات نصب واحتيال قد تحدث إذا ما ترك الأمر دون ضوابط.

بيد أن تلك الضوابط والمعايير تختلف من بورصة إلى أخرى، لكن هناك ثمة خطوات رئيسية لابد أن تتبعها الشركات التي تريد أن تدرج نفسها في البورصة.

أولها: أنه عند تأسيس شركة مساهمة يجب على المؤسسين أن يحددوا في عقد تأسيس الشركة ونظامها الأساسي الحد الأقصى لعدد الأسهم التي يمكن للشركة إصدارها والقيمة الاسمية للسهم وهو ما يُعرف برأس المال المرخص به.

وفي حال إذا ما رغبت الشركة في الحصول على أموال لبدء نشاطها أو زيادة رأس مالها، فإنه بإمكانها أن تلجأ إلى إصدار أسهم والتي لا ينبغي أن تتجاوز في عددها الحد الأقصى المُرخص به، علمًا بأن ذلك يتم بعد إخطار هيئة سوق المال.

ثم تقوم الشركات بعرض الأسهم المصدرة للتداول، وهو ما يطلق عليه بطرح الأسهم للاكتتاب العام أي عرضها للبيع[4].

وقد تشدد البورصات الكبيرة معاييرها وشروطها، كأن تكون الشركة قيد التشغيل لفترة معينة قبل أن يتم إدراجها، كما تفرض شروطًا معينة متعلقة بقيمة الشركة وربحيتها في معظم البلدان المتقدمة.

أما فيما يتعلق بعمليات التداول داخل البورصة بالبيع والشراء، فإنها تنجز من خلال إعطاء أمر للوسيط الذي يتم اختياره. وعندما يتعلق الأمر بشراء وبيع الأسهم، فإن البورصات تتصرف مثلما يحدث في أسواق السلع الموجودة في المراكز التجارية، غير أن المشتري هو من يحدد السعر الذي سيدفعه مقابل السهم، ويعرف هذا بسعر العرض.

أبرز وأهم خمس بورصات عالمية

يبلغ عدد البورصات الكبرى في العالم نحو ستين بورصة، بقيمة إجمالية تصل إلى حوالي 69 تريليون دولار. بيد أن 93% من تلك القيمة مقسمة على ثلاث قارات فقط: أمريكا الشمالية وآسيا وأوروبا. ولعل أبرزهم:

بورصة نيويورك

تعد بورصة نيويورك للأوراق المالية أكثر البورصات شهرة على مستوى العالم. أُسست في عام 1817، ولكنها لم تعمل تحت ذلك الاسم حتى عام 1963. يقع مقرها الرئيسي في 11 وول ستريت في حي مانهاتن بنيويورك.

وقد اجتازت تلك البورصة أحداثًا تاريخية وهزات عنيفة كانهيار وول ستريت في عام 1929 والثلاثاء الأسود في عام1987، غير أن تلك الأحداث لم تنل منها فظلت كما هي أكبر بورصة في العام من حيث القيمة السوقية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى متفوقة في ذلك على بورصة لندن للأوراق المالية.

فبلغت قيمتها السوقية، وهي القيمة الإجمالية لجميع أسهمها المتداولة، في يناير 2018 أكثر من 30 تريليون دولار، كما أنها الآن موطن لأكثر من 2300 شركة متداولة في البورصة.

بورصة ناسداك

تمثل بورصة ناسداك ثاني أكبر بورصة في العالم من حيث القيمة السوقية، تقع هي الأخرى في نيويورك في ميدان التايمز الشهير، تأسست في عام 1971 من قبل الرابطة الوطنية لتجار الأوراق المالية فكانت البورصة الأولى من نوعها.

وقد وصلت القيمة السوقية لبورصة ناسداك مع بداية عام 2018 لحوالي 10 تريليون دولار، وتندرج بها أكثر من 3500 شركة أغلبها شركات تكنولوجية كشركة آبل وفيسبوك وجوجل، ولهذا السبب يستخدم مؤشر ناسداك 100 الشهير لقياس أداء البورصة وقطاع التكنولوجيا ككل.

بورصة طوكيو

بورصة طوكيو هي أكبر بورصة في اليابان، تأسست في عام 1878، وسميت باسم مجموعة اليابان للصرافة عندما اندمجت بورصة طوكيو مع بورصة أوساكا للأوراق المالية في عام 2013.

وتعد بورصة طوكيو هي ثالث أكبر بورصة في العالم، إذ تدرج أكثر من 3500 شركة، وقد بلغ إجمالي القيمة السوقية لها لعام 2016 أكثر من 5 تريليون دولار.

بورصة شنغهاي

تعود أصول بورصة شنغهاي فعليًا إلى عام 1866، لكن تم تعليقها في عام 1949 نتيجة للثورة الشيعية الصينية. وبالرغم من أن بورصة شنغهاي للأوراق المالية حديثة نسبيًا، إذ تأسست فقط في عام 1990، إلا أنها تعد رابع أكبر بورصة في العالم، إذ بلغت القيمة السوقية لها في مارس 2018 نحو 5 تريليون دولار.

ويعتمد التجار في تتبعهم لأداء الأسهم المدرجة في تلك البورصة على مؤشر SSE المركب، المعروف أيضًا باسم شنغهاي المركب، ويقيس هذا المؤشر أهم الأسهم المملوكة لكيانات كبرى متداولة في البورصة: كشركة النفط الصينية «بترو تشاينا»، والبنك الصناعي والتجاري الصيني، والبنك الزراعي الصيني.

بورصة هونغ كونغ

تم تأسيس أول سوق رسمي للبورصة في هونغ كونغ عام 1891، والتي تطورت إلى بورصة هونغ كونغ للأوراق المالية في عام 1947.

وتعد تلك البورصة واحدة من أكبر البورصات في آسيا، فمع نهاية عام 2017 كان هناك أكثر من 2100 شركة مدرجة فيها. وفي عام 2018، بلغت القيمة السوقية فيها لأكثر من 4 تريليون دولار، وهو ما أهلها لأن تكون خامس أكبر بورصة في العالم.

المراجع
  1. أزهري الطيب الفكي، أسواق المال، دار الجنان للنشر والتوزيع، 2017، ص22


  2. آمنة حجو، عمليات البورصة، مذكرة تكميلية لنيل شهادة الماجستير، جامعة العربي بن مهيدي. أم البواقي.كلية الحقوق و العلوم السياسية، 2014-2015، ص ص 11-15
  3. دليل المستثمر في البورصة، بورصة تونس، أكتوبر2012، ص4، متاح على Downloads\Documents\dlyl-lmstthmr-fy-lbwrs_0_2.pdf
  4. المرجع السابق.