يرتبط اسم بيتر ميمي كمخرج بأعمال الحركة التلفزيونية، أعمال ظهرت للنور تحت إشراف رسمي كبروباجندا عسكرية، لكنه اتجه، مؤخراً، إلى نوع مغاير سينمائياً وتولى إخراج أعمال تتناول مغامرات كوميدية اجتماعية لأسر من الطبقة الفقيرة أو المتوسطة لاقت نجاحاً كبيراً مع «من أجل زيكو» ومتوسط مع «شلبي» وعاد إلى نجاح كاسر للأرقام مجدداً مع «بيت الروبي» من كتابة  محمد الدباح وريم القماش، تستخدم تلك الافلام بذوراً سردية من أفلام أخرى أكثر شهرة يتم معالجتها ونقلها إلى الواقع المصري المعاصر، وغالباً ما تعتمد على الكاريزما الطبيعية للنجوم حاملي الأدوار الرئيسية مثل كريم محمود عبدالعزيز ومنة شلبي، ومؤخراً كريم عبدالعزيز الذي يعود للعمل  مع ميمي، لكن هذه المرة ينزع عنه الجدية التي لعبها في «الاختيار» ويعود لجذوره في الكوميديا والحركة التي جعلته محبوباً من الأساس.

يدور بيت الروبي حول عائلة من طبقة متوسطة عليا، تحاول صناعة حياة جديدة غير مألوفة بعيدة عن الاستهلاك والإغراق التكنولوجي السائد، يصنف الفيلم نوعياً بالكوميديا لكنه يحمل تحولات درامية ورسائل اجتماعية تجعله يتنقل بين الكوميديا والحركة والدراما، لاقى «بيت الروبي» نجاحاً هائلاً في شباك التذاكر، عرض قبل عيد الأضحى بأيام قليلة بنى فيها قاعدة جماهيرية وتناقل نجاحه شفهياً ووصل إلى ذروة أرقامه في أيام العيد وما بعدها، لكن ماذا يعني نجاح الفيلم لصناعة السينما المصرية ولمخرجه وبطليه؟

ثنائيات

يعمل بيت الروبي منذ بدايته كدراما عائلية، ترسخ بداية الفيلم للتضاد المرجو بين الخلاء أو أساليب العيش غير التقليدية وغير المعرفة بالاستهلاك المديني خارج المدينة في قلب صحراء تحيطها الجبال، والحياة المدينية المتسارعة والمكدسة، ينطلق ذلك التضاد من اضطرار أسرة الروبي المتكونة من الأب ابراهيم (كريم عبد العزيز) والأم إيمان(نور) وطفليهما إلى مغادرة حياتهم البسيطة استهلاكياً إلى المدينة باستدعاء من شقيق إبراهيم إيهاب (كريم محمود عبد العزيز) لإتمام بعض الأعمال الورقية وهو ما يؤدي بالطبع لبعض النقد المجتمعي الكوميدي المتعلق بصعوبة إتمام الأعمال الورقية والبيروقراطية التي يبدو أنها لا تنتهي على الرغم من جهود الدولة النظرية لميكنة الأعمال وتطوير المنظومات، في بقية الفيلم بعد الدقائق الأولى التي من المفترض أن تعمل كمصغر للحياة الرئيسية التي تعيشها الأسرة في منطقة نائية  لترسيخ التضاد مع المدينة وجعله مثيراً للصدمة تصبح المشاهد سكتشات كوميدية مشابهة لأعمال أخرى مثل «عسل أسود» أو «إشارة مرور»، يحمل الكوميديا كريم وكريم عبدالعزيز اللذان يعملان كثنائي حيوي Dynamic Duo ، يلقيان النكات و ينتزعان الضحك بشكل مستمر من الجمهور -مع إقحام بعض النكات الذكورية المتفحصة لأجساد السيدات على الرغم من كون الفيلم مصنفاً عائلياً- ويتفاعلان مع بعضهما بكيمياء تستدعي ثنائيات مثل كريم عبد العزيز  وماجد الكدواني.

يمضي الفيلم فصله الثاني في فقرات من النقد  المديني وصعوبة الحياة وإتمام المهام وزحام الطرق التي يصعب تحديد ما إذا كان مقصوداً كنقد مجتمعي فعلاً أم مركبة لحمل الكوميديا التي تعيد المشاهدين من الطبقة الوسطى الأوسع مجدداً لصالات العرض، وهي العناصر التي تبدو وكأنها راسخة عبر الزمن من إشارة مرور في 1995 مروراً بـ«عسل أسود» 2010 وحتى الآن، ومثل تلك الأفلام يتوجه «بيت الروبي» للتصوير في الشوارع الحقيقية وهو ما يندر رؤيته حالياً سواء في السينما أو التلفزيون.

