يجلس براندان، المراهق ابن التاسعة عشر ربيعًا، على مكتبه منهمكًا في إعداد الحلقة الجديدة من بودكاست أطلقه خصيصًا من أجل إلهام الشباب في عالم ريادة الأعمال، يستضيف فيه نماذج من الشباب الواعد الذين أسسوا أعمالهم الخاصة للحديث عن تجاربهم الشخصية والمعوقات التي واجهتهم والدروس المستفادة والنصائح التي يستطيعون تقديمها لأي شاب يطمح في تأسيس عمله الخاص.

«حدثنا عن حياتك كرائد أعمال.. ما أول عمل بدأته؟» جملة كثيرًا ما تكررت على لسان مُضيف الـ«بودكاست»، ولكن ذلك الشاب المُثابر الذي يحاور رواد الأعمال ليرووا قصص نجاحهم في أعمالهم المختلفة، هو نفسه صاحب قصة مُلهمة تصلح لأن تكون حلقة في سلسلة برنامجه All Up in Ur Business، بعد أن بدأ برندان كوكس أعماله فقط في سن التاسعة.

قصة نجاح كوكس يرويها جورج ديب، وهو مؤلف كتاب 101 Startup Lessons–An Entrepreneur’s Handbook وشريك إداري في شركة Red Rocket Ventures، وهي معنية بالاستشارات المقدمة للشركات الناشئة لمساعدتها على النمو، والذي سرد في مقالات سابقة كتبها كيف أن بعض الأطفال في أعمار صغيرة كالمرحلة الابتدائية يكون لديهم قدرة فريدة من نوعها على اكتساب وتعلم مهارات تجارية معقدة،برندان كوكس هو التعريف الحرفي لتلك الحالة.

يرمي ديب من وراء الحديث عن تجربة كوكس، إلى تسليط الضوء على بعض من دروس بدء التشغيل الرئيسية التي تعلمها وطبقها في رحلته القصيرة والممتدة إلى اليوم في عالم ريادة الأعمال.

10 مشاريع مختلفة.. تغيرت الأعمال وبقي شغف برندان ينمو ويكبر

لم يكن برندان طفلًا تقليديًا كمن في مثل سنه في المرحلة الابتدائية بالمدرسة، لم تستهوه الأنشطة المعتادة كلعب الكرة أو ألعاب الفيديو ووجدها مملة، فكان طفلًا مبدعًا يميل إلى الانطواء كما ملأه الحماس للنجاح في الأعمال التجارية، فاتجه في سن مبكرة إلى إيجاد طرق تمكنه من كسب المال وتحريك بذرة رائد الأعمال الكامنة بداخله.

ولع برندان بإعدادات موسيقى الـ DJ، كان مصدر الإلهام الرئيسي له والذي قاده إلى تأسيس أول أعماله في سن 9 سنوات، وهي شركة DJ بدأها بمفرده بعد أن تعلم كيفية مزج الموسيقى وصنع مقطوعات عن طريق فيديوهات YouTube، وهو ما أبان عن استعداده التام لتعلم الأعمال بشغف وإصرار، فكانت المكافأة من والديه بمساعدته وتمويل معداته اللازمة للعمل كهدية في أعياد الميلاد وذلك بعد أن أقنعهما بعرض ناجح لمشروعه، بعدها واصل برندان التقدم في خطته وصمم بطاقات العمل ونشرات الإعلان والمنشورات الترويجية، كما استثمر أرباحه في شراء معدات إضافية وأدوات إضاءة، معدات للشركة صممها بنفسه، بالإضافة إلى استقدام أول عضو في فريقه.

كل ذلك الحماس الذي بدأ به برندان أعماله، سرعان ما خفت بوصول رائد الأعمال الصغير إلى المرحلة الإعدادية، فحول بوصلة شغفه إلى مجال آخر بعيدًا عن مجال التسلية والترفيه، وبدأ عدة أعمال خلال تلك السنوات بين بيع أغطية الهواتف المحمولة، أعمال التصميم والجرافيك، شركة لإدارة وسائل التواصل الاجتماعي، أعمال وظائف المراهقين المساعدة للسكان، وصولًا إلى إنشاء بودكاست متخصص لرواد الأعمال All Up in Ur Business.

برندان كوكس مع 3 من مساعديه في مشروعه Teen Assistant
برندان كوكس مع 3 من مساعديه في مشروعه Teen Assistant

هل أُثارت عزيمة برندان كوكس إعجابك؟ حسنًا إليك الدروس الخمسة التي قد يستلهم منها رواد الأعمال الطموحون في سن المدرسة تجربتهم، وذلك من واقع قصة نجاح برندان.

