تشير التقارير في السنوات الأخيرة إلى حقيقة قد تبدو صعبة التخيل، وهي أن أكثر من 20% من مواطني المملكة العربية السعودية يعيشون تحت خط الفقر. ففي الوقت الذي تنقل فيه الصحف العالمية أخبار احتفالات الأمراء السعوديين على الشواطئ الفارهة، يعاني الكثير من الفقراء في جدة من الانتظار لساعات للحصول على مياه صالحة للشرب.

لم يكن مألوفا أن تكون هناك معارضة شعبية في المملكة العربية السعودية، لكن وسائل التواصل الاجتماعي قد شجعت بعض الأصوات للخروج عن السرب والتساؤل حول المكان الذي تئول إليه كل تلك الثروات التي تجنيها الحكومة إن لم تكن تذهب لمواجهة الفقر وغلاء الأسعار ونسب التضخم التي تبتلع الرواتب، لقد أخذت الفوارق بين الفقراء والأغنياء في الاتساع بمعدلات جنونية ومستفزة.


برنامج شبابي بسيط ورد فعل عنيف

في حي «الجرادية» الذي يبعد عن مركز مدينة الرياض بخمسة كيلومترات فقط، يخيم الفقر على أجواء المكان. المنازل مصنوعة من مواد بناء بدائية، والأطفال يركضون حفاة الأرجل معرضين لكل الأمراض التي تنتشر في المياه الملوثة في شوارع الحي. ينقل هذا المشهد الشاب السعودي «فراس بقنة» مع مجموعة من أصدقائه في برنامجهم البسيط «ملعوب علينا» لتشتعل أجواء المجتمع السعودي والعربي والعالمي. كيف لأغنى بلاد العالم بالنفط أن تفشل في توفير أبسط أساسيات الحياة لمواطنيها؟!

في عام 2013 تصدر هاشتاج «الراتب ما يكفي الحاجة» منصة تويتر في السعودية للتعبير عن الشعور بتفاقم أزمة التضخم وزيادة الأسعار

هذا الفيديو البسيط تسبب في اعتقال الحكومة السعودية لصانعي الفيلم بعد أسبوع واحد من عرض حلقة البرنامج على موقع يوتيوب في عام 2011. شعرت الحكومة السعودية بالإحراج بسبب هذا المقطع الفاضح لدولة تمتلك أحد أكبر اقتصادات العالم، فلجأت كغيرها من الحكومات العربية لمعاقبة المصدر قبل حل المشكلة نفسها.

في عام 2013 خرجت الأمور عن سيطرة الحكومة السعودية عندما تصدر هاشتاج «الراتب ما يكفي الحاجة» منصة تويتر بأكثر من 10 ملايين تغريدة في بداية صيف عام 2013، ويشتكي فيه السعوديون من عدم كفاية المرتبات التي يحصلون عليها لتأمين احتياجاتهم اليومية، حيث أدى التضخم وزيادة الأسعار إلى شعور عام بتفاقم المشكلة آنذاك.

تختلف مستويات الفقر والقيمة المالية التي يجب أن يكتسبها الفرد ليكون فوق خط الفقر بحسب كل دولة، وترى الإحصاءات الرسمية في المملكة العربية السعودية متمثلة في وزارة الخدمات الاجتماعية أن خط الفقر في السعودية يعتبر 480 دولارا في الشهر، بينما يرى أحد اقتصاديي جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في دحران أن الحكومة جانبها الصواب في تلك النسبة، حيث يعتقد أن خط الفقر الحقيقي في المملكة يقع عند 533 دولارا شهريا، وأن كل من يتحصل على أقل من هذا الرقم يعتبر من فقراء مملكة الذهب الأسود.


مناطق تصارع الجوع

دائما، وكما في كل البلاد النامية تكون هناك تلك المدن التي تعاني التهميش المتعمد ليقع سكانها ضحايا الفقر والإهمال، كان للمدن السعودية نصيبها. ليس من الثروات الفائضة لتصدير النفط ولكن من الفقر والجوع، يختلف الأمر فقط عندما نعلم أن بعض تلك المدن تقع في حدود مدينتي الرياض وجدة أحد أكبر المدن في المملكة.