يدخل وسط ذلك النقد المحلي عنصر نقد أكثر عالمية وإلحاحاً وهو الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وهو عقدة الفيلم الرئيسية على الرغم من ميله في البداية لإثارة الاختلافات بين المدينة والانفصال عنها، في ما يخص نقد ثقافة الإنترنت وطبيعتها المسممة يعمل الفيلم بجانب كونه كوميديا ثنائية كدرس توعوي ضد أضرار التواصل الاجتماعي أو الوجود الرقمي الأبدي من دون وعي بالواقع وكيف يمكن أن يحول هوس الإنترنت حيوات الآخرين جحيماً، ففي لحظة ما يتوقف الهجوم الرقمي عن كونه رقمياً ويصبح حقيقة وواقعاً على الأرض، في لحظة اكتشاف أن من نهاجمهم من وراء الشاشة هم بشر فعلاً، يقدم الفيلم جدلية متماسكة حول ثنائية ضرر ونفع الوجود الرقمي، يأخذ جدليته بجدية شديدة حتى يصل إلى ذروات درامية كبرى ثم يكرر ذرواته بأشكال مختلفة تجعل الفيلم فوضى من التحولات المزاجية المفاجئة Tonal Shifts، فمشاهده الكوميدية خفيفة بلا وزن ومشاهده الدرامية أثقل من قدرة مشاهده الخفيفة على التحمل.

مشهد من بيت الروبي 2023 – إخراج بيتر ميمي
مشهد من بيت الروبي 2023 – إخراج بيتر ميمي

تحولات مزاجية

يصعب وصف أسلوب بيتر ميمي إخراجياً، على الرغم من كونه أحد قلائل المخرجين الذي تسمى أعمالهم بأسمائهم في عصرنا الحالي في السينما المصرية فإنه ذو أسلوب ملتبس يتسم مبدئياً بالضخامة البصرية والتجميع Pastiche، في أعماله في نوع الحركة والدراما العسكرية تعمل الضخامة لصالحه بخاصة في ما يخص استخدام الدرون Drone أو الكاميرات الطائرة التي تغطي أكبر قدر ممكن من حقل المعركة أو مشاهد الحركة المصممة بدقة لأهداف محددة، يستعيد ميمي تلك الضخامة التقنية التي لا تعتمد على أسلوبية بصرية لكنها تعتمد على التغطية المشهدية في بيت الروبي على الرغم من بعده على النوع الحربي أو الحركة، تعمل الضخامة واللقطات الواسعة المصورة من أعلى لترسيخ بداية أحداث الفيلم، واستعراض موقع التصوير الشاسع السياحي، حيث الجبال والطرق الممتدة وسطها والبيوت النائية ذات النوافذ الزجاجية،  إضافة للاستعراض البصري المختزل لأسلوب حياة الأسرة قبل عودتها للمدينة وهو ما يستدعي للذهن فيلم «Captain Fantastic 2016» قبل أن يتحول إلى سردية مختلفة في نقد الحداثة، يستمر ذلك الوضع البصري الذي يصنع تجربة سينمائية جمالية على الرغم من كونها إعلانية بعض الشيء لمدة افتتاحية الفيلم قبل أن يصل الحدث المحفز الذي ينقل العائلة ثم يبدأ الفيلم في أخذ عدة تحولات مزاجية متتابعة من الكوميديا إلى الدراما إلى الحركة.