5 رواد أعمال مراهقين سيقتحموا نادي المليونيرات في المستقبل القريب

1- والداك في الأغلب هم أول مستثمرين في مشروعك.. احرص على جعلهما فخورين

قرض قيمته 900 دولار، كان هو حجر الأساس الذي بنى فوقه برندان إمبراطورية أعماله الصغيرة، ولكن حتى الحصول على ذلك المبلغ – الذي يبدو ضئيلًا – من والديه لم يكن بالسهولة التي يتوقعها البعض، فيحكي برندان عن ذلك: كنت في سن 13 عامًا وليس لدى خبرات تذكر في دنيا الأعمال، كنت أحتاج لإقناع والدي بأحقيتي في نيل ثقتهما لإقراضي من مالهما الخاص، فقمت بتقديم عرض لعملي على PowerPoint شرحت خلاله كافة تفاصيل خطتي للعمل الذي أنوي بدأه، أمور مثل كيفية إنفاق المال وخطوات استثماره بعد ذلك وغيرها من التفاصيل.

عرض خطتك ومشاركة أفكارك مع الآخرين في الأغلب يكون هو أقصر وأنجح طريقة لتحظى بدعمهم وبخاصة أبواك، فليس لمجرد أنك نجلهما يصبح لزامًا عليهما أن يعطياك أموالهما التي عانيا الأمرين لجنيها.

2- كيف تجعل العميل يأخذ طفلًا مراهقًا على محمل الجد؟

أصعب ما يواجهه رائد الأعمال في مثل سن برندان، ألا يتم التعامل معه على قدر عال من الاحترام والتقدير، فالبالغون ينظرون إليك بشيء من الانتقاص لقدراتك ومهاراتك في العمل، وعن ذلك يقول برندان: هم يعتقدون أنك غير قادر على الوفاء بعملك بالصورة المثلى، فدائمًا ما كان يطلب العملاء خدمات مخفضة مقارنة بمنافسين لنا يقدمون نفس خدماتنا، ولكني كنت صلبًا في التعامل ولم أقبل بخفض الأسعار لمجرد أني طفل مراهق، فحافظت على اسمي وقيمة شركتي والذي انعكس بعد ذلك في ثقة عملائنا الذين كانوا يدفعون أسعارنا دون مشاكل بعد أن بنيت سمعة جيدة.

يواصل برندان: مع الوقت استطعت تقليل عدد المواقف التي يحاول فيها العملاء مناقشة الخدمات التي أقدمها ومحاولة خفض أسعارها، بعد ما تعلمت كيفية التخاطب والكتابة بأسلوب تطغى عليه الاحترافية في العمل، ولذلك أنصح رائد الأعمال الذي لا يعرف كيف يتصرف في موقف ما أن يراجع نماذج احترافية وتمرن عليها ثم خصصها لنفسك لتتعامل بها مستقبلًا، ولكن احرص على إكمال ذلك بنبرة الثقة التي تغلف كلماتك، فهي الأساس لطمأنة عملائك بالخبرة وجودة الخدمة التي تقدمها.

3- معضلة الدراسة والعمل.. كيف تقسم وقتك بينهما بنجاح؟

النجاح في عملك توازيا مع التزامك الدراسي ومواصلتك في المدرسة بصورة جيدة ليس بالأمر الهين، ويحتاج لحكمة في التعامل وتقسيم الوقت بالشكل الأمثل بين الدراسة والعمل، برندان من جانبه كان يستغل كل لحظة بعيدًا عن وقت الدراسة في إتمام أعماله، فيقول: قسم وقت يومك وضع جدولًا أو تقويمًا يشمل كافة تفاصيل اليوم لتستطيع تنظيم وقتك وإنجاز كافة مهامك، كنت أستغل وقت الغداء والراحة في المدرسة للرد على عملائي أو إضافة منشورات دعائية على Facebook لجذب مزيد من العملاء، أيضًا اعمل على تقليل الأوقات اليومية التي تضيع هباءا دون طائل، وأبرز مثال هو الوقت الذي يمضيه كثير من الأطفال على منصات التواصل الاجتماعي والذي يمتد لساعات، إن كنت جادًا ومخلصًا لمشروعك استغل ذلك الوقت في تعزيز أعمالك.