تشير دراسة ميدانية إلي أن أكثر من 60% من الأسر السعودية ﻻ تمتلك منازل خاصة بها وهو الأمر الغريب بالنسبة لدولة غنية

فيتركز الفقر بوجهه المرعب في مدن صغيرة مثل نجران وجيزان وعسير، حيث بلغت نسبة البطالة 40% في عام 2002، كما في المدن الكبيرة مثل الرياض التي تعاني فيها مناطق السويدي والجرادية والشميسي من الفقر المدقع، وفي جدة تصارع أحياء مثل الرويس والسلامة الجوع بعيدا عن أنظار الحكومة.

لا تتوقف الدهشة عند المستويات المرتفعة للفقر في أكبر مدن المملكة، لكن الأمور تزداد غرابتها عندما نشرت تلك الدراسات التي تؤكد وجود كارثة طويلة المدى في مجال الإسكان بالمملكة. حيث تشير دراسات ميدانية إلى أن أكثر من 60% من الأسر السعودية لا تمتلك منازل خاصة بها، وهو الأمر الغريب بالنسبة لدولة غنية. هذا الأمر دفع الحكومة السعودية للمسارعة في إنشاء مشروع «إسكان» الذي كان يهدف لإنشاء 500 ألف وحدة سكنية في المملكة في غضون 7 أشهر لمحاولة تدارك الأزمة.

على مستوى الوظائف، لم تكن الأمور أفضل حالا، بحسب الإحصاءات تمثل البطالة سببا رئيسا في مشكلة الفقر بالسعودية، حيث تقول الأرقام الرسمية إن نسبة البطالة تبلغ 11,7% بين الرجال، و32,8% بين النساء، بينما تجزم دراسات حرة أن نسبة البطالة الحقيقية تقع بين 27-29 % وتقفز إلى 33% بين الشباب في بداية العشرينيات و38% للشباب في النصف الثاني من العشرينيات.


الأقليات وسوء توزيع الثروة

لم تكن الحدود الجغرافية هي العامل الوحيد الذي يحدد مناطق الفقر ومناطق الثراء في خريطة توزيع الثروة في المملكة، كان البعد الديني والمذهبي عاملا فارقا في الأزمة، حيث تعاني الأقلية الشيعية في المملكة من سوء توزيع الثروة مقارنة بأصحاب المذهب السني الوهابي الشائع.

فتعتبر المنطقة الشرقية مثالا ناصع الوضوح، فعلى مستوى الثروات الطبيعية تعتبر أهم المناطق السعودية التي تمد المناطق السنية بالثروات الممتدة، أما على مستوى الإنشاءات والخدمات فتعتبر تلك المناطق التي تحتوي على أغلبية شيعية مثل القطيف، والحسا، أفقر مدن المملكة وأكثرها معاناة. يفسر هذا الوضع المتخصص في شئون الخليج، فريدريك ويري، بأن السبب الرئيس هو التوزيع غير العادل للمصادر الاقتصادية.

عندما أجبرت المملكة على الاعتراف بالمشكلة، صرح الأمير «سلطان بن سلمان» في إحدى المقابلات الصحفية بأن الحكومة السعودية قد أدركت حقيقية وجود مشكلة فقر في المجتمع السعودي، وأنها تعمل على الوفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين.

أحد محاور مواجهة المشكلة بالنسبة للحكومة هي صرف عدة مليارات من الدولارات سنويا لتوفير تعليم مجاني ورعاية صحية مجانية لكل المواطنين. كما تهتم الحكومة بتوفير بعض وسائل الرفاهية الاجتماعية مثل المعاشات التقاعدية والاستحقاقات الشهرية والفواتير الخاصة بحالات معينة من الفقراء والمسنين والمعوقين والأيتام ومصابي العمل.

في عام 2012، أعلن الملك السعودي عن خطة لصرف 37 مليار دولار للمساعدة في حل مشكلات الإسكان، وانخفاض الرواتب، وإعانات البطالة وبعض البرامج الأخرى، هذه المجهودات اعتبرت محاولة ملكية للتغلب على مشاكل الطبقة الوسطى في المجتمع السعودي، والتي بدأت في الظهر بعد ثورات الربيع العربي، عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

تؤكد الحكومة السعودية أن المستفيدين من خدمات الضمان الاجتماعي وفقًا لإحصاءات عام 2014 قد بلغ حوالي 800 ألف حالة. والحالة، كما وضحت الإحصائية هي العائلة أو الأسرة السعودية، ويبلغ متوسط الأسرة السعودية من 6 إلى 8 أشخاص 2012.


