تبدأ يومك وأنت ما زلت على فراشك بإلقاء نظرة سريعة على فيسبوك وتويتر على الهاتف، بعدها بقليل تشاهد برنامجًا صباحيًا أثناء تناول الفطور، تتصفح الأخبار والبريد في طريقك للعمل، تعمل على حاسوب وأمامك بضع شاشات مع تصفح لجهازك الذكي بين الحين والآخر، تعود للمنزل مرهقًا لتقضي وقتًا قد يتجاوز الساعة على فيسبوك ويوتيوب على الفراش حتى تنام.

استخدام الشاشات أصبح جزءًا لا يتجزأ من عادتنا اليومية ولفترات طويلة للغاية، بين التلفاز والحاسوب والهاتف الذكي والحاسب اللوحي. وتشير الإحصائيات إلى أن الفرد البالغ الأمريكي يشاهد التلفاز بمتوسط 8 ساعات يوميًا، مع ثلث الأطفال يعيشون في منزل يعمل فيه التلفاز طوال اليوم، وحوالي 3 ساعات يوميًا بالنسبة للشباب في سن المراهقة، ونحن هنا نتحدث عن التلفاز فقط، وليس الشاشة الثانية التي ترافقك طوال اليوم، كالأجهزة الذكية مثلاً.

فاستخدام الهواتف الذكية الآن لم يعد فقط نشاطًا أساسيًا بمفرده، بل أصبح ممارسة جانبية أثناء القيام بمختلف المهام اليومية، 92% من المتسوقين يفتحون هاتفهم، 90% ممن يقضون وقت راحتهم، 89% ممن يشاهدون التلفاز، 85% أثناء مجالسة الأسرة والأصدقاء، 59% من سائقي السيارات، طبقًا لإحصائيات المستخدم الأمريكي في 2017.

لن نتحدث عن أرقام أخرى فهذا ليس الهدف، أنت تدرك هذا بالتأكيد من نمط استخدامك الشخصي، وربما أنت تقرأ هذا التقرير الآن على شاشة هاتفك الذكي أثناء مشاهدتك لمسلسل رمضاني تفضله. أريد أن أتحدث هنا عن المخاطر المرتبطة بمشاهدة الشاشة أيًا كان نوعها لساعات طويلة طوال اليوم، تحديدًا المشاهدة الليلية، وتحديدًا أكثر الضوء المائل للون الأزرق بدرجاته.


الضوء الأزرق!

أبحاث عديدة جرت وأبحاث أخرى ما زالت تدرس الأضرار المباشرة للنظر للشاشات بشكل على الإنسان. فقد وجد أن هناك علاقة إحصائية بين حالات العنف والإدمان ومشاكل الأداء الجنسي والسمنة وضعف التحصيل المدرسي ومشاكل واضطرابات النوم. لكن هذه العلاقات الإحصائية ليس لها رابط سببي مباشر بين مشاهدة التلفاز وبينها، بل إنها غالبًا نتيجة عادات سيئة متعلقة بنشاطنا أثناء مشاهدة المحتوى المعروض وتفاعلنا معه، وكذلك بسبب تضييع الكثير من الوقت وتناول الكثير من الطعام غير الصحي مع شبه انعدام للنشاط البدني والرياضة كذلك.

الآن سأتحدث عن نقطة محددة للغاية؛ الضوء الأزرق، الموجات الزرقاء من الضوء المرئي، الأكثر توهجًا، والصادر عن الشاشات كما المصابيح النيون واللافتات الإعلانية العملاقة وكل مصدر ضوء صناعي يعمل ليلاً تقريبًا.

كلما قمنا بأبحاث أكثر، كلما ظهرت أدلة أكثر على أن الضوء الصناعي ليلاً له أثر قوي ومؤذٍ على جوانب مختلفة من صحة الإنسان، هذه مسألة تستحق القلق.

البروفيسور «تشارلز كيزلر»، مشرف قسم «طب النوم – sleep medicine» في كلية الطب بهارفارد.

في اليوم الطبيعي قديمًا، وقبل اختراع الأضواء الحديثة وانتشار الشاشات، كان الإنسان يتعرض نهارًا لضوء الشمس الأبيض الطبيعي، والذي يحتوي في طيفه على ضوء أزرق له أثر هام على النشاط النهاري وزيادة التركيز والتنبه. وكان مصدر الضوء الليلي هو النيران والشموع والمصابيح الزيتية التي تصدر ضوءًا أصفر اللون، مع غلبة الظلام على مختلف الأنحاء.

اختلف هذا تمامًا الآن مع انتشار الضوء الأزرق الذي يحاكي ضوء الشمس في بياضه وتوهجه، في الشاشات ومصابيح الشوارع والبيوت. و أثبتت الأبحاث أن لهذا الضوء الأزرق تأثير سلبي على الساعة البيولوجية ودورة النوم الطبيعية لدى الإنسان. لم تأتِ الأبحاث بسبب واضح حتى الآن عن هذا الأثر أو محدوديته، لكن تؤكد أن العلاقة السيئة تحتاج لأفعال قاطعة تمنع هذا الأثر، لا الانتظار حتى يتأكد السبب.

