محتوى مترجم
المصدر
Jacobin
التاريخ
2019/07/03
الكاتب
سراج عاصي

في مقابلة مع صحيفة «نيويوركر» العام الماضي، روى الكاتب والناشط الفلسطيني يوسف بشير تفاصيل زيارته لمكتب بيرني ساندرز عام 2017، مع مجموعة من الطلاب الإسرائيليين، قال بشير: «أخبرت بيرني أنه اليهودي الأشهر في غزة بعد نبي الله موسى». كان ساندرز المرشح الوحيد الذي تحدث مرارًا حول العنف الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين، وأثناء حرب غزة الأخيرة عام 2014، وصف استخدام إسرائيل للقوة بـ «غير المتكافئ» و«العشوائي»، وأدان علانيةً قتل إسرائيل للمتظاهرين الفلسطينيين السلميين أثناء مسيرة العودة الكبرى العام الماضي. صرّحساندرز لـ «الإنترسبت» قائلًا: «قُتل الأبرياء، وهذه أفعال مريعة، وبدلًا من التصفيق لإسرائيل، تجب إدانتها». وصرّح في تغريدة، واصفًا القتل بـ «المفجع»، مدافعًا بصراحة عن حرية الفلسطينيين في التجمع بحرية، قائلًا: «الاحتجاج للمطالبة بمستقبل أفضل حق للجميع، دون مقابلتهم بالعنف». بينما سارع العديد من السياسيين الأمريكيين إلى إلقاء اللوم على سكان غزة بسبب ظروفهم القاسية، أشار ساندرز بدلًا من ذلك إلى الحصار الإسرائيلي الممتد كمصدر للأزمة الإنسانية. في خطاب إلى وزير الخارجية مايك بومبيو العام الماضي، ندد ساندرز بالمستويات الهائلة للبطالة والفقر في القطاع المحاصر، وذكّر موظف ترامب أنه «بينما سحبت إسرائيل قواتها من غزة عام 2005، إلا أن سيطرتها المستمرة على حدود غزة الجوية والبحرية الشمالية والجنوبية والشرقية، زادت من سوء الأزمة الإنسانية»، وكرر دعوته لإعادة بناء غزة وتخفيف الحصار، وإعادة الأموال الأمريكية إلى الأونروا، وهي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى. ليس مستغربًا أن يكون دعم ساندرز الصريح للفلسطينيين قد وضعه على مفترق طرق مع الجماعات المؤيدة لإسرائيل، مثل لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية «آيباك». خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كان ساندرز هو المرشح الرئيسي الوحيد الذي رفض الظهور شخصيًا في مؤتمر آيباك السنوي، وعندما رفضت اللجنة السماح له بمخاطبة الجمهور عبر اتصال فيديو، سجّل ساندرز خطابًا موجهًا إلى جمهور الآيباك ونشره على الإنترنت، وقال في تصريحاته: «يجب أن نكون أصدقاء، ليس فقط لإسرائيل، بل الشعب الفلسطيني أيضًا، حين نتحدث عن إسرائيل والأراضي الفلسطينية، من المهم فهم أن الشعب الفلسطيني يواجه الكثير من المعاناة التي لا يمكن تجاهلها»، كما لم يحضر ساندرز مؤتمر الآيباك هذا العام. ردًا على ذلك، استهدفت الآيباك عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فيرمونت في إعلانات الفيسبوك في الولايات الديمقراطية الرئيسية، وحثت المستخدمين على توقيع عريضة على الإنترنت، تخبر ساندرز بأن «أمريكا تساند إسرائيل». قارن ذلك بزعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، الذي أصرّ أمام حشد كبير من أعضاء الآيباك في مارس (آذار) الماضي أن «الكثير من الفلسطينيين والعرب لا يريدون أي دولة يهودية في الشرق الأوسط، لأنهم لا يؤمنون بالتوراة»، أو مرشحي الرئاسة الديمقراطيين مثل جو بايدن، الذي قال في 2014 لمجموعة من أعضاء الآيباك: «أخبروا بيبي أنني أحبه»، أو بيت بوتيجيج الذي حصل مؤخرًا على تأييد من رئيس الآيباك السابق ستيف جروسمان، أو كامالا هاريس التي حولت اجتماعها الخاص في مارس/ آذار مع أعضاء الآيباك في كاليفورنيا إلى اجتماع عام نشرت تفاصيله على تويتر، أو كوري بوكر الذي التقى ممثلي الآيباك بانتظام لتنسيق «صوت موحد من الكونجرس» ضد حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. وبينما كانت إليزابيث وارن مؤيدة لإسرائيل بشدة في الماضي، إلا أنها اتخذت موقفًا أكثر توازنًا في الآونة الأخيرة، بما في ذلك التوقيع على خطاب بومبيو.