الإمارات وقطر.. نوافذ لعالم جديد، ووجه لا يراه أحد!

تعتبر قطر والإمارات من أغنى اقتصادات العالم في الوقت الحالي، وتعتمد الدولتين في الوقت الحالي بنسب كبيرة على إقتصاد النفط وسط خطط للخروج بالإقتصاد من حالة التبعية الكاملة لأسعار النفط نحو حلول مستقبلية، تضمن حالة من الاستقرار مبنية على تنويع مصار الدخل القومي وتشجيع السياحة والتجارة. على الناحية الأخرى، هناك وجه لا يراه أحد للدوحة ودبي. إنه الوجه المخزي في الحقيقية.

طبقا لبعض الإحصاءات الرسمية القطرية، يعيش 60% من السكان القطريين فيما تسميه الحكومة القطرية «معسكرات العمل»، ويبلغ عددهم حوالي 1,4 مليون فرد. تفتقر تلك المعسكرات للاحتياجات الأساسية للحياة الإنسانية.

يعيش كل هؤلاء في فقر مدقع، بعد التجاهل التام من الحكومة القطرية للأعداد الكبيرة من المهاجرين الذين هجروا بلدانهم الفقيرة للمساعدة في تطوير البنى التحتية لقطر استعدادا لكأس العالم 2022 آملين في تحقيق حياة كريمة لهم ولأسرهم، ليجدوا في المقابل الفقر والجوع والإهمال بانتظارهم.

قد لا يصدق الكثيرون أن الإمارات هي الأخرى، أحد أهم الوجهات الاستثمارية والسياحية في العالم، يعاني فيها الناس من الفقر والجوع. حيث تبلغ نسبة الفقر فيها بحسب بعض الدراسات بين 16,519,5%. صحيح أن معظم هؤلاء من غير المواطنين الإماراتيين، لكن مع ذلك لا يمكن إعفاء الحكومة الإماراتية من المسئولية تجاه هؤلاء الفقراء.


انخفاض أسعار النفط ومستقبل الفقر في دول الخليج

في عام 2012، أعلن الملك السعودي عن خطة لصرف 37 مليار دولار للمساعدة في حل مشكلات الإسكان، وانخفاض الرواتب، وإعانات البطالة

في عام 2015، حذر صندوق النقد الدولي، في لافتة خطيرة، إلى إمكانية تعرض المملكة العربية السعودية إلى الإفلاس بحلول عام 2020. وتوقع البنك الصندوق في تقريره تعرض الاقتصاد السعودي لأزمات طاحنة في الخمس السنوات التالية بسبب الصراعات الكبيرة والمستمرة في المنطقة من ناحية، وانخفاض أسعار النفط من ناحية أخرى، والتي يتوقع خبراء استمرار انخفاضها على المستوى القريب والمتوسط.

وكانت المملكة قد تعرضت لعجز في الموازنة في عام 2015 للمرة الأولى منذ 6 سنوات بسبب انخفاض أسعار النفط، حيث كانت مبيعات النفط تشكل 80% من عائدات المملكة، هذا الأمر دفع الحكومة إلى تخفيض الإنفاق وتأخر في مشاريع البنية التحتية.

في الوقت نفسه توقعت دراسات أخرى بازدياد الفقر والنقص الحاد في الوظائف بالمملكة في المستقبل القريب، حيث ستحتاج المملكة إلى توفير 1,5 مليون وظيفة بحلول عام 2030. بمقدمات بسيطة يمكن الاستنتاج أن كل دول الخليج الغنية بالموارد ربما تعاني من المشاكل نفسها.

أسباب هذه الأزمات المتوقعة عديدة، منها أن الدول الغنية بالموارد تكون عملتها قوية، مما يعوق صادراتها الأخرى. كما أن استخراج تلك الثروات يستلزم خلق فرص عمل قليلة، ويؤثر ذلك على مستوى البطالة. كما يتأثر النمو في تلك البلدان المعتمدة اقتصاديا على مواردها بأسعار الموارد المتقلبة بطبيعة الحال.