يمكن عزو تلك التحولات المزاجية المفاجئة لطبيعة بيتر ميمي التجميعية، فأعماله هي نتاج تجميع أعمال أخرى سردياً وأسلوبياً، عندما لا يترك الفيلم لكاريزما أبطاله فإن الفيلم يصبح مساحة للتجريب المزاجي بمشاهد حركة لا تنتمي لطبيعة الفيلم ولا تذهب به ولا بذروته وحل عقدته إلى أي مكان، قرب نهايته نرى مشهداً تحت الأمطار في إضاءة مظلمة بموسيقى تمحو الأسلوب الخفيف الذي رسخه خالد حماد في بقية الأحداث، وتأتي بإحالات لأعمال هانز زيمر في أفلام كريستوفر نولان بتكات الساعة والضربات الضخمة، ويصاحبها تصوير بطيء ومونتاجات متوازية متعددة لعدة أحداث حركية ودرامية تحدث في الوقت نفسه، يرغب ميمي في تلك اللحظات في إضافة كل ما يريد في فيلم واحد، أو في استدعاء أعماله الأخرى ذات الطبيعة الأكثر جدية، حتى وإن لم تنتمِ لنسيج فيلمه أو مزاجه العام، وفي النهاية تتحول الجدية الشديدة إلى خفة مرة أخرى، فيصبح الموضوع الرئيسي الذي جعل حياة الأسرة على المحك أخف من أن يكون رسالة توعوية مؤثرة، فيمكن أن تنظر حولك للمتابعين يصورون الفيلم مباشرة بهواتفهم، يشاركون التجربة بشكل فوري مع متابعيهم بينما تعكس الأحداث التي يصورونها التأثير المدمر للحيوات الناتج عن الاستخدام المفرط للهواتف، لكن ذلك لا يحدث يصرامة وحسم يجعله رسالة تحذيرية حقيقية بل يتم تجاهله لصالح نهاية مدفئة للقلب وخفيفة وهي نية الفيلم الحقيقية كفيلم اجتماعي ملائم للعائلات في عيد الأضحى.

نجوم السينما

تكمن فضائل الفيلم الرئيسية في كونه فيلماً ذا حجم غير ضخم يلاقي نجاحاً ضخماً في دور العرض، تمر دور العرض عالمياً بأزمة عامة في حث المشاهدين لترك منازلهم واختبار فيلم ما كما يجب اختباره، بخاصة مع سهولة وسرعة صدور كل قطعة من الميديا على المنصات أو القرصنة السريعة، وعادات المشاهدة الحديثة التي تجعل مشاهدة الأفلام جزءاً من نشاط آخر، فهي خلفية على هاتف أحدهم بينما يفعل شيئاً أكثر أهمية، يمكن عزو ذلك النجاح بخاصة أن الفيلم ليس فيلم حركة ضخماً بكونه معتمداً على عنصر كلاسيكي بدأ في الأفول وهو نجوم السينما، مفهوم نجوم السينما عالمياً في طور الاختفاء، أن يذهب أحدهم لفيلم لأن وجه نجم ما يتصدره أصبح شيء نادر الحدوث، وأحل محله تسويق نوعي للأفلام، كونها جزءاً جديداً من سلسلة مطولة أو فيلم به مؤثرات بصرية خارقة للطبيعة، يمتلك أبطال «بيت الروبي» مقومات على وشك الاختفاء ترتبط بالمفهوم الكلاسيك لنجم السينما الذي يعتمد عليه في بيع الفيلم للمشاهدين، ويصنع ثنائياً جديداً يرسخ النجومية الموجودة سلفاً لدى أبطاله، بعودة كريم عبد العزيز كنجم سينما كلاسيكي يسمى الفيلم باسمه وتدرج شبيهه في الاسم كريم محمود عبد العزيز في طريقه ليصبح نجم سينما هو الآخر، يصبح لتسويق الأفلام جانب آخر غير التباهي بالإمكانيات التقنية أو ضخامة الإنتاج وغلاء المؤثرات البصرية، فرؤية نجم السينما على شاشة السينما هي تجربة مغايرة تماماً لرؤيته على الشاشة الصغيرة، الحجم والتأثير والتجربة الجماعية هي عنصر يصعب تكراره في عادات المشاهدة المنزلية التي تجعل النظر تجربة ثانوية، لكن ذلك لا يعني عودة ذلك النوع من الأفلام خارج مواسم الزخم السينمائي مثل العيدين لكنه يعني على الأقل تغيراً في طبيعة الأفلام المدرة للأرباح.

فيلم «بيت الروبي» هو تجربة مضطربة تتأرجح بين الرسائل المباشرة والكوميديا الثنائية والنقد المجتمعي لكنه تجربة سينمائية عائلية تستعيد تقليداً سينمائياً يتسم بالخفة والجودة التقنية والاعتماد على الكاريزما الطبيعة لنجوم السينما وربما تشجع تجارب مشابهة حيث ينصب التركيز الرئيسي على المتعة السينمائية دون توجيه مسبق أو ضخامة إنتاجية سرعان ما يتلاشى تأثيرها.