محتوى مترجم
المصدر
aeon
التاريخ
2017/04/14
الكاتب
مانوس تساكيريس

إذا ما كنت أسود البشرة في الولايات المتحدة، فأنت أكثر عرضة مرتين من شخص أبيض البشرة لأن تكون غير مسلح إذا ما قُتلت على يد الشرطة. لماذا؟ بالطبع هناك تأثير للتصنيف العرقي، لكن الآلية النفسية ما زالت غير مفهومة بدقة.

تُظهر التحقيقات في حوادث إطلاق الشرطة الرصاص أن ضباط الشرطة، غالبًا، ما يستوعبون الهواتف المحمولة وأغراضًا أخرى لا تمثل تهديدًا في أيدي الأشخاص ذي الخلفيات العرقية كأسلحة. فهل يسيء الشرطيون تفسير ما يرونه، أم إنهم يرون بالفعل مسدسًا حيثما لا يوجد واحد؟

إذا ما كنت أسود البشرة في الولايات المتحدة، فأنت أكثر عرضة مرتين من شخص أبيض البشرة لأن تكون غير مسلح إذا ما قُتلت على يد الشرطة

يعزو التفسير النفسي الكلاسيكي هذه الأخطاء إلى فشل السيطرة الوظيفية failure of executive control، تحت تأثير التعرض لحافز خارجي. تحدث المشكلة نتيجة عدم قدرة المخ على حل الصراع بين صورة نمطية تُفعل تلقائيًا وإيمان واع بالمساواة بين البشر. يُمكن أن تفعل رؤية وجه أسود البشرة، تلقائيًا، الصورة النمطية أن الرجال سُود البشرة أكثر خطورة، مؤدية إلى تنشيط مناطق في المخ متورطة في استجابات الخوف.

يمكن أن تتسبب هذه الاستجابات التلقائية في إثارة رد فعل المُحاربة أو الفرار fight-or-flight، لكنه من المفترض أن يُثبط إذا ما كان الخوف غير عقلاني. لكن التوتر مابين العمليات التلقائية والخاضعة للسيطرة لا يُحل، دائمًا بسرعة ويسر، مما ينتج عنه أخطاء.

تتحدى الأبحاث الجديدة في مجالات علم النفس والعلوم العصبية وفلسفة العقل هذه النظرية التقليدية المؤمنة بمركزية المخ. يركز باحثو «المعرفة التجسدية Embodied cognition»، بدلًا عن ذلك، على التواكل المتبادل بين المخ والعمليات الفسيولوجية التي تسمح للكائن العضوي بالحفاظ على بقائه. يُفهم العقل، من خلال وجهة النظر هذه، كمدموج في الجسد، والجسد كمدموج في بيئة حسية واجتماعية وحضارية.

فالواقع لا يوجد خارجنا كمفهوم مُصمت، لكنه يُدرك من خلال التقلبات المستمرة لمادتنا العضوية. كما كتب الفيلسوف الفرنسي موريس ميرلو بونتي في علم ظواهر الإدراك الحسي (Phenomenology of Perception 1945): «الجسد هو وسطنا العام لإدراك العالم».

ازدادت بين باحثي العلوم العصبية شعبية الاعتقاد أن المخ ليس مجرد عضو سلبي، يستقبل المؤثرات ويتفاعل معها، لكنه آلة استدلالية inference machine، تحاول بشكل فعال «توقع» ما يدور خارجه وما سيحدث، مما يضخم من فرص البقاء على قيد الحياة. لكن الجسد لا يخضع، ببساطة، للسيطرة من أعلى لأسفل Top-Down.

لكن على الأحرى، تختلط إشاراته، باستمرار، مع استدلالات المخ، لتُخَلّق إدراكنا للعالم. تصور أنك تسمع صوت صفق الباب: تزداد احتمالية أن تتخيل دخيلًا، في تلك اللحظة، إذا ما كنت تشاهد فيلمًا مخيفًا، عما إذا كنت تستمع لموسيقى هادئة. فأنت وصلت لهذا الاستنتاج (رغم كونه مستبعدًا في الأحوال العادية) لأنه يتضمن تفسيرًا لمعدل ضربات قلبك المتسارع وصفق الباب.

ما زلنا لا نعرف إلا أقل القليل حول الرابط بين تلك العمليات وظاهرة التعصب، لكننا الآن على الأقل لدينا فكرة عن أين يجب علينا البحث. فإذا ما صحت نظرية تنبؤية السلوك البشري، حينها تبدو فكرة الإدراك الحسي، بما في ذلك حوادث إطلاق الشرطة للنيران، أقرب كثيرًا للتصديق، وأكثر تحققًا عما اعتدنا اعتقاده.

تسلط الدراسات الحديثة الضوء على تأثير الإشارات الجسدية visceral signals على العديد من الميادين، بداية من المعالجة العاطفية، وصناعة القرار وحتى الوعي بالذات. فعلى سبيل المثال، تُقدّر المحفزات المخيفة كأكثر إثارة للفزع إذا ما وقعت أثناء ضربات القلب عما إذا وقعت بين ضربات القلب.

إذا ما تلقي المخ إشارات بارتفاع معدل ضربات القلب، سيولد توقعات عن الأسباب المحتملة، وما يجب فعله لتخفيف حدة التوتر

قررنا، بمعملي بكلية رويال هولواي، جامعة لندن، اختبار ما إذا كانت الدورة القلبية تستطيع إحداث فرق في التعبير عن التمييز العرقي. فالقلب يُطلع المخ باستمرار، على مستويات «الإثارة» الإجمالية للجسد، مما يسمح له بأن يكون في تناغم مع ما يدور حوله. أثناء ضربة القلب، تقوم المجسات المعروفة بمُستَقبلات الضغط الشريانية arterial baroreceptors بالتقاط تغيرات الضغط بجدار القلب، وإطلاق إخباريات إلى المخ، تخمدُ تلك المُستَقبلات بين ضربات القلب.

