من المؤكد أنك سمعت مؤخرًا عن المعركة الدائرة بين شركة أبل من جهة ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) حول الخصوصية، معركة أخذت مكانها في أروقة المحاكم ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وكان لكل طرف في هذه المعركة مؤيديه وداعميه، فمن جهة عبّر المرشحون الجمهوريون عن دعمهم لمكتب التحقيقات الفيدرالي ضد أبل، فيما عبّرت الكثير من شركات التكنولوجيا، على رأسها جوجل وفيسبوك وتويتر، عن دعمهم غير المشروط لموقف الشركة.

سنحاول هنا شرح المعركة تماما من خلال سبعة أسئلة.


1. ما الذي يريده مكتب التحقيقات الفيدرالي تحديدًا؟

حصل مكتب التحقيقات الفيدرالي على هاتف الآيفون الخاص بسيد رضوان فاروق أحد الإرهابيين الذين نفذّوا عملية إطلاق النار في كاليفورنيا أواخر العام السابق والتي راح ضحيتها أكثر من 14 مواطنا أمريكيا، طلبت الإف بي آي من شركة أبل إعطاءها بيانات من جهاز الآيفون فقدمت شركة أبل كل ما تملكه من معلومات عن الجهاز والتي تمت مزامنتها بخدمة آي كلاود. أي أن أبل اعطت لمكتب التحقيقات كل ما قام سيد برفعه على خدمة التخزين السحابية من صور وسجل مكالمات ورسائل… إلخ

المشكلة أن سيد قام بتعطيل خدمة المزامنة السحابية منذ قرابة الستة أشهر؛ مما يعني عدم حصول المكتب على كل المعلومات التي سبقت الحادث من سجل مكالمات وصور ورسائل. لذا وجب على المكتب اختراق الهاتف نفسه وليس مجرد حساب الإرهابي على آي كلاود. ولذلك طلب من أبل فك كلمة السر الخاصة بالهاتف وحصل على حكم محكمة يلزم أبل بذلك.


2. هل يمكن لأبل أو غيرها فك كلمة السر الخاصة بالهاتف؟

لا يستطيع أي شخص سوى صاحب الجهاز الأصلي فك كلمة السر الخاصة بالهاتف، ولا حتى شركة أبل نفسها، فبعد تحديث IOS 8 أصبح من المستحيل نظريًا فك أي كلمة سر خاصة بأي جهاز آيفون لأنه مشفر على مرحلتين، مرحلة ترتبط بالأجزاء المادية داخل الجهاز ومرحلة ترتبط بنظام التشغيل. ولكن الحل الوحيد هو أن تقوم بتجربة كل كلمات السر حتى ننجح في فتح الهاتف، وتأتى المشكلة أن هاتف الآيفون مبرمج على مسح كل البيانات على الهاتف إذا أدخلت كلمة سر خاطئة عشر مرات متتالية، ولذلك طلبت الإف بي آي من الشركة برمجة نظام تشغيل لا يحتوي على خاصية مسح كل البيانات بعد عشرة محاولات فاشلة لإدخال كلمة المرور وبالتالي يستطيع المكتب تخمين كلمة السر.


3. لماذا رفضت أبل طلب الإف بي آي؟

الإجابة المباشرة على هذا السؤال والتي قالتها أبل على لسان مديرها التنفيذي تيم كوك tim cook، أنه إذا قامت الشركة ببناء هذا النظام ربما يتمكن أي شخص من الحصول عليه، وبالتالي ربما سيكون بإمكان أي شخص اختراق أجهزة آيفون، مما يفقد آيفون أهم مميزاته وهو النظام الأمني القوى غير القابل للاختراق. وكذلك إذا سمحت للولايات المتحدة بالحصول عليه فلا بد أن تسمح كذلك للحكومات القمعية بالحصول عليه وعلى رأسهم حكومات الصين وروسيا.


4. هل تدافع أبل حقًا عن أمان وخصوصية مستخدميها بهذا الإجراء؟

بالطبع لا، ذكرنا من قبل ان الشركة لم يكن لديها مشكلة على الإطلاق في إعطاء مكتب التحقيقات الفيدرالي كل البيانات الموجودة على خدمة الآي كلاود الخاصة بفاروق، بل إن الأمر لا يخص هاتف فاروق فقط، فقد أعطت شركة أبل للحكومة الأمريكية معلومات بخصوص 3093 مستخدم للخدمة في الربع الأول من سنة 2015 فقط، تشير تقارير الشفافية الخاصة بأبل أنها تعطي بشكل دورى بيانات مستخدميها لأغلب حكومات العالم بناءً على طلب قضائي، يمكنك مراجعة الكم الهائل من البيانات التي تعطيها أبل لمختلف الحكومات من موقع شركة أبل نفسها وفي تقاريرها الخاصة بالشفافية عبر هذا الرابط، لكن بالطبع كل هذه المعلومات تقدمها شركة أبل بنفسها بعد مراجعة الطلبات التي ترفض بعضها، وهذا يختلف كثيرًا عن إعطاء الحكومة أداة تمكنها من الحصول على المعلومات دون أن تسمح الشركة بهذا.