أيضًا، احرص على الشفافية مع معلميك في المدرسة بإطلاعهم على ظروفك ونشاطك الخارجي، ولا تتردد في طلب مساعدتهم عندما تحتاج لها، سيكون كثير منهم منفتحًا لمد يد العون إليك بل وتمديد موعد تسليماتك ما دام لديك السبب الوجيه الذي يقنعهم بمنحك تلك الاستثناءات.

كيف تصبح ناجحا كرائد أعمال مراهق؟

4- صورتك الذهنية على منصات التواصل تضفي الاحترافية على عملك

الاحترافية هي العامل الأهم في رسم الصورة الذهنية لعملك، وبسبب افتقادها في كثير من الأحيان يؤدي ذلك لفشل العديد من الشركات، وعن ذلك يشرح برندان: كمراهق لتستطيع إجبار العملاء على تقديرك والتعامل معك بجدية، يجب عليك أن تجعل صورتك الذهنية احترافية، فقبل أن يُقدم أحد على التعامل مع شركة يبحث العميل عن معلومات تخص مالك الشركة، وهو الأمر الذي أصبح سهلًا اليوم لأن الجميع موجود بالفعل على منصات التواصل الاجتماعي، الصورة التي يكونها العميل عنك وقتها قد تكون عاملًا حاسمًا لصفقة عمل.

اضطررت إلى التغيير من كوني مراهقًا عاديًا لأصبح مراهقًا محترفًا، وذلك عبر كافة حساباتي في منصات التواصل الاجتماعي، قد يبدو الأمر قاسيًا بعض الشيء ولكنه ما يجب عليك فعله من أجل عملك، بدلًا من رفع صورة احترافية مرحة قم بنشر محتوى متعلق بعملي، كل تلك التفاصيل الصغيرة تصنع الفارق وقد ترسم نجاح أو فشل رائد الأعمال المراهق.

5- بناء علاقة الثقة مع موظفيك أساس نجاحك كمدير مراهق

بناء علاقة جيدة تسودها المشاعر الطيبة والاحترام مع موظفيك هو أمر لا غنى عنه في أي عمل، وتزداد أهميته في العمل الذي يديره مراهق، ويروي برندان تجربته في ذلك الشق: إذا كنت سندًا لموظفيك حتمًا سيردون لك ذلك بالمثل، أتذكر موقفًا لأحد المساعدين لي وهو شاب مراهق كان يعمل لمدة 6 ساعات في نقل أشياء لشقة في مبنى بخمس درجات من السلالم وكان المصعد معطلًا، مع قرب انتهائه من العمل حاولت السيدة الهروب وعدم دفع ثمن النقلة، وقتها تحملت الموقف كما يجب أن يتحمله أي صاحب عمل، فلم أكتفي بخسارة المال الذي لم أجنِه من ذلك العمل، بل دفعت أيضًا لمساعدي 120 دولارًا من جيبي الخاص لتغطية مقابل مجهوده الذي كان يفترض على السيدة دفعه.

ويختم برندان: ما ستفعله مع موظفيك من مواقف ومعاملات سيعود عليك في عملك، أفضل الملاحظات والمراجعات عليك ستأتي من خلال موظفيك، معاملتهم جيدًا هي أساس كل شيء، وستلمس ذلك بنفسك مترجمًا على أرض الواقع في صورة نجاح مبهر لعملك.

بعد تلك الدروس.. ماذا تنتظر لإنشاء مشروعك الخاص؟

قد يبدو لك من الوهلة الأولى أنه من الصعب أن تحظى بمسيرة أعمال ناجحة في وقت قصير كتلك التي حظي بها برندان، كذلك يظن الجميع في البداية: «إنها تجربة استثنائية لن تتكرر مع الجميع».. جملة يرددها المُحبَطون من حولك قد تتسرب إلى داخلك وتسيطر عليك لتبق مكانك دون حتى المحاولة، أو قد تختار البدء واستلهام تجربة برندان كوكس ووضعها نُصب عينيك لتحقيق حلمك المنشود وبدء عملك الخاص.. ابتهج وثق في نفسك فذلك المراهق الأمريكي لم يكن في فمه يومًا ملعقة من ذهب، ولكن انظر إلى حاله وأين يقف اليوم بمجهوده وإصراره.. لا معيار معينًا للنجاح فقط حدد هدفك واسع وراء تحقيقه مملوءًا بالشغف والإصرار، حينها فقط حتمًا سيكون النجاح حليفك.