تُشفر هذه البيانات، مبدئيًا، بجذع المخ، قبل أن تصل إلى الأجزاء المختصة بالسلوك العاطفي والتحفيزي. يحاول المخ، بالمقابل، أن يساعد الكائن العضوي على حفظ استقرار نفسه.

إذا ما تلقى المخ إشارات بارتفاع معدل ضربات القلب، سيولد المخ توقعات عن الأسباب المُحتملة، وما على الكائن العضوي فعله ليخفض نفسه من تلك الحالة شديدة التوتر. يُشكّل حوار القلب-المخ المستمر الأساس لكيف يمثل المخ الجسد، ويخلق وعيه بالبيئة الخارجية.

استخدمنا، في تجربتنا، ما يُعرف بمهمة تصويب منظور الشخص الأول first person shooter task، الذي يُحاكي الأحكام الخاطفة التي يضطر الشرطيون إلى إصدارها. يرى المشاركون رجلاً أبيض البشرة أو أسودها ممسكًا بسلاح ناري أو هاتف محمول، وعليهم اتخاذ قرار إطلاق النيران أولا بناءً على مستوى التهديد المُدرك. كان المشاركون، في الدراسات السابقة، أكثر قابلية، بشكل ملحوظ، لإطلاق النار على شخص غير مسلح إذا ما كان أسود البشرة عما إذا كان أبيضها.

لكننا قمنا بضبط وقت المحفّزات لتقع إما بين أو أثناء ضربة القلب. من اللافت للنظر، وقوع غالبية أخطاء التّعرّف عندما ظهر شخص أسود البشرة بالتزامن مع ضربة قلب. حينها، ارتفعت الأرقام الإيجابية الخاطئة false positives حينما أُدركت الهواتف المحمولة خطأً كأسلحة نارية بنسبة عشرة بالمائة مقارنة بالمتوسط.

استخدمنا مايعرف بمهمة تحديد الأسلحة weapons identification task، خلال نسخة مختلفة من الاختبار، حيث يرى المشاركون وجها أبيض البشرة أو أسودها، يتبعه صورة سلاح ناري أو أداة، ويكون عليه تصنيف ماهية الغرض بأسرع ما يمكن. ارتفعت الأخطاء، عندما عُرِضَت الأغراض عديمة الأذى بعد وجه أسود البشرة بالتزامن مع ضربة قلب، بنسبة عشرين بالمائة.

لكن في الاختبارين، لم نلاحظ أي اختلاف في دقة المشاركين، عندما اُتخذ القرار «بين» ضربات القلب، سواء كانوا يستجيبون لوجه أبيض البشرة أو أسودها. يبدو أن الجمع بين إطلاق الإشارات من القلب للمخ وعرض صورة نمطية توحي بالتهديد، زاد احتماليات التعرف على غرض عديم مؤذ، خطأً، كمصدر خطر.

يجب اعتبار التفكير في التحيز العنصري ليس فقط كحالة وعادة عقلية، أو حتى نمط ثقافي منتشر، بل كعملية تتأثر بمد وجزر حالة الجسد الفسيولوجية

من المثير للدهشة أن التفكير في التحيز العنصري ليس فقط كحالة وعادة عقلية، أو حتى نمط ثقافي منتشر، بل كعملية تتأثر بمد وجزر حالة الجسد الفسيولوجية. حيث يلعب حوار القلب-المخ دورًا حَيويًا في تنظيم ضغط الدم ومعدل ضربات القلب ،بالإضافة إلى تحفيز ودعم السلوك التكيفي ردًا على المتغيرات الخارجية.

تُهيئ التغيرات في وظائف الجهاز القلبي الوعائي cardiovascular، أثناء رد فعل المُحاربة أو الفرار fight-or-flight، الكائن العضوي للأفعال اللاحقة. على الرغم من قيام المخ بدور تنبؤي، إلا أن أحيانًا ما تخطئ تلك التنبؤات. ما تظهره نتائج أبحاثنا يُبين إلى أي حد تستطيع الصور النمطية العرقية السيطرة على آليات عضوية، تطورت في الأساس لحمايتنا من تهديدات فعلية.

صاغت ليزا باريت فلدمان، إخصائية علم النفس بجامعة نورث إيسترن ببوسطن، مُصطَلَح الواقعية العاطفية affective realism لتصف كيف يُدرك المخ العالم من خلال الجسد. من ناحية، هناك سبب للتفاؤل: إذا ما استطعنا فهم الآليات العصبية خلف التحيز العنصري بشكل أفضل، ربما سنكون مجهزين حينها بشكل أفضل لتصحيحه.

لكن هناك جانبا مظلما، أيضًا، لهذا التحليل. هياكل القمع التي تُشكل هويتنا، تُشكل أيضًا أجسادنا، وربما حتى معظم مداركنا الأساسية. ربما لم نخطئ تّعرّف الهاتف المحمول على أنه سلاح ناري، بل رأينا بالفعل سلاحًا ناريًا بدلًا عن هاتف محمول. ربما لا يكون التمييز العنصري ما تستطيع المجتمعات تخطيه ببساطة عن طريق روايات جديدة ورسائل سياسية تقدمية. ربما يتطلب الأمر صيغة أكثر جذرية من إعادة التأهيل النفسي، لجعل واقعنا المتجسد أكثر تماهيًا مع معتقداتنا الواعية.