وسط هذا الهياج من المشاعر المعادية للفلسطينيين، يعرب ساندرز باستمرار عن دعمه لحقوق الفلسطينيين المدنية في الولايات المتحدة، وعارض بشدة قانون مكافحة حركة المقاطعة الإسرائيلي، وهو مشروع قانون مؤيد من الحزبين يجرم مقاطعة إسرائيل. كان ساندرز سريعًا في إدانة مشروع قانون آخر، وهو قانون مكافحة المقاطعة، برعاية السيناتور ماركو روبيو النائب عن ولاية فلوريدا، الذي غرّد: «من العبث أن القانون الأول هو تشريع يعاقب الأمريكيين الذين يمارسون حقهم الدستوري في الانخراط في النشاط السياسي». دافع ساندرز بنفس القدر عن الحقوق المدنية للفلسطينيين في فلسطين، بما في ذلك عيشهم في إسرائيل. في مقابلة مع شبكة إن بي سي نيوز باكر هذا العام، استنكر الحملة الانتخابية العنصرية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأدان في حديث آخر قانون الدولة القومية المدعوم من نتنياهو، والذي ينص صراحةً على أن «إسرائيل هي الدولة القومية الوحيدة لليهود»، وتحقير العرب رسميًا واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية. في نقطة أبعد مما رأى معظم النقاد التقدميين الآخرين، صنّف ساندرز نتنياهو كجزء من «محور سلطوي» دولي، يشمل الجميع من ترامب إلى جايير بولسونارو، رئيس البرازيل، إلى محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية. تنفصل رؤية ساندرز للسلام في فلسطين، رغم أنها لا تزال تتماشى مع عقيدة فصل الدولتين، تنفصل عن الإجماع بين الحزبين، في دفع أكثر في اتجاه تقرير المصير الفلسطيني، ولم يكن خائفًا من نقل هذه الرسالة إلى طرف مُعادٍ. في 2016، عيّن كورنيل ويست والناشط الفلسطيني جيمس زغبي في لجنة البرنامج الديمقراطي، حيث دافع ويست بقوة عن حقوق الفلسطينيين، قائلًا: «الطفل الفلسطيني في الضفة الغربية له نفس قيمة الطفل اليهودي في تل أبيب»، وحاول زغبي تقديم تعديل يذكر صراحة احتلال إسرائيل ونشاطها الاستيطاني، وإلغاء إدانة مشروع قانون المقاطعة. باكرًا في الحملة – في اجتماع مع هيئة تحرير صحيفة نيويورك ديلي نيوز اليمينية – وصف ساندرز المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية بأنها انتهاك للقانون الدولي، وطالب بتدميرها كشرط مسبق للسلام: «أعتقد أن هذا التوسع واحتلال الأراضي غير قانوني، والانسحاب من الأراضي هو الأمر المناسب». في الآونة الأخيرة، ألمح ساندرز أنه في حال انتخابه، سيفرض عقوبات حقيقية على إسرائيل إذا واصلت احتلالها، بما في ذلك تخفيض المساعدات المالية ومبيعات الأسلحة الأمريكية (البالغ قدرها 3.8 مليار دولار سنويًا). أظهر ساندرز بالفعل علامات في هذا الاتجاه. على سبيل المثال، في عام 2016، انفصل عن عقيدة الحزب الديمقراطي المؤيدة لإسرائيل، برفضه توقيع خطاب مؤيد من الحزبين يدعو إلى زيادة المساعدات الأمريكية لإسرائيل، مشيرًا إلى الفظائع التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، وقمعها للفلسطينيين.


لماذا يدعم ساندرز الفلسطينيين؟

دعم ساندرز للحقوق الفلسطينية هو أمر شخصي للغاية، ففي حديث مصور له الشهر الماضي، في المنتدى العالمي للجنة اليهودية الأمريكية، ربط قتل النازيين لعائلته بحربه ضد الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين، لكنه يرى أيضًا أن ضمان العدالة في فلسطين جزء من أجندة اقتصادية تقدمية أوسع، إذ قال في المنتدى: «أرى شعبًا فلسطينيًا محطمًا تحت الاحتلال العسكري منذ أكثر من نصف قرن، ما يخلق حقيقة يومية من الألم والإذلال والاستياء، دعوني أُوضح، لا أعرف كيف يمكن تحقيق السلام في تلك المنطقة، بينما ينتشر الفقر في قطاع غزة، وتصل نسبة البطالة لـ 53%، وترتفع النسبة أكثر بين الشباب، و99% من السكان لا يمكنهم النزوح. هذا الوضع ليس دائمًا، فإنهاء هذا الاحتلال وتمكين الفلسطينيين من الحصول على الاستقلال وتقرير المصير في دولة مستقرة ذات سيادة، وقابلة للحياة اقتصاديًا، هو في مصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل والفلسطينيين والمنطقة بأسرها». لا شك أن موقف ساندرز من القضية الإسرائيلية الفلسطينية قد يكون أكثر تقدمية، إذ صوت باستمرار لصالح المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، التي تدعم الاحتلال وتوسيع المستوطنات والعنف الممنهج ضد الفلسطينيين. لا يزال ساندرز يعارض حملة المقاطعة، إذ وقّع على رسالة مضادة لها موجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة عام 2017، وكرر معارضته للمقاطعة باكر هذا العام، (بينما يدين قوانين تجريم الحركة). يدعم ساندرز بعناد حل الدولتين بدلًا من دولة موحدة وديمقراطية توفر حقوقًا متساوية للشعب اليهودي والفلسطينيين على حد سواء. مع ذلك، لا يزال سجل ساندرز المؤيد للفلسطينيين هرطقة في نظام سياسي يتسامح مع ذبح الفلسطينيين، ويسخر من تطلعاتهم إلى الاستقلال وكيان الدولة. هذه دولة يرفض كبار السياسيين فيها، مثل مايك هاكابي وجود الشعب الفلسطيني فيها، إذ يمكن للديمقراطيين والجمهوريين حقًا التبادل في ولائهم الثابت لإسرائيل. أكثر من أي مرشح رئاسي ديمقراطي، يعتبر ساندرز في وضع جيد لكسر هذا التوافق بين الحزبين المؤيدين لإسرائيل، ليس فقط بسبب أصله اليهودي، بل والأهم من ذلك، بسبب تحول الديناميات السياسية. يضم الحزب الديمقراطي الآن أعضاء بارزين مثل رشيدة طليب وإلهان عمر، المؤيدين علنًا للفلسطينيين والدعمين للمقاطعة، (دافع ساندرز عن كلا المرأتين ضد الاتهامات المعادية للسامية التي لا أساس لها من الصحة). تظهر الاستطلاعات الحديثة أن الديمقراطيين، وخاصة الناخبين الشباب، يتعاطفون بشكل متزايد مع محنة الفلسطينيين. تنفر حكومة نتنياهو القومية الكثير من اليهود الليبراليين في الولايات المتحدة، وتزكي الأعمال العسكرية ضد الاحتلال، ولا يظهر قانون المقاطعة أي علامات للإلغاء. مهما كانت أوجه القصور في هذه القضية، فإن رئاسة ساندرز يمكن أن تعطي زخمًا جديدًا لبناء الحركة في الولايات المتحدة وإسرائيل والأراضي المحتلة. لم تعد إسرائيل تُمنح غطاء من البيت الأبيض لقمع نشطاء السلام والحقوق المدنية للفلسطينيين (والإسرائيليين)، ولم يعد للآيباك صديق في المكتب البيضاوي يمنح إسرائيل تفويضًا مطلقًا. سيكون للمجموعات المؤيدة للفلسطينيين شخص يتحدث علنًا عن نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، قبل أن يحظى بشعبية، ولا يخجل من التحدث علنًا ضد الظروف «الشبيهة بالفصل العنصري» التي تحدث في فلسطين اليوم.


هل بيرني جيد للفلسطينيين؟

وفقًا لمعايير السياسة الأمريكية، بلا شك، في الوقت الحالي، هو المرشح الوحيد الذي يمكنه إحداث تغيير حقيقي في السياسة الأمريكية. ربما توقف الفلسطينيون لفترة طويلة عن البحث عن منقذهم السياسي بين المرشحين للرئاسة الأمريكية، لكن ساندرز قد يكون أفضل رهان حتى الآن، خاصة إذا كان بإمكانه تزويدهم بمساحة للتنفس لبناء مقاومتهم السلمية.