وفي مقال نشرته جامعة هارفارد، يقول إن بعض الدراسات أكدت وجود علاقة بين اضطراب الساعة البيولوجية الذي يسببه الضوء الأزرق مع زيادة معدلات اضطرابات النوم، وربما الإصابة بالسرطان وأمراض القلب والبول السكري والسمنة، مع عدم وجود أي تأكيد بأن الضوء الأزرق نفسه سبب مباشر لهذه الأمراض (وأؤكد بشدة على هذه النقطة).

الأكيد الوحيد حتى الآن هو أن الضوء الأزرق يؤثر على الهرمونات المتحكمة في الساعة البيولوجية مثل «الميلاتونين – melatonin»، ولهذا فالضوء القوي والضوء الأزرق ليلاً سبب هام في عدم حصولك على نوم كافٍ، واستيقاظك من النوم مرهقًا بكل ما يسببه النوم المرهق من أثر على باقي نشاط يومك. لهذا قامت ناسا -مثلاً- باستبدال جميع أضواء محطة الفضاء الدولية لأضواء تضبط شدة إضاءتها ولونها حسب أوقات الاستيقاظ والنوم في المحطة.

الضوء الأزرق يعني لجسدك أنك في بداية اليوم، بداية النشاط، كأنك ترى ضوء النهار والشمس، تخيل أنك تتعرض له في نهاية يومك المرهق وقبل النوم لساعات من مصباح غرفتك النيون، وشاشة حاسوبك وهاتفك وتلفازك، الكثير من الأبحاث تقول هذا، لا بد من وجود حل.


الحلول سهلة

الهدف هو الإقلال من الضوء الأزرق حسب مصادره، ولهذا فهناك بعض النصائح العامة مع بعض التطبيقات للهاتف والحاسوب سنقوم باستخدامها أيضًا.

بشكل عام، يبنغي أن تتعرض لضوء قوي من الشمس نهارًا (لا يحبذ أن يكون مباشرًا بالتأكيد)، أو مصدر صناعي لضوء أبيض قوي في العمل، هذا هام جدًا لزيادة نشاط يومك وتحسين حالتك المعنوية طوال اليوم، وهو ما لا نجده عادة في أغلب بيئات العمل المكتبية المغلقة والتي تعتمد عادة على إضاءة «ليد – LED» أو نيون ضعيفة.

كذلك ينبغي أن تبدأ في تغيير مصابيح منزلك لمصابيح «ليد – LED» صفراء تستخدمها ليلاً، وقد أصبحت متوفرة بسهولة في كل مكان الآن، يجب كذلك أن تغير من نشاطك الليلي فلا تشاهد التلفاز ولا فيسبوك ولا تستخدم الحاسوب في الساعتين قبل النوم مثلاً، اخرج للبلكونة قليلاً أو اقرأ كتابًا أو مارس القليل من الرياضة الخفيفة كالمشي السريع أو الهرولة كبديل لفيسبوك وتويتر قبل النوم.

يجب كذلك أن تغير وضع إضاءة شاشة التلفاز ليلاً لتكون هادئة/ليلية، هناك أوضاع مضبطة بشكل مسبق على كل الأجهزة الجديدة بالفعل فاستخدمها.

ولو اعتبرت هذه حلولاً غير عملية نظرًا لكون عملك يستلزم منك مجالسة الحاسوب أو الهاتف أو استخدام الشبكات الاجتماعية طوال الليل، ننتقل للحل الثاني وهو استخدام تطبيقات للحاسوب والهواتف الذكية تقلل من الضوء الأزرق وتجعل الشاشة تميل أكثر للأزرق الهاتف.

F.lux

تطبيق «F..lux» ربما كان أهم تطبيق يجب أن يتواجد على حاسوبك، وهو متوفر لنظام ويندوز وماك ولينوكس. يقوم «F..lux» بحساب عدد ساعات النهار والليل حسب مدينتك، ويحدد أوقات الشروق والغروب، ثم يضبط إضاءة شاشة الحاسوب بشكل تلقائي لتتغير بشكل سلس من الضوء الأبيض المتوهج للضوء الأصفر الهادئ المريح للعين ليلاً. يمكّنك التطبيق كذلك من تغيير درجة اللون الأصفر لتصبح مريحة لك. شخصيًا أستخدم هذا البرنامج وأجد معه راحة كبيرة جدًا لعيني مع الاستخدام الليلي للحاسوب.

في الهاتف الذكي ستجد أن أغلب مصنعي الهواتف الآن يضيفون وضع «مريح/ليلي» لأنماط إضاءة الشاشة في إعدادات الهاتف، واستخدامه يقلل كثيرًا من الضوء الأزرق، قم بتفعيله فورًا. لكن إن لم يكن هاتفك به هذا الوضع، يمكنك تحميل بعض التطبيقات التي تقوم بالمهمة بسهولة كذلك.

أندرويد:

قم بتجربة تطبيقات مثل «Twilight» أو تطبيق «CF.lumen» أو حتى «F..lux» لأندرويد بعد كسر حماية النظام والحصول على صلاحية روت.

أما iOS:

تطبيقات, F.lux, راحة العين, أضواء الشاشة
استخدم خاصية «Night Shift» والتي أضافتها أبل في نظامها من «iOS 9.3» والأحدث منه، وطريقة تفعيلها من هنا.

جرب هذه النصائح لبضعة أيام مع تغيير درجة إضاءة كل الشاشات التي تستخدمها وتخفيف الضوء ليلاً في المنزل أو استخدام الضوء الأصفر، وعد لنا لتخبرنا عن راحتك في النوم.