5. هل هناك سوابق قامت فيها شركة أبل بإعطاء الحكومة أدوات تمنحها الصلاحية للولوج إلى بيانات المستخدمين بدون المرور عبر أبل؟

نعم، فبحسب تسريبات العميل الاستخبراتي السابق إدوارد سندون التي عُرفت إعلاميًا بفضيحة بريزم، فإن أبل قامت باعطاء وكالة الاستخبارات الأمريكية إن إس إيه NSA بابا خلفيا، ولكن شركة أبل وصفت التسريبات بأنها تحوى الكثير من المعلومات الخاطئة، كما أكدت وكالة الاستخبارات الأمريكية أن اختراقات الخصوصية لم تستهدف أبدًا مستخدمين أمريكيين، بمعنى أنها استخدمتها للتجسس على مواطنين من دول أخرى!

كما قامت شركة أبل من قبل بنقل مراكز بيانتها الخاصة بآي كلاود للمستخدمين الصينيين إلى داخل الحدود الصينية بعد مناوشات بينها وبين الحكومة الصينية التي قالت عبر تلفيزيونها الرسمي أن آيفون قد يقوم بتسريب أسرار تتعلق بالأمن القومي، وبعد نقل أبل لمراكز بياناتها قامت الصين بمهاجمة هذه المراكز بهدف الحصول على المعلومات.

كما وافقت أبل أيضًا على خضوع جميع منتجاتها التي تباع داخل الصين للتحقيق الأمني من جانب الحكومة الصينية في بداية عام 2015.


6. مرة أخرى، لماذا ترفض أبل الخضوع لطلب مكتب التحقيقات الفيدرالي؟

أبل تسوق لنفسها على أنها الشركة التكنولوجية الوحيدة التي لا تتاجر في بيانات المستخدمين، فبعكس جوجل وفيسبوك وتويتر وغيرهم الذين يستخدمون البيانات الشخصية لأغراض إعلانية فإن أبل تميّز نفسها بأنها الشركة التي لا تنظر للبيانات الخاصة بمستخدميها على أنها سلع، الأمر الذي أكّده ستيف جوبز، حيث قال ستيف جوبز في أحد المؤتمرات “كان لدينا دومًا وجهة نظر مختلفة عن زملائنا في وادي السيلكون، نحن نأخذ خصوصية مستخدمينا على محمل الجد”.

الأمر الذي لم يختلف بعد رحيل جوبز وتولّي تيم كوك مسئولية أبل، فقد أكّد كوك: “عملنا ليس مبنيًا على معرفة معلومات عنك، أنت لست سلعة بالنسبة لنا.”

ولذلك فإن رفض أبل لطلب مكتب الإف بي آي يعدّ بمثابة حماية لميزتها التنافسية التي تجعل المستخدمين يشترون منها ويجعلها تستمر في تسويق نفسها كحامية للخصوصية. وكذلك فإنها بعد الرفض أصبح لها نفوذ أكبر على الشركات المنافسة كجوجل وفيسبوك على اعتبار أنها العنصر الأهم في الحرب الدائرة بين الحكومات وشركات التكنولوجيا حول خصوصية المستخدمين.


7. هل كسبت أبل من وراء رفضها للأمر القضائي؟

بكل تأكيد، فبعيدًا عن أنها كسبت ولاء وثقة العديد من المستخدمين، وكذلك كسبت تضامنا واسعا حتى من منافسيها، وسوّقت كذلك بشكل أقوى لنظام تشغيلها الأخير IOS8 على أنه نظام غير قابل للاختراق حتى بالنسبة لمكتب التحقيقات الفيدرالية ذاته، إلا أنها وبشكل سريع رفعت قيمة أسهمها في البورصة، فارتفعت قيمة السهم بنسبة 0.87% منذ إعلان أبل عن رفضها لتنفيذ الأمر القضائي(11)، الأمر الذي كان غير متوقع بالنسبة لها خاصة بعد انخفاض مبيعاتها بشكل ملحوظ خلال فترة أعياد الميلاد وكذلك في الربع الأخير من عام 2015 بشكل عام.(12)

في النهاية فإن من الواضح أن ما تقوم به أبل هو استكمال لبناء هويتها المتميزة في سوق التكنولوجيا، وتقوم به دفاعًا عن مصالحها الخاصة ولكن هذا أمر جيد؛ فكما يقول إدوارد سندون: “إن شركة أبل تعتمد على حماية بيانات العملاء كميزة تسويقية، ولكنني أرى أنها تستحق الدعم في هذا؛ ففي النهاية إنها تدافع عن مصالح المستخدمين.”

المراجع
  1. 1
  2. 2
  3. 3
  4. 4
  5. 5
  6. 6
  7. 7
  8. 8
  9. 9
  10. 10